الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فضفضة مغترب - الشرق للغربي وطن والشرقي في الغرب يعاني الغربتين

زيد ميشو

2011 / 10 / 7
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


فضفضة مغترب
الشرق للغربي وطن والشرقي في الغرب يعاني الغربتين

لم يشهد أبناء جيلي والأجيال اللاحقة مسيرة سلمية ، ولم نكن نتصوّرها أو نفهمها ، فكل ما كنّا نراه من إحتفالات صاخبة يساق لها الشعب بأمر حكومي . إنما كان لنا مسيرة سلمية طوعية ، غير متّفق عليها ومنظمة أكثر من أكبر مسيرة أو مظاهرة تفرضها الحكومات ، وهي المسير وراء الأجانب .
فعندما كان الأشقر الأجنبي يسير في شوارع بغداد أيام السبعينات وحتى ما قبلها ، كما سمعتُ من الأكبر منّي عمراً ، كان يتبعه الكثيرون وكأنهم يشاهدون للمرة الأولى في حياتهم فيلماً ملوّناً وليس أسود وأبيض بعد أن ملّو ( أبناء الملحة ) ، إما إذا كان هذا الفلم يحتوي على لقطات فاضحة مثل إمرأة شقراء تلبس الـ ( الميني جوب والكيمونو كاشف الصدر والأكتاف ) فسيسير خلفها مايكفي لدحر أي إستعمار من على وجه الأرض .
كان الأشقر مميزاً ، يحترمه الشعب رجال الشرطة وكل رجالات الحكومة ، لأنه أتى من دولة غربية ، وكنا نقول عنهم ( أوادم أولاد الـ .... ) مع شتيمة تفسّر مديحاً ، وهي بحقيقتها إزدراء للوضع الذي كنا عليه .
بالمقابل أيضاً ، فإن الغربي كان يأتي بحضارته ويقدّمها لنا على طبق فضه مقابل أجر من ذهب ، ولاضير بذلك ، فلهم ولثرواتنا الطبيعية كل الفضل بالبناء بكل أنواعه وبتوليد الكهرباء والأجهزة الألكترونية وكل شيء ، فلولاهم لاحتار أبناء المتغنين بأمجاد أسلافهم في صنع وعاء للتشطيف يناسب جلستهم عند قضاء الحاجة .
وأرقى العوائل كانوا من المحتكّين مع الأجانب في بلدهم ، أو سافروا إلى الخارج للتعلم أو العمل ثم عادوا ( مع غض النظر على تكابرهم ) ، وقد درج استعمالهم للغليون وبين جملة وأخرى يقولوا ( عندما كنت في بريطانياااااااا ) وبصوت رنان يختلف عن لحن الكلمات الأخرى ، وآخر يفتخر عندما يقول " إبن عم صديقي جلب معه من أميريكا ساعة تنار بضوء " كنا نسميها حينذاك ( ألكترونية ) وكأن بقية الأجهزة ليست كذلك .
حتى عندما كان تواجدهم في الشرق احتلالاً ، ومستفيدين من ثرواتنا ، إلا إن مبدأهم كان ( خذ وهات ) ، ففتحوا المدارس ، وعبدوا الطرق ، وبنوا المستشفيات ، واشترينا منهم صناعتهم ( من مذكرات فؤاد ميشو ) .
وبما أنهم مقدّرون ومحترمون في بلادنا الغنية التي إسترزقوا منها مالايمكنهم الحصول عليه في أوطانهم بينما غالبية شعبنا يعيشون بالكفاف أو أقل ، لذا فهم لم يفهموا ماتعني الغربة ... بل أصبحت إقامتهم سياحة واصطياف لمرحلة تركت معها بصماتها الإيجابية ، فلم تُهدر حقوقهم لأنهم رعايا ، حمايتهم واجب وفرض غصباً عن السلطة وليس كرم أخلاق .
الشرقي في الغرب يختلف كلياً ، فهناك أنواع وأعرف البعض منها ...
من يتعلّم منهم ويتخلى عن جذوره ليذوب في مجتمعه الجديد ، وهذا لاعيب فيه ، مادام سيكون إبن ذلك البلد مع اولاده وأحفاده وللأبد . وهناك من يوفّق بين أصالته ووواقعه الجديد ، بدمج الإيجابيات في ثقافة وطريقة عيش البلدين ، والنوع الآخر وهو من يتعلم منهم ، ويتظاهر بأن له عقلية غربية ، وقد جمع بداخله سلبيات مجتمعه وسلبيات الدولة التي هاجر لها ، وهؤلاء شريحة كبيرة من المهاجرين .
وهناك أيضاً من لم يعرف الاندماج في مجتمعه الجديد ، لصعوبة في اللغة ، أو لعدم قدرته على تقبّل نمط حياتهم ، ولايتمكن من العودة لوطنه الأم لكثرة العراقيل ، واستحالة الاستمرار بنمط حياته في مهجره للبون الشاسع بين المجتمعين ، ، فمن شبّ على شيء شاب عليه ، وهؤلاء ينطبق عليهم المثل العراقي الشعب ( لاحِظَتْ بِرجيلهه ولاخذت سيد علي ) ، وأنا من تلك الشريحة المعلقة بين ثقافتين رمتا عليه يمين الطلاق . فبتنا نشطب الأيام التي لاننتمي لزمنها ، فلا الماضي يعود ولا الحاضر مرغوب والمستقبل يعمل على عزلنا من الوجود مع الآخرين .
قبل هجرتي عندما كنا نسمع أحاديث المغربين وآلامهم واشتياقهم وحنينهم لأهلهم ، كانوا يختمون " نيالكم " فأنتم لاتعرفون ما نحن به " ونحن نجيبهم " نيالكم " ألف مرة كوننا مازلنا نعيش في بلد فقدنا به حقوقنا .
كنا نشعر بهم أحياناً ، إذ من بينهم من يقطع المسافات بين الفينة والأخرى للقاء شخص من طينته أو يتكلم لغته الأم ، ويتكلمون بحسرة ومرارة عن ذكرياتهم السابقة وعلاقتهم الطيبة بأرضهم وشعبهم .
دارت الأيام ، واختبرنا الغربة ، ومازلت أحسد من تغربوا سابقاً كونهم على الأقل عاشو أوقات طيبة مع مغرّبين آخرين شاركوهم وحدتهم رُغم قلّتهم ..
نحن الآن في غربتين ، ولا أسوأ منها ، الأولى غربتنا في دولة مهما عشنا بها لايمكننا أن نفهم ونستوعب قوانينها وأسلوب حياة شعبها . وأيضاً لايمكننا أن ننصهر ولو بالجزء اليسير مع عاداتهم وتقاليدهم كوننا وصلنا متأخرين في العمر ومنهكي القوة ومتعبين نفسياً بسبب معاناتنا في المحطات التي سبقت استقرارنا ، أي في بلاد الجوار وخصوصاً الناطقة بالعربية والتي ذقنا الأمرين فيها .
والغربة الثانية وهي الأصعب ... غربتنا مع جالياتنا المختلفة ، بعد أن تغيرت النفوس . فبتنا لانفهم ثقافة أبناء جاليتنا بعد أن جلب غالبيتهم أمراضنا وجهلنا بنية فرضها على أبناء جلدته ومجتمعه الجديد . ففقدت العلاقات الجذرية عمقها وحلّت مكانها السطحية وسدت الفراغ لتصبح علاقات هامشية وقتية لامتعة تجنى من خلالها ولافائدة .
وهذا ليس تجنياً ، بل حقيقة سافرة تفضح نفسها بنفسها في أول لقاء لمهاجر عندما تطأ قدماه بلاده الجديدة ويستقبله المحبون ، وماأكثر دموعهم حينها ، ومن ثم تبدأ دروس الترهيب والتخويف من أرض الاغتراب ، وبدل أن يتم تشجيعه ودعمه ، يخبرونه بقصص وحوادث تقتل به كل طموح . وبعد شهر لاأكثر ، ينعل أبو اليوم الذي منح فيه سمة الدخول ، وبعد فترة من الزمن يواكب مسيرته ويحيا كغيره محققاً مايجعله سعيداً إن أراد ذلك ، إلا أنه يختار إسلوب التشكّي دون إرادته حاله كغيره من الذين سبقوه ، ومن ثم يعيد التاريخ نفسه عندما يستقبل مهاجراً جديداً من عائلته أو أحد أقربائه .
وأختلف حديث المغتربين ، فبدلاً من أن يتكلموا عن معاناتهم بعدم تأقلمهم في الوطن الجديد الذي لن يشعروا بانتمائهم له ، أصبحوا يشكون أقرانهم ومعانتهم من عدم التأقلم معهم .
وكأننا قد نذرنا لنحيا بألم ، ألم الماضي التعيس الذي هربنا منه ، وألم الحاضر الذي إلتجأنا له وألم المستقبل الذي يتسببه كل مايحيط بنا ....... فما أقساها من غربتين ؟ وما أسوأها من آلام ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتهاد الألمان في العمل.. حقيقة أم صورة نمطية؟ | يوروماكس


.. كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير




.. ما معنى الانتقال الطاقي العادل وكيف تختلف فرص الدول العربية


.. إسرائيل .. استمرار سياسة الاغتيالات في لبنان




.. تفاؤل أميركي بـ-زخم جديد- في مفاوضات غزة.. و-حماس- تدرس رد ت