الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورات العربية والنصّ الجديد!

مرزوق الحلبي

2011 / 10 / 11
مواضيع وابحاث سياسية



نجاح بعض الثورات العربية في طي صفحة من تاريخ مجتمعاتها يضعها أمام تحديات كتابة نصها في الصفحات التالية من هذا التاريخ. صحيح، أن هذا النص يُفترض أن يُعنى بالتفاصيل وصولا إلى شعور الشاب الذي أنهى للتو اختبارات التوجيهي، وإلى احتمالات مواليد هذه الأيام في الحصول على تعليم جامعي نوعي. ومع هذا، لا يُمكن الوصول إلى مربّع هذه التفاصيل بدون العبور في بوابات مفصلية، هي هي المدخل لمجتمعات معقولة.
تعترض مهمة هذه الثورات عقبات كثيرة نشير هنا إلى خمس منها بوصفها أساسية. الأولى ـ الإرث الذي تسلمته في الحقلين النظري والتطبيقي فيما يتصل بالدولة والنظام السياسي إرث ثقيل لجهة عطبه وتخلفه في تكريس سلطة القانون والشفافية والإدارة السوية النوعية للموارد ومواقع صنع القرار والسياسات. وهو ما أنتج تدنيا عاما في الأداء والإنجازات في الحقول كافة لا سيما في الحقل الاقتصادي الذي أبقى غالبية الدولى ومجتمعاتها على حافة الهاوية أو في منزلقها. الثانية ـ ضغط الداخل الاجتماعي لصنع التغيير الفوري. وهو ضغط جماهير الثورة في تحقيق الحلم في لمحة عين، ضغط يوقع القيادات الجديدة للمجتمع في شرك التسرّع لإرضاء الجموع ومن خلال خطوات شعبوية غير محسوبة ولا مدروسة يدفع المجتمع ثمنها أضعافا في المراحل اللاحقة. الثالثة ـ ضغط الخارج المتمثّل في عولمة مندفعة لتحقيق مصالحها على حساب الثورات والمجتمعات العربية المتحولة ومحاور دولية وإقليمية متحفّزة لاستثمار الفرصة السانحة المتجسدة في مرحلة انتقالية من خلخلة بُنى المجتمعات وأنظمة الحماية (المتبقية للدولة). حركة رأس المال غير المرئية والدبلوماسية الخفية ستحاولان الاستفادة على طريقتها من ارتباك الثورات ومراوحة المجتمعات. وهو ما يطرح السؤال الاقتصادي الذي يبدأ بالتوجه العام والارتباط باقتصاد العالم والشركاء الاحتماليين وينتهي عند ثمن رغيف الخبز في ريف تونس. الرابعة ـ ضعف الدولة وتداعي منظومات كلاسيكية للدولة القومية على الصعيد العالمي كله في زمن العولمة المتنامية وتداعي أنظمة الحماية الوطنية. وهذا ما يؤكّد التحدي الأول ويتصل به منتجا ضرورة ملحة في خلق مفهوم ثوري بروح العصر للدولة والمجتمع والمؤسسات في ظل نقد النزعة الكوسموبوليتية للدولة القومية ومنظوماتها. الخامسة ـ طبيعة النظامين السياسي ـ الاجتماعي اللذين سيتكرّسان في المرحلة المقبلة حيث تجاوزت الثورات امتحانها الأول المتمثّل في إسقاط الأنظمة وطي الصفحة السابقة من التاريخ. فقد اتضح أهمية الحريات العامة والحقوق السياسية والاقتصادية وكرامة الأفراد والجماعات والأقليات التي لم يعد ممكنا القفز فوقها تحت أي مسمى فلا تُبنى الدولة ومؤسساتها بمعزل عن هذه القيم ودون حمايتها دستوريا.
أين تمرّ خطوط التوازنات بين كل هذه المسائل الكبيرة؟ كيف لهذه التوازنات أن تتحقّق في ظل قوى الدفع المتناقضة والمتقاطعة؟ سؤالان كبيران يُفترض أن تجيب عليهما وعلى سواهما عمليات الدسترة أو التعديلات الدستورية الجارية والتي نرجح أنها ستتواصل في السنوات المقبلة، أيضا، من خلال التجريب والخطأ. وسيكون من التجريب أن تبني الثورات مجتمعاتها ودولتها بإنتاج ذاتها ـ هويتها ـ ليست كردّ فعل على نظام بائد ولا من خلال الشعور العربي بالنقص أمام العالم ولا من خلال نقيضه، وهو اعتبار الذات العربية الإسلامية مقدّسة عصية على العطب. وإنما عبر الاستفادة من دروس الذات العربية في أدائها داخل تخوم ثقافتها وأدائها في الثقافات الأخرى ومناطق التماس بينهما. وأهم ما يُمكن أن تحقّقه هو أن تكفّ عن كونها ردّة فعل نزقة أو مرتبكة على شيء أو أشياء ما فلا تكون سوى دول وأنظمة هي نقيض ما كانته قبل الثورات ليس إلا! أن تتوقف عن كونها صدى لصوت أو ترديد لصدى، أن تبرأ من حالة نسخ النصوص ونقلها (الإتّباع)، أن تخلص من إحكام نسق الثنائيات الأزلية، الممانعة أو الخضوع، القبول أو الرفض، البطولة أو الذلّ، الحاكم أو المحكوم، المحور أو الهامش. سيكون عليها أن تشرع بإنتاج نظامها كبديل مستنير يقوم على فكرة التعددية في كل شيء، وكتابة نصها في صفحة التاريخ الجديد بروح الحريات والحقوق، وبروح دروس كانت قاسية بشكل خاص في التجربة العربية الحديثة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبكة “إن بي سي”: إدارة بايدن ناقشت إمكانية التفاوض على صفقة


.. 5 مرشحين محافظين وإصلاحي واحد يتنافسون في انتخابات الرئاسة ا




.. نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي توحي بصعود اليمين في معظم ا


.. اليمين الشعبوي يتقدم في الانتخابات الأوروبية




.. كتائب القسام تستهدف قوات إسرائيلية شرق مدينة خان يونس جنوب ق