الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خارج سياق -روحي-

لمى محمد
كاتبة، طبيبة نفسية أخصائية طب نفسي جسدي-طب نفسي تجميلي، ناشطة حقوق إنسان

(Lama Muhammad)

2011 / 10 / 7
الادب والفن


البداية:

قبض على النقود بكل أصابعه، ثم دسها بسرعة في جيبه المثقوب، لم يكن قد نسي الثقب الأسود الذي قسم جيب السروال العجوز، لكنه كان خائفاً من أن يراه أحد.

أما (الراشي) فقد أدار ظهره و هو يصيح:
- مية ليرة إكرامية.. و الله أنا (منتوف أكتر منك)...

لم تعد تفرق، أكان شريفاً أم مرتشياً.. هناك في البيت سبعة أفواه جائعة، و أربعة عشر يد مطالبة.. جميعها لأحبة و أطفال.. و الركب الذي يسير بالوطن خارج النافذة لا يعرف الجائعين.

هذا هو "سحبان" يطلّ من أول الحارة، يحمل أكياس الخضار و الخبز، منذ سنوات و هو يراقب ظهره ينحني رويداً رويداً، و العروق الزرقاء في قدميه تتعرج و تلتوي كما مزاجه، و تفاصيل معاملات عمله.

فتح الباب اليوم على أصوات بكاء، و صراخ.. احترقت "شفاء"...

و في المستشفى كان لمنظر "سحبان" وقع آخر، وقع يئن بالألم، فطفلته التي احترقت بالحليب المغلي، كانت حاضرة في عينيه الباكيتين:

- يعني دكتورة بتعيش...

- لا تخاف الآن وضعها أفضل، ستحتاج (طعوم جلدية)...

- هذا غضب من الله عليّ.. أنا السبب.. (بس مو عدل.. و الله مو عدل يا حكيمة) ..من يرتشي مية ليرة.. يمسكها و يسمى (حرامي).. لكن من يرتشي ملايين .. فهو يمسك بورقة و يسمى (سيّد)...
**********


المفصل:


لم يكن خبر ضرب الفنان "علي فرزات" و تكسير يديه يحمل أول التكهنات بمستقبل حالك للوطن، سبقه تهديد للكثيرين من أصحاب الفكرة، الذين لا يملكون سوى أقلامهم.

كذلك حكت المعتقلات -التي ضمت كل من تجرأ على الاعتراض أو النقد- عن التهم المضحكة المبكية بدءاًمن إضعاف الروح القوميّة إلى محاكمة مثقفين (من الأقليّات) بتهمة نشر الطائفية..و كانت هي الأخرى (عرّافة) تخبرنا أن خافوا..
خافوا فالتاريخ و الأدب، و حتى الجدّات حكوا لنا كيف استبيحت الأوطان باستباحة مثقفيها، و كيف فجر الظلم كل سلبيات المجتمعات، فدمرها.
**********


خارج سياق:

يقول "ابن رشد" بأنّ الروح منقسمة إلى قسمين:
الأول شخصي يتعلق بالشخص، و الثاني فيه من الألهية ما فيه.

أريد أن أرجعكم بالذاكرة قليلاً- فالطفولة لم تبتعد بعد- إلى لحظة كنتم تركضون فيها في زقاق أو حقل طفولتكم، تضحكون و أنتم تحتفظون بنصر صغير، ربما هو كعكة، أوفوزفي سباق مع صديق.. لا أعرف، لكنني متأكدة من أنكم تذكرون أنفسكم في عمر الطفولة، عندما كان الوطن أمكم، مستحيل بيعه، و ليس ملكاً لأحد، حتى لوكان هذا الأحد أباً أو أخاً...
وطن أمٌّ: لكم و ليس لكم، هو سبب وجودكم، و هو الوحيد على هذا الكوكب الذي يبكيكم إن بكيتم...

وقتها كانت روحكم بمعظمها -ربما- إلهية أما القسم الشخصي فكان يصنع الأسئلة:

ما كان سؤال طفولتكم الأهم ؟
من أين أتيت؟ من هو الله ؟ لماذا يتقاتل الكبار؟ ..

كنت و مازلت أسأل نفسي: لماذا لا تملك الروح قابلية الانقسام في كيانات (روحعضويّة)..و منح كل عضو من الجسد الاستقلال التام، ليصبح (برلمان الجسد) يعني ولايات متحدة بشريّة..
كيان ل اللسان، كيان ل اليدين، و آخر للعقل.. و هكذا...

يعني عوضاً عن اعتقالك لكلمة قلتها.. يحبسوا (لسانك)...
و بصراحة ستكون أنت المستفيد الحقيقي، فلن يقترب من عقلك أحد، لأنه غير معترف به، فبما أنك تعترض و تخرج عن القطيع فأنت (إمّا أهبل.. أو تحب الظهور).. و في كلتا الحالتين المطلوب هو لسانك.
**********


خارج سياق آخر:


جمالها لم يكن نعمة عليها، و لا هي رأت من منافعه شيئاً، بل لعلّه كان جزءاً من المشكلة التي طوتها كصورة قديمة في بيت من الاكتئاب.

و "هند" التي سمحت لطفولتي أن (تستعير) حليّها و أحذيتها.. كانت يومها حريصة ألا أمسك بأي من الأغراض التي أحضرتها استعداداً للاحتفال...

- لا تخبري أحداً يا "رندلى" .. أنا (رايحة ع حفلة يوم الجمعة).. حبيبي من مكان بعيد بعيد مهما حاولت معهم لن يقترب.

- لا خالتو مارح خبر حدا.. بس قليلي وين المكان...

- في تقسيمات لا أريدك أن تعرفيها.

مضيت يومها إلى بيتنا، مع سر "هند" عرّابتي الكبيرة، و نمت على صهيل حلم جميل بحفلة للهنديّة الرؤومة.. فيها حصانان و أميران اثنان.. واحد سيقبلني، و الثاني هو حبيب "هند".

"هند" التي خرجت و لم تعد إلى ذلك البيت،بل قُتلت على بابه بيد أخيها، ذهبت بحلمي الطفولي لتحلّ بدلاً عنه أسئلة، و أحلاماً بها أحيا.

فالتقسيمات التي عرفتها فيما بعد جيداً، و كرهتها.. التقسيمات الطائفية التي أمقتها، و أستسخف كلّ من يؤمن بها، جعلت لي حلماً كبيراً.. بيوم لا تعصب فيه، و لا استبداد.

يوم هارب من المدينة الفاضلة، أو من رحم وعي جمعيّ لشعب ثائر.. فالثورة ليست ثورة ما لم تنسف الاستبداد و القمع، و تواكب العصر الذي جمع السند و الهند في شاشة رقميّة، و جمع اليمين و اليسار على (الفيسبوك).
**********


حوار مندّس:


- بالعودة إلى الحل الأمني الذي تتخبط فيه الأنظمة القمعية في سوريا و اليمن، و بتكرار السيناريوهات الحاصلة بشكل يدعو للدهشة، يلحّ التساؤل من يتعلم من من ؟! و من سيدفع الثمن؟!

- شو قولك أنت حبيبي.. و لا تنظير بالمخفي، و صمت بالواقع !

- يعني مين سامعني لأقترح!

- أنا عم بسمعك تفضل (رمادي) أفندي...

-بما أنه من المستحيل إدخال وسائل الإعلام إلى سوريا، فالحل الأمني سيستمر، و بالتالي الانقسام المجتمعي سيزداد و يتعمق، الانقسام ليس مذهبي فقط، بل انقسام مصالحي بالدرجة الأولى.. و كما تعلم عندما تختلف العائلة يصبح الغريب حلال مشاكل..وهذه نقطة خوف كبيرة اليوم..

أما اليمن فقد قطعت تسعين في المائة من الطريق، لكن الخوف من أن الغريب هنا سيأتي به النظام اليمني نفسه كصفقة أخيرة.

- حكيك وارد.. بس الثورات مستمرة.. و اسمعلي هالنبوءة لقلك .. الشعوب دوماً تنتصر في النهاية.. ما علينا سمعت "ستيف جوبز" مدير شركة( آبل )مات...غيّر العالم هذا الرجل، بتعرف أنو أبوه سوري..

- و دخلك شو كان طلع منو و من أبوه لو ما سافر...

- يسلملي الرمادي شو واقعي.. طيب بتعرف إنو عاش و تعلم بفضل العائلة الأمريكية اللي تبنيتو...

- دخيلك أحسن من فقر و تخلف سلالتو..

- طيب (رمادي أفندي)بتعرف إنو كان "بوذي"..

- و دخلك هي التفاحة رمز الشركة إلها علاقة بالبوذية!

-لا على حد علمي بعد ما نزلتنا من الجنة.. ما عملت شي ...
**********



ليست نهاية:


الأحلام لا تموت .. لأن الأرواح هي التي تحلم، فعندما يفنى الجسد تحلق روحه عالياً و حسب ما كانت أحلامها يكون جسدها الجديد...

و نحن نحتاج من الأحلام ما يكفل استمرارنا على قيد الحريّة، فإذا كان البشر كلهم سواسيّة، فما يميزهم عن بعضهم هو حتماً أحلامهم.

شتان ما بين من يحلم برغيف خبز، و بين من يحلم بعرش...
فرق هائل بين الحلم بكرامة و ووطن نسكن فيه و يسكن فينا، و بين وطن يُسلب و يُنهب و يرحل أولاده يمّ الشرق و الغرب.
وطننا أمنا: لنا و ليس لنا، هو سبب وجودنا، و هو الوحيد على هذا الكوكب الذي يبكينا و نحن اليوم نبكيه...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جميل
احمد ( 2011 / 10 / 7 - 17:45 )
جميل ما نثرت على هذه الرقاقه البيضاء...دمت سالمة


2 - جميييييل
سامر عنكاوي ( 2011 / 10 / 7 - 19:47 )
جميل وتشخيص رائع وقيمة جمالية فنية ادبية هادئة راقية


3 - jamil
abdeslam ( 2011 / 10 / 26 - 19:01 )
jaime beaucoup cette pensée- فعندما يفنى الجسد تحلق روحه عالياً و حسب ما كانت أحلامها يكون جسدها الجديد...-

اخر الافلام

.. الفنان عبدالله رشاد: الحياة أصبحت سهلة بالنسبة للفنانين الشب


.. الفنان عبدالله رشاد يتحدث لصباح العربية عن دور السعودية وهيئ




.. أسباب نجاح أغنية -كان ودي نلتقي-.. الفنان الدكتور عبدالله رش


.. جزء من أغنية -أستاذ عشق وفلسفة-.. للفنان الدكتور عبدالله رشا




.. الفنان عبدالله رشاد يبدع في صباح العربية بغناء -كأني مغرم بل