الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لليبرالية المستبدة ..!

فهمي الكتوت

2011 / 10 / 7
الادارة و الاقتصاد


ليسمح لي الصديق د.خالد الوزني باستعارة عنوان مقالته، فالعنوان يعيد لذاكرتي ما تناوله د. رمزي زكي، في كتابه " الليبرالية المستبدة " الذي صدر في تشرين اول عام 2003 حول دراسة الآثار الاجتماعية والسياسية لبرامج التكيف في الدول النامية، فمن المعروف ان الليبرالية تعني الحرية، وهي عكس الاستبداد، ويعترف المؤلف بوجود تناقض صارخ في العنوان، لكنه يوضح اسباب اختيار اسم الكتاب، الى أن الليبرالية الاقتصادية التي تطبقها هذه الدول، كثيراً ما تنطوي على علاقة سيطرة وهيمنة من الخارج، وعلى استبداد وتقييد للحريات في الداخل.
وقد اثار موضوع " الليبرالية " اهتماما واسعا لدى الكتاب والصحافيين خاصة المهتمين بالشأن الاقتصادي في الاونة الاخيرة، وتناولت معظم المقالات تفسير معنى الليبرالية، كما تناول بعض الكتاب هذه القضية بطريقة ملتبسة كالقول إن " الليبرالية أخذت تستعمل كشتيمة سياسية، وكأنها تعني الفساد... ويبدو أن بعض المسؤولين أخذوا يفهمون أنصار الليبرالية على أنهم الداعون لتفكيك الدولة وبيع موجوداتها والتعامل مع الأجنبي والتساهل مع الفساد ".
وهنا لا بد من التمييز بين التوضيح ... والاشادة في حقبة تاريخية سادت فيها سياسة اقتصادية اوصلت البلدان النامية وفي عدادها الاردن الى ازمات عميقة بمظاهرها المتعددة، مع ملاحظة عدم وجود نظام ليبرالي في بلادنا، وشروط تشكله بابعاده السياسية والاقتصادية لم تتحقق، واحتاج النظام الرأسمالي مئات السنين للوصول اليه، وكل ما جرى ان الليبرالية الجديدة " نيو كلاسيك " التي عادت بالظهور منذ اوائل الثمانينيات بزعامة ريغان في امريكا وتاتشر في بريطانيا، فرضت برنامجها على معظم البلدان النامية الذي عرف بما يسمى في " برنامج التصحيح الاقتصادي" هذا البرنامج الذي الزم الحكومات بضبط النفقات وتحسين الايرادات المحلية لتخفيض عجز موازناتها، وتخفيض عجز الميزان التجاري، وعجز الحساب الجاري، وربط المديونية بسقوف محددة نسبة الى الناتج المحلي الاجمالي، من بين شروط صندوق النقد والبنك الدوليين للحصول على شهادة تؤهل الدولة حق اعادة هيكلة الديون والحصول على مساعدات وقروض، وعلى اهمية هذه الاجراءات الا ان الفقرة الرئيسية المتعلقة بتخفيض عجز الموازنة في البرنامج، جاءت على حساب الفقراء والطبقة الوسطى في المجتمع، من خلال فرض قانون ضريبة المبيعات، وتخفيض مساهمة كبار الرأسماليين في ايرادات الخزينة باجراء تعديلات على قانون ضريبة الدخل، وتخفيض الانفاق الحكومي على الخدمات العامة، هذا النوع من " الليبرالية " الذي تناوله د. رمزي زكي في كتابه حول سياسة التكيف مع شروط صندوق النقد والبنك الدوليين فرض على بلادنا سياسيا واقتصاديا منذ عقدين من الزمن، وهنا اضع خطين تحت كلمة عقدين للتأكيد على ان سياسة التكيف مع شروط صندوق النقد والبنك الدوليين التي شهدتها معظم الاقطار العربية وفي مقدمتها الاردن ومصر، بدأت في مرحلة مبكرة عرفت بمرحلة الانفتاح الاقتصادي في مصر، وسياسة التصحيح الاقتصادي في الاردن، التي نفذت منذ اوائل التسعينيات بعد انهيار سعر صرف الدينار امام العملات الاجنبية، واغراق البلاد بالمديونية نتيجة استشراء حالات الفساد، وقد شهدت هذه المرحلة تحرير الاقتصاد من كافة القيود وتحرير التجارة الداخلية والخارجية، وتحرير حركة رأس المال، وتخلي الدولة عن اي دور اقتصادي، خاصة في المرحلة الثانية عندما جرى الخضوع لشروط منظمة التجارة العالمية، وتسهيل انسياب السلع الاجنبية وازالة اي دعم للصناعة الوطنية، وتنفيذ سياسة التخاصية والتي من خلالها تم التخلي عن مؤسسات الدولة بذريعة ادخال شريك استراتيجي لمعالجة مشاكل المؤسسات المتعثرة، فكانت النتيجة تنازل الدولة عن معظم مؤسساتها وعن ايراداتها التي كانت تدر دخلا على الخزينة، وانتقلت الى بيع الاراضي ومنها ارض ميناء العقبة، واراضي دابوق التي توقفت اخيرا لاسباب غير معروفة، وانتشر رجال" البزنس " كالنار في الهشيم لاحتلال ارفع المناصب، ودخلوا بصفقات مريبة عرضت الاقتصاد الوطني لافدح الخسائر، بهدف حصد العمولات ونهب الثروات، واغراق البلاد بمشاريع وهمية باسم الاستثمار.


نعم هذه السياسات التي فرضتها الليبرالية الجديدة على بلادنا تعتبر" شتيمة " بحق الاقتصاد والوطن، والتي سببت الكوارث في اكثر من قطر عربي، من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة خاصة بين الشباب، وما الثورات الشعبية التي يشهدها الوطن العربي الا تعبيرا عن الرفض المطلق لهذه السياسات التي اسقطت بشكل متعمد مفردات التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية ، واحدثت تبدلا خطيرا بالتركيبة الاجتماعية، بهيمنة طبقة جديدة على مفاصل الاقتصاد تمثلت بوكلاء الشركات الاجنبية في البلدان النامية " الكمبرادور" بحكم ارتباطها في الشركات المتعددة الجنسيات، واضمحلال الطبقة الوسطى واتساع الهوة بين الفقراء والاغنياء، وانعدام التوازن داخل المجتمع. لقد استهدف برنامج التصحيح والتكيف إعادة دمج البلدان النامية في الاقتصاد الرأسمالي العالمي، لتحفيز الاقتصاد الرأسمالي وتوفير آليات جديدة لنهب ثروات البلدان النامية وابقائها دولا غير منتجة تعتمد في استهلاكها على البلدان المتقدمة، وهي بلا شك زادت من ثراء الاحتكارات الرأسمالية، ووفرت شروطا افضل لتباعد الدورة الاقتصادية للازمة الرأسمالية، وفتحت الباب على مصراعيه امام العولمة الرأسمالية، وحققت انتصارا مؤقتا لنهج الليبرالية الجديدة في امريكا وبريطانيا وعدد من الدول الرأسمالية، لكن هذه الاجراءات لم تنقذ النظام الرأسمالي من ازماته بل على العكس من ذلك، تبين ان نهج الليبرالية الجديدة من اهم اسباب الازمة المالية والاقتصادية التي تعيشها البلدان الرأسمالية اليوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأسبوع وما بعد | قرار لبوتين يشير إلى تحول حرب أوكرانيا لصر


.. بنحو 50%.. تراجع حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل




.. العربية ويكند الحلقة الكاملة | الاقتصاد مابين ترمب وبايدن..و


.. قناطير مقنطرة من الذهب والفضة على ضريح السيدة زينب




.. العربية ويكند | 58% من الأميركيين يعارضون سياسة بايدن الاقتص