الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنحطاط العراقي

أسعد البصري

2011 / 10 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


لا ألوم المثقف العراقي الصامت أحياناً فماذا يقول ؟
غوغاء تلعبُ بالبنادق دفاعاً عن عقائد لا يفهمون سطراً واحداً منها
ومثقفون خرجوا من ضجيج و أحياء شعبية ليقولوا أنهم و بقدرة قادر
حداثيون و عندهم موقف جوهري من الإسلام
والتراث ، وكيف حدث هذا ؟ بقدرة قادر ، هذا جهل
شديد و ظلام ، وأنا في كثير من الأحيان أتفهم
المثقفين العراقيين الكبار ، بل أحترم صمتهم واعتزالهم
لقد حدث ما توقّعه الشاعر العراقي الرّائع حكيم الصبّاغ
وهو شاعر ولغوي و عارف باهر يعيش الآن معتزلاً الثقافة
يبيع السكائر بمحل مرعب في قاع مدينة فانكوفر أقصى الغرب الكندي
سنوات وهذا المثقف المهم يتأمّل المتسوّلين والمدمنين
وبتدبّر القرآن و نهج البلاغة
قال لي البارحة : إنتبه لنفسك
أنت تكتب بجسدك ، وهذا النوع من الكتابة سيقضي عليك
بدأتُ أنام كثيراً ولا أرى بشكلٍ جيّد
عندما تكون واثقاً من صوتك
لن تجد حرجاً في الإنحناء لصوتٍ باهر حين يمرّ في سمائك
المزيّفون لا يرون سوى بعضهم بعضاً من باب حفظ النوع
كان النبلاء يمتلكون الشرف الكافي للإعتراف ببعضهم
هكذا كان أبو بكر الصدّيق
كان عنده من الشّرف والثّقة ما يكفي لمعرفة نبيّ
والجَلَد على صُحْبَتِه
فيما يتعلّق بشعراء الحداثة فإن شعرَهم موضع ترحيب كبير
لا توجد صحيفة تمنع سياستها نشر هلوسة و طلاسم
هذا الشعر كانت تنشره صحيفة الثورة والجمهورية
فلماذا لا تنشره الصحف الديمقراطية في العراق الجديد
مرحباً بالكلام الذي لا يقول شيئاً على الإطلاق
أوليس الكلام الفارغ هو ذلك الذي لا معنى له
المعنى الوحيد الذي أراه هو ما يكتبه هؤلاء عن بعضهم
شيء عجيب و مبالغة عجيبة عن شيء لا وجود له أصلاً
معظم شعر الحداثة يذكرني بشركات النصب والإحتيال في كندا
شركات ضخمة ، لها بنايات عالية و مئات الموظفين
بريد ، كومبيوترات ، أرصدة و هواتف لا تُعَد ولا تُحصى و دعايات
يتّضح في النهاية أن هذه الشركة العظيمة لا تبيع سوى الفراغ والأكاذيب
الكارثة أنه حتى الموظفين المخلصين الذين عملوا فيها لسنوات طويلة
لم يكونوا يعلمون أنهم كانوا يبيعون الهواء والفراغ للناس
كان آخر تلك الشركات هي شركة عالمية تبيع غابات الصاج في بناما
إلى مستثمرين من جميع أنحاء العالم
وقد اتضح لاحقاً أنه لا غابات ولا أشجار و عقود الإستثمار كلها مزورة
هذا هو شعر الحداثة ، عقود مزوّرة لا يوجد معنى ولا غابات صاج
طبعاً الماركسيون العراقيون سينزل عليهم كلامي هذا كالمن والسّلوى
ولِمَ لا ؟ ، نصح ماركس بقراءة بلزاك ، أعتقد أن عليّ فعلَ ذلك
ربّما إذا أخذتُ بنصيحة ماركس سأتعلّمُ شيئاً
وأكتب شيئاً له قيمة
مَن يقرأ كلامي يرى أنه يتمزّق بين الماركسية والإسلام
هذه جريمة تربوية حدثت لكثير من العراقيين أبناء جيلي
كان جدّي مؤمناً و مفتوناً بالقرآن والشيخ الغزالي
وكان أبي ماركسياً وأستاذاً في الفلسفة الماديّة
كلاهما كان شخصية واثقة و قويّة
كانت نتيجة الجدل بينهما هو هذا المشوّه الذي تقرأون له
نعم كائن مشوّه يسير برأس إسلامي وتراثي هو جدّي الفلاح المثقف
وبرأس آخر علماني غربي هو رأس أبي القلق
شخص كهذا لا يُمكن توقّع ما سيقول و يفكّر
الشخص المشوّه فكرياً يردّ على نفسه بنفسه لا أحد يردُّ عليه
لأنه جدل وليس رأياً
ولأنّ الفكر القومي خلطة ماركسية - إسلامية يظن البعض
خطأً أنني قومي
ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل
مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ) / قرآن كريم
هل حقاً نستطيع تفسير شيءٍ كهذا وفهمه بسهولة ؟
جدّي الحاج تركي كان يقول : لا يُمكن ، ويستشهد
بأبيات الزنديق العالم ابن الراوندي
كم عاقلٍ عاقلٍ أَعْيَتْ مذاهبُهُ
وجاهلٍ جاهلٍ تلقاهُ مَرْزوقا
هذا الذي تركَ الأوهامَ حائرةً
وصيَّر العالمَ النِّحْريرَ زِنْديْقا
المضحك أن جدّي كان يستشهد بهذا الكلام
حين يرى عامر عبد الله يتحدّث على التلفزيون
أو حين يتصفّح كتابات لينين في مكتبة أبي
الثقافة العراقية اليوم ليست نفسها أيام جدّي و أبي
نحن نشهد هجوم الغوغاء على الثقافة
يقيمون ندوات و أمسيات و يفوزون بجوائز و يصدرون كتب
لكن الحقيقة لا شيء حقيقي مجرّد غوغاء أفلت زمامهم
فصاروا يتصرفون و يتكلمون كما يحلو لهم
كُل شيء يُكتب
وكل شيء يطبع و ينشر
لاشيء يُقرأ
هذه هي الديمقراطيّة
لولا هذه الأصوات النادرة كصوت الأستاذ محمد الرديني
والمبدع المجنون علي السوداني لشعرت حقاً بالوحدة المطلقة
في زمن الكتاتيب كانوا يفرضون حفظ القرآن
مع تعلّم القراءة والكتابة
ليس فقط لتهذيب الذوق الأدبي
ولكن لأن الكتابة مسؤولية مقدسة وتحتاج إلى أخلاق عالية
هذه النصوص المقدسة كانت تطهر الأرواح و تعطّر الأفواه
كان مشايخ اليهود كمشايخ الإسلام يضعون في فم الولد قطعة حلوى
إذا حفظ شيئاً من العهد القديم واستظهره بشكلٍ صحيح
الحاصل اليوم أن عندنا كتاباً تعلموا الأبجدية بلا قرآن
ولا يوجد أي دليل على علاقتهم بالقيم النبيلة
وفوق ذلك يطرحون أنفسهم كمتمردين على التاريخ والتراث
على أساس أنهم متحرّرون من الثقافة العربية و رافضون لها
هؤلاء كهارب من المدرسة و يرمي نوافذها بالحجارة
الثقافة تعيش مشكلة إسمها : الإنحطاط








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صحيح جدا
علي السوداني ( 2011 / 10 / 15 - 21:33 )
اسعد صديقي
دام نفحك الشريف
اكتب بجسدك
فثمة لحظة قادمة للأنمحاء
سيفنى الجسد
ويخلد النص
تقبل محبتي
وكأسي
علي
عمان حتى الان


2 - الضيافة هنا بلا عُقد
أسعد البصري ( 2011 / 10 / 15 - 22:43 )
مرحباً بك أيها المبدع علي السوداني الرائع
أتمنى أن تشارك بإبداعك في هذا الموقع أيضاً
صدّقني لستُ شيوعياً لكن الضيافة هنا بلا عُقد
هؤلاء بشر من صدك يا علي ، يموتون على الإبداع


3 - لاتاخذ بنصييحة الصباغ
يحيى المفضل/ كندا ( 2011 / 10 / 20 - 02:36 )
لقد نصحك وكان الاولى به ان لايكتب بجسمه بل ازيدك انه كتب بروحه ونزفها رياحين عبد بها طريقهم الضالون..
لن تكتب لنا واحده من فريداته ..قصائده..لم يكن بخيلا ولن يكون ولكن
نامل ان تسلط الضوء بمقالة تخص بها الصباغ
تحياتي لك استاذ اسعد ولاستاذنا حكيم الصباغ نحن جيل الغاوون
يحيى

اخر الافلام

.. -أود أن يختبر ما شعرت به-: شاهد مايكل كوهين يتحدث عن احتمال


.. الجيش الأميركي: الحوثيون أطلقوا صاروخين ومسيّرات من اليمن




.. بوليتيكو يكشف كيف وافق بايدن على ضرب أهداف داخل روسيا


.. مصر تحمل الجانب الإسرائيلي مسؤولية إغلاق معبر رفح | #رادار




.. البنتاغون يمدد انتشار السفن العسكرية الأميركية في البحر الأح