الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استتابة العلمانيين فى مصروتونس

عماد مسعد محمد السبع

2011 / 10 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


عقب نجاح الثورتين المصرية و التونسية تقدمت القوى الدينية فى هذيين البلدين لتحتل صادرة المشهد السياسى والإجتماعى , وحيث سارعت لأدانة التيار العلمانى عبر ممارسات تجلت فى كتابات و تصريحات وخطب ومحاضرات وعمليات حشد وتعبئة لتشويه العلمانية والإيحاء بخطورتها وتنمية مخاوف الجمهور العام بشأنها .

الهدف من وراء هذا الهجوم - فى هذه المرحلة الفارقة من تطور حياة السياسية والمجتمع بمصر وتونس - هو أثبات الحضور وبناء سلطة رمزية بين الجمهور الغائب عن المحمولات السياسية و الإجتماعية والأخلاقية للفكرة العلمانية . وبما يشكل ضغطآ معنويآ على قوى التغييرالثورى الطامحة نحو بناء دولة مدنية وحقوقية الحديثة .

وفى هذا السياق يروج تيار الإسلام السياسى لفكرة مفادها أن العلمانية مجرد مرادف للإلحاد ومعارضة للإيمان الدينى , وأن المجتمعات الإسلامية لا علاقة لها بالفكرة لأنها كانت ترجمة لصراع أوروبى خالص بين سلطان الكنيسة وبين السلطة الزمنية الإقطاعية .

و يستفيد هذا الإتجاه من وعى سائد بين قطاعات فكرية واسعة يذهب إلى أن نهضة المسلمين مرهونة بشروط الإلتزام بأحكام الدين ومنظومة التشريعة التى تمتلك حلولآ كلية وشاملة لمشكلات الإنسان والحياة , وأن جهود البشر الوضعية تبقى " قاصرة وعاجزة " عن بلوغ هدف الرقى المادى والتقدم الحضارى .

تفنيد تلك الفكرة يمرعبر الإعتراف بواقعة أن غياب " الهيئة الإسلامية " الموازية للمؤسسة الكنسية البابوية لا يدحض القرائن التاريخية الدالة على توافر ( سلطة دينية ) كانت تمتلك الكلمة العليا فى تفاصيل شئون الحكم والدنيا داخل انظمة الحكم التى كانت منسوبة للإسلام ولتطبيق الشريعة .

فجوهر الشكل السياسى ( للخلافة , والسلطنة , والأمارة ) كان يجمع بين المؤسستين الدينية والزمنية ويدعم علاقات التداخل والإرتباط بينهما وبصورة لا تبتعد كثيرآ عن مضمون الكهنوت الكاثوليكى الحاكم والمسيطر فى العصر الوسيط .

انسحاب الدولة عن أدارة السلطة الوقتية فى الغرب حدث كتطور تاريخى وعلى خلفية انهيار النظام الإقطاعي والذى لعبت الكنيسة دورآ محوريآ فى صياغة هيمنته على حياة السياسة والمجتمع .

ومع بزوغ التشكيلة الإجتماعية والإقتصادية الرأسمالية , وجديد قوى السوق وعلاقات الإنتاج لم تعد هناك حاجة للنفوذ الكنسى ولشرعية لاهوتية تبرر الطابع القسرى لعملية العمل وظروف الإستغلال وأستخلاص فائض الفائض .

ولكن فى الواقع العربى الإسلامى كان الوضع مختلفآ – و حيث لم فأن تتوافر تاريخيآ الشروط الموضوعية اللازمة لتنحية السلطان الدينى عن تنظيم العلاقات الدهرية وتمايز معايير الفضاء المدنى الحقوقى عن الفضاء الدينى والتشريعى .

ففى وقت تبنت فيه الأنساق القانونية الأوروبية قيم ( العقل والضمير و القانون الوضعى ) كمستويات نهائية لقبول أو رفض الممارسة القانونية ومرت بتجديدات وتحولات جذرية خلقت نظامآ جديدآ للدولة والبشر والأشياء .

فأن الفكر الدينى والقانونى الإسلامى جنح نحو أفكار ( النقل عن السلف ومبدأ الإجتماع ومصادرة الإجتهاد ) , وحيث جمد الوعى حول القوى الإستدلالية والمعرفية للإنسان وباعتبارها ( محدودة وظنية وقاصرة ) , وأن العقل لا يمكن على أن يصبح مرشدآ للإنسان فى الأمور القانونية والدينية والأخلاقية .

ومما لا شك فيه أن عملية أخضاع الهيكل القانونى للإستدلال الدينى / الشرعى أعاق الإجراءات والحلول التقدمية للقانون الوضعى داخل نظام المجتمع والإقتصاد العربى , والذى ظل أسيرآ لطور وعلاقات الإنتاج الشرقى العتيد ورحم روابطه الأولية ومرحلة ما قبل بناء الأمة والدولة الحديثة .

فضلآ عن أن الضعف البنيوى للبرجوازيات العربية , وعدم أكتمال قواعدها ساهم فى ضمور القدرة على فرض أفكار ومبادىء العقلانية و النقدية فى سياق الحياة الساسية والإجتماعية العربية .

لقد كان أمتياز العلمانية الأكبر هو تأكيد مبدأ حياد الدولة تجاه المنظومات العقائدية للبشر , وترك المجالات العامة كى يحكمها الإبداع القانونى والسياسى الإنسانى الذى يحترم توازنات الواقع وصيرورته القابلة للتغيير عبر الجدل الحر و والتنافس و الصراع الإجتماعى .

يكفى للرد على هؤلاء الذين يكفرون العلمانية أن بعض أهم قادة وكوادر الحركة السلفية يعيشون فى كنف دول علمانية أوروبية ويتمتعون ببيئتها القانونية التى تمنحهم حقوق الإقامة واللجوء السياسى وحرية الرأى والتعبير وعدم التسلسم لدولهم لتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدهم .

هذا المثال الغربى هو نتاج لأحترام الوجود السياسى والحقوقى " للفرد " أيا كانت معتقداته الدينية والأخلاقية والتى صاغ الموقف العلمانى أزاء الدين خطوطها وأقانيمها الكبرى فى : العقل والحرية ومركزية الإنسان فى هذا الكون .

أما الأنظمة التى تتدثر بعباءة الإسلام و كلمة الدين فكانت ومازالت فتمارس انتهاكات عديدة لحقوق الإنسان وحرياته وأوجه من القمع المادى والمعنوى فى مواجهته , وتقدم صورة قاتمة للجماعة البشرية حين يسيطرالعقل الدينى الأصولى على توجيه مناحى السياسة والمجتمع .

ثمة حاجة لمواجهة الإنتاج الدينى المتصاعد ضد الفكرة العلمانية فى مرحلة ما بعد الثورة فى مصر وتونس وعبر ربط المطالب الإجتماعية والإقتصادية الملحة للجمهور العام بمبادىء الدولة الحقوقية العلمانية وكسند رئيسى لهندسة دستورية وقانونية وسياسية ومؤسسية تقدر أفكار المواطنة والديموقراطية و حقوق الإنسان .

مع واجب الإعتراف بأن خطاب التبشير بالعلمانية يعانى صعوبة اللحظة التاريخية الراهنة وصراع الواقع والمجال العام الذى يتأسلم اجتماعيآ ورمزيآ وطقوسيآ – فى كل مصروتونس منذ عدة عقود .

ثمة تاريخ طويل من الكفاح والتضحيات ينتظر التمكين للفكرة العلمانية وتمريرها فى سياق الواقع العربى . وعلى قوى التنوير أن تصيغ للجمهور( البديل / السياسى والحزبى والحقوقى العلمانى ) المناسب له, وكملاذ أخير لكفالة حقوقه والحفاظ على حرياته فى مرحلة بناء المجتمع الجديد فى كلا البلدين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السيد عماد المحترم
عبد الرضا حمد جاسم ( 2011 / 10 / 10 - 18:04 )
تحيه وتقدير
عن اي ثورتين تتحدث
ان من قام بهما الاخوان وبدعم من المحفل الاسلامي في قطر واستغل المحفل العفن طيبة الشباب ليزجهم في ذلك الخضم ليبقى هو متفرج ينتضر لينتصر

اخر الافلام

.. السودان الآن مع عماد حسن.. دعم صريح للجيش ومساندة خفية للدعم


.. رياض منصور: تغمرنا السعادة بمظاهرات الجامعات الأمريكية.. ماذ




.. استمرار موجة الاحتجاجات الطلابية المؤيدة لفلسطين في الجامعات


.. هدنة غزة.. ما هو مقترح إسرائيل الذي أشاد به بلينكن؟




.. مراسل الجزيرة: استشهاد طفلين بقصف إسرائيلي على مخيم الشابورة