الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب المزعومة على الإرهاب

عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)

2011 / 10 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


بعد انتهاء الحرب الباردة بين العملاقين الدوليين أمريكا والإتحاد السوفياتي بهزيمة الأخيرة، وذلك في العقد الأخير من القرن الماضي، وجدت أمريكا نفسها متفردة في العالم، تعربد وتقتل وتحتل الأوطان كما يحلو لها، وقد انكفأت الحركات الثورية، وتراجعت أمام الهيمنة الإمبريالية، فيما الدول الكبرى ما زالت تعد العدة لتأخذ مكانتها على خارطة العالم السياسية، كندٍ حقيقي ومقتدر في مواجهة الغطرسة الأمريكية، فهي المرة الأولى في التاريخ ينشأ فيها نظام أحادي القطبية، وهذا أمر تعلم أمريكا علم اليقين أنه لن يدوم طويلا، لأنه ببساطة يتناقض مع نواميس الطبيعة وحركة التاريخ، لذا وقبل أن تتمكن دول شرق آسيا أو الاتحاد الأوروبي من تبؤا مكانتها كقوة اقتصادية كبرى، بادرت أمريكا بخطوة استباقية لاحتلال منابع النفط في الشرق الأوسط، كمدخل أساسي للتحكم في الأسواق العالمية وشرط للإمساك بشريان العالم الاقتصادي.
في هذا السياق بدأت أمريكا بالبحث عن عدو استراتيجي يغطي الغياب المدوي لغريمها السابق، خاصة وأنها فقدت مبرراتها الأخلاقية التي كانت تسوقها للعالم في مكافحة الشيوعية والأنظمة الديكتاتورية، فوجدت ضالتها في الإسلام، ومع صعود المحافظين الجدد لسدة البيت الأبيض، والذين هم في الأساس يمثلون شركات نفطية، ويحملون أفكار يمينية ذات نزعة متطرفة، وأطماع توسعية، وخطط للنهب والسلب، ومشبعين بثقافة الكاوبوي، شرع هؤلاء الحكام الجدد للولايات المتحدة بوضع الخطط والاستراتيجيات، وخلق المبررات السياسية والأخـلاقية لحربهم الجديدة.
والحرب التي تشنها أمريكا تحت شعار مكافحة الإرهاب، وتضع المسلمين فيها خصما رئيسا، هي في جوهرها حرب سياسية اقتصادية بحتة، لا علاقة للدين بها، إلا بقدر ما تستغله كغطاء وذريعة لتغطي على أهدافها الحقيقية المتمثلة في السيطرة على منابع النفط، وإقامة قواعد عسكرية في المناطق الساخنة من العالم، لإدارة حربها الكبرى للسيطرة والهيمنة على العالم أجمع.
هذه المقدمة بدت لي ضرورية لتوضيح الدوافع الحقيقية لحرب أمريكا على ما تسميه الإرهاب، وللتأكيد على أن ما تسميه أمريكا إرهابا هو ليس إرهابا بالضرورة، فكل العالم يدرك أن الراعية الأولى للإرهاب في العالم هي أمريكا نفسها، بل هي سبب ومبرر وجود العنف والتطرف والإرهاب في كل بقاع العالم .. وهي الآن تطلق هذا الوصف على كل من يخالفها من الأنظمة التقدمية، أو حركات التحرر.
وقد احتل مفهوم الإرهاب المرتبة الأولى بين المفاهيم الفكرية والسياسية المختلفة في الآونة الأخيرة على مستوى العالم، وقد تعددت تعريفاته تبعا لكل جهة أرادت تعريفه، ويمكن القول أن معظمها قد تقاطع عند نقطة مفادها أن الإرهاب هو أية أعمال عنف أو تخريب يقوم بها أفراد أو منظمات أو دول لتحقيق أهداف سياسية، تؤدي لإثارة الرعب في نفوس المدنيين، وعادة ما تكون ضحايا الإرهاب عشوائية، دون أن تكون طرفا ضالعا في الصراع، أو تمتلك أية فرصة للرد.
وقد استغلت كل من أمريكا وإسرائيل مصطلح الإرهاب لأقصى حد، خاصة بعد أحداث 11 أيلول بقصد التمويه والتغطية على جرائمهما، وتشويه صورة النضال الوطني ومنعه من كسب التأييد الدولي، علما أن ما اقترفته أمريكا من عمليات إبادة جماعية، ودعم لأعتى الأنظمة الشمولية، ومن حروب وتنكيل بحق الشعوب، واحتلال لأراضي الغير تعتبر أبشع أنواع الإرهاب المنظم. كما أن الاحتلال بحد ذاته هو أعلى مراتب الإرهاب، وما تقترفه إسرائيل من جرائم قتل وقصف واستهداف للمدنيين وعقاب جماعي وعمليات الإستيطان وغيرها، تعتبر جرائم ضد الإنسانية، ومع ذلك وبسبب الماكينة الإعلامية الصهيونية وبعض الأبواق العربية تمكنت إسرائيل من خداع العالم، وتصوير الكفاح الوطني الفلسطيني المشروع ضد الاحتلال بأنه عين الإرهاب !!
وإذا اعتبرنا أن هجمات 11 أيلول والاعتداءات التي تلتها في لندن ومدريد قد مثلت ذروة التهديد للمجـتمعات الغربية ( الكافرة حسب الظواهري ) فإنها في نفس الوقت قد سلطت الضوء على تنظيم القاعدة، وطرحت سؤالا جوهريا يتطلب إجابة متأنية معمقة، والسؤال هو هل ما قام به هؤلاء الإنتحاريون كان مجرد عمل عبثي من قبل شبان ملأ اليأس قلوبهم، ولم يجدوا وسيلة للدفاع عن قضيتهم العادلة سوى التفجير !؟ ثم ما هي هذه القضية العادلة !!!
ولو اقتصر الأمر على مهاجمة عواصم الإمبريالية لركزنا الإجابة باتجاه محدد، إلا أن استهداف المدنيين بالقتل والتفجير وبشكل عشوائي في الساحات والأسواق في العراق ومصر والجزائر والمغرب وعمّان والرياض والباكستان وأفغانستان وغيرها، سيغير مجرى الإجابة كليا، الأمر الذي يستوجب منا أن نعرف دوافعهم، ومبرراتهم أولا، ثم نضع إجاباتنا بعد ذلك.
وبالبحث في خطابهم يرى الكاتب حسن خضر أنهم يصفون تلك الهجمات الإرهابية بالغزوات ، وهي تسمية لها دلالة رمزية تحاول أن تضفي صفة القداسة على أعمالهم، ضمن محاولة مكشوفة للإنخراط في التاريخ المقدس للمسلمين، حينما كانت غزواتهم تحت شعار نشر الإسلام والعدل في ربوع الأرض، أي أنها عملية ردم للهوة الزمنية السحيقة بين تاريخين وزمنين، بقصد إسقاط الدلالات الرمزية التاريخية على الحاضر، والربط بين الحركتين، حركة الإسلام الأولى وحركة تنظيم القاعدة، والإيهام بأن الأخيرة إمتداد طبيعي للأولى.
وقد دأب منظّروا هذه الجماعات - شأنهم شأن كل الأصوليات الأخرى في المسيحية واليهودية - على تبرير أعمالهم ومنْحِها مسوّغات أخلاقية أمر بها الله سبحانه مباشرة، والإيحاء بأن خطابهم مستمَد من السماء لا من الأرض، وهو فوق حسابات البشر، ويتسامى فوق نزعاتهم الدنيوية، ويتعالى على حساباتهم السياسية، ويتجاوز ما يدركونه بعقلهم المحدود، وأن أصحاب هذا الخطاب هم وحدهم من يملكون الحكمة الإلهية، ووحدهم القادرون على فهمها، ولهم الحق الحصري في تفسيرها.
هذا الفهم الإطلاقي للدين – حسب حسن خضر - يقود أصحابه على جعل الصراع في مضمونه يتجاوز ما نعرفه نحن عن أسس الصراع ومحاوره التقليدية، كالصراع العربي الصهيوني، أو صراع الجماهير الشعبية ضد الاستعمار، أو صراع الإنسانية لكسر المعادلة المختلة بين الشمال والجنوب، أو صراع الطبقات المسحوقة ضد الفساد والبنى المهيمنة عليها .. إنها من وجهة نظرهم أكثر من ذلك بكثير .. إنه صراع بين مثاليات ومطلقات متناقضة، أي صراع الإيمان ضد الكفر والخير ضد الشر والعدل ضد الظلم .. وفي المحصلة سيكون صراع بين نموذج الإسلام الذي تراه القاعدة ضد كل ما لا يشبهها في العالم.
وهذا الفهم الخاطيء للإسلام واستبداله بأيديولوجيا متشنجة، ليس لها من مشروع سوى الموت وبأبخس الأثمان، سيؤدي إلى تشويه الإسلام وجعله في معاداة البشرية برمتها: بوجودها ومنجزاتها ومستقبلها، وسيتحول تدريجيا إلى مرجعيات دينية لاهوتية تنتج الإنتحاريين، وتهدد السلم العالمي ككل.
وإن استغلت أمريكا هذا الموضوع لتبرير مظالمها وإعتداءاتها وتقديم الذرائع لاحتلاها بلاد المسلمين، فهذا لا يعني أن ما يجري في بعض البلدان العربية من قتل وخطف وترويع وتفجير وقطع للرؤوس هو ليس إرهابا، لمجرد أن أمريكا تصفه كذلك .. أو لمجرد أن أمريكا تحاربه !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المتفضل عبد الغني سلامه المحترم
عبد الرضا حمد جاسم ( 2011 / 10 / 6 - 13:36 )
تحية وتقدير
لحد فترة قليله سابقه كانت امريكا المجرمه تعتبر المناضل نيلسون ماندلا ارهابي وممنوع من دخولها واسمه على قائمة الارهاب في حين كل شعوب الارض وحكوماتها تستقبله كبطل مناضل ومنحوه ارفع الاوسمه
هذه اللعينه امريكا واتمنى عليكم الاطلاع على برنامج من واشنطن لهذا الاسبوع حيث كان لقاء مع المجرم رامسفلد لتسمع زيف ارهابي عالمي

تقبل احترامي وتقديري

اخر الافلام

.. غموض يحيط بمصير هاشم صفي الدين بعد غارة بيروت.. ما هو السينا


.. مصادر طبية: 29 شهيدا في يوم واحد جراء القصف الإسرائيلي على ق




.. خليل العناني: المنطقة العربية في حالة اشتعال بسبب الإدارة ال


.. وزير لبناني يخشى -غزة ثانية- بعد القصف الإسرائيلي العنيف




.. بايدن يحضّ إسرائيل على عدم ضرب المنشآت النفطية الإيرانية