الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما وراء اغتيال المعارض الكردي المشعل تمو

هوشنك بروكا

2011 / 10 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


مع اقتراب دخول الثورة السورية شهرها الثامن، ودخول المجلس الوطني السوري الحديث الولادة، معها، على الخط الحامي للمعارضة السورية، المطالبة بإسقاط النظام السوري، بكل أركانه وأجهزته الأمنية، من فوقه إلى تحته، بما فيه رأسه بشار الأسد، دخلت الأزمة السورية في مسارٍ جديدٍ، ينذر بدخول طرفي الصراع، أي النظام والشعب في مرحلة "كسر العظم" بين الطرفين.

ذات التطور في مسار الثورة السورية، يمكن قراءاته في مواقف الكثير من الدول الإقليمية والدولية، لا سيما أميركا(التي جددت أمس بُعيد اغتيال الشهيد المشعل تمو في القامشلي، والإعتداء على المعارض السوري رياض سيف في حي الميدان في دمشق، موقفها بضرورة "تنحي الأسد فوراً"، قائلةً بأن "الأسد يقود البلاد نحو منزلقٍ خطير") وأوروبا وتركيا وبعض الدول العربية أيضاً. يأتي اغتيال المعارض الكردي البارز مشعل تمو، أمس، في قامشلو، وتصفيته جسدياً، أثناء هجومٍ شبيحوي لشبيحة معلومين(لا مجهولين كما يتم وصفهم ل"ضرورة" الحياد)، على منزلٍ كان يقيم فيه الشهيد الراحل، مع نجله مارسيل والناشطة زاهدة رشكيلو، اللذين أُصيبا في العملية الإرهابية ذاتها بجراحٍ بليغة، يأتي هذا التصعيد الخطير من جهة النظام، في سياق هذا التطور المهم على مسار الثورة السورية، التي جاوزت نقطة اللاعودة منذ زمنٍ، ولن يقبل الثوار بعد كلّ هذه التضحيات الجسام، الخروج من "مولدها"، بأقل من إسقاط النظام من أوله إلى آخره.

اغتيال المشعل تمو، يأتي في وقتٍ أصبح للثورة السورية "بعض" عنوان يؤدي إلى حقوقها، ومجلسٌ وطنيٌّ سوري(كان للشهيد تمو دوراً بارزاً في تأسيسه وبلورته)، يمثلها وله أن يتحدث بإسمها في المحافل الدولية، وفقاً لما أعلنه الثوار السوريون أمس في جمعتهم، التي سموها ب"جمعة المجلس الوطني يمثلني".
يأتي كلّ ذلك في زمانٍ، دخل فيه النظام السوري مرحلة غير سهلة، من الصعب جداً تجاوزها بخسائر قليلة، خصوصاً وأنه يعاني الآن من عزلة دولية كبيرة، جراء العقوبات الخانقة التي فرضتها عليه دول غربية وإقليمية، ولا يزال حبلها على الجرار.

ماوراء اغتيال تمو، ليس مجرد "قتلٍ لأجل القتل"، أو "ساديةٍ في نفس شبيحٍ" لغرض التشفي فحسب، وإنما وراءه أكثر من اغتيالٍ، وأكثر من هدفٍ سياسيٍّ، وأكثر من نيّة مبيّتة، وأكثر من مجرد تصفيةٍ جسديةٍ لمعارضٍ كرديٍّ سُجن لأجل "سوريا ديمقراطية تعددية مدنية علمانية"، ورفض لأجلها أيضاً، بُعيد إطلاق سراحه من السجن، أيّ حوارٍ مع نظامٍ يقتل ويعذب ويجوّع ويشرّد ويسجن شعبه. تمو الشهيد، المعلوم الأول في الثورة السورية، كردياً، كان في طليعة الرافضين لإصلاحات الأسد الشكلية وحواراته القرقوشية، لهذا مشى واثق الخطوة إلى الثورة السورية، كملكٍ، حتى آخر دمه، مقتنعاً تمام القناعة وكمالها، بأن لا حوار مع نظامٍ قاتل، كما كان يردد دائماً: "بئس نظامٍ يقتل شعبه".

وراء مقتل تمو، أجندات وشبيحة ومخابرات وأشياء أخرى.

وراءه، لعبٌ خطيرٌ بأوراق الكرد في سوريا، وقضيتهم، التي نجح النظام طيلة عقودٍ أربعةٍ مضت، في شق الصف الكردي وجعله أحزاباً وقبائل وجماعات يختلفون فيما بينهم أكثر مما يتفقون عليه.

وراءه لعبٌ شبيحّوي خطير لخلط الأوراق الكردية وإجبار أكرادها المعنيين، وعلى رأسهم "سادة" الحركة الكردية، إلى إعادة "إصطفاف" سياسي جديد، بين "مؤيدي النظام" و"مؤيدي الثورة"، وبين من لايزالون يعوّلون على الحوار مع الأسد، وعلى سوريا في ظلّ حكمه، ومن يريدون إسقاطه ومحاكمته لا بل إعدامه.

لا شك أنّ اصطفاف الراحل تمو مع الثورة السورية ضد حكم بشار الأسد، وحسمه لموقفه، ودخوله المجلس الوطني السوري الأخير في اسطانبول، المطالب علناً بإسقاط النظام و تدخل دولي مشروط، كان السبب الأساس، لا بل الأول والأخير وراء اغتياله.

النظامُ، أراد من خلال عملية الإغتيال الشنيعة هذه، أن يقول، بأنه لن يقبل بأيّ حالٍ من الأحوال بهكذا اصطفافات حاسمة، تقف في الضد منه علناً، وتسعى لأجل إسقاطه، وهو لن يصفيّ ويغتال كلّ من يقف في صف هكذا مجلسٍ وأهله فحسب، وإنما سيطالب أيضاً كل من تطال يده إليه من السوريين، لا سيما أولئك المعارضين المسجونين في سوريا السجن الكبير، بتسمية اصطفافهم الصريح، بدون أية مواربةٍ، أو لعب بالكلمات: إما مع هؤلاء ومجلسهم وثورتهم ضد النظام ورأسه، أو ضدهم وضد مجلسهم، مع الأسد و"إصلاحات" نظامه.

البيان الصادر من "مجموع" الأحزاب الكردية السورية بخصوص اغتيال تمو، الداخلة في ائتلاف "هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديمقراطي"، والتي تقف ببعض "لاءاتها" وقبولها للأسد "رئيساً محاوراً"، بالضد من المجلس الوطني السوري، اكتفت كعادتها بكلمات مقتضبة أدانت بها ما سمتها "عملية الإغتيال السياسي بهذا الأسلوب الغريب عن سلوك مجتمعها"، على حدّ وصفها، دون أن تتهم لا من قريب ولا من بعيد، احتمال تورط أية جهة فيها، اللهم إلا "الجهات الخارجية جداً".

البيان على الرغم من تحميله "السلطة مسؤولية أمن وحياة المواطنين"، إلا أنه لم يتهم النظام السوري، الذي يقوم منذ حوالي سبعة أشهر، عبر آلة جيشه وفروع أمنه وشبيحته، بالكثير الكثير من القتل ، وأضعاف هذا القتل، من التشريد الأكبر، والإعتقال الأكثر.

بيان هذه الأحزاب المقتضب جداً، الذي تكاد كلماته تتجاوز ضعف عدد أحزابه، يتحدث عما سماه ب"الإسلوب الغريب للإغتيال"، وكأنه اغتيال من "صنع خارجي"، من المستبعد أو الغريب أو اللامعقول، أن ترتكتبه أيادٍ داخلية، كما يُفهم من لهجة البيان!

البيان في مجمله، على الرغم من "إدانته" لجريمة الإغتيال هذه، إلا أنه بيانٌ ضبابيٌّ، هزيلٌ، وضعيفٌ جداً، لا يرتقي قطّ إلى مستوى المسؤولية المفترضة الملقاة على عاتق أصحابه، في كونهم "ممثلون مفترضون" للشعب الكردي في سوريا، بحسب قولهم، فضلاً عن أنه بيانٌ يتبنى ضمنياً رواية السلطة، التي تتشدق بنظرية "المؤامرة" و"تدخل الأيادي الخارجية"، ولا يفرّق بين الجلاد والضحية، أو القاتل والمقتول.

أهل البيان الخجول، خرجوا به علينا،ليس كسياسيين كما كان من المفترض أن يكونوا، وأنما كأنهم "دعاة حقوق إنسان" في الأمم المتحدة، يطالبون السلطة الكشف عن الجناة، على حدّ وصف البيان، وكأنّها بالفعل "سلطة شرعية"، ستكشف لهم عن الجاني، في القريب العاجل، الذي لن يأتي لا عاجلاً ولا آجلاً.
ثم متى كشفت هذه السلطة عن "جانٍ"، هو طيلة عقودٍ من الجنايات والإغتيالات والإعتقالات المنظمة، في الأول والأخير من صناعتها.
أليست هذه السلطة، هي التي تقتل سوريا والسوريين، منذ أكثر من أربعة عقودٍ، وتمشي تحت إمرة رئيسها الأسد الأب سابقاً والإبن لاحقاً، فوق جنازتهم؟

هؤلاء، "أولياء أمور" الحق الكردي السوري، نقلوا خبر حادث اغتيال معارض كرديٍّ معلومٍ، على أيدي "مجهولين"، عبر "دعوة مكتومة" من ورقٍ، كأنهم "دعاة إعلامٍ مستقل"، لا دعاة سياسةٍ، وحقوق مهضومةٍ، مسحوقةٍ، مكتومةٍ، على سنة النظام الأسدي وأهله، منذ عقودٍ كثيرةٍ خلت.

هؤلاء، نسوا أو تناسوا، كعادتهم، أنّ تمو اغيتل لأنه أبى أن يكون شريكاً، في حوارٍ مع نظامٍ يقتل سوريا، على مدار الساعة، ويسفك دم السوريين، بكل مكوناتهم، ويصرّ على الوطن السوري المتعدد، في كونه "جمهوريةً عربيةً" أكيدة.
تمو المشعل، اغتيل لأنه لم يرضَ على نفسه، الدخول في سياسةٍ واطئة مع ديكتاتورٍ، يغتال السياسة وأهلها السوريين، جهاراً نهاراً، متى شاء وكيفما شاء.

وراء اغتيال تمو الكثير من قتل الكلمة بالمسدس، والكثير من تصفية السياسة بعكوسها.

ما وراء اغتيال تمو، هو محاولة لإغتيال الصوت الكردي المطالب بإسقاط الأسد ونظامه، الذي إن كان قد فقد شرعيته في سوريا، عربياً، مرّةً، فإنه من المفترض أن يفقد شرعيته كردياً مرتين. والسبب بسيط جداً، لأن الأسدين الأب والإبن، نفسيهما، وليس أحدٌ غيرهما، أرادا للكرد السوريين، عبر "مراسيم جمهورية" قراقوشية، أن يكونوا "أكراداً حمر"، خارج كلّ حقوقهم المدنية و السياسية و القومية، أو أكراد "أجانب"، لا بل "مكتومين"، كأنهم مخلوقات غريبة لا ينتمون إلى هذا العالم، نزلوا من كوكب آخر، على تخوم الجغرافيا السورية.

نحن الآن إذن، بعد تحرك المجلس الوطني(الذي كان الشهيد تمو عضواً مؤسساً بارزاً فيه) للحصول على اعتراف العالم به، أمام مرحلة جديدة للثورة السورية، مرحلةٌ سيستخدم فيها النظام كلّ ما تبقى له من قوة وشبيحة، لإغتيال كلّ صوتٍ معارضٍ، صغيرٍ أو كبير، يرتفع على صوت مسدس الرئيس الذي طالما سماه "إصلاحاً".

نحن الآن أمام سوريا أخرى، ستتغيّر بشكلٍ دراماتيكي، لن يكون فيها من الآن فصاعداً، للحلول الوسطية، أو الديبلوماسية وأخواتها اللبقات، أيّ محلٍّ من الإعراب في قادم استراتيجيتها التي ستكون دمويةً بإمتياز.

نحن الآن أمام ما تبقى من "سوريا الأسد"، التي طالما حذّرنا منها، في مناسبات أخرى، ومن "أسدياتها" التي لا تقل فظاعة وشناعةً عن "القذافيات".

نحن الآن من بعد استشهاد المشعل الكبير تمو، أول كرديٍّ يشعل الثورة السورية بدمه، أمام أكراد سوريين آخرين، وثورة سورية أخرى، كردياً، حيث لن يكون نار الأسد وشبيحته عليهم، من الآن فصاعداً، برداً وسلاماً، كما كان.

نحن الآن في سوريا، بعد صعود الكرد مع دم تمو، ومشاركتهم الدم السوري الكبير الذي يجري في الشوارع والساحات والأزقة السورية، منذ حوالي سبعة أشهر، أمام ثورة سورية أخرى، مصبوغة بدم كردي أيضاً، ستدخل معها السوريتان "سوريا النظام" و"سوريا الثورة" مواجهات أكثر دمويةً، وتطورات أكثر دراماتيكيةً، ومزالق أكثر خطورةً، وسيناريوهات مفتوحة على كلّ الإحتمالات.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ظاهرة غريبة.. السماء تمطر أسماكا في #إيران #سوشال_سكاي


.. مع تصاعد الهجمات في البحر الأحمر.. تعرف على أبرز موانيه




.. جنود الاحتلال يحتجزون جثمان شهيد من المنزل المستهدف في طولكر


.. غارة إسرائيلية استهدفت منزلا بمنطقة الصفطاوي شمال غزة




.. قائمة طويلة من لاعبين بلا أندية مع اقتراب فترة الانتقالات ال