الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى نصب أول خيمة

سعيد البيلال

2011 / 10 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


بعد أيام ستحل علينا الذكرى السنوية الأولى لحدث نصب أول خيمة في منطقة " أكديم إزيك" الواقعة شرق مدينة العيون المحتلة والمصادفة ليوم العاشر من أكتوبر، تلك الخيمة التي كانت في أول الأمر مجرد " إجراء احتجاجي عادي" نظمه نفر من الشباب الصحراوي ضدا على سياسات الاحتلال التفقيرية والتجويعية واستنزاف خيرات أرضهم أمام أعينهم، تلك الخيمة التي كانت في البدء يتيمة ووحيدة وشامة بيضاء تزين وجه الأرض القاحلة، سرعان ما أضحت مكة النازحين ومقصد المظلومين وقبلة المهمشين وشامة الوطن كله... ونواة من قماش نبتت حولها ثمانية آلاف خيمة بسرعة كالفطر، لتصبح تلك المنطقة الجرداء بين ليلة وثلاثين ليلة " لوحة من خيام" رسمت بريشة التحدي وبألوان الصمود وبأنامل سمراء مدربة على رسم شارة النصر... بل أضحت في غفلة من دولة الاحتلال الغاشم " وطن من خيام" دق الصحراويين أركانه في أناء الليل وتدا وتدا وبنوه خيمة خيمة... وطن يسكن فيهم في انتظار أن يسكنوا هم فيه، وطن خال من المستوطنين وأشباههم... من الخونة والمرتزقة وأذنابهم... ومن المتحولين والمنبطحين وأزلامهم... نعم فالصحراويون حين يشيدون " وطن الخيام" في انتظار " وطن الاستقلال"... يكون " وطنا صافيا " خالي من الشوائب.. من العيوب... ومن الطفيليات... فخيامنا البيضاء لا تقبل أبدا أن تلطخ بالبقع السوداء...!!
بعد أيام ستمر سنة على نصب أول خيمة مهدت لتشييد مخيم قائم بذاته، قوامه آلاف النازحين والخيام، وعمره ثلاثون يوما، كأكبر " تجمع احتجاجي" فريد من نوعه لم يعرفه العالم من قبل، وكقيمة صحراوية مضافة للإنسانية وللأساليب الاحتجاجية وللمقاومة المدنية والمنهج اللاعنفي، وكفصل آخر من فصول انتفاضة الاستقلال التي عودتنا منذ تفجرها على الابتكار والتفنن والإبداع.
هذا الشكل الفريد الذي كان بمثابة رصاصة الرحمة التي أطلقها الصحراويين على الأسطوانات المشروخة لآلة الاحتلال الدعائية التي لطالما روجت سياسيا لمقولات " وحدوية الصحراويين" و " تمسكهم بمغربيتهم" و" ولائهم للقصر" و" بيعتهم للعرش" و" تشبثهم بالوحدة الترابية للمملكة"...، واقتصاديا لإدعاءات " إعمار الأقاليم الجنوبية" و" تنميتها وإقلاعها اقتصاديا" و" إلحاقها بالركب" و" إيلاء عناية خاصة وأنظمة تحفيزية وتفضيلية للصحراويين" و" عيشهم في بحبوحة "...، واجتماعيا لمزاعم " انخراطهم واندماجهم" في النسيج المغربي و" اختلاطهم وذوبانهم وتكيفهم" مع إخوتهم المغاربة...، كل ذلك ذاب في " حمض الملحمة" حين بدأت تطرح العديد من الأسئلة من قبيل:
- كيف للصحراويين الهرب من المدن نحو مناطق نائية وجرداء إن كانوا فعلا في بحبوحة من العيش...؟
- أين هي " جنات الفردوس" و" أوراش التنمية " من هؤلاء الذين نزحوا بسبب الفقر والجوع والتهميش وتغول الاستيطان...؟
- إن كان النازحين فعلا هم مواطنين مغاربة، فبماذا يفسر رفضهم السماح للمسؤولين المغاربة بالولوج للمخيم...؟
- إن كانت خلفية الاحتجاج فقط هي اجتماعية، فكيف أنه لا يوجد مستوطن مغربي واحد في مخيم يضم أكثر من عشرين ألف نازح صحراوي..؟
- بماذا يفسر رفض النازحين التعامل مع كل وسائل الإعلام المغربية في مقابل التغطية الفريدة للإعلام الوطني الصحراوي والدولي وخاصة الاسباني لتفاصيل ويوميات النزوح...؟
- إن كان المخيم مجرد شكل احتجاجي مغربي... فلماذا لم ينصب علم مغربي واحد فوق خيمة واحدة من أصل ثمانية آلاف خيمة..؟
هذه فقط بعض الأسئلة التي تتبادر لأذهان الجميع والتي تكشف عن زيف الادعاءات المغربية التي سقطت وتكسرت على صخرة المقاومة المدنية الصحراوية.
إذن، بعد أيام سنعيش نشوة تخليد ذكرى هذه " الملحمة التاريخية" التي زكت بقوة التنظيم وجدارة التأطير مسألة قدرة الصحراويين على بناء دولتهم ومؤسساتهم وتحملهم للمسؤولية وأهليتهم للتعايش فيما بينهم وبسلام مع دول الجوار، مثلما ضربت بعرض الحائط مخططات الاحتلال الرامية لزرع بذور الشقاق بين صفوف الصحراويين وتفريقهم وتشتيتهم حينما تحول " أكديم إزيك" إلى أكبر " حمام تقليدي" غسل فيه الصحراويين ما لصق بهم عبر عقود الاحتلال الثلاثة من ترسبات التفرقة العنصرية والصراعات الانتخابية والنعرات القبلية والانتماءات الإقليمية والولاءات الحزبية والسباقات الانتهازية...، هذا الحدث الذي خرج منه الشعب الصحراوي - رغم حجم القمع والتنكيل- أكثر قوة ووحدة وانسجاما، حين تبين لجميع النازحين وغيرهم من الصحراويين عبر يوميات التشكيل والبناء ولحظات الهجوم والتفكيك أن " الصحراوي للصحراوي رحمة" وأن العدو واحد والخصم واحد هو الاحتلال المغربي الذي ظهر على حقيقته أمام المشككين والمنتفعين والمنبطحين على أعتابه، وأماط اللثام عن وجهه القبيح لأولئك الذين كانوا حتى الأمس مغرر بهم أو واهمين أو مغيبين أو بالأحرى متغابين.
تمر إذن سنة على المفخرة، فهل كان يدور في خلد المؤسسون الأوائل أن " خيمتهم اليتيمة" ستتحول في سرعة البرق إلى " وطن متنقل" خرج من الصدور التي كان يسكنها ليعود إليها بعد شهر من الاستعراض..؟
هل كانوا يتصورون أن " مبادرتهم البسيطة" ستؤول إلى " حدث تاريخي" يقارب في غرابته وجسامته وسرياليته حد " الأسطورة"..؟
هل كانوا يدركون أن " مخيمهم الفريد" سيتطور بعد تشكيله الفريد وتفكيكه الدموي إلى " ملحمة تاريخية" دخلت التاريخ الإنساني من أبوابه الواسعة وسُجلت لصالح الشعب الصحراوي كأكبر " براءة إختراع".
هل كانوا يظنون أن " شكلهم الاحتجاجي" سيكون قدوة لكل الشعوب العربية التي تحررت بفضله من الخوف الأزلي وتخلصت من الخمول الأبدي وشفيت من الجمود المزمن ومن ثم نصبت خيامها للإطاحة بحكامها...؟
هل كانوا يعتقدون أن أول وتد غرزوه في أرض " أكديم إزيك" كان بمثابة أول مسمار دقوه في نعش نظام زين العابدين ونظام مبارك وخيمة القذافي...؟

لا أحد كان يظن ذلك... أبدا.. لكن التاريخ سيحفظ للشعب الصحراوي جرأته وتحديه واستبساله وقدرته الأسطورية على الصمود في وجه أعتى أنظمة الاحتلال والاستبداد والتسلط، بل وإبداع أشكال متباينة من المقاومة بدءا من الكفاح المسلح وحرب العصابات وحروب الاستنزاف والممانعة والدبلوماسية والانتفاضة السلمية التي كان " النزوح الجماعي" أحد أبرز تجلياتها الملحمية... وآخر هذه الفصول كان قبل أيام في الداخلة المحتلة...أين سطر المجد بأحرف من دموع ودماء ...!!
وفي انتظار جديد الانتفاضة...!! كل عام وهي بألف خير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب أوكرانيا.. معركة خاركيف وتقهقر الجيش الأوكراني |#غرفة_ال


.. حماس تفتح جبهة جباليا مع توسيع الجيش الإسرائيلي لعمليته في ر




.. قوات فاغنر على الحدود المالية الموريتانية . |#غرفة_الأخبار


.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - القسام: قصفنا 8 دبابات ميركافا في




.. غزة.. ماذا بعد؟| خلافات بين المستويين العسكري والسياسي واتها