الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الگرمومة : السخرية كنقد للسلطة.

محمد الرازقي

2011 / 10 / 9
كتابات ساخرة


لقد كان "برودون" على قدر كبير من الصواب، حينما نبهنا الى ان ما ينقص جيلنا، ليسوا هم نماذج من قبيل بونابارت او لروبيسبير، انما شخصيات امثال "فولتير"، اي تلك الشخصية الى تنظر الى الاشياء بالعقل المستقل الساخر، وتتضح اكثر جدية هذا المدعى عندما ننظر في واقع الممارسة السياسية بالمغرب.
فطيلة سبعة اشهر ونحن ننتقد الفعل السياسي كما هو معاش، بجدية وصرامة، بل وببلادة كبيرة، ذلك ان المغاربة لم يلتفتو الى ان الامر لا يحتاج دائما الى هذا النوع من الميكانيكية في نقد السلطة السياسية، بل لقد كان من الممكن ان يصل المغاربة الى مبتغاهم لو روحوا عن انفسهم وتسلحوا بروح الدعابة والسخرية.
باعتبار ان السخرية بمثابة ذلك المحلول السحري الذي يذوب فيه " التسنطيح" ، ويعري كثير من الامر التي يصعب على من غلظ طبعه ان يكشف عنها، فالجدية متى تجازوت حدها حجرت على العقل وضربت عليه بأقفالها، فالحرية المنشودة اليوم في العالم لا يمكن لها ان تتحقق الا عن طريق سخريتنا من انفسنا ومن العالم.
الم يسقط بن علي ومبارك وبعده القذافي بسخرية الشعوب من خطبهم، من تصرفاتهم؟ الم تكن تلك الفيديوهات والصور الساخرة التي تنشر على وسائل الاعلام في بدايات الثورة هي صاحبة الفضل فيما حدث؟ الم تكن الجزيرة التي اثير حولها الكثير من النقاش اول المستعملين لهذه الاداة السحرية في وجه القذافي وامثاله؟
ان الثائر كائن ساخر، يسخر من النظم التي تحكمه، سياسية كانت ام تقافية ام اجتماعية، فبرجوعنا قليلا الى التاريخ مثلا يتبين لنا ان الذين كشفو عن تناقضات رجال الدين في بيعهم لسكوك الغفران واتجارهم في كلام الله، كانت السخرية اقوى سلاح في ايديهم في مواجهة جدية رجال الدين، وبها حققوا ما لم يحققه غيرهم من النقاش الجاد.
ان الساخر دائما يتجاوز ذاته، ويتحرر من الاستبداد الذي يحاول ان يسيطر عليه باسم الانظباط، والخضوع للقانون، والاعراف، والتشريعات السماوية، ويكشف عن سذاجة من انخذع بمواعظ الفقهاء، وخطب السياسيين.
ان ما بني لعقود طويلة، واستحكمت به العقول، واقتيدت به الجماهير، وانخدعت به الامم، وكرست به التبعية ، لهو اسهل هدمه بالسخرية، منه بالجدية، فان تسخر من الشئ يعني ان ترفض الفعل كما هو ممارس، لكن لا تقف عن رفضه، بل الى التهكم منه، والاستهزاء به، فتذوب سلطته، وترفع قداسته، وتفكك ايديولوجيته.
وبنفس المنطق، منطق العقل الساخر، تعالوا لننظر في واقعنا بالمغرب، من خلال مفهوم شعبي، كثر تداوله خصوصا في الآونة الأخيرة، لكن رغم ذلك لم يحظى مثله مثل باقي المفاهيم حقه في التداول.
انه مفهوم ›› الـگرمومة ‹‹ ، وهو مفهوم يلخص نظرية متكاملة –ان شئتم- تفسر التاريخ المعاصر، بل وتمتد الى أعماق التاريخ، وتسلط الضوء على تلك المساحات المظلمة التي لم تفلح العلوم الاجتماعية والسياسية في فهمها وتفسيرها.
وهو مصطلح قريب من مصطلحات اخرى من قبيل " العاقة" "التدويرة" " الدهنة" "القهيوة"، ان " الـگرمومة" هي محركة التاريخ، فالذي يستطيع التحكم فيها، يستطيع التحكم في مصير الامة، ومستقبلها،ويطلق عليه بالتالي " مول الـگرمومة-الشكارة-" او صاحب الـگرمومة.
ان صاحبنا هذا عليه مدار التاريخ، بيده تسن القوانين، وعلى يده تطبق، أمره مطاع، واسمه يوحي بحلاوة " الـگرمومة"، ان صانع " الـگرمومة" هو صانع التاريخ.
انها نظرية تفسر العالم تفسيرا ماديا، موضوعيا، نظرية يغدو فيها المال على هرم الاولويات، إنّ المال شبيه بحلقة حديديّة مُرّرت داخل منخرينا، يأخذنا إلى حيث يريد كما يقول " مارك كيناي".
ولنا تجربة في المغرب مع الحراك السياسي الذي عرفه وبخاصة مع التعديل الدستوري، حيث كان الكثير يوهم نفسه بإمكانية الانتصار في هذه المعركة، لكن وبما انهم لم يتسلحوا بهذا المفهوم -اي الـگرمومة- لتفسير ما كان يحدث، انخدعوا ولم يعرفوا ان " مول الـگرمومة " هو الذي ستعلوا كلمته، حتى لو لم يقدم شيئا ذا قيمة في مذكرته للمنوني، الا ان " الـگرمومة" تشفع له وتغفر،وتعوض مقترحاته، وهذا تجاوزناه وتفهمناه، لكن ان لا يستعين المغاربة بهذا المفهوم مجددا في ما جاء بعد الاستفتاء، فهو امر ليبعث في نفوسنا العجب، ولربما هو الامر الذي دفع بنا الى ان نذكرهم،ان قوانين الانتخابات ومعاييرها لن تكون الا على مقاس " مول الـگرمومة" ، و"البروليتاريا" لن تكون الا طبقة تحركها " الـگرمومة" ، حيثما شاءت ، وتوقفها ايمنا رغبت.
ان الدروس التي تلقن لطلبة القانون والعلوم السياسية والاجتماعية، فيها من القدامة الشئ الكثير، اذ لم تستطع بعد ان تفتح ابوابها، عن النظريات الحديثة في هذا المجال، ولعل نظرية الــ"ڭرمومة" من بين احدث النظريات، واكثرها قدرة على اخترق الواقع، لفهمه ومن ثمة تفسيره.
ان الــ" الـگرمومة" تشتغل وفق آليات معقدة، فهي كما هو متعارف عليه لا يمكن ان تنمو الا في مناخ غير ديمقراطي، ولا يمكن ان تنتعش إلا في أحضان الديكتاتورية والأنظمة الشمولية، اذ في الدول الديموقراطية تصبح الــ" الـگرمومة" شيئا مرتبطا بالجهد والعمل والكسب المشروع، اذ توفر الفرص للاغتناء حسب المجهود الفردي، اما في الدول الديكتاتورية فهي هبة ومنحة.
ان الــ" الـگرمومة" تنظر الى الانسان بوصفه كائنا يشترى، او سلعة قابلة للاستثمار وتحسين الدخل، انه لا يتجاوز في معناه مجرد رقم، والمجتمع بالتالي مجموع ارقام، على من يتحكمون " الـگرمومة" ان يتصارعوا فيما بينهم لتعزيز صفوفهم في مواقع السلطة والبرلمان.
ومن هو البرلمان وفق هذا المنظور؟
انه انه فضاء كبير لمن يستطيع ان يوجه الــ" الـگرمومة" لصالحه، ويستثمر في الارقام (الانسان)، انه مكان يجمع خيرة "التـگــرميم"، لمدة تسمح لهم بان يهيئوا انفسهم من جديد لممارسة التڭرميم في الانتخابات المقبلة.
وما الانتخابات؟ انها آلية لحسم الصراع بين أصحاب "الـگرمومة" الصغار –المبتدئين، واصحاب " الـگرمومة" الكبار ذوي خبرة في هذا المجال.
ان النظم السياسية التي تحكم العالم الثالث، هي نظم تستمد شرعيتها من " الـگرمومة "، فبها يتسلق السياسي مدارج السلطة، وبها يحافظ عليها، وبها يسكت اصوات المعارضين.
ان الذي رفض منطق " الـگرمومة " في العالم الثالث يحاكم بتهمة الخيانة، والمساس بمصلحة البلد، ويسجن، او تلفق له تهم يودع من جرائها لسنين طويلة بين جدران السجن.
ان" الـگرمومة" تستعين بميكانيزمات نفسية لفرض وجودها في الساحة، فهي تدغدغ العواطف، وتخاطب رغبات الانسان في سعيه للاغتناء، والخروج من تعاسة الحاجة والفاقة، وكذا غريزته في التملك.
فلا قانون اسمى منها، لانها هي القانون، هي التي تحميه، فالشرطي لا ينظر الى عدم احترامك لشارة المرور بقدر ما ينظر الى جيبك، والطبيب لا ينظر الى عاهتك بقدر ما ينظر الى قدرتك على الدفع، والمرأة لا تنظر الى رجاحة عقلك او وسامتك، بقدر ما تنظر الى سخائك، وهكذا دواليك تلفنا " الـگرمومة" بخيوط شبيهة بانسجة العنكبوت، لتاتي في النهاية لتمتص ماء الحياة منا.
انظر لعلاقة الناس من حولك، لخصامهم، لافراحهم، لتعاستهم، بل لطموحاتهم، وبتمعن قليل ستدرك مدى تحكم منطق " الـگرمومة" فينا، لذا فلا غرابة ان يلعب السياسيون على إيقاعها، ويوجهوها لانفسهم، ما دامت المبادئ مجرد عملية غسل لفعل التڭرميم، وتلميع له، ليصبح فعلا اخلاقيا.
فلا أحد يفلت من لوازم المال العظيمة " الـگرمومة "، وكلّ على امتداد حياته يتفاعل مع تقلّباته، سواء في حياتنا الشّخصيّة أو العائليّة، في محيط العمل أو الصّحّة وسعادة الأمم، يمثّل المال دائما نفس الشّيء : إنّه العنصر الأكثر تحفيزا في الكون، الأكثر مكرا وإعجازا وعرضة للقدح ولسوء الفهم من بقيّة عناصر المجتمع المعاصر.
باسمه، قسا الجنس البشريّ قسوة لا توصف على أمّنا الأرض، واستعبد، وباسمه سادت أمم وأعلنت الحروب على اخرى، وباسمه صنعت الحضارات ومجدت، وبه تمايزت.
ان " الـگرمومة" هي روح الكون، فلا تنتظروا الشئ الكثير من خدعة التغيير هذا بالمغرب، ان لم تكشفوا عن الخدعة الأكبر، خدعة " الـگرمومة" التي يلعب عليها النظام السياسي لزمن طويل، فاشهر قليلة تبدلت فيها مواقف المئات ممن كانوا يصمون اذاننا بشعاراتهم المتجذرة،ودعواتهم لدمقرطة البلاد، وهاهم يعودون الى مواقعهم بعد ان تدخلت " الـگرمومة" على الخط، لتعيد الامور الى نصابها.
هذا فقط لاننا ننتمي الى مجتمع يستمد هويته من المال " الـگرمومة".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??