الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الربيع العربي وقضايا الأقليات القومية

عبد المجيد حمدان

2011 / 10 / 9
ملف حول قيام الدولة الفلسطينية و القضية الكردية وحقوق الأقليات وحقها في تقرير المصير في العالم العربي


1 ) : أيهما أهم برأيك ، بناء دولة مدنية على أساس المواطنة ، بدون تمييز قومي أو ديني ، واحترام حقوق الأقليات والأديان ، أم بناء دولة على أساس قومي وإثني ، بغض النظر عن مضمون الحكم فيها ؟
جواب : لا أظن أن نشأة الدولة – الحديثة !! - في شرقنا ، كانت قد استندت لأي من الأسس الواردة في السؤال . وفي الأعم الأغلب لم يكن لشعوبها ، ولا لقواها المتنورة ، دور ما في تعيين حدودها على النحو القائم الآن . وما حدث أن القبيلة ، أو العائلة ، أو الجماعة ، التي وصلت إلى سدة الحكم ، بفعلها ، أو بفعل ، أو معونة غيرها ، وجدت وضعا قائما أمامها ، وتعاملت معه . ولأن الدين كان ، وما زال في أكثر من بقعة ، مصدر الأحكام ، وموجه فكر الحكم ، ولأنه لا يعترف بالقوميات وحقوقها ، ولا يعترف بالمساواة بين الديانات والطوائف ، كما بين الحاكم والمحكوم ، قامت نظم هذه الدول على قواعد التفريق بدل قواعد المساواة ، أو المواطنة ، بين مواطنيها . ظلت القواعد الحاكمة تقوم على : حكم طرف وخضوع أطراف ، وليستمر هذا الحال إلى يومنا هذا . وهذا الوضع في بناء الدولة هو ما صار يعرف بالبناء على الأساس القومي والإثني . والمنطق يفرض ، في حالة توفر شروط لإعادة البناء ، رفض هذا الشكل ، وإعادته على أساس المواطنة والمساواة وضمان الحقوق ...الخ
وإذن إذا ما توفرت الشروط لإعادة البناء ، أكرر أنها يتوجب أن تتم على أساس الشق الثاني من السؤال ، أي دولة مدنية تقوم على إعلاء المواطنة ، بدون تمييز قومي أو ديني ، مع احترام كامل للحقوق والحريات ، على تنوعها . لكن ، وبالنظر لوضع عالمنا العربي ، يقع ما سبق في إطار الأمنيات ، أكثر منه في إطار إمكانية ، أو احتمالية التحقيق . فالأمر سيتوقف على القوى التي سيكون بيدها أمر إعادة البناء . والمتصدر على الساحة العربية ، كما يظهر من خريطة توزيع القوى ، فيما صار يعرف ببلدان الربيع العربي ، طرفان : الإسلاميون ، على تنوعهم ، وهم كما سبق وأشرت ، يقررون الحقوق على أساس الانتماء الديني ، والذي بدوره يفرز طبقات متفاوتة الحقوق ، يحتل رأس القائمة فيها قيادات فأبناء الحزب ، تليهم الطائفة ، فالوعاء الديني الأشمل ، الإسلام هنا ، ثم يأتي الآخرون بعد ذلك . ولا أظن أن هناك ضرورة للتذكير بإقرار الدين للتفرقة على أساس الجنس ، ثم العرق واللون ...الخ . ولا أظنني بحاجة لتذكير القارئ بأن الأديان السماوية الثلاثة ، أقرت العبودية وشرعنتها ، ويتمسك المتدينون بنصوص آياتها ، وبضرورة إعادة تطبيق الأحكام الواردة فيها . وعليه يقع في باب فقدان الفطنة ، بل وإجازة العقل ، إن تصور أحد أن إعادة الدولة الدينية ، سيجلب ، أو يوفر حقا من الحقوق التي تزخر بها المواثيق الإنسانية والدولية . الطرف الثاني هو ذلك الذي يشمل أولئك الذين تقع عليهم أوصاف أو تسميات الليبرالي والديموقراطي واليساري . وهم جميعا منحدرون من منابع قومية ، يدلل واقع حالهم ، سلوكهم ، ومواقفهم الفعلية ، أن الحديث عن الديموقراطية والمواطنة والحقوق ، خصوصا للإثنيات الأخرى ، يقع في خانة إتباع الموضة ، أكثر منه في خانة القناعة الفعلية . وحسبما أرى ، فإن مسألة إعادة بناء بلد كمصر مثلا ، على الأسس التي نطمح إليها ، وكما يعبر عنها الشطر الأول من السؤال ، ستحتاج لوقت ليس بالقليل . ودعني أشير إلى ما أراه واقعا ، وهو أن الأكثرية ، بين شعوبنا العربية ، وبسبب غياب الممارسة ، ما زالت تنظر للديموقراطية ، والمواطنة والحقوق ، باعتبارها بضاعة مستوردة من الغرب ، صالحة للاستهلاك ، دون النظر إلى كيفية أو عملية إنتاجها ، ودون التفكير في إعادة إنتاجها ، والآليات اللازمة لذلك . وتلخيصا أرى أنه حتى في حالة إعادة البناء ، والنجاح في إقامة الدولة المدنية ، على الأسس السالفة ، فإن البد ، الشعب ، سيحتاج فترة من الوقت كي يتحول هذا النظام إلى أسلوب حياة ، إلى نظام سلوكي وقيمي ، يحول المصطلحات والشعارات والعبارات إلى قيم حقيقة وقواعد تعامل وسلوك ، تضعها موضع التطبيق .
2):كيف ترى سبل حل القضية الفلسطينية ، وتحقيق سلام عادل يضمن الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني ، وفقا للمواثيق الدولية ومقررات الأمم المتحدة ؟
جواب : هذا سؤال يحتاج إلى إجابة مطولة لا يتسع لها المجال هنا . ولأن الأسئلة اللاحقة تدور حول بعض جوانب القضية ، سأقصر الإجابة على جانب أو اثنين ، لا تشملها هذه الأسئلة .
أشير بداية إلى خطأ ، صار من كثرة ترديده يرى كحقيقة . هذا الخطأ يتمثل في الحقيقة المرة والقائلة بعدم وجود حل عادل للقضية الفلسطينية ، ولا يمكن إقامة سلام عادل على أساس أي حل لها . والحل القائم على أساس مقررات الأمم المتحدة ، فضلا عن أنه غير ممكن ، فهو غير عادل . لأن القرارات نفسها غير عادلة ، ولم تتوخ ، في صياغتها أو في دوافعها إقامة العدل . وبغض النظر عما نقوله كفلسطينيين ، فنحن ، في واقع الأمر ، لا نسعى وراء حل عادل ، لأنه غير ممكن ، لكونه غير موجود . نحن يا سيدي نسعى وراء حل مقبول على شعبنا ، يحقق حدا أدنى من مطالبنا القائمة على حقوقنا . هذه مسألة ، والأخرى أنني شخصيا لا أرى إمكانية ، أو حتى احتمالا لمثل هذا الحل غير العادل ، ولكن المقبول ، يلوح في الأفق . ربما سنحصل في القريب على اعتراف بدولة لفلسطين عضوا في الأمم المتحدة ، ومع ذلك سيظل الحل بعيدا . لا أقول هذا لأنني متشائم أو محبط ، فمثل هذه المشاعر لم تتسرب لنفسي في يوم من الأيام . لكن قراءة الأوضاع حولنا ، العربية ، وضع تحتها عشرين خطا ، والإقليمية ، والدولية ، وقبلها الإسرائيلية ، ثم الوطنية ، والأخيرة ضع تحتها مائة خط ، كلها تقول أن حلا مقبولا على شعبنا ما زال يغيب خلف الأفق .
سأتوقف عند حقيقة غير مفهومة ، لأنها غير معروفة ، خارج الأرض المحتلة . من اليوم الأول للاحتلال ، خططت إسرائيل ، ووضعت مخططاتها موضع التطبيق ، لإحداث وقائع على الأرض ، تجعل حلا على أساس إنهاء الاحتلال أمرا مستحيلا . قام مخططها ذاك على مصادرة الأرض ، المملوكة للدولة أولا ، ثم للأفراد فيما بعد ، وبناء مستعمرات يهودية عليها . نحن في الحزب الشيوعي نبهنا إلى خطورة هذا المخطط ، وعملنا كل ما كان في مقدورنا لإعاقته . لكن القوى الفلسطينية ، لم تره بنفس الجدية . وفي مفاوضات أوسلو ، وبعدها ، تعاملت معه باستخفاف . اسرائيل من جهتها ، مضت في تنفيذ هذا المخطط بدأب ومثابرة . هنا لا أريد البكاء على اللبن المسكوب ، لأقول كان من الممكن فعل كذا ، أو منع كذا ، لأن ذلك فات أوانه . المهم أن كل صباح في فلسطين شهد ويشهد إجراءات مصادرة للأرض . بضع عشرات من الدونمات هنا ، وحتى بضع دونمات هناك . والآن غدت نتيجة تراكم هذه المصادرات مذهلة ، ومانعة فعلا لأي حل في المدى المرئي .
ربما لا يعرف الكثيرون أن مساحة الضفة الغربية تقل عن ستة آلاف كيلومتر مربع . وبالتأكيد لا يعرفون أن الاستيطان يسيطر على أكثر من نصفها . ومعنى هذه السيطرة أن ألفلسطينيين أصحاب الأرض لا يستطيعون مجرد دخولها . وما تبقى للسيطرة الفلسطينية يزيد قليلا على ألفي كيلومتر ، غير متصلة ، ومقطعة بالتجمعات الاستيطانية . وأكثر من ذلك تسيطر المستوطنات ، التي هي قلاع عسكرية محروسة بالأسيجة والأبراج العسكرية ، وفي ذات الوقت قلاع اقتصادية ، تسيطر على كل الطرق الفلسطينية . وفي أقل من ساعة واحدة يمكن لهذه المستوطنات قطع كافة طرق المواصلات بين قرى ومدن الضفة ، في الوقت الذي لا نستطيع نحن فيه ذلك . باختصار نشأ وضع في الأرض المحتلة شبيه بذلك الذي ساد قبل النكبة في العام 48 ، إضافة لكون الأرض المسيطر عليها استطانيا أكبر بكثير . وفي أية مواجهة محتملة ، وإن اقتصرت علينا وعلى المستوطنين ، ستكون النتائج كارثية علينا .
هل معنى ذلك انتفاء الحل تماما ؟ الجواب لا ، لكنه ليس قريبا ، وشروطه غير متوفرة الآن . تقول أميركا ، ومعها عدد من الدول الغربية ، أن المفاوضات وحدها ، هي الطريق الذي يمكن أن يوصل إلى حل . وتردد إسرائيل القول أنها تريدها بدون شروط مسبقة .وتزعم ، وتوافقها أميركا ودول غربية ، أن المطالبة الفلسطينية بتوقف إسرائيل عن سرقة الأرض – النهب بالمصادرة – ووقف بناء المستوطنات ، شروط مسبقة . ومثلها المطالبة بإنهاء الاحتلال . وإذا ما قبل الفلسطينيون ، وقد سبق وقبلوا بحسن نية ، أو بسذاجة سياسية ، فهل سيوصل حل يمكن التوصل إلية على سلام عادل كما يطرح السؤال ؟
قبل بدء الربيع العربي كنت موقنا أن حلا جائرا سوف يفرض علينا . مؤشراته كانت بارزة للعيان في الموقف العربي أساسا ، ثم في الموقف الدولي . وكنت ، ربما ، أشد الناس فرحا ، والآن من أكثرهم قلقا ، بانفجار ثورة الياسمين ، فتوالي ثورات الربيع العربي . كان من أولى ثمارها ، وربما لا يعرف كثيرون ذلك ، أنها أنقذتنا من ذلك الحل الجائر . لقد فتحت هذه الثورات أبواب التغيير ، ليس على صعيد المنطقة والإقليم فقط ، التي ننتظرها ، كي تتوفر الأسس لحل مقبول على شعبنا . حل يرسي قواعد للسلام في منطقتنا .
3 ): كيف تقيم الموقف الأميركي والدول الغربية المناهض لإعلان دولة فلسطينية مستقلة بعد خطوة الزعيم الفلسطيني وتوجهه إلى الأمم المتحدة لتحقيق ذلك ؟
جواب : بدابة من غير الصائب مواصلة النظر لمواقف الدول من نفس زاوية النظر الواحدة والمعتادة . هناك فروق واضحة بين مواقف الدول الغربية يمكن استثمارها لصالحنا ، هذا لو ملكنا الإرادة والقدرة على ذلك . لكن ليس هذا هو موضوعنا هنا . كنت سأفاجأ شخصيا ، لو أن أميركا ، ثم بريطانيا تصرفت على نحو آخر . آن لنا أن نعرف أن الدول ، وإن كانت لها مواقف ، فدوافع أخلاقية ، وتقول بالحقوق والقيم والحريات ، وتتحدث عن توقيع المواثيق والالتزام بما فيها ، هذه الدول تتخذ مواقفها على أساس مصالحها . ولا يرى الأمريكان ، وبعض حلفائهم ، ما يهدد هذه المصالح ، باتخاذهم موقفا منحازا لإسرائيل ، ومناهضا للحق الفلسطيني . نحن الفلسطينيين لا نملك ما يهدد هذه المصالح ، التي تتوسع وتتعمق أكثر وأكثر في عالمنا العربي ، وفي الإقليم أيضا . المصالح الأمريكية والغربية تتركز في الخليج وباقي الدول النفطية . وهذه الدول تملك وسائل الضغط ، دون أن يهددها خطر إضعاف العلاقات مع هؤلاء الحلفاء الغربيون . فقط التلويح بإمكانية فتح باب المنافسة من اليابان أو الصين ، أو غيرها من مراكز القوى الصاعدة ، كفيل بدفع أميركا لإعادة حساباتها ، واتخاذ مواقف بعيدة عن هذه الصلافة التي تتعامل بها مع القضية الفلسطينية ، لكن هذه الدول العربية لا تفعل ، ولا يبدو أن هناك احتمال لأن تفعل ذلك في المستقبل .
الدول العربية ، وما نصفه ، أو نسميه ، بالتضامن العربي ، هي من يملك مفتاح الحل المقبول ، ولكن غير العادل للقضية الفلسطينية . هي من يمسك بذراع القوة القادر على إجبار إسرائيل على وقف عملية النهب لأرضنا ، كمقدمة لوقف فإزالة الإستيطان ، ومن ثم بزوغ فجر الحل في الأفق . والمسألة بسيطة ، لمن يملك الإرادة ، ولمن يملك بعضا من الإخلاص لمقولة المصير المشترك ، ومركزية القضية الفلسطينية ، وغير ذلك مما يلوكه اللسان العربي في كل الأوقات . تتلخص المسألة في إشعار جدي للإدارة الأمريكية ، وبعض الحكومات الغربية ، باحتمالية عدم توسيع الشراكة معها ، باللجوء لبدائل أخرى ، توفرها مراكز القوى الصاعدة الأخرى . لكن لا الإرادة متوفرة ، ولا الإخلاص متوفر . وعلينا نحن الفلسطينيين أن نكتفي من أشقائنا بعبارات التضامن التي لا تتخطى أطراف ألسنة قائليها . ومنذ وقت غير قصير ثبتت الأحزاب ، وفصائل فلسطينية ، في برامجها تغييرات كبيرة ، طالت مسألة الاعتماد على الدعم العربي ، لقد أخذنا نكتفي بمطلب الدعم السياسي ، الذي لا يتجاوز حدود الأدبي والمعنوي . وببساطة قبلنا واقع عدم التعويل على الدعم المادي ، وفي مقدمته المالي المتوفر لدى عديد من الدول العربية . أليس بامكان السعودية مثلا ، وبدون أي ضغط على ميزانيتها ، حمايتنا من التهديد الأوربي والأميركي بقطع المساعدات المالية التي توفر الرواتب لموظفينا ؟ ذلك ممكن ولكنها لا تفعل ، وأكثر تستخدم الشحيح من معوناتها في ضغط أشد وقعا علينا من ضغوط الآخرين .
4 ) : ما هي برأيك الأسباب الرئيسية للموقف السلبي من قبل الدول الكبرى تجاه إقامة دولة كردية مستقلة تجمع أطرافها الأربعة في دول الشرق الأوسط ، وهو مطلب كردي وحق من حقوقه . ولماذا يتم تشبيه الحالة الكردية على أنها إسرائيل ثانية من قبل بعض الأوساط الفكرية والقومية في العالم العربي ؟
قبل الدخول في الإجابة ،أشير إلى أن السؤال ، ربما ، وفيما يبدو ، صحح لي معلومة . فقد كنت أظن أن الوطن الكردي مقسم على خمس دول ، وليس أربعة – أذربيجان الخامسة - . القضية الكردية ، من موقع رؤيتي ، أكثر تعقيدا من القضية الفلسطينية . ليس فقط لأن الوطن الكردي مقسم بين عدة دول ، بل ولأن موقع هذه الدول على خارطة مصالح ، وصراعات ، الدول الكبرى ، يضيف عاملا هاما إلى مجموع عوامل تعقيد القضية الكردية .
احتلت كل من إيران ، تركيا ، والعراق في وقت سابق ، موقعا بارزا في الاستراتيجية الأميركية والأطلسية ، أيام الحرباالباردة . لقد شكلت ، بموقعها المحاذي للحدود السوفييتية ، ليس فقط خط الدفاع الأول ضد التمدد الشيوعي ، بل ووفرت ، وهذا هو الأهم ، مراكز متقدمة للمراقبة ، والتجسس على الداخل السوفييتي . وأمام هذه القيمة الاستراتيجية الكبرى لهذه البلدان ، تضاءلت ، وإلى حد بعيد ، مسائل الحقوق الكردية في الحرية وتقرير المصير ، وتجميع الأطراف في وطن مستقل . وبعد انتهاء الحرب الباردة ، وانتقال إيران من التحالف إلى التعارض مع أمريكا ، لم يتغير الكثير في القيمة الاسترتيجية لهذه البلدان في الاستراتيجية الأطلسية . وبالإضافة إلى أن كلا من إيران وتركيا تصنفان بين الدول الكبيرة ، ما زالت الأخيرة عضوا فاعلا في الأطلسي ، وحيث مصالح أعضائه معها تتقدم على مواقفها الأخلاقية من حقوق الإنسان ، وحقوق الشعوب في تقرير المصير . وحسابات هذه المصالح تمنعها من الوقوف مع الجزء الكردي ضد إيران . وإذا أضفنا لكل ذلك الوجود الأميركي في العراق ، والحاجة للاستمرار في ضخ النفط العراقي ، يمكننا أن نرى أن عاملا جديدا مناقضا لأماني الشعب الكردي ، قد أضيف إلى المعادلة .
وبالانتقال إلى الشق الثاني من السؤال هناك خوف غير مشروع في العالم العربي – تحديدا بين مثقفين ومفكرين ينتمون إلى التيارات القومية ، والدينية أيضا – من فكرة تجميع أجزاء الوطن الكردي وقيام دولة كردية ، التي هي حق مشروع للأمة الكردية . هناك بداية قلق الجوار من الدور المحتمل لدولة كبيرة ، بمساحة أرضها ، وحجم شعبها ، وقدراته المتعددة ، وموقعها الاستراتيجي ...الخ يأتي بعد ذلك التبرير المعلن لهذا الرفض لحق الأمة الكردية في تقرير المصير ، وجمع أجزائها في وطن واحد . وهو تبرير يقوم على الشك في احتمالية تحول الدولة الناشئة ، إلى دولة غير صديقة . ويشيرون إلى قبول بعض أطراف حركة التحرر الكردية للمساعدة من إسرائيل ، وبما يعني أن الدولة الكردية ، في حال قيامها ، ستكون صديقة لإسرائيل ، على غرار جنوب السودان ، وبالتالي معادية ، أو غير صديقة للعرب . وبديهي أن هذا قول هش ولا يستقيم مع أي منطق سليم . وهؤلاء المفكرون والمثقفون يعرفون ، ويعترفون ، أن قبول أطراف حركة التحرر الكردية للمعونة ، من أي طرف كان ، ليس بالأمر الجديد على حركات التحرر ، وحيث لا يعني القبول توافقا في الأهداف والرؤى والمصالح المستقبلية ، ومن ثم ، وإن كان هذا الحال يمهد لإقامة علاقات مميزة في المستقبل ، فلا يعني أنها ستكون تمهيدا لقيام تحالفات ضد الآخرين . ولقد كنا دائما نسأل زملاءنا في الحركة الوطنية الفلسطينية والعربية : إذا كنا نخاف من هذه العلاقة على مستقبل العلاقة مع الأكراد ، فلماذا لا نمسك نحن بالمبادرة ، ونقطع الطريق على أي طرف معادي ، بالسبق إلى الإقرار بالحقوق الكردية ، ومساعدتهم على تحقيقها ، ومن ثم نقطع الطريق على أي طرف يتربص بنا معا ؟
حقيقة الأمر أن تيارات عربية عديدة ، قومية ودينية ، تقول بالديموقراطية ، والحقوق ، بما في ذلك حقوق الشعوب في تقرير المصير لفظا ، ولا تقبل بها فعلا . الديموقراطية والمواثيق الدولية ، الحقوق والحريات ...الخ يراها البعض ، ويتعامل معها ، كنوع من الموضة لا أكثر . عند قطاعات واسعة من شعوبنا ، وبتأثير من الدعاية الدينية هي بضاعة غربية ، منتج غربي ، وارد على أسواقنا ، وفي نظر حكام وإعلام عربي ،هي بضاعة استهلاكية ، مثل أي بضاعة أخرى ، نستهلكها ، ولا شأن لنا بكيفية إنتاجها .
تلك مسألة والأخرى أن نظم الحكم العربية ورثت دولها بحدودها القائمة . والمفكرون والمثقفون أسكنوا المؤامرة في الذهن العربي . ولذلك يوجد دائما من يرى أن أي محاولة من قبل اثنية معينة ، للحصول على حقوق لا تتجاوز حق المواطنة ، تقع في باب المؤامرة ، ويتم فورا استحضار مؤامرة سايكس – بيكو ، التي مزقت الهلال الخصيب بعد الحرب العالمية الأولى . وأكثر من ذلك أن محاولة انفصال كردية مثلا ، في سوريا أو العراق ، للاجتماع مع الأجزاء الكردية الأخرى ، فإعادة بناء الوطن الكردي ، لا ينظر لها بأكثر من مؤامرة ، تستهدف اقتطاع جزء من الكعكة السورية أو العراقية ، وبالتالي تصغير هذا الحجم الموروث للدولة السورية أو العراقية . قديما كانت الثورة الكردية في العراق لا تطرح مموضوع الانفصال ، وكانت مطالبها تتمحور حول الحكم الذاتي ، والاعتراف بلغتها وثقافتها ومميزاتها القومية . وظلت القوى القومية تعارض منحها حقوقها المشروعة تلك ، رغم أنها أدنى من حق تقرير المصير . وكثيرا كان الجدل معهم . وكان انعدام الديموقراطية ، وسيادة الفكر الديني الذي لا يعترف بالحقوق على غير الأساس والإنتماء الديني ، هي كلها ما يشكل لب المشكلة .
5 ) :هل يمكن للتغيرات الراهنة في المنطقة – الانتفاضات والمظاهرات الأخيرة – من أن تؤدي إلى خلق آفاق جديدة أرحب للقوميات السائدة كي تستوعب الحقوق القومية للأقليات غير العربية ، مثل الأكراد ، إلى حد الانفصال وإنشاء دولهم المستقلة ؟
لا شك بأن الثورات العربية الراهنة ، وهي تستهدف استبدال النظم القائمة بنظم ديموقراطية ، تعزز الآمال بانفتاح آفاق أرحب أمام الشعوب العربية وقواها المتنورة . وهذه الآفاق الأرحب ، إن حدثت ستفتح الطريق واسعا أمام حل قضايا الأقليات ، التي بدت في وقت ما وكأنها مستعصية . ولكن قبل المضي في دروب التفاؤل والتشاؤم ، يتوجب ملاحظة أمرين . 1 ) أن هذه الثورات تجري في بعض أجزاء الوطن العربي ، ولا تشمله كله 2 ) وأنها تواجه معارضة قوية ، تحاول منعها من تحقيق ولو بعض أهدافها . وهذه المعارضة ، في بعض وجوهها ، تديرها ، أو تغذيها ، نظم البلدان غير المشمولة بهذه الثورات .
يلاحظ أي مدقق في الحالة المصرية الآن ، كيف تتكدس العقبات أمام ثورتها ، بفعل تعدد الأطراف ، داخلية ، عربية ، إقليمية ، دولية ، المناهضة لأهداف الثورة . وهناك فرصة فعلية أمام تيارات الإسلام باختطافها . وإذا ما حدث ذلك ، وقامت دولة دينية ، حسبما تقوله برامج هذه التيارات ، فإن الآفاق التي يتحدث عنها السؤال سوف تنسد . لكن إذا ما تمكنت الثورة المصرية من اجتياز هذه العقبات ، فإن حزمة من أنوار الأمل ستطل على شرقنا . وإذا ما نجحت مصر في حل مشكلتي النوبة وسيناء ، وهي مشاكل تقع في إطار مشاكل الاثنيات ، وإن كانت أبسط من غيرها بكثير ، فإنها ستوسع من رحابة الأفق أمام حل المعضلات القومية الأخرى ، والكردية في مقدمتها . لكن علينا أن لا يغيب عن بالنا أن ذلك سيتطلب وقتا كبيرا ، يتحقق فيه ردع ورد مؤامرات ا البلدان التي لم تصلها هذه الثورات بعد ، وتوفير الحافز لتحرك شعوبها ، والخروج من حالات الانغلاق التي تعيشها ، ثم الحاجة لتتحول الديموقراطية ، في البلدان التي ستنعم بها ، من مجرد بضاعة مستوردة ، إلى نظام حياة وقيم ومعاملات ، تترسخ معها القناعة بضرورة حصول الشعوب المقهورة على حقوقها ، ومنها حقها في تقرير المصير والإنفصال وإقامة دولها المستقلة .
6 ) : هل تعتقدون بأن المرحلة القادمة ، بعد الربيع العربي ، ستصبح مرحلة التفاهم والتطبيع وحل النزاعات بين الشعوب السائدة والمضطهدة ، أم سندخل مرحلة جديدة من الخلافات وإشعال فتيل النعرات القومية والتناحر الإثني ؟
يستحسن ، في الطريق إلى الإجابة على السؤال ، الوقوف قليلا على ما حدث في البحرين . في هذه المملكة الصغيرة ، القابعة في الحضن السعودي جغرافيا ، والتي لا توجد فيها إثنيات ومشكلات إثنية . هناك طائفة تشكل الأكثرية ، تصارع من أجل الحصول على مساواة مع الأقلية . تصارع من أجل سن وتشريع قواعد وقوانين تعترف وتثبت المواطنة . وكان أن تواصل مسار إنكار ذلك عليها . وحين هبت عليها نسائم الربيع العربي ، تدخلت قوى النظم ، الذي ظلت حتى الآن بمنأى عن ثورات الربيع العربي ، لقمعها ونجحت في ذلك ، ولو إلى حين . ولم يكن ذلك ، لا مفاجئا ولا مستغربا . لكن المستغرب أنه كان مقبولا على المثقفين والمفكرين العرب ، المنحدرين من، أو المنتمين لِ ، للتيارات القومية والدينية ، وبدعوى إحتمالية تقارب هذه الطائفة مع النظام الإيراني .
وبالعودة للسؤال أعيد القول بأن ملامح المرحلة القادمة ما زالت غير واضحة . نحن نعقد الآمال على نجاح الثورات العربية ، والمصرية في المقدمة ، نظرا لقوة الدور المصري ، وتأثيراته المتوقعة على كامل منطقتنا . ونحن ما زلنا نعقد الآمال على بلوغ الأهداف التي قامت من أجلها هذه الثورات ، أي إقامة نظم ديموقراطية حقيقية ، تحقق الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية . وهي إن وصلت لهذا ستدشن بداية مرحلة التفاهم والتطبيع وحل النزاعات المزمنة ، داخل البلدان التي انتصرت فيها . وبالتأكيد سينعكس ذلك إيجابيا خارج محيطها . لكن هذا المأمول تعترضه سلسلة من العقبات ، يغطي ضجيج تيارات الإسلام السياسي على أكثرها .
7) : ما موقفك من عملية استفتاء بإشراف الأمم المتحدة حول تقرير المصير للأقليات القومية في العالم العربي مثل الصحراء الغربية وجنوب السودان ، ويشمل أقليات أخرى في المستقبل ، مع العلم أن حق تقرير المصير لكل شعب حق ديموقراطي وإنساني وشرعي ويضمنه بند من بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان منذ العام 1948 ؟
يفترض أن لا حاجة لمثل هذا الاستفتاء ، من حيث المبدأ ، في نظام ديموقراطي حقيقي . إذ يتوجب أن يسارع النظام ، وبفعل نظامه الإنساني القيمي الذي سينشأ ، إلى المبادرة لحل القضايا المعلقة ، وفي مقدمتها قضايا الأقليات القومية المهضومة حقوقها . وفي ظني أنه في حال نجاح الثورات العربية ، في البلدان الخمسة ، التي تعيش مرحلة الثورات الآن ، ستسارع كل واحدة منها ، لديها مثل هذه المشكلات ، إلى حلها ، من خلال تمكين كل أقلية مهضومة الحقوق ، على استعادة تلك الحقوق ، وفي المقدمة حق تقرير المصير . وهي إن تباطأت ، أو واصلت الممانعة ، فإنها تقدم الدليل على عدم اكتمال ثورتها . وهكذا ، فيما يبدو لي ، لن تكون هناك حاجة لاستفتاءات الأمم المتحدة .
لا يمكنني رؤية استفتاء جنوب السودان إلا كحالة خاصة يصعب تكرارها في بلدان عربية أخرى . وهذه الخصوصية فرضتها عدة سمات خاصة بهذا البلد ، وبينها نتائج الحرب الأهلية ، التي أقنعت الخرطوم باستحالة كسبها . ورغم أن السودان استخدم كل الوسائل ، التي يطبقها الآخرون في البلدان العربية ، لتزوير نتائج الاستفتاء ، إلا أن سمات الجنوب الخاصة أفشلتها ، وجاءت النتائج على النحو الذي أرضى شعب الجنوب . لكن الأمر ليس كذلك في الصحراء الغربية ، التي ينجح النظام ، فيما يبدو ، في تغيير طبيعتها الديموغرافية . وهو يتلكأ في إطلاق عملية الاستفتاء ، وإلى اللحظة التي يتأكد فيها من ضمان نتائج التغيير الديموغرافي لصالحه . والحال لن يكون أفضل في بلدان أخرى ، تتطلع فيها الأقليات إلى مثل هذا الاستفتاء . الأقليات تحتاج لطريق مضمون يمكنها من إحراز حقوقها ، وهذا الطريق يتمثل الآن في إنجاح ثورات الربيع العربي ، بالوصول إلى بناء نظم ديموقراطية حقيقية . من هنا أرى ضرورة انخراط هذه الأقليات في ثورات الربيع الجارية والقادمة ، وعدم ادخار أي جهد لإنجاحها .
8) : ما هي المعوقات التي تواجه قيام دولة كردية ، وكيانات قومية خاص بالأمازيغ وأهالي الصحراء الغربية ؟
لا أظن أن أحدا يجهل الآن حقيقة حصول أكراد العراق على أكثرية مطالبهم . لا يتمتع شمال العراق الكردي بحكم ذاتي موسع فقط ، بل ويلعب القادة الأكراد دورا بارزا في إدارة دولة العراق . وأوضاع الداخل العراقي ليست هي المقرر في مسألة انفصالهم إن رأوا ذلك . وفي حال نجاح الربيع السوري سيحصل أكراد سوريا على وضع مشابه لِ ، أو قريب من ، وضع إخوتهم في العراق . لكنني لا أظن أن يلجأ أحد الطرفين ، أو الاثنان معا ، لإعلان الانفصال ، والتقدم للبدء بتشكيل نواة الدولة الكردية ، لسببين اثنين . أولهما تباعد جزأي هذا الوطن الكردي جغرافيا عن بعضهما ، بما يحول دون إقامة نواة دولة موحدة الأرض ، والثاني الأوضاع الدولية السائدة ، والتي تعارض تحقيق هذه الرغبة .
المعوق الأساس في رأيي يتمثل في أن الجزء الأكبر من الوطن الكردي ، ومن ثم الشعب الكردي ، يقع داخل تركيا . وإذا ما أزحنا جانبا قوة تركيا ، وقدرتها على مواجهة واعتراض المطلب الكردي في إقرار حق تقرير المصير ، فالانفصال ، هناك الدول الكبرى ومصالحها مع تركيا ، والتي تشكل عائقا جديا آخر أمام الحق الكردي . وإذا أضفنا إلى ما سبق قوة إيران ، وقدرتها على مواصلة تثبيت وضع الأقليات فيها ، وبينهم الأكراد ، على حالها ، لأصبح بالإمكان تقدير حجم هذه المعوقات . يبقى أن الأمل معلق على حدوث تغييرات على خارطة توزيع القوى العالمية ، وفي اتجاه تعزيز الديموقراطيات ، التي تتقدم فيها القيم الإنسانية والالتزام بالحقوق ، على مصالحها الدولية ، والموصوفة بالقومية .
أما الشأن الخاص بالأمازيغ والصحراء الغربية ، فهو شأن مغاير للشأن الكردي . بصراحة أشير بأنني لا أملك معرفة كافية عن التوزيع الديموغرافي للأمازيغ في بلدان شمال إفريقيا . وحسب معلوماتي فإن مشاكلهم الأوضح تتركز في كل من الجزائر والمغرب . وحسب معلوماتي أيضا لا يسعى أي طرف منهم للانفصال ، وإنما الحصول على حقوق المواطنة الكاملة ، التي توفر لهم مساواة تامة مع أهالي البلاد الآخرين ، وفي مقدمتها الاعتراف بلغتهم وثقافتهم وإحياء تراثهم ...الخ . وحسب رؤيتي هذه مسائل تتوفر إمكانيات حلها عبر تحول هذه البلدان إلى طريق بناء ديموقراطية حقيقية . وأنا آمل ، من بين كثيرين ، أن يدشن نجاح البناء الديموقراطي في تونس ، بداية الطريق لتطبيق هذا الحل . فإذا ما حصل أمازيغ تونس على حق المواطنة ، وبالتالي الاعتراف بلغتهم وحقهم بالتعلم بها ، وما يلي ذلك من الحقوق ، ينفتح الطريق أمام أمازيغ ليبيا ، ولن يحول شيء دون انتقال هذه العدوى إلى كل من الجزائر والمغرب . والأمل يحدونا جميعا أن يحدث ذلك وسريعا . أما الصحراء الغربية فما زال الأمل معقودا على الاستفتاء ، الذي نأمل أن يحدث دون تزوير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحذر من -صيف ساخن- في ظل التوتر على حدود لبنان | #غر


.. البيت الأبيض: إسرائيل وحماس وصلا إلى مرحلة متقدمة فى محادثات




.. تشاؤم إسرائيلي بشأن مفاوضات الهدنة وواشنطن تبدي تفاؤلا حذرا


.. هل يشهد لبنان صيفا ساخنا كما تحذر إسرائيل؟ أم تنجح الجهود ال




.. بسبب تهديد نتيناهو.. غزيون يفككون خيامهم استعدادا للنزوح من