الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش الثورة المصرية (27): الثورة بين التغيير والتنقيط

عبير ياسين

2011 / 10 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


تتزايد الانتقادات فى مصر مع الوقت، وكلما ظهر أن أزمة ما فى طريقها للحل أو تم حلها بالفعل كلما ظهرت أزمة جديدة على السطح وأحيانا أزمات. وكلما زادت الأزمات زادت الانتقادات وأسبابها بالطبع. وبداية لا يمكن القول أن الثورة أو المجلس العسكرى هما أسباب كل الأزمات، فالأسباب أو جذورها قائمة من قبل الثورة وما الثورة إلا عامل كاشف. ومع الكشف عن تلك الأزمات بدأت عملية الربط بينها وبين المجلس بوصفه المسئول عن إدارة الوضع المصرى بكافة أبعاده خلال المرحلة الانتقالية التى أعقبت تنحى الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك عن السلطة.

ومع تزايد الانتقادات للمجلس العسكرى بشكل موضوعى أحيانا وغير موضعى فى أحيان أخرى، يمكن القول بأن أسلوب إدارة الأزمات فى حد ذاته يساعد على ظهور المزيد منها إلى السطح ويعمق من الإشكالية التى تمر بها مصر بدلا من أن يساعد فى حلها. وعلى الرغم من إدراك وجود حكومة يفترض محاسبتها على ما يحدث فأن بعض الاعتبارات الأخرى أوصلت عدد لا بأس به إلى الاتفاق على وضعية ضعف الحكومة وحقيقة المكانة التى يتولاها المجلس فى المرحلة الانتقالية، وهى الاعتبارات التى تزيد من توجيه الانتقادات للمجلس بافتراض أن أى حكومة ستكون مجرد ظل أو واجهة فى حين سيبقى المجلس هو الحاكم الفعلى بما صرف الحديث عن الحكومة ورئيس وزرائها وركزه على المجلس وبديله المدنى.

وبداية ومع تلك الاعتبارات السابقة يمكن القول بأن أحد أبعاد الإشكالية الإدارية القائمة ترتبط بالفكرة الكبرى المرتبطة بمفهوم الثورة. فالثورة تفهم بوصفها تغيير شامل وكلى وهو ما لا يحدث فى مصر. فما حدث فى مصر منذ أحداث الثورة بتبسيط أرجو ألا يكون مخل، هو اسقاط لمكونات السلطة التنفيذية من رئيس وحكومة مع بعض الأسماء المرتبطة بتلك الدائرة الضيقة فى مجالات محددة. ولكن خارج تلك الدائرة تستمر أركان المشهد السياسى المرتبطة بالنظام المراد اسقاطه -بارتباطاته وإفرازاته فى كافة المجالات- متواجدة على الساحة حتى وأن أرتدت أقنعة أخرى واستخدمت لغة خطاب مختلفة.

ما حدث هو بداية تغيير، مسمار أول فى نعش نظام سياسى فاسد من أجل ارساله إلى مقبرة التاريخ. وبالتالى ما يحدث ليس ثورة بمفهوم التغيير الكلى والسريع، ولكنه خطوة أولى ومهمة فى طريق يراد منه تأسيس نظام ديمقراطى حر قائم على الحرية والعدالة وسيادة القانون.

ما سبق يمثل الجزء الأول الجدلى فى استخدام مفهوم الثورة، أما الجزء الثانى فهو المرتبط بالبشر. فعندما تحدث ثورة تزيد وتتضخم التوقعات والطموحات. يحلم المظلوم باختفاء الظلم بلا رجعة، والمحتاج بتوفر كل متطلباته بلا مذلة، يتخيل كل صاحب مظلمة أنه وصل لقصر السلطان وتجاوز أسوار القصر العالى وحصل على فرمان تنفيذ الأحلام وهذا لم يحدث طبعا، ولن يحدث بين يوم وضحاه بحكم طبيعة المشكلات وتراكمها، وطبيعة النظام المراد اسقاطه وامتداداته فى شرايين الدولة لعقود

وهنا يأتى الخطأ الأوضح فى إدارة الأزمة فغياب نتائج كبرى على أرض الواقع مع حالة الآمال أنتج تحركات شعبية، ومع ما تتسم به المطالب من شرعية فأن بطء وتراخى التعامل معها أفرز المزيد منها. ومع إدراك النظام الإدارى القائم (مجلس- حكومة)، لحقيقة أن تلك المطالب مهمة لدى أصحابها وتتماس مع مطالب أخرى لدى فئات أخرى بدأ فى محاولة التعامل معها ولكن فى ظل غياب أى استراتيجية واضحة نتج أسلوب التنقيط. فكلما كبرت أزمة تم بذل المزيد من الجهد لحلها، ومع بذل الجهد يجد أصحاب مشكلة أخرى أن التحرك هو الوسيلة الوحيدة لإبراز مشكلتهم فتبدأ أزمة جديدة ومحاولة أخرى للحل وهكذا تستمر الدائرة.

القضية أن تلك الدائرة الممتدة تبرز بشكل واضح غياب تصور استراتيجى عن إدارة المرحلة الانتقالية، وتثبت أن اختيار القيادات السياسية- الإدارية أيا كانت مناصبها لا ينبغى أن يكون محض اختيار عاطفى مرتبط بافرازات الميدان والفضائيات وخلافه، كما تثبت أن بعض القوى السياسية الممتدة من عقود الفساد تجد فى الوضع القائم فرصة كى تلتف على عوامل ضعفها البنيوية كونها لم تعد قادرة على التبرر بقمع النظام الأسبق لها.

نحن أمام وضعية من الإدارة حسب الحالة وحسب اليوم فى وضع شديد الأهمية، والمشكلة الكبرى ليست مقولات عجلة الإنتاج فقط ولكن استنزاف الكثير من وقت مصر فى جدل ممتد حول المراحل والخطوات والتكتلات والأدوار بما لا يوفر مساحة كافية من الهدوء لمناقشة السياسات والإستراتيجيات والبرامج. المشكلة أيضا أن التفسيرات المختلفة فى محاولاتها لنقد ما يحدث تفتح ملفات جديدة دون أن تواجه حقيقة مسئوليتها عما يحدث. وبدلا من عمق الطرح نتحول لقضايا أخرى من قبيل الجدل الفلسفى الذى لا يحظى بشعبية لدى المواطن، ولكنها مرة أخرى وسيلة من البعض لشغل مساحات حوار ونقاش وتغطية نقاط ضعفهم الخاصة.

مرة أخرى أجد نفسى أتساءل هل أيادينا نظيفة؟ هل ينبغى أن ندين النظام فقط على تحوله لما أصبح عليه وعلى استمراره لعقود أم أن علينا أن نحاسب أنفسنا على هذا البقاء. وفى هذا البقاء ألم تكن الكثير من تلك الأسماء حاضرة فى المشهد فى مراحل مختلفة وعلى درجات مختلفة من القرب والابتعاد من النظام أحيانا حسب مصالح مصر وأحيانا أخرى حسب مصالحها الشخصية. والا تعيد بعض تلك القوى خلق حالة الاستقطاب من أجل مصالحها الشخصية ومقاعدها المستقبلية فى حين أن مصر لازالت تنتظر.

نعم، من حق الشعب المصرى أن يقوم بثورات لأن الفساد الذى يوجد هو نتاج عقود، من حق المواطن أن يشعر بوجود تغيير يخصه وليس أسماء قديمة فى أثواب جديدة، من حقه أن يشعر أنه مواطن فى دولة لم يشعر لعقود فيها الا أنه مواطن من درجة ثانية. وأن كان من حق المواطن هذا فأن له دور، ولعل أهم دور عليه أن يمارسه فى تلك المرحلة هو النقد. نعم النقد الواعى المدقق القائم على المقارنة. ومع النقد تأتى المسألة والمحاسبة فلسنا فى مرحلة انتاج فرعون أخر مع هدم فرعون قديم. علينا أن نهد مفهوم الفرعون نفسه وأن نحتفظ به كجزء من التاريخ وعلى جدران المعابد.

أما السياسيين والصفوة بكافة ألوانها فأن عليهم مسئولية أخرى تقتضى أولا إدراك أن مرحلة الفرعون لا ينبغى أن تعود، وأن مصر أن لم تكن تغيرت بعد فأنها تتغير. عليهم أن يدركو أن مصر مساحة تتجاوز عالم الفضائيات والمساحات الإعلامية. أن عليهم قيادة عملية التغيير بالتركيز على القضايا الحقيقية من خلال وضع برامج واستراتيجيات للمرحلة القادمة، تصورات واضحة مع برامج وخطط قابلة للتنفيذ وفق جدول زمنى واضح.

فى عملية الاختيار ليست القضية فى الأسماء فلا نريد فرعون أو كاريزما، نريد سياسى- مسئول- إدارى قابل للمحاسبة بحكم طبيعته البشرية ودوره المناط به من قبل الشعب مصدر السلطات. نريد برامج قابلة للمحاسبة خلال مدد محددة على أن يكون الصندوق الحكم، ومن يفشل يحاسب ويرحل، ويأتى غيره. نريد مكاشفة ونقطة وبداية جديدة من أول سطر الثورة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصل جديد من التوتر بين تركيا وإسرائيل.. والعنوان حرب غزة | #


.. تونس.. مساع لمنع وباء زراعي من إتلاف أشجار التين الشوكي | #م




.. رويترز: لمسات أخيرة على اتفاق أمني سعودي أمريكي| #الظهيرة


.. أوضاع كارثية في رفح.. وخوف من اجتياح إسرائيلي مرتقب




.. واشنطن والرياض.. اتفاقية أمنية قد تُستثنى منها إسرائيل |#غرف