الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل هي نذر حرب إقليمية أم التزام دولي بالدفاع عن حقوق الشعب السوري؟

جمال الدين بن عبد الجليل

2011 / 10 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


يبدو أن تطورات الأوضاع والمواجهة بين النظام السوري المستأسد على شعبه والجماهير المنتفضة المطالبة بالحقوق والحريات السياسية قد أخذت منعرجا نوعيا متزايدا، جعل منها تخرج عن كونها مجرد شأن سياسي سوري داخلي يمكن إدراجها ضمن تمظهرات حراك الربيع العربي في عدة أقطار عربية بمستويات مختلفة. لا يمكن إعفاء النظام السوري من تحمل مسؤوليته الكبيرة في زيادة تأزيم الأوضاع والسير بها في طريق مسدود من خلال إحكام قبضته الأمنية وكبت الحريات السياسية وتفويته الفرص المناسبة في السنوات الأخيرة للقيام بإصلاح سياسي حقيقي، إضافة إلى اعتماده أكثر فأكثر على ولاءات فئوية ضيقة تقوم على تحالفات عائلة الأسد تحديدا وبشكل مافيوزي بمن ارتبط بها بشبكة التحكم الاقتصادي والأمني الداخلي. إن النظام السوري هو في نهاية المطاف جزء من بنية الاستبداد والفساد في الحكم والسياسة على المستوى العربي، الأمر الذي يكاد يكون متأصلا تاريخيا وثقافيا ونفسيا بشكل يستعصي على الاستئصال لولا ما بثته فينا جميعا ثورات الربيع العربي من بارقة أمل بعد قنوط ويأس طال أمدهماعقودا بل قرونا طويلة. إن مراهنة النظام السوري على نجاحه بشكل كبير في سياسته الخارجية والاقليمية وإتقانه اللعب في سياسة شد الحبل والمناورة وحتى المواجهة والضغط بأقل الخسائر السياسية حينا وعقد الصفقات والتحالفات المربحة حينا آخر، كل ذلك سواء مع الأطراف الإقليمية مثل تركيا وإيران ولبنان والسعودية والفصائل الفلسطينية أو حتى مع الغرب والولايات المتحدة وإسرائيل وروسيا والصين. يظهر أن المؤشرات والقرائن على انسداد الأفق في السياسة والعلاقات الإقليمية للنظام السوري ضمن سياق دولي بدأت تتكثف بشكل متسارع وسببت إرباكا ومأزقا للسياسة الخارجية للنظام وتسويقه لها إعلاميا وشعبيا ورسميا، يظهر في فشل تعامله السياسي واحتوائه لمواقف دول الجوار الإقليمي خاصة تركيا والأردن البلدان اللذين تربطه بهما علاقات وحتى اتفاقات ومعاهدات استراتيجية باعتبار أنها تمثل لسوريا العمق الحيوي الهام جدا جغرافيا ولا يخلو من تقاطع ديمغرافي وفي الآن نفسه بوابة الخروج من العزلة والحصار نحو انفتاح واندماج متوسطي أوروبي وغربي، تجدر الإشارة هنا إلى الموافقة الأوروبية لقيام شراكة بين سوريا والاتحاد الأوروبي واتخاذ الخطوات في سبيل تطبيقها وتكريسها وماشهدته العلاقات السورية التركية من تطور نوعي وانفتاح كبيرين جدا في السنوات القلائل الأخيرة مع عدم التغافل عما تمثله وتحظى به تركيا من أهمية ووزن كبيرين كعضو في الناتو لا يمكن الاستغناء عنه إقليميا. إن التحولات الدراماتيكية في المواقف والعلاقات والتوجهات لهذه الأطراف الإقليمية والدولية المشار إليها أعلاه مقابل النظام السوري يغلب الاعتقاد فيها أنه يمكن اعتبار أن شعرة معاوية الشهيرة قد انقطعت فعلا أو هي بصدد الانقطاع واقعا وأن طريق اللاعودة قد ولجت وأبواب الرجوع إلى الخلف قد أوصدت و جسور العودة لعلاقات طبيعية قد كسرت والأهم ما في الأمر أنها تنبئ أنها ليست مجرد تحولات مزاجية آنية في السياسات الخارجية أو أنها مجرد مناورات و بالونات اختبار ترسلها الأطراف الإقليمية والدولية، هذه التحولات تنبئ أيضا عن انكشاف النظام السوري عربيا وإقليميا ودوليا وفقدانه السند ماعدا نجاحه في المحافظة على قوة ومتانة العلاقة مع الحليف الإيراني الذي تربطه به حاجة حيوية متبادلة ووضعية إقليمية فيها الكثير من التقاطع والترابط وأيضا حصوله على الدعم الدبلوماسي الأممي خاصة لكل من الصين وروسيا. إن المؤشرات الراهنة والإشارات والتسريبات الإعلامية والسياسية تشير إلى اتجاه تصعيدي في المواقف الدولية والإقليمية ضد النظام السوري ستصل على الغالب على ما يبدو إلى مواجهة عسكرية إقليمية لن تبقى معها الخارطة في المنطقة على ما كانت عليه قبل ذلك. أطراف هذه المواجهة تتبدى من ناحية في حلف الناتو من خلال بوابة الجار التركي خاصة بعد نجاح تجربة دعم قوات الثوار في ليبيا والمساهمة بشكل رئيسي في إسقاط نظام العقيد. ويبدو أن تركيا التي أبدت تحفظات شديدة عند بداية الانتفاضة الشعبية في ليبيا وتدخل الناتو لدعمها عسكريا قد راجعت وتداركت ما صدر منها من زلة في الموقف وانخرطت كليا بشكل فاعل وريادي في الاستثمار في الربيع العربي سياسيا واقتصاديا وميدانيا، وتبدو تركيا من أكثر المتحمسين لإنزال عقوبات خارجية على النظام السوري ومستقبلا ستكون طرفا رئيسيا في حال اندلاع المواجهة الإقليمية كعضو في حلف الناتو. بالرغم من أن ساحة المواجهة المتوقعة ستكون سوريا في البدء إلا أن الإمكانية الشبه المتأكدة لدخول الحليف الإيراني إلى جانب حليفه السوري في هذه المواجهة قائمة بشكل قوي وذلك للمصالح الحيوية التي تهددها نتائج هذه المواجهة في حال الخسارة من خلال فقدان ثقل وحضور المقاومة اللبنانية كأحد توازنات الرعب والردع الاستراتيجي العسكري الإيراني أمام إسرائيل والغرب عموما وذلك إذا ما سقط الجسر السوري الذي يمد إليها وما ينتج عن كل ذلك من تغول المنافس التركي إقليميا وما يمثله من تهديد محتمل كامتداد لقوة الناتو الضاربة والمتاخمة لحدود إيران خاصة من خلال الدرع الصاروخي الأمريكي الذي وافقت تركيا أخيرا على إقامته على أراضيها. أما الطرف الآخر في هذه المواجهة الإقليمية فهو إسرائيل وذلك لعدة اعتبارات لعل أهمها المواجهة الفعلية للتهديد السوري اللبناني الإيراني من ناحية ومن ناحية أخرى التأكيد على الحضور العسكري المهيمن في المنطقة خاصة بعد ما منيت به إسرائيل عسكريا وسياسيا من فشل فيما قامت به من تدخلات واعتداءات في لبنان وغزة في السنوات الأخيرة. أرى كذلك أنه لا ينبغى إغفال أن نجاح قيام ديمقراطيات عربية كمحصلة لثورات الربيع العربي يفقد الدعاية الإسرائيلية مصداقيتها وبريقها في الترويج لنفسها وتقديم ذاتها للعالم وللرأي العام الغربي تحديدا كواحة الديقراطية الوحيدة في الصحراء العربية القاحلة، هذا الاحتكار الإسرائيلي في ادعاء الديمقراطية هو مهدد حاليا في مصداقية وشرعية وجوده وبصدد السقوط أمام أمواج الثورات العربية المتلاطمة وتبدو هذه الدعاية الديمقراطية الإسرائيلية أنها في ذبول أمام تفتح أزهار وورود الربيع العربي وانتشار عبقها الفواح. من زاوية أخرى يمكن أيضا عند القراءة المتفحصة تبيان أزمة الكيان الصهيوني الذي بدأ يفقد أهمية دوره أمام تصاعد طموحات وحيوية تركيا كحليف ذى ثقل مهم للغرب في المنطقة وعضو الناتو حيث يبدو أن تركيا تنافس إسرائيل في القيام بدور هيمنة وسيادة على المستوى الإقليمي يحفظ الاستقرار والمصالح للحلفاء الغربيين، إن الدور التركي يبدو هنا أكثر إغراءا للحلفاء الغربيين لأنه أقل تكلفة وأكثر قدرة على الأداء على مستوى من الجدوى العالية بحكم ما يتمتع به من قبول واندماج إقليمي متوسطي وعربي وإسلامي.
يبدو أن الطرف الوحيد الحاضر الغائب في هذه المواجهة المتوقعة هو الشعب السوري الذي لا يعدو من خلال تعقيدات وتداخلات هذه الحسابات الجيوسياسية أن يكون إلا الذريعة لأكثر من طرف لتبرير موقفه والجثة المقطعة الأشلاء التي سيتم العبور من خلال الدوس عليها إلى تحقيق مصالح كل طرف سواء مصالح النظام السوري في المحافظة على البقاء وحلفائه -مثل إيران والمقاومة اللبنانية- من خلاله على مصالحهم الحيوية أو الناتو من خلال تركيا أو إسرائيل بشكل أوضح وأكثر جلاءً. وإنه لمن الاستغباء محاولة الترويج للتدخل العسكري لقوات حلف الناتو خاصة بأن ذلك ذو طبيعة إنسانية وأهداف أخلاقية وقيمية بدرجة أولى دعما للحرية وحقوق الشعب السوري وتوقه للانعتاق بحق من ربقة الاستبداد وكسر أغلال الدكتاتورية المستأسدة الجاثمة على أنفاسه، إن الأولوية القصوى لمثل هذه القرارات هي حسابات وتوازنات المصالح بالنسبة للدول وكل الأطراف المشاركة من أحلاف إقليمية وعسكرية وغيرها أما الحريات والحقوق فهي لا تعدو أن تكون إلا الغلاف التسويقي المناسب فقط. إن القيام بمقارنة التجاهل الدولي المطبق للحراك الجماهيري الثوري في اليمن والاهتمام الدولي والأممي بليبياسابقا وبسوريا حاضرا يكشف حقيقة توازنات المصالح لدول الغرب وتكتلاته ولا بأس أن لا تتعارض هذه التدخلات مع ظاهر وبعض أهداف وشعارات هذه الشعوب العربية المنكوبة، ولكن إنه لمن الغباء المزمن والعماء في البصيرة والعقل إذا اعتقد البعض أن حلف الناتو والدول الغربية من ورائه تحولت بقدرة قادر ما بين عشية وضحاها إلى مؤسسات خيرية تعيش صحوة ضمير تدفعها لخدمة الشعوب العربية المقهورة لتساعدها لتحقيق أحلامها في الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية.
إذا كانت ثورة الشعب التونسي لنيل الحرية وتحقيق الكرامة قد نجحت بشكل مباغت وفي غفلة من القوى الدولية وحتى الأطراف السياسية الداخلية على الساحة التونسية فإن كل هذه الأطراف قد تعلمت الدرس بسرعة فائقة وصارت تساهم بشكل فاعل ومؤثر في متغيرات الأوضاع وتوجيهها والبوصلة في ذلك هي المصالح دوما وليست القيم الأخلاقية والإنسانية السامية التي تتوق إليها الشعوب العربية في ثورات ربيعها المزهر بشكل متفاوت تفرضها علينا القراءة الواقعية للأحداث واستشرافها.
ختاما إنى آمل بكل صدق من موقع إنساني وأخلاقي أن لا تصدق توقعات مثل هذه القراءة الاستشرافية للأوضاع ولكن تطور الأحداث وتداعياتها في سوريا وعلى مستوى إقليمي ودولي يرجح غلبة احتمال تحققها ويبقى احتمال تحقق حلمي الوردي ضعيفا بأن يتمكن الشعب السوري بسواعد أبنائه وصدورهم العارية وصرخاتهم المدوية من تحقيق إرادته في الحياة الحرة الكريمة ومغالبة الأقدار في ذلك إلى أن تستجيب له في النهاية، وأنا أتصور أن التداعيات الدراماتيكية على الساحة السياسية في العديد من الأقطار العربية وآثارها على المستوى الإقليمي والدولي تشير إلى مشارف بداية تشكلات جديدة سياسية واقتصادية مختلفة في مستوياتها ونسب نضج اكتمالها للعب أدوار مؤثرة ولكنها برغم مراحلها الجنينية أحيانا والغير ناضجة بشكل مكتمل أحيانا أخرى إلا أنها تكشف عن إرهاصات لتحولات عميقة وبنيوية غير مسبوقة في فضائنا العربي وعمقه الإسلامي ويبدو أن هذه العشرية الثانية من هذا القرن حبلى بها وتحملها إلى السطح لتضع حملها ولتبدو واضحة لكل ناظر ذي بصر وبصيرة وإن غدا لناظره لقريب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حركة الرمال الصحراوية الساخنة الجافة
Dog Fox ( 2011 / 10 / 8 - 01:47 )
الصعود على ُسلّمْ الرقي يلزمهُ عوامل عدة الخارجية منها و الداخلية فالحظ القليل للعامل الداخلي لهذه الصحاري السبعة الشرق أوسطية يجعلها بحالة الباسيف ولا الأكتيف لأنها لا تملك مُقومات القوى الطبيعية لسطحها الأرضي لذلك الجيل السياسي للقرن الماضي لم يستطيع بناء دولة قومية جغرافية قوية لأنهم فاقدون لي موارد ريسورسه القوة هذا أدى للإعتماد على الخارج فأدى لما هو أمامنا و العامل الداخلي الأخر هو العامل الأنساني و نظرتهِ لعالمة الداخلي الثقافي بذاكرتهِ التاريخية الجغرافية مابين الصحاري البدوية و التمدن النصف بدوي المدني التي تعَمّقَ بها بن خلدون و التي هي عبارة عن لسان نشيط أكتيف أمام يدان أيدي كسلانة باسيف فكَسَلتْ العقل ومنها البناء المادي العلمي الوضعي الملموس أنا أعتقد بأن هناك فقط شخصين نجحوا لبناء قوة ولكن لفضل تحالفهم المقدس مع احدى القوى السابقة اي فارس فمحمد وعيسى تحالفوا مع فارس نجحوا . لنفرض محمد علي تحالف مع الفرس لكان بإستطاعتهِ المرور بالطول و العرض وعلى أنف القوى التي منعتهُ. مايحدث أمامنا الأن أعتبرها يقظةعربية صحاها من نومها المُنبه الخارجي عندما دقت ساعة الصفر بيد عبقرية

اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو