الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لجان إحياء المجتمع المدني..هيئة أهلية أم حزب

جورج كتن

2004 / 12 / 11
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لعبت لجان إحياء المجتمع المدني منذ أربع سنوات دوراً بارزاً في اختراق جدار الصمت والخوف الذي عاشته الحياة السياسية في سوريا منذ ما يزيد عن 35 عاماً في ظل منع أي نشاط سياسي غير رسمي، إذ لقيت وثائقها تجاوباً غير مسبوق في أوساط المجتمع والمثقفين ووسائل الإعلام، وساهمت في توليد حالة الانفتاح السياسي المحدودة الفعالية والزمن المسماة "ربيع دمشق"، وخاصة بعد التصريحات الجريئة للمعارض البارز رياض الترك.
لكن هل استطاعت اللجان أن تطور إنجازها نحو المزيد من المساهمة في توسيع الهامش الديمقراطي في البلاد؟ أو أنها تتراجع ويصيبها الركود؟ مناسبة هذا الحديث صدور "الوثيقة التأسيسية الثالثة" عن عدد من الموقعين عليها، لا يشمل جميع ناشطي اللجان، أي أن الوثيقة تمثل طرفاً واحداً فقط.
المشكلة الأساسية في اللجان برأينا أنها منذ تأسيسها لم تحسم أمرها فيما تريده: هيئة أهلية أم حزب، فهي لم تضع خطاً فاصلاً بين مهمات وأشكال عمل الهيئة الأهلية وما يقابلها في الحزب السياسي. فالهيئات الأهلية نمط جديد من التحرك الاجتماعي انتشر في جميع أنحاء العالم، لتحقيق تطلعات مشروعة، ولتأطير مواطنين ذوي مصالح مشتركة حول هدف محدد يلقى استجابة من شرائح مختلفة، طبقية واجتماعية وسياسية وفكرية، تتعايش في إطار الهيئة لصالح توجيه كل الجهود لهذا الهدف المحدد.
التخصص في عمل الهيئة الأهلية يميزها عن الحزب الذي يطرح برنامجاً شاملاً يتضمن مواقفاً ومطالباً تتعلق بكل شؤون المجتمع الاقتصادية والسياسية والثقافية والتربوية والصحية... ويسعى للسلطة لتحقيق برامجه، بينما الهيئة لا تسعى للسلطة بل أقصى ما تأمله التأثير على أصحاب القرار في قضية محددة لتغيير مواقفهم. فهي ليست بديلة عن الأحزاب والحكومات بل تكملها، فإذا تعاونت معها للصالح العام فهي لا تندمج في صفوفها أو تصبح واجهة لحزب أو لحكومة.
الهدف المتخصص للجان كما يتضح من وثائقها، ليس مقاومة الإمبريالية مثلاً أو العمل للوحدة العربية أو الاشتراكية أو تحرير فلسطين أو العراق أو غير ذلك من أهداف الأحزاب... بل الدعوة لكل ما يعيد الحياة للمجتمع المدني: حرية الرأي وتشكيل الأحزاب والنقابات المستقلة عن السلطة، ودولة الحق والقانون، وصندوق الاقتراع الذي يؤمن المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات ومساءلة ومحاسبة الهيئات التنفيذية وتداول السلطة والقضاء المستقل... أي كل ما يرفع الوصاية عن الشعب وينشط الحياة العامة، ويحل الخلافات بتفاهمات سلمية.
مثل هذا الهدف المحدد يجمع أطياف واسعة من المواطنين المختلفين في العديد من المسائل الأخرى، فهل راعت الوثيقة الثالثة هذا التحديد؟ لقد تجاوزته إلى مسائل تثير خلافات واسعة حولها، إذ دعت لتوافق لتحرير الأراضي المحتلة، لا أحد يرفض ذلك، لكن وثيقة التوافقات الوطنية للجان لعام 2001 التي ما تزال راهنة – حسب الوثيقة الثالثة- لا توافق أن تكون التسويات المطروحة نهاية للصراع مع العدو الصهيوني، الذي أنهك المنطقة لعقود طويلة، ألا يعني هذا أنها تنبذ من يدعو لتسويات نهائية للصراع، رغم قبوله العمل من اجل إحياء المجتمع المدني؟
كما أن وثيقة التوافقات الوطنية تدعو للوحدة العربية وتعتبرها "راهنة وممكنة وضرورة حياتية"، وهذا يعني أن من يؤمن بالوحدة السورية أو الوحدة الإسلامية أو الكردية، مقصي عن اللجان. والوثيقة ترفض العولمة وتعتبرها غزواً رأسمالياً للعالم .. وأنها لا تقوم إلا على الاحتكار في كل المجالات حتى في مجال المعلومات. رغم أن ذلك يتعارض كلياً مع الانتشار الواسع للمعلومات بعد ثورة الاتصالات والثورة المعلوماتية والإعلامية المعروفة للجميع، عدا أصحاب الوثيقة التأسيسية الثالثة، الذين يرفضون أيضاً احتكار أسلحة الدمار الشامل، دون توضيح إن كانوا مع كسر هذا الاحتكار أي نشرها، بدل الدعوة لمنع انتشارها ثم تقليصها لدى الدول التي تمتلكها حالياً تمهيداً لنزعها كلياً.
كما تنتقد الوثيقة شعار المواطنة العالمية وتعتبره "عدمية كوزموبوليتية"، رغم أن أحداً لم يطرح هذا الشعار كبديل للمواطنة القومية، كما أنه ليس هناك أية جهة تعطي جنسيات "مواطن عالمي"، أنما الشعار تعبير عن تزايد الترابط العالمي بحيث أصبحت أية مسألة محلية في أبعد مكان في العالم، تجد من يعمل لتأييدها أو استنكارها، وأقرب مثال المظاهرات في كل أنحاء العالم ضد الحرب على العراق التي من دلالاتها أن العالم يسير نحو نوع من المواطنة العالمية المتخطية لحدود الدول، المعنوية حالياً على الأقل، وهو اتجاه واقعي لا يخضع للرغبات ولا علاقة له بالعدمية المشتقة من الأيديولوجيات.
أما طرح مسألة مناهضة الاستعمار فهي أيضاً ليست من مهام اللجان، وخصوصاً أن سوريا بلد مستقل منذ زمن بعيد، وشعار مناهضة الاستعمار لم يعد موجوداً إلا كفزاعة خارجية تستعملها أنظمة استبدادية لمنع أو تأجيل الديمقراطية واتهام كل من يدعو لها بأنه عميل.
كما تطرح الوثيقة مسألة العلمانية في مواجهة التيوقراطية، ورغم توافقنا مع الفكرة فإن الدعوة لها من مهمات حزب ديمقراطي علماني وليس هيئة تعمل لإحياء المجتمع المدني ويمكن أن تضم إسلاميين متنورين. وترى الوثيقة ضرورة تحرير الفكر من براثن الأيديولوجيات القومية والاشتراكية والإسلامية، ورغم أننا ننتقد أيضاً هذه الأيديولوجيات، فأن مثل هذا الطرح يساهم في إقصاء المتمسكين بهذه الأيديولوجيات، رغم أنهم يريدون إحياء المجتمع المدني أيضاً.
تتجاهل الوثيقة حقوق الأقليات –فيما عدا إعادة الجنسية للأكراد المجردين منها- بينما حقوق الأقليات أوسع من ذلك، فهي حقوق قومية وثقافية معترف بها عالمياً ولا يستقيم إحياء المجتمع المدني بتجاهلها.
والوثيقة تتحدث عن احتلال العراق واستعماره، وهي مسألة خلافية ليس من مصلحة اللجان الخوض فيها، فهناك من يرى أن قوات الاحتلال تحولت بقرار مجلس الأمن إلى قوة متعددة الجنسيات تساعد في إعادة استتباب الأمن، لإجراء الانتخابات القادمة كجزء من العملية السياسية الديمقراطية، المؤيدة من غالبية الشعب العراقي ودول مجلس الأمن والدول الثماني الكبار وجميع دول الجوار ومنها سوريا وإيران والاتحاد الأوروبي ومعظم دول العالم، وأن خروج هذه القوات بيد الحكومة العراقية المنتخبة.
كما أن الموقف من الخارج في الوثيقة الثالثة يتسم بالتردد والغموض وهو أقرب إلى عقدة الخوف من الخارج، وأوضح مثال على ذلك دعوة اللجان لمقاطعة فضائية "الحرة"، كما تقاطع سجائر المالبورو، وهو أمر يتناقض مع حرية التعبير، فالمهم هو ما يقال من خلال الفضائية وليس جنسيتها. من حسن الحظ أن أحداً لم يتقيد بهذه الفتوى التحريمية، إذ أنها العدمية بعينها، ومن مخلفات الأيديولوجيات التي تنتقدها الوثيقة.
من حق أصحاب الوثيقة الثالثة أن يطرحوا ما يشاؤون ولكن هل هذه مسائل تتعلق بإحياء المجتمع المدني، وهل من المفيد إثارة خلافات تضيع التركيز على الهدف؟
اللجان كما يراها أصحاب الوثيقة الثالثة، "هيئة اجتماعية ومجتمعية مستقلة وغير حزبية"، لكنهم يرفضون تحولها إلى جمعية غير حكومية تهتم بقضايا جزئية، أي أنهم يرفضون التخصص الذي تتميز به الجمعيات الأهلية. إن من حقهم تجاوز مسألة التخصص، لكنهم في هذه الحالة سيتجهون رغم إرادتهم لتشكيل "مشروع حزب" ذو برنامج شامل.
عدد من مؤسسي وناشطي اللجان لم يوقعوا على الوثيقة الثالثة، فلا بد أنهم طرف آخر سيقدم وجهة نظر حول المسائل الخلافية، وهو أمر ديمقراطي نتمنى إلا يتحول إلى صراع على اسم وتاريخ اللجان...كما يحدث عندما تنشق الأحزاب. فطالما أن الطرفين متفقين على الحوار وينصحان به المجتمع المدني، فالأولى أن يمارسوه علناً أمام المهتمين من أمثالنا، الذين يتمنون للتجربة أن تتجاوز عثراتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. داتشيا داستر: سيارة دفع رباعي بسعر معقول | عالم السرعة


.. بوناصر الطفار: كلمات لا تعرف الخوف ولا المواربة • فرانس 24 /




.. الاتحاد الأوروبي: تعيين الإستونية كالاس المدافعة الشرسة عن أ


.. ما رأي أنصار بايدن وترامب بأداء المرشحين للرئاسيات في المناظ




.. سفير ووزير وسجادة حمراء.. افتتاح مطعم فاخر في #العراق يشعل م