الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في براغماتية -هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي في سورية-

بشار السبيعي

2011 / 10 / 13
حقوق الانسان


أعتادت سورية على تخريج رجال سياسة براغماتية منذ أوائل القرن المنصرم ، فمن لايستطيع أن يذكر رجال سياسة في تاريخ سورية أكثر براغماتية من الرئيس الراحل شكري القوتلي ، وبعده هاشم الأتاسي ، أو رؤساء الوزراء مثل صبري العسلي و فارس الخوري وغيرهم الكثيرون الذين تشهد لهم مواقفهم الوطنية مدى الحنكة السياسية التي كانوا يمتلكونها في إدارة الأزمات التي لم تترك مجالاً للإستراحة بين فصولها في زمن الديمقراطية السياسية القصير التي عاشته سوريا في منتصف القرن المنصرم.

واليوم تشهد سورية تخريج نخبة جديدة من السياسيين المعاصريين في صفوف المعارضة السورية الذين يحاولون أن يطبقوا براغماتية سياسية جديدة للخروج من الأزمة التي تمر بها البلاد. لكن من سوء حظهم أختلف الزمن والتاريخ والظرف في هذه الأزمة وماكان مقبولاً في زمن السياسية "الإنسانية" (بدون قتل وقمع وحشي من قبل السلطة لمتظاهرين سلمّيين في الشارع) ، التي عاشتها سورية من بعد الإستقلال من الإنتداب الفرنسي حتى إنقلاب العسكر البعثيين على السلطة في 8 أذار عام 1936 ، لم يعد اليوم قادراً على الوقوف في مواجهة الألة العسكرية والأمنية العقائدية التي تطحن الشعب في جميع أرجاء سورية.

فإذا أخذنا اليوم عدد شهداء الثورة السورية منذ إندلاعها في أذار هذه السنة ألى يومنا هذا ، وجدنا أنه أكثر بألاف مؤلفة من عدد شهداء جميع الإنقلابات السياسية التي شهدتها سورية منذ الإستقلال من الإنتداب الفرنسي في عام 1946 حتى وصول الرئيس حافظ الأسد ألى سدة الحكم عام 1970. أي أن ضحايا العنف المفرط التي تستعمله السلطة اليوم ضد الشعب الأعزل خلال سبعة أشهر من الإحتجاجات الشعبية فاق عدد ضحايا الإضطرابات السياسية التي شهدتها سورية على مدى 24 عاماً !. والسؤال هنا هل من الممكن أن نواجه سلطة فقدت أدنى درجات المعايير الإنسانية والأخلاقية في التعامل مع شعبها الثائر ضدها ببراغماتية جديدة تسعى لأنصاف الحلول و تركض لخلق معادلات سياسية تنظيرية على الأرض بينما يموت يومياً أكثر من عشرين مواطناً سورياً في جميع أنحاء وأرجاء القطر؟

شكّلت هذه النخبة الجديدة من السياسيين المعاصريين في الشهر الماضي مايسمى اليوم ب "هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي في سورية" وقد تضمنت عدة أشخاص وطنيين لهم باع طويل في الشأن السياسي المعارض ، منهم المنسق العام للهيئة المحامي حسن عبد العظيم ، والكاتب المناضل الأستاذ ميشيل كيلو ، ومن الخارج الأستاذ سمير عيطة رئيس تحرير مجلة لوموند العربية ، والكاتب الصحفي حازم نهار ، وغيرهم من الأكارم والأفاضل في صفوف المعارضة السورية.

في حديث إعلامي منذ أيام صرح المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية المحامي حسن عبد العظيم في جواب لسؤال له عما إذا كانت الهيئة تسعى لإسقاط الرئيس بشار الأسد فقال "نحن لا نحصر المسألة بشخص بل بسلطة سياسية وبإسقاط النظام الاستبدادي الأمني بشكل عام، وبكل من يمارس الاستبداد والعنف والتهجير". والسؤال هنا ، كيف يمكن إسقاط سلطة سياسية معتمدة نظام إستبدادي أمني مبني على مركزية القرار بشخصية الرئيس بدون إسقاط تلك الشخصية؟ أو هل ياترى يسعى الأستاذ عبد العظيم إلى تهذيب نفس الرئيس من خلال سحب صلاحياته الدستورية والغير دستورية اللامحددوة في أمور البلاد والعباد؟ وإذا كان الأمر كذلك هل له أن يشرح لنا الخطوات العملية التي ستؤدي تلك المهمة الشاقة؟

ويكتب اليوم المناضل الأستاذ ميشيل كيلو في صحيفة الشرق الأوسط مقالة بعنوان "صراع على بديل!" فيقول أن "منطقتنا العربية تعيش حالة من إعادة الترتيب، تتصارع وتتنافس فيها قوى محلية وإقليمية ودولية متنوعة". كلام جميل يصف حالة العالم العربي اليوم بدقة متناهية. ويتابع شرح هذه القوى بحرفية تعودنا عليها من قلم أستاذنا المناضل ليوضح لنا كيف أن موازن القوى الإقليمية والدولية بدأت تتغير في المنطقة نتيجة تفاعلها مع عصر الثورات العربية و الأحداث الراهنة على الأرض، ولاشك أننا نشهد مرحلة مفصلية وتاريخية في سياق العلاقات الجيوسياسية الإقليمية والدولية، وطبيعة الأنظمة الحاكمة المتوقعة للمنطقة في المستقبل القريب. ويستطرد أستاذنا القدير فيقول "لايدور هذا الصراع في فراغ، بل هو يندرج في سياقات دولية يزيده طابعها التنافسي تعقيداً". لاغبار على ذلك على الإطلاق ، حيث لاشك أننا نشهد نتيجة هذا الطابع التنافسي إنقسام جديد في صفوف الدول العظمى في مجلس الأمن حول مفهوم تغيير الأنظمة الحاكمة لدول العالم الثالث والتدخل العسكري المباشر فيها لتحقيق تلك المطالب.

ويسأل أستاذنا كيلو السؤال الأهم في فصل المقال "هل نستطيع فصل الصراع الداخلي عن إلزامات هذه البيئة الإقليمية والدولية كي نحصل على سوريا التي نريدها، أم أننا تجاوزنا هذه المرحلة ألى البديل الذي يراد لنا؟". !!! أعذرني أستاذي الفاضل فأنا لايمكن أن أصل ألى مستوى روعة تحليلك السياسي و عظمة قلمك الجبار، ولكنني أتسائل في قرارة نفسي هل من الممكن أنني أقراً ماقرأته للتو من الكاتب العظيم المناضل الشامخ الذي أكِنُ له فائق المعزة والإحترام؟ إذا كنت أنت نفسك العضو القيادي في "هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي في سورية" تسأل هذا السؤال فما بال عشرات الألوف من الشباب الثائر في ذلك؟ أليس الهدف من الثورة إقامة دولة مدنية، ديمقراطية، تعددية، تحترم حقوق المواطنة والقانون؟ من هم هؤلاء إقليمياً ودولياً اليوم الذين يحاولون الوقوف بيننا وبين هدفنا في ذلك؟ إذا كنت من المؤمنين أن العالم الخارجي هو الذي يحرك الثورة السورية والقوى الإقليمية والدولية هي في النهاية التي تحدد لنا نوعية "سوريا التي نريدها" فكيف لشباب الثورة أن يضعوا ثقتهم بتلك الهيئة المعارضة؟ أم أن البراغماتية السورية قد طغت على قلمك في هذا المقال وجعلتك ألى اليوم عاجزاً عن الإيمان كاملاً بما سيخرج من صميم هذه الثورة في نهاية المطاف؟ أرجو أن أكون مخطئاً في تقديري لأفكاركم، وأتمنى أن ينتقل الحديث النابع من تلك الأنامل الفاضلة ألى مستوى بناء الدولة ومؤسساتها مابعد سقوط هذا النظام، فأنصاف الحلول لايمكن لها أن تحقق مايرنو أليه الشعب السوري اليوم ، وهو إسقاط هذا النظام من الرأس ألى أخر مُفسد في صفوفه.

يقول جون آدامز، أحد أباء ثورة الإستقلال الأمريكية ضد المملكة البريطانية في 1776 ، والرئيس الثاني للولايات المتحدة ، في حديث عن الثورة أنها "كانت في عقول وقلوب الناس تغييراً جذرياً في واجباتهم وألتزاماتهم الدينية. هذا التغيير الجذري في المبادئ والآراء والمشاعر، والمحبة للشعب هو الثورة الأمريكية الحقيقية".
أظن أن الجزء الأكبر من الشعب السوري اليوم أيضاً كتب ثورته الجذرية في المبادئ والآراء والمشاعر والمحبة بدمائه وأرواحه في شوارع المدن والقرى في جميع أنحاء سورية ، وأن الواجب منا نحن السوريون أن لانقدم له أنصاف الحلول أو نقف على مسافة آمنة من أهم أهداف هذه الثورة الساطعة كالشمس التي يعبر عنها الشعب السوري كل يوم وهي إسقاط النظام بالكامل وعلى رأسه إسقاط حكم الرئيس بشار الأسد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا.. اشتباكات واعتقالات خلال احتجاج لمنع توقيف مهاجرين


.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في




.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار