الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة

عبدالعال البهادلي

2011 / 10 / 11
الادب والفن


تراتيل في مقبرة

يتحرك ببطء ، يهاذي نفسه بفتور ، يستسلم لألتواءات طرقٍ متعرجة ، يضيع في أتونها اللاّهبة ، يترجل كثباناً رملية ، يعومُ في تضاريسها بعنف وتلامس وجهه المتغضن حبات رملٍ قاسية ، يتوقف فجأة ، لم تحمله قدماه ، ظل يراوح مكانه ، تُجْهِدهُ ريحَ سمومٍ تمر على جسده ، تدغدغ آماله ، تستوقف عنده سيلٌ من نزقٍ قهري ألمَ به منذ سني عمره الأولى ، مكافحاً حرَ الشمس ومتوسداً قلقاً لا ينتهي ترسمه دعاباته بألوان باهتة ، ليس لها طعم ، تنتشر كحبات عرقٍ بلورية ، تتخذ مساراتٍ دبيبية نحو الأسفل ، تحتمي بثنيات بطنه المتهدلة وأخرى تتشرب أسماله المتهرئة .
يستنهض قواه ويداري أرتعاشات جسده محدثاً نفسه .. كم تحتاج من الوقت وأنت تشقُّ هذه الوِهاد ؟ منفرداً في مشيتك ، متوجساً بما تقدمُ أليه ، تفضحك كلماتك خجلى مرتبكة تطرق أسماع الآخرين ،هكذا بدأت كلماته تنسلّ من جوفه ، لم تجد لها جواباً في زحمة الأضداد وهي تدور من حوله وتذوب في فضاءات منكسرة .
يرقب عن بُعد طوابير لمركبات مندفعة ، تقضم المسافات ، تحمل توابيت موتى ، تنسل بوجل أزاء المقبرة .. تملكه فضولٌ آسر لرؤية ما يحدث ، يندفع بقوة ، يحثُّ الخطى ، خطواته تثير غباراً ، تُوشِمُ خيطاً من أخدودٍ يسري إزاء خطواته ، الطريق موصدة أمامه سوى طريق واحد يؤدي الى المقبرة القديمة،ينتهي بمنعطفٍ ضيق ، يرسم آثار أقدام تسري للتو ، يتفرس تلك الخُطى ، يقتفي أثرها ، يبحث عن ضالته،عن الذين ودعوا الحياة قهرا الى عالمٍ آخر .
عالمٌ لم يألفه من قبل ، أراضٍ منبسطة وأخرى متحجرة ، بقايا لقبورٍ مدروسة ، قطع من الآجر متكسرة،مثلومة،ترصعّها أسماء الموتى وتاريخ وفاتهم بالتقويم الهجري.. يتقدم خطواتٍ أخرى ، يلجّ أحد المنعطفات بتثاقل ، يصادف أرضاً متشققة تفغر أفواهها بنهم ، تدخلها أشعة الشمس باستحياء ، عظام تبرز بوضوح ، صفراء بالية بتأثير نيكوتيني مزحوم بينما راح يلتصق بعضها عشقاً بأديم الأرض ، يتوجس لمسها ، يمعن النظر فيها ويستفهم بأناة ..... يا لها من نهاية حزينة ..؟!
لفَّ المكان سكون متهدج بأصواتٍ تسيرُ بتقافزٍ عشوائيٍ ، أجسامٌ قصيرة ، هلامية ، تلتفع قماشات بيضاء بلون الثلج ، تعتمر عمائم ملونة ، ذؤاباتها مسترخية ، تنتهي برؤوسٍ مدببة .. حفاة يدوسون الأرض بأسترخاء ، يمسكون بأناملهم أعواد بخور مشرعة نحو السماء ، يصطفون بطابور واحد ويأمرهم كبيرهم بالجلوس ...يفترشُ الأرض ، يقعي أمامهم ، يدثره الخوف ، يحاول قتله بأبتسامة خجلة ترسمها شفتيه الذابلتين إزاء عيونهم.. هزوا رؤوسهم ، أومأ كبيرهم بإشارة تنمُّ عن بوحٍ قدسي ، أنضم أليهم ، أعطوه العهد وأمنّوا على جسده ومسّدوه بدهان لامع .
أطلعوه كتباً ملأى بالرقى والتعاويذ وتمائم مأسورة بخط عبري قديم ، تتوسط تلك الكتب وحولها عزائمٌ تحمل أسماء مزدوجة كثيرة ، ظل يرددها برغبة ، بان كل شيءٍ أمامه ، يفكُ طلاسمه ، يتعلم أسرار الكون ومواقع النجوم والأفلاك ببعدها المترامي ، بدأ يغوصُ بكتبٍ أخرى تتوسد الأرض ، تسرد حكايات عن آلهة الحب والمطر، آلهة تحوم في فضاءات لاحبة ، تعترش متكآتٍ بوهيمية متنقلة ، تقتات أعشاب سحرية معجونة بخلود جلجاميشي .
ظل يرقبهم عن بعد محدثاً نفسه بكلماتٍ لم يُفهم منها شيء.......................
تشرين الأول 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادل إمام: أحب التمثيل جدا وعمرى ما اشتغلت بدراستى فى الهندس


.. حلقة TheStage عن -مختار المخاتير- الممثل ايلي صنيفر الجمعة 8




.. الزعيم عادل إمام: لا يجب أن ينفصل الممثل عن مشاكل المجتمع و


.. الوحيد اللى مثل مع أم كلثوم وليلى مراد وأسمهان.. مفاجآت في ح




.. لقاء مع الناقد السينمائي الكويتي عبد الستار ناجي حول الدورة