الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماسبيرو وثقافة -الكيد الثوري-!!

مصطفى مجدي الجمال

2011 / 10 / 13
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


ماسبيرو وثقافة "الكيد الثوري"!!
أحيانًا يضطر المرء إلى الإفصاح عن مشاعر وهواجس قد يحرص لفترة على كبتها تجنبًا لسوء الفهم المتوقع والمفهوم من رفاقه وحلفائه.. خاصةً في فترات الاستقطاب الحاد في مواجهةٍ ما، تجري في ظرف ملموس قد يكون عابرًا، ومن ثم يتطلب الأمر منه التزام أقصى درجات الحذر في الصياغة حتى تنجلي الرؤية في ظروف أخرى تتراجع فيها العواطف وتهدأ الحناجر.
لا شك أن الثوري يضطر أحيانًا إلى القبول باصطفاف قوى غير ثورية إلى جانبه في لحظة ما، وعليه بالطبع أن يستفيد من أي خلخلة يحدثها هذا في الجبهة المقابلة.. لكن علي الثوري بنفس القدر أن يحافظ على "ثوابته" ومبادئه فلا ينجرف إلى منطق آخر لا بد أن يكون مختلفًا عنه.. بل مناقض له.
أعود هنا إلى مواقف بعينها قبل انتفاضة 25 يناير.. فلا شك أن نظام مبارك كان في حالة من الصراع مع جماعة الإخوان المسلمين، رغم عدم وجود اختلاف نوعي في الأساس الاجتماعي لكل من النظام السابق والجماعة. وبالطبع كان من المنطقي أن ترفع الجماعة شعارات الديمقراطية والمواقف الوطنية إزاء "التناقض الخارجي"..
حينها رأى البعض من الثوريين ضرورة الاستفادة من هذا التناقض البازغ الذي اتخذ أحيانًا صورة "تكسير العظم" بالاعتقالات والمحاكمات العسكرية ومصادرة الأموال.. الخ.. وحينها أيضًا لم يكن هناك اعتراض على المشاركة مع الإخوان في الحركات الاحتجاجية السياسية، بل تم دفع الإخوان دفعًا إلى الاعتراف- الشكلي طبعًا- بضرورة قيام الدولة المدنية.. غير أن بعض الثوريين- من التروتسكيين واليسار الجديد أساسًا- غالوا في هذا الاتجاه إلى حد الإعلان عن تشكيل جبهة سياسية مع الإخوان المسلمين..
وهنا يبرز ما أسميه بـ "ثقافة الكيد".. أي محاولة الاستفادة من كل العناصر المتاحة لإغاظة النظام وتشديد الضغط عليه.. دون مبالاة من النتائج المباشرة وغير المباشرة لهكذا تحالف..
فلم يجد بعض الثوريين حرجًا في تسمية خيرت الشاطر وأباطرة المال الإسلامي وقيادات التنظيم الدولي للإخوان المسلمين بالمناضلين من أجل الحرية.. ولم يجد أحد زعماء اليسار "الجديد" (بالمعنى الزمني) عيبًا في الهتاف العنصري: "خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود".. ولم يرَ البعض تزيدًا في الهتاف بحياة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد..
لم يكن من الممكن طبعًا استمرار هذه "الجبهة" المعيبة بعد 25 يناير، خاصة بعدما كشف الإخوان عن حقيقة برنامجهم السياسي على الأرض والتفافهم على شعارات الديمقراطية والمدنية التي اضطروا إلى رفعها سابقًا، وكذلك بعدما دخلت إلى الساحة جحافل السلفيين الوهابيين الأقحاح الذين يزايدون على الإخوان في بضاعتهم..
مقابل هذا لم ينجح اليسار والقوى المدنية في تكوين فعاليات وأشكال تنظيمية جبهوية وجماهيرية بينهم في مواجهة تلاعب العسكر بالسلطة المؤقتة وطمعهم في مكاسب دائمة للمؤسسة العسكرية يتم تقنينها دستوريًا.. وفي مواجهة قوى الإسلام السياسي التي تتمتع بمقومات مالية وتنظيمية وجماهيرية وإعلامية مهولة..
لعل المشكلة الرئيسية أمام قيام تحالف ديمقراطي متماسك تتمثل في ذلك الترابط الموضوعي بين النضالين الاجتماعي والديمقراطي.. الأمر الذي يجعل من الصعب جدًا إقامة تحالف يمكن أن يعيش لفترة متوسطة مع القوى الليبرالية.. وبالفعل كان تعاظم الاحتجاجات الاجتماعية "الفئوية" من أهم عوامل الضغط المباشر على المجلس العسكري..
وعلى الرغم من هذا التطور الإيجابي نحو تجذير الثورة فإنه لم يبلغ بعد مرحلة جمع كل هذه الاحتجاجات في حركة اجتماعية واحدة تتفق على شعارات جامعة.. مع ذلك ربما كان من أفضل الهدايا التي تُقدم للمجلس العسكري للخروج من ورطته هذه أن يتخذ الانقسام في المجتمع بعدًا عموديًا، أي طائفيًا، الأمر الذي يعطي المزيد من الذرائع لعودة صريحة أو مغطاة للدكتاتورية بحجة الحفاظ على جسم المجتمع من حُمّى الطائفية..
لا شك أن للأقباط المصريين مطالب مشروعة تجمع عليها كل القوى الديمقراطية حقًا.. لكن إنجاز هذا المطالب لن يكون بتحرك طائفي، وإنما يجب أن يتم عبر تحويل ديمقراطي شامل وعميق للمجتمع المصري، وفي مقدمته حسم مسألة السلطة لصالح القوى الديمقراطية..
مع ذلك.. وفي ظل الجمود النسبي، وربما التراجع، الذي شهدته الساحة الثورية في الأسابيع الأخيرة، وجد بعض اليساريين أنه من المناسب تمتين العلاقات والاشتراك في فعاليات الاحتجاج القبطي/ الطائفي.. وفي ظل هذا الاختيار تجاهل البعض طبيعة المؤسسة الكنسية المصرية التي تمارس بعض أشكال القهر ضد المسيحيين أنفسهم في أحوالهم الشخصية..
لقد كان من أسوأ "إنجازات" نظام مبارك أن أصبحت الكنيسة هي الوسيط بين الدولة والأقباط، ولم يجد كثير من الأقباط مفرًا- إزاء ما يتعرضون له من تهميش وتمييز- من الرضوخ لفكرة أن الكنيسة هي المتحدث الرسمي والمفاوض باسم "الشعب القبطي".. وقد بدأت الكنيسة بعد الثورة تحاول الاستفادة من الدور الذي لعبه المواطنون والشباب القبطي في الثورة.. كي تنتزع ما عجزت عن انتزاعه من حقوق في الفترات السابقة.. خصوصًا في ظل تفاقم نفوذ الإسلام السياسي..
المهم أن بعض اليساريين قد انخرطوا بشرف في الدفاع عن المطالب المشروعة للأقباط.. لكنهم تغاضوا أيضًا عن مخاطر الاستقطاب الطائفي في المجتمع على الثورة بأكملها.. وتغاضوا عن رفع الصلبان في التظاهرات التي يشتركون فيها، رغم أن اليسار كان يدين دائمًا رفع المصاحف وترديد الشعارات الإسلامية.. وتغاضوا عن الحماقات التي ارتكبها بعض الغلاة الطائفيين المطالبين بالحماية الدولية والتدخل الأمريكي.. وتغاضوا مثلاً عن تهديد أحد رجال الدين بقتل محافظ أسوان "خلال 48 ساعة"..
هذه هي ما أسميها ثقافة "الكيد".. أي أن الثوري قد يضحي بمقتضاها ببعض مبادئه من أجل تحقيق هدف تكتيكي واضح ضد عدو مباشر هو المجلس العسكري في حالتنا.. ولا أفهم أن يهتف يساريون في قاعات الكنائس أثناء الصلاة على شهداء ماسبيرو بسقوط حكم العسكر، رغم أننا لا نحب أن تتحول المساجد والكنائس على السواء إلى ساحات للسياسة..
في الحقيقة أنني لست مرتاحًا بالمرة لبعض التناول اليساري لأحداث ماسبيرو الأخيرة.. فعلى الرغم من تسليمي بأن المجلس العسكري يحاول الإبقاء على جوهر النظام الاجتماعي والحفاظ مستقبلاً على وضعية متميزة للمؤسسة العسكرية مع تقديم بعض التنازلات السياسية.. وعلى الرغم من إدانتي للمجزرة البشعة التي ارتكبتها الشرطة العسكرية والبلطجية والمتعصبون طائفيًا.. على الرغم من هذا كله لم أفهم مثلاً لماذا تصمت أقلام يسارية عن ممارسات طائفية لا تخطئها العين أو الأذن.. فلا إدانة بالقدر نفسه للتحريض الطائفي ولا لاستدعاء التدخل الأجنبي..
كما لا أفهم أن يصل "الكيد" بالكثيرين إلى مرحلة المساواة بين المجلس العسكري والجيش المصري.. ولا أتصور أنهم لا يدركون أنهم بهذه المساواة يدفعون مئات الألوف من الجنود والضباط إلى الشك- على الأقل- في الثورة.. ثم إن تصوير التناقض في هذه اللحظة على أنه تناقض بين الجيش والأقباط يعد حماقة منقطعة النظير بزرع الحالة الطائفية داخل جيش ضخم من المنطقي أن تكون أغلبيته من المسلمين.. ناهيك عن هذه الهدية الثمينة التي تقدم هنا للإسلام السياسي ليعزز نفوذه داخل الجيش.. فما هو المكسب الذي ستجنيه الثورة من هذا..
لا بد من الاستمرار في النضال من أجل الإسراع بإنهاء المرحلة الانتقالية وحكم المجلس العسكري من أجل بناء جمهورية برلمانية وإضفاء الديمقراطية على سائر مناحي الحياة الاجتماعية..
ولا بد من تطوير ثورتنا لتكتسب كامل أبعادها الاجتماعية والسياسية والثقافية والوطنية.. وهو ما يتطلب منا- ضمنًا- مقاومة النزعات الطائفية والعرقية والجهوية.. أو على الأقل عدم الانجرار وراءها حتى لو كانت ستكسبنا شعبية مؤقتة وسط قطاع بعينه في المجتمع..
أما التمادي في ممارسة ثقافة "الكيد الثوري" فسيجعلنا نخسر أنفسنا آخر المطاف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كشف القناع
ليلى ابراهيم ( 2011 / 10 / 13 - 10:52 )
هى الان لغز ماسبيرو ..حتما ستنكشف الحقيقة فقد تكون غزوة ماسبيرو او مذبحة ماسبيرو او معركة ماسبيرو


2 - لا كيد ثوري ولا هم يحزنون...
محمد بودواهي ( 2011 / 10 / 13 - 11:44 )
في ظل التجادبات السياسية الحادة التي تعرفها الساحة المصرية قبيل تشكيل مؤسسات الحكم في البلاد ارتفعت وتيرة التخندق والتقاطبات والتحالفات بين الكثير من المكونات السياسية والمدنية والعسكرية من أجل نصرة خط سياسي وفكري وثقافي واضح أنه لا يرفع شعار الديموقراطية إلا للتمويه والمراوغة ....وهو الأمر الدي بات يشكل خطرا حقيقيا على جهات سياسية وطائفية ومجتمعية ومدنية مختلفة غير منسجمة وغير متجانسة وبالتالي خطرا على مستقبل البلاد واستقرارها ....وبالتالي استوجب التفكير في كيفية التنسيق والتحالف لتكوين جبهة سياسية ديموقراطية مضادة دفاعا عن الثورة وعن أهدافها المسطرة في مبادئ الديموقراطية والحرية والمساواة .... وبالتالي فلا كيد ثوري ولا هم يحزنون ...


3 - هل يمكن لجبهة ديمقراطية أن تضم طائفيين؟
مصطفى مجدي الجمال ( 2011 / 10 / 13 - 18:35 )
السيد بوداهي.. جاء بالحرف في تعليقك: -وبالتالي استوجب التفكير في كيفية التنسيق والتحالف لتكوين جبهة سياسية ديموقراطية مضادة دفاعا عن الثورة وعن أهدافها المسطرة
.....-في مبادئ الديموقراطية والحرية والمساواة .... وبالتالي فلا كيد ثوري ولا هم يحزنون فهل يمكن أن تضم هذه الجبهة المؤسسة الكنسية ورجال الدين الذين يبثون الكراهية إلى حد مطالبة المسلمين بالرحيل عن مصر.. فكما لا نتصور أن السلفيين والإسلام السياسي لا يمكن أن يكونوا جزءا منها فلا يمكن تصور أن هذه المؤسسة والقيادات المتخلفة يمكن أن يكونوا جزءا منها.. إنني كنت أتحدث عن استدراج اليساريين - ولو بإرادتهم- إلى آتون الطائفية التي يمكن أن تحدث انقسامًا عموديًا عميقًا في المجتمع وفي مقدمته الجيش نفسه.. فأي مستقبل للثورة عندئذ.. نعم الأقباط يعانون من التمييز والتهميش.. ولكن الدفاع عن حقوقهم لا يعني تجاهل السخائم التي يرتكبها أولئك المتخلفون والمتعصبون.. مثلهم في هذا مثل المتعصبين والمتخلفين في الأغلبية.....


4 - من توابع ماسبيرو
مصطفى مجدي الجمال ( 2011 / 10 / 13 - 22:53 )
لاحظت في الأيام الثلاثة الأخيرة أن أعدادًا كبيرة ممن أعرفهم من المناضلين اليساريين تفرغوا تمامًا تقريبًا للدفاع عن
الأقباط والتهكم على الجيش المصري ككل وليس المجلس العسكري وحده.. في أجواء تكاد تشبه تلك الأجواء السلبية التي أحاطت بالجيش المصري بعد هزيمة 1967
بداية أقول إن المجلس العسكري ارتكب أخطاء فظيعة في إدارة الأزمة.. وأعلن تضامني مع أهالي الشهداء في المطالبة بتحقيق عادل وناجز ومستقل في هذه الواقعة الدامية.. ولكني أبدي انزعاجي من تناول يساريين أعزاء للواقعة بعين واحدة.. يغلب عليها التفسير التآمري بأن الجيش (المحلس العسكري) تعمد القيام بهذه المذبحة كي يطيل أمده في الحكم.. أو كي يعزز تحالفه المرشح بقوة مع الإسلام السياسي.. أما أنا فأميل إلى تفسير يقول بأن المجلس العسكري قد يستفيد منطقًا من هذه الأحداث لتحقيق الهدفين السابقين.. ومن غير المعقول تصور أنه خطط لكي يقتل هذا العدد الكبير من المتظاهرين دون التحسب لمخاطر هذا على سمعته.. ثم إذا كان لا بد من القتل فلم يكن من الضروري أن يتم بهذا الأسلوب البشع أو تلك الأعداد الكبيرة

اخر الافلام

.. لحظة إسقاط مسيرة إسرائيلية بعد استهدافها في أجواء جنوبي لبنا


.. كيف ستتعامل أمريكا مع إسرائيل حال رفضها مقترح وقف إطلاق النا




.. الشرطة تجر داعمات فلسطين من شعرهن وملابسهن باحتجاجات في ا?مر


.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا




.. مظاهرات في أكثر من 20 مدينة بريطانية تطالب بوقف الحرب الإسرا