الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن بحاجة إلى عملية -تكريد- شاملة

جان كورد

2004 / 12 / 11
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


كما هو معلوم فإن الأمة الكوردية قد تعرَضت في تاريخها الطويل إلى مختلف صنوف الحملات العدوانية والاستعمارية التي قضت على كثير من مراكزها الثقافية، وبخاصة لدى تعرَضها لغزوات المغول والتتار والأقوام التركية الأخرى التي انطلقت من المراعي الآسيوية مدَمرة في طريقها كل ما يشع نورا وحضارة، كما فعلوا أيضا ببغداد، عاصمة الدولة العباسية، التي رموا بما في مكتباتها الكثيرة في نهر دجلة حتى تغيَر لون الماء إلى أسود بسبب الحبر الذي دوَنت به الكتب، على حد قول المؤرخين المسلمين وغير المسلمين.
إضافة إلى ذلك فقد تعرَضت هذه الأمة إلى سياسات التتريك والتعريب والتفريس الدائمة والمستمرَة حتى يومنا هذا على كل الصعد والمستويات، بحيث بات الكوردي محاصرا في قوميته ولغته وعاداته ومحاربا ومدانا على أرض وطنه كوردستان، وبخاصة إذا ما أظهر اهتماما بالشخصية القومية لأمته وبلغتها وأشعارها وأدبها وفنَها، وكأن هذه اللغة وباء أو عمل اجرامي يجب مكافحته ومطاردة مرتكبيه وزجهم في السجون والمعتقلات وكم أفواههم ومنعهم من التلفَظ بلسان من الألسنة التي هي آيات من آيات الخالق العظيم وتعكس التنوَع العظيم في الوضع الثقافي لبني البشر.
ولا يخفى الدور الكبير الذي قام به الدين الإسلامي في مسألة تعريب الأمة الكوردية، طوعا أو كرها، بحيث اهتَم علماء اللغة الكورد من (ابن الحاجب) إلى (محمد كرد علي) باللغة العربية دون الكوردية، ولا يخفى أن خطب يوم الجمعة ظلَت لقرون عديدة تخطب بالعربية في مجتمع كوردي تجهل أكثريته هذه اللغة، وهذا ما أدَى في الوقت نفسه إلى فهم خاطىء للدين وتحوَل شديد نحو الصوفية بكل تحريفاتها، وبمساوئها ومحاسنها، بعد أن أخذت حيزا كبيرا في المجتمع الكوردستاني تاريخيا.. ناهيك عن المنع التام والشامل لاستخدام الكوردية في التعليم المدرسي والعالي على حد سواء بظهور قناديل "القومية العربية" التي كانت توقد بزيت الفكرالنازي الألماني والفاشي الايطالي في عهد الدكتاتوريتين المدمرتين في أوروبا في النصف الأوَل من القرن الماضي، والمتأثرتين تأثيرا كبيرا بالأتاتوركية المجرمة. التي قضت على آخر الوشائج السياسية بين شعوب المنطقة بقضائها على الخلافة الإسلامية بعون ودعم أوروبي.
أما في تركيا الطورانية فقد تم محاربة اللغة الكوردية محاربة شعواء وكأنها داء الطاعون ولم ترحم الدولة التركية الشعب الكوردي في ذلك، بل سرقت كثيرا من مفردات لغة الكورد وضمتها إلى القاموس التركي بحيث اعتبر بعض جهلاء (علماء!) اللغة التركية أن الكوردية مجرّد لهجة تركية، كما ادعى ذلك (بروفيسور) تركي في كتيب نشره في ألمانيا، مع أن الكوردية تنتمي إلى المجموعة الاندوأوربية التي لا علاقة للتركية بها وظلّت الكوردية على الدوام أنقى وأصفى من التركية التي شابها من العربية كثير جدا إلى درجة أن الترك لايستطيعون تصفية لغتهم بعد الآن من المفردات العربية الطاغية عليها. ويكفي أن نعدد أسماء كبرى الصحف التركية (حريت، ملليت، جمهوريت، صباح، زمان...)
هذه الأسباب المتعلقة بحقد الآخرين وكرهههم ومحاولات فرض لغاتهم على الأمة الكوردية بالقوة، وغيرها من الأسباب الذاتية المتعلقة بتقسيم كوردستان وضعف الحركات السياسية والثقافية الكوردية وسياسة الحرمان والكبت والقهر على كافة الأصعدة، دفعت بعض كبار المؤلفين الكورد إلى نشر نتاجاتهم الأدبية القيّمة باللغات الأخرى، وخير أمثلة على ذلك هو أمير شعراء العرب أحمد شوقي كوردي وأهم كاتب روائي في تركيا يشار كمال كوردي أيضا... وإن لغة سليم بركات الرائع في كل ما يكتبه ليست الكوردية وانما العربية، وكذلك أحد أهم علماء المسلمين المعاصرين الأستاذ محمد سعيد رمضان البوطي (نسبة إلى بوطان الكوردية)... وكان ضليعا بالكوردية في شبابه بدليل ترجمته الرائعة لملحمة (مه م وزين – تأليف أحمد خانى ) الشعرية العظيمة إلى العربية....

واليوم نرى بين الكورد من هجر الكوردية تماما رغم اعترافه بكورديته، ومن هؤلاء ملايين من الكورد الذين نزحوا إلى المدن أو ممن استلموا وظائف في أجهزة النظم التي تستبد بقومهم، وترى أسماء رجالات العرب والترك والفرس منتشرة بين الكورد أكثر بكثير من أسماء رجالات الكورد وعظمائهم، فأسماء جمال وحافظ وناصر بين الأكراد أكثر من أسماء بارزاني وطالباني وقاسملو..الألحان العربية والتركية والفارسية تطغى اليوم على الحياة الموسيقية الكوردية، بعد أن كانت الموسيقى الكوردية ذات خصوصية مميّزة.. كثير من الأكراد في جنوب كوردستان لم يعد يذكر لفظ "كوردستان – وطن الكورد" في أحاديثه مطلقا، وانما يكرر "العراق" مثلا في وقت أصبح "كوردستان العراق" حقيقة أو دولة بالواقع.. الإعلام الكوردي ليس إلا "شوربة خضار" لكثرة ما ينشر باللغات الأخرى لدرجة أن كثيرين لا ينظرون إلى الأقنية الكوردية إلا عندما يكون هناك برنامج بالعربية أو بالتركية أو بالفارسية، سواء أكان سياسيا أو أدبيا أو فنيا...ومع الأسف بعض زعماء الكورد الكبار أيضا يساهمون مساهمة فعاّلة في عملية "التعريب الذاتي" لشعبهم الذي كافحوا من أجل حريته طوال عمرهم، وعلى الرغم من الكوردية هي اللغة الرسمية الثانية في عراق اليوم بعد العربية. ولقد لاحظت بأن عدد الأكراد السوريين الذين يتحدثون في المهاجر الأوربية بالعربية قد ازداد بشكل عجيب في السنوات الأخيرة وبخاصة بين القادمين الجدد والذين هم في عمر الشباب..والغريب أنه ضمن كثير من العوائل الكوردية صارت العربية وليس الألمانية ، وهم في وسط ألمانيا، لغة المحادثة اليومية بدلا عن الكوردية.. وكأن لاعلاقة لهم بالكورد وكوردستان نهائيا، على الرغم من أنهم يحصلون على جوازات سفر أوربية على حساب الشعب الكوردي وفي ظل الحركة الوطنية الكوردية التي تساعدهم بحجة أنهم مضطهدون بسبب كورديتهم في بلادهم. وصارت الأغنية العربية والرقص العربي جزءا لا يتجزأ من حفلات الأعراس الكوردية في أوروبا، ونرى بأن مجموع ما تنشره الصفحات الانترنتية أو المجلات والجرائد (الكوردية!) بالعربية أو التركية أو الفارسية أكثر بكثير مما تنشره باللغة الأم.. وهذه مصيبة كبرى حقا... وعلى الرغم من أن عدد الذين تمكّنوا من تعلّم الكوردية والكتابة بها قد ازداد بشكل ملحوظ في العشرين سنة الأخيرة، إلا أن "التعريب الذاتي" و"التتريك الذاتي" قد أصبحا أوسع وأعمق وأوضح من "التعرب القسري" و "التتريك القسري"...
طبعا قد يسألني أحد القراء:"إذا لماذا تكتب أنت بالعربية؟ ولماذا تصدر مجلة صوت كوردستان بالعربية؟" فأقول:"حقيقة أريد كتابة كل شيء بالكوردية وأحبها، وأحاول كتابة كل نتاج أدبي بها، ولكن يبدو أن السياسة الكوردية لم تستكرد بعد، لذا أجدني مضطرا للكتابة بالعربية، على الرغم من أنني أكتب بالكوردية أيضا كل أسبوع." ولكنني لم أجعل في يوم من الأيام لغة أخرى غير الكوردية لغة مخاطبة عائلية أو بين الأصدقاء أو في المعاملات العامة، وهذا ليس عنصرية، وانما لكي لا تندثر هذه اللغة الجميلة، فكل شعب يحب لغته وكل إنسان يحب لغة آبائه وأجداده، وهذه من طبيعة البشر أينما كانوا، وليس تعاليا أو كرها أو حقدا على الآخرين كما قد يتصور بعض الناس... برأيي نحن بحاجة إلى عملية "تكريد" شاملة، بدءا من المثقفين الكبار، والزعماء السياسيين، والإعلاميين الذين لهم دور فعّال جدا في توسيع دائرة التكريد، والمرأة بحكم قيامها بتربية الطفل الكوردي أهم عنصر تربوي ولغوي في حياة الإنسان.. وإلا فإن لغتنا، هذه الآية الربانية الجميلة في خطر، وخطر الاندثار كاللغات القديمة الأخرى في المنطقة من حيتيتية وأكادية وبابلية محدّق بها من كل الجهات، في الوطن وفي خارج الوطن، وعسى أن يأخذ محبو الكورد وكوردستان كلامي هذا مأخذ الجّد والاهتمام...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينية تشاهد قوات الاحتلال تهدم مساكن عائلتها بوادي الخليل


.. نازحة فلسطينية تتكفل بطفل فقد والديه في قصف إسرائيلي جنوب قط




.. من زورق لخفر السواحل الجيبوتي.. مراسل الجزيرة يرصد الأوضاع ف


.. معاناة نساء غزة بسبب الحرب




.. منديل أول اتفاق لنادي برشلونة لضم ميسي في مزاد علني بأكثر من