الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرام عليكم حلال علينا!

عمر دخان

2011 / 10 / 12
حقوق الانسان


ازدواجية المعايير لدى العرب بلغت حدا لا يطاق، و هي ازدواجيه تمارس بكل وقاحة و دون أي محاولة لإخفائها حتى، من حيث الإصرار عليها على الرغم من إدراك كل ممارس لها أنها ليست بالتصرف السليم و أنها خطأ بكافة المقاييس، فهي لا تعدو كونها نفاقا صريحا يتم تغليفه بعبارات لا يبدوا أن المتحدث بها نفسه يؤمن بها تمام الإيمان، و لكن كعادة العقل العربي المعادي للمنطق، يعتبر نفسه محقا و الآخرين مخطئين مهما كانت الظروف، ولو كان هو الوحيد الواقف ضد تيار المنطق و العقل الجارف، فأنا محق، محق، و ليأتي بعدي الطوفان.

أمثلة على هذه الازدواجية نراها في أمثلة كثيرة هذه الأيام، فالعرب “الحنيون” و “المسالمون” و الصارخون دوما بأنهم ضد “الإرهاب” الإسرائيلي على حد تعبيرهم، تجدهم لا يجدون غضاضة فيما يقوم به الإرهابيون العرب، سواء على مستوى التنظيمات الإرهابية أو على مستوى إرهاب الدول، فأشد الناس انتقادا لإسرائيل، و أكثرهم تحريضا عليها لأنها دولة “إرهابية” تقتل المدنيين على حد تعبيره، لا نسمع له صوتا و لا حسا عندما يكون الإرهاب صادرا من الطرف العربي، بل هو غالبا ما يجد التبرير المناسب لذلك، مثل “هذا شأن داخلي” أو “هؤلاء روافض” أو هذه عصابات إجرامية يجب قمعها” أو “هذه مقاومة شريفه”، أو يتمادى إلى عبارات أشد تطرفا على غرار “هؤلاء ليسوا عربا و هذه أرض العرب” و مايشبه ذلك من العبارات العنصرية التي نسمعها كثيرا، و التي لو صدرت من الجانب الإسرائيلي لأقام العرب الدنيا و لم يقعدوها (بصراخ و تنديد عديم الجدوى كالعادة) و لكنها عندما تأتي من الجانب العربي، نجد عربنا يسارعون لإيجاد التبرير ولو كان تبريرا يخالف المنطق، العقل و الفطرة.

لنأخذ ما يحدث في البحرين على سبيل المثال، فعلى الرغم من أن ما يحدث هناك لا يختلف عن القمع الذي قوبلت به شعوب عربية أخرى، إلا أن المبررات تملأ صفحات الإنترنت و شاشات الفضائيات، مبررات مثل “أن هؤلاء شيعة يعملون وفق أجندة إيرانية”، و أن ولائهم الأول و الأخير لإيران و معمميها. بصراحه، ربما يكون هذا على جانب من الصحة، بناء على أدلة تابعتها أثبتت لي أن هناك الكثيرين من محركي التحركات في البحرين لا يخفون ولائهم للنظام الإرهابي في طهران. كل ذلك محتمل، و لكن، أليس من حق هؤلاء التعبير عن رأيهم في مسيراتهم دون أن يتم قتلهم و الاعتداء عليهم، بل و جلب جيوش من دول مجاورة لمجابهة المدنيين العزل، و هي أغبى خطوة سياسية رأيتها في حياتي، و هي الخطوة التي زادت نار الخلافات لهيبا، و صنعت خط اللاعودة في مسار الأحداث في البحرين. كل هذا و مازلنا نجد الكثيرين ممن غُسلت أدمغتهم بمياه الحقد و الكراهية يتحدثون لنا عن خطر “الروافض” على حد تعبيرهم و يسوقون ذلك و كأنه مبرر للرد القاسي في البحرين على متظاهرين كانوا سلميين في بدايتهم، ككافة المظاهرات في الدول العربية.

أفهم جيدا حرص بقية الشعب البحريني الغير مشارك في المسيرات على استقرار و أمن بلده، و لكن المسيرات في أساسها ليست تهديدا للاستقرار، فهي تمارس بشكل يومي في الدول المتقدمة، و لا تعيق حياة الناس أو يتم قمعها بجيوش جرارة دخلت على البحرين و كأنها تفتح مكة يوم الفتح، و ياله من فتح كانت أولى تباشيره سقوط دماء الأبرياء من المتظاهرين السلميين. ما حول تلك المسيرات إلى ماهي عليه اليوم هو الطريقة التي تعامل بها النظام البحريني معها، و الذي سارع إلى الرد العنيف بشكل لم يترك معه لنفسه مساحة له للتراجع، و بشكل أشعل أحقادا ربما لم تكن موجودة أساسا سوى في عقول الوهابية الحاقدين على كل من لم يحمل فكرهم ولو كان سنيا مسلما، و تلى ذلك الرد العنيف مجموعة من الخطوات اللامسؤولة أدت إلى تصاعد الأمور بسرعة، و لا زلت أتذكر صدمتي و أنا أشاهد المدرعات و الآليات العسكرية تدخل البحرين قادمة من دول خليجية أخرى في تصرف لا مسؤول زاد الأمور تعقيدا.

لا يمكننا أن ننكر أن هناك أطرافا شيعية تسيرها أطراف خارجية وولائها ليس لوطنها بالدرجة الأولى، و لكن لا يمكننا التعميم على جميع الشيعه، و الأهم من ذلك، لا يمكننا سلب الإنسان حقه في التعبير عن صوته و رأيه لمجرد أننا “نعتقد” أنه “ربما” لديه ولاءات خارجية، فمن المستحيل أن يكون الشيعة بأكملهم بذلك الشكل الشيطاني الذي يُصور لنا من قبل علماء جعلوا نشر الأحقاد و العداوات مصدر رزق لهم، و بالتالي فهم حريصون على استمراريتها لأنه بدون أحقاد سيصبحون هم بدون عمل. ما زاد في غضبي هو رؤيتي كيف يتم استخدام ورقة “أنت رافضي” الدنيئه كلما عبرت عن رأي مخالف للغالبية، فأنا الذي أحمل اسم “عمر” يتم اتهامي أنني “رافضي” ينتحل هذا الاسم لمجرد أنني عبرت عن رأي محايد أقسم أنه كان قاسيا تجاه الشيعة كما كان قاسيا تجاه السنة، و هو الأمر الذي يجعلني أشعر بما يشعر به الإنسان الشيعي الحقيقي، و الذي يشعر أنه لا يحق له التعبير عن رأيه لمجرد أنه إنسان لديه معتقد مختلف، دون أن يحاولوا حتى الإستماع له.

أنا لست هنا مدافعا عن الكيان الإرهابي في إيران أو عن أتباعه في البحرين أو غيرها، بل أدافع عن المواطن البحريني الشيعي الذي يحق له كما يجب أن يحق لأي مواطن بحريني آخر أن يعبر عن رأيه و توجهاته دون قمع أو إرهاب، و خاصة عندما يكون ذلك التعبير عن الرأي عبارة عن مسيرات و اعتصامات سلمية لم تؤذ أحدا و لم تتطاول على أحد، قبل أن يتم تحويلها إلى ماهي عليه الآن بسبب الرد العنيف من النظام السياسي، و الأمور مازالت مرشحه للتصاعد. فعلا، خطأ كبير جدا كان استدعاء القوات العسكرية من دول مجاورة لمجابهة مدنيين عزل، و هو الخطأ الذي مازال يُدفع ثمنه إلى يومنا هذا.

مثال آخر رأيناه في ليبيا مثلا، من الشعوب العربية التي لزمت الصمت ولم تتحرك نهائيا عندما كان القذافي يبيد شعبه، و لم نسمع صوتا لا من الشعوب و لا الأنظمة، بل بالعكس، صفق الكثيرون و هللوا لجرائم القذافي التي راح ضحيتها آلاف الأبرياء، و هؤلاء الكثيرون هم نفسهم الذين يصدعون رؤوسنا صبح مساء بالحديث عن حقوق الإنسان المنتهكة من قبل إسرائيل، بينما تعمى أعينهم عن ممارسات جارهم لمجرد أنه عربي، وكأنه يحق للعربي مالا يحق لغيره. متى نطق هؤلاء؟ نطقوا عندما جاء حلف الناتو لإنقاذ المدنيين من براثن القذافي، فرأيناهم انطلقوا فجأة يكررون نفس الأسطوانة المشروخه حول “الأطماع الغربية” و كل ذلك الهراء، و أصبحنا نراهم يستنكرون “جرائم” الناتو على حد وصفهم في حق الأبرياء، حتى لو كان هؤلاء “الأبرياء” يحملون مدافع رشاشة و قاذفات أر بي جي على أكتافهم حينما قتلوا. أبعد هذا النفاق نفاق؟ لا يتدخلون لإنقاذ الشعب الليبي و لا يساندونه بشيء، ثم بمجرد أن تأتي القوى الإنسانية الحقيقية، يبدؤون في نباحهم و عويلهم. أمر مثير للحيرة و الاشمئزاز في آن واحد.

المثال التالي نراه في سوريا، و لا يهمني هنا إثبات أو نفي حقيقة وجود عصابات مسلحه أم لا، ما يهمني هو أن هناك قتل، و أن هناك ضحايا من المدنيين بالآلاف و ربما أكثر، و أن هناك جيشا يجابه مدنيين عزلا، و أن هناك أطفالا أبرياء قتلوا بدون ذنب إقترفوه. ما هو رأي العرب في كل هذا؟ إنه “شأن داخلي” و النظام السوري “نظام ممانع” لذلك لا يجب الحديث عنه بسوء ولو أباد شعبه بأكمله. هنا نرى كيف أن نشر العداوة ضد إسرائيل يؤتي ثمره أخيرا، فالنظام السوري الذي لم يطلق رصاصة واحد تجاه إسرائيل، أصبح فجأة “نظاما ممانعا” و أصبح قائده “حامي حمى العرب” و كل هذا باستغلال ورقة إسرائيل، و هي أحد الأمثلة التي تؤكد أن العرب أناس لا تهمهم حقوق الإنسان إلا عندما تحترق مؤخراتهم هم، أما بقية العالم، فليذهب إلى الجحيم، و لا يتحدث لنا أحد عن المجرمين العرب، فلا وجود للمجرمين العرب، فقط “مقاومون” و ” مجاهدون”!!!

يحزنني أن أعيد ما قلته في مقال سابق، الشعوب العربية شعوب عنصرية جدا، و مستعدة لقتل الجميع في سبيل مصالحها الذاتية، على الرغم من أنها شعوب لم تقدم شيئا للبشرية و لم تنتج شيئا يعتد به على مدار قرون، شعوب تعيش على اجترار الماضي و تضخيمه و تقديسه، و شيطنة المخالفين لهم و التأكيد على العداوة الدائمة للجميع لأننا وجدنا في هذه الدنيا “لقتال الكفار” كما يتم حشو رؤوس الأطفال و الشباب دائما من رجال يدعون أنهم علماء دين، و دوام الشكوى من ازدواجية المعايير بينما هم آلهتها و الممارس الأول لها. بالطبع، عندما نقول الشعوب العربية، يجب التوضيح أنني أقصد الغالبية و ليس الكل، فنسبة العقلانيين في الوطن العربي قليلة جدا و لكنها تبقى موجوده، في مقابل بحورٍ من الجهل و العاطفة و التخلف.

كعربي، أنت مُلزم بأن تصلح دارك قبل أن تتحدث عن بيوت الآخرين، و أن تحارب التطرف و الإرهاب في بلدك قبل أن تتحدث لي عن إسرائيل أو غيرها، و أن تنتقد بموضوعية كل مجرم عربي و لو كان عالم دين يحرض على القتل و إباحة دماء المسلمين و غير المسلمين، و أن تحاول القضاء على من يتغذون على هذه العداوات مع العالم الخارجي و يحرصون على استمرارها، سواء كانوا سياسيين أو رجال دين، و يجب أن تتوقف عن ممارسة ازدواجيه المعايير، التشفي في قتلى الآخرين من العقائد و الأجناس، و ذلك لمجرد أن أمتك فشلت في أن تحقق نجاحهم، و الأهم من ذلك هو التوقف عن السؤال عن دين القتيل قبل الشعور بالأسى نحوه (كلها نماذج حية نراها في واقعنا المعاش) لأنه إنسان مثلك مثله، و لا فرق بينك و بينه مهما حاول رجال الدين إقناعك خلاف ذلك، هو روح و أنت روح. انتهى!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي