الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليس ضد رجل أمن سياسي أنساني , لكن ضد وجود - أمن سياسي - !

فراس سعد

2004 / 12 / 11
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


رسالة إلى نبيل فياض
أولاً : نبيل فياض :

لقد كنت كلما تذكرتك أدعوا الله أن يبعد عنك شر الإهانة و العذاب الجسدي و النفسي فهذا هو كل ما أستطيع فعله في بلد ديمقراطي يحترم الدعاء الشخصي و أدعية أئمة المساجد ... و الحمد لله أرى أن الله استجاب دعائي أنا عبده الفقير و لابد أنك لو وقعت بأيدي رجال فرع آخر لما كان استجاب الله لأدعيتي التي لن تصل إليه في هذه الحالة و حتى لو وصلت فلن يكون لها أثر يذكر لأسباب قد لا نعرفها نحن البشر الفانون لكنه تعالى يعرفها جيداً كذلك رؤساء تلك الفروع .
أشكر الله مرة ثانية أني عرفتك من جديد كما أنت مواطن سوري محب لوطنك و لثقافته العربية و مثقف عربي نادر الوجود بل مثقف كوني ليس حسب تعريف هادي العلوي , لكنني فوجئت بموقفك الحاد الذي تحول بين عشية و ضحاها من الهجوم على بعض أباطرة الدولة السورية – عذراً من د. طيب تيزيني – إلى مادح لأهم رموز النظام السوري أي الأمن السياسي أو رجال الأمن السياسي الذين أشكرهم و الله العظيم أشكرهم على معاملتهم اللائقة لك و هي معاملة يستأهلها كل مفكر حر في داخل المعتقل كما خارجه و الأولى يستأهلها كل مواطن غير معتقل خارج المعتقل ... فما الذي جرى لك أفهمنا كي لا نظلمك فتظلمنا .
كما أني لا أنكر أنه من حقك أن تقيم علاقات صداقة و ثقافة مع أي أنسان سواء كان رجل أمن سياسي سوري أو أكاديمي غربي لكني لا أوافقك على إقامة علاقات مع أكاديمي اسرائيلي حتى لو وافقك رجل الأمن السوري المثقف المنفتح و المهذب على ذلك و لا أعتقده يفعل في حال كان مثقفاً سياسياً بالمقدار الكافي , مثلما لا أوافقك على عدة أشياء وردت في بعض كتبك الشهيرة و كتبك الأخرى غير الشهيرة , في كل الأحوال أنت لن تعرف مقدار صدمتي حين علمت بخبر اعتقالك لكن خبر حل التجمع كان أكثر هولاً بالنسبة لي و لقد اعتبرته طعنة في ظهرك فهل من الممكن أن تخبرنا ماذا حدث و تميط اللثام عنه كيلا نبقى نضرب أخماس بأسداس و نتهم فلان و علاّن ؟

ثانيا : شكراً لمن عامل أي معتقل سياسي سوري داخل المعتقل و خارجه بشكل أخلاقي أنساني؟

الأوادم في كل مكان حتى أنك لن تعدم وجود أوادم في جيش عدوك أياً كان هذا العدو , كما أنك لن تعدم وجود أوادم في دار للبغاء , كما أنك ستجد الكثير من الحرامية و القتلة أوادم لكن ظرفاً ما دفعهم لدخول السجن أو المبغى أو ... خلاصة كلامنا أن الآدمي آدمي أينما وضعته و في أي ظرف وجد .
هذا الكلام ليس انتقاصاً من أحد فأي مواطن سوري يساوي بالمعنى الأنساني أي مواطن سوري آخر و لا يوجد سوري أقل من سوري آخر في قيمة الذات , لكن التمييز يحصل في النهاية بموجب أنتاج كل مواطن بمقياس الكيف و الكم
رجال الأمن الأوادم في سورية و السجّانين و الجلادين الأوادم هؤلاء أجبرتهم ظروفهم على أن يكونوا في موقعهم لأسباب عديدة : المال , الفقر , إخافة خصومهم , و البعض من أجل المركز و الوجاهة و كلها أمراض اجتماعية تعاني منها البلاد غير الديمقراطية التي يتفشّى فيها الظلم و الفقر .. , لكن هؤلاء الأوادم تظهر أوادميتهم عند أول فرصة مناسبة أو سانحة . أخبرني أحد المعتقلين أن الجلاد الذي كان موكلاً بمعاقبته كان يضرب الأرض بشدّة و يومي للمعتقل بالصراخ ليوهم سيده الذي لا يراه أنه يقوم بعمله على أفضل ما يرام , أخبرني معتقل آخر أن سجّاناً آخر كان يحيّي أحد المعتقلين ألسياسيين الذين لم يضعفوا في التحقيق بينما كان السجّان عينه يحتقر و يزدري السجناء الذين ضعفوا في التحقيق ,
لكن ما المشكلة هنا , نعم توجد مشكلة و هي ببساطة أن الذي اختار هذين الشخصين الجلاّد و السجّان ابن البلد الشهم الوطني كان قد أخطأ الأختيار , لأنه من المتعارف عليه في كل مكان و في سورية أيضاً أن الجلاّد يجب أن يكون كلب ابن حرام لص جشع بلا رحمه لا دين له و لا أخلاق خائن بكل المستويات إلا ّ أنه لا يخون معلمه الذي اختاره لتعذيب المعتقلين .
كان على نبيل فياض ألاّ يغفل عن ذكر رجال أمن لا يعاملوا معتقليهم السياسيين بغير العنف و القسوة لدرجة القتل العمد كما حصل هذه السنة 2004 مع أكثر من مواطن سوري , كان عليه أن يكون متوازناً في مقاله فيذكر إلى جانب تجربته تجارب أخرى لا زالت موجودة اليوم تعاني من الأعتقال و شبه الموت الدائم تعاني المرض و الجوع و الإهانة اليومية في المعتقل و ظروفاً غير أنسانية , و كان عليه ألاّ يغفل عن وجود معتقلات نساء و أطفال في السجون السورية لأسباب سياسية أو كرهائن عن أزواجهن , و آباءهم بالنسبة للأطفال .




ثالثاً : لماذا " الأمن السياسي " غير شرعي ؟

ماذا يعني " أمن سياسي " .... هكذا ببساطة دون فذلكة ماذا تعني كلمة أمن ؟ تعني حماية و منع اعتداء و سلامة و سلام و طمأنينة ...
و ماذا تعني كلمة سياسة ؟ تعني في القاموس السياسي التقليدي " فن تحقيق الممكن " كما تعني في القاموس الوطني فن تحقيق الممكن من المكاسب و المصالح للبلاد و العباد . بدمج المعنيين يصبح لدينا خلطة زيادية – نسبة لزياد الرحباني – على الشكل التالي : الأمن السياسي يعني حماية و سلام فن تحقيق الممكن .
هل يحقق الأمن السياسي في سورية حماية و سلام فن تحقيق الممكن أي أمن السياسة ؟
سؤال غبي بل غريب بل مضحك بل مبكي أيضاً
الأنكى من ذلك لو سألنا بالمعنى الوطني لكلمة سياسة , هل يحقق الأمن السياسي في سورية حماية و سلام فن تحقيق الممكن من المكاسب و المصالح للبلاد و العباد ؟ سؤال لا يستطيع الجواب عليه أحد لأن أحداً لم يفهم السؤال حتى السائل - أي أنا-
لم تكن سورية في تاريخها الممتد أربعة أو خمسة آلاف عام سوى أرضاً للسياسة و الصراع السياسي الفكري بين أبناءها بطوائفهم و أحزابهم و لهجاتهم و لغاتهم و مصالحهم الأقتصادية المختلفة و المتباينة , هذا الصراع الفكري الذي أنجب مئات الفلسفات و الطوائف الفكرية و الأديان و آلاف العباقرة و العلماء و الشعراء و اللاهوتيين و الأولياء و القديسين و السياسيين .... حتى في زمن الأحتلال الفرنسي و العثماني كان يمكنك شتم المسؤول الفلاني والدولة المحتلة نفسها في صحيفة تصدر في دمشق و حلب و حمص و اللاذقية و يكون العقاب أغلاق الصحيفة لكن ليس منعك من الكلام الحر أو منعك من الشتم حتى , لم يكن هناك فروع أمنية تراقب الناس على كلامهم و تحاسبهم على الكلام فالكلام حق مقدس منحه الله للأنسان و للسوري أيضاً إذا لم يعلم الأمن عندنا و ربما هم يحسبون السوري ليس من البشر و يعملون على ذلك .
طالما أننا لم نستطع تفسير معنى " أمن سياسي " تفسيراً لغوياً فلنفسرها تفسيراً وظيفياً أي تفسير مستقى من دور و وظيفة هذه المؤسسة في سورية , هكذا يصبح الأمر أسهل و أوضح , بهذا المعنى الوظيفي يصبح معنى الأمن السياسي في سورية و ببساطة شديدة : منع السياسة أو المنع السياسي أو الحصار السياسي أو الأجهاض السياسي أو القمع السياسي أو الألغاء السياسي .... ليت الأمر توقف هنا بل انسحب على الثقافة و الفكر أي تحول الأمن الخاص بالسياسة لمنع كل حديث أو نقد فكري أو ثقافي ثم منع كل عمل فكري أو ثقافي لا يوافق عليه الحزب القائد و فرع المخابرات الفلاني حتى أن محاضرة ثقافية ألقيتها خمس مرات في مراكز ثقافية سورية احتجت لنيل الموافقة عليها لألقائها مرة سادسة ستة شهور و أربع اتصالات هاتفية مع مدير المركز الثقافي في كل مرة كان يأخذ بطاقة تعريف و في النهاية تكرّم فرع الأمن السياسي في المحافظة بالأتصال إلى المنزل و كنت غائباً و قام بتحقيق على الهاتف مع الوالدة و أخذ أرقام هواتف بعض الأقرباء . هكذا تضاف للأمن السياسي في سورية مهمة جديدة هي مهمة الأمن الثقافي ؟!

" الأمن السياسي " مخالف لآية قرآنية " من شاء فليؤمن و من شاء فليكفر" و لمقولة الرئيس الراحل حافظ الأسد لا رقابة على الفكر إلا رقابة الضمير , و لن أقول أنه مخالف لمادة دستورية في الدستور السوري لعام 1973 كما لن أقول أنه مخالف للأعلان العالمي لحقوق الأنسان لسنة 1948فهذا الأعلان لا تعترف به السلطات السورية أصلاً شأنه شأن الدستور ...
و لن أقول أنه مخالف لحق كل بشري في الكلام السياسي و اللقاء السياسي و العمل السياسي

اقترح ألغاء الأمن السياسي في سورية للأسباب سابقة الذكر و توزيع عناصره المثقفة ذوو الأخلاق الرفيعة على باقي الفروع الأمنية في سورية لرفع سوية تلك الفروع و ليضمن معتقلوا الغد لدى تلك الفروع معاملة معقولة أنسانياً – و الله العظيم أقول هذا بصدق دون أدنى شك أو سخرية -


فراس سعد
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا