الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد الإله الرحيل في :

رياض خليل

2011 / 10 / 14
مقابلات و حوارات


24 – الأديب والصحفي عبد الإله الرحيل
، يكتب عن رياض خليل : " الريح تقرع الباب " ( بحثا عن الخبز والحب والحرية ) ، في جريدة تشرين ، في العدد ( 438 ) تاريخ 24/3/1977 ، الصفحة السادسة .

24 – الأديب والصحفي عبد الإله الرحيل ، يكتب عن رياض خليل : " الريح تقرع الباب " ( بحثا عن الخبز والحب والحرية ) ، في جريدة تشرين ، في العدد ( 438 ) تاريخ 24/3/1977 ، الصفحة السادسة .
أشار أرسطو إلى أن وظيفة الدراما إنما هي تطهير الانفعالات ، والتغلب على الذعر والشفقة ، بحيث أن المتفرج المتمثل ب( أوريست ) أو أوديب ، يستطيع إن يتحرر من هذا التماثل ، وأن يرتفع إلى مافوق صروف القدر العمياء . بذلك تنحل قيود الحياة مؤقتا ، لأن الفن يأسر بطريقة تختلف عن الواقع ، وهذا الأسر المؤقت اللطيف ، يشكل بالضبط طبيعة هذه التسلية ، وتلك المتعة التي نشعر بها حتى بالمأساة .
لقد قال برتولد بريخت بصدد هذه الغبطة : " إن مسرحنا يجب أن ينمي رعشة الفهم ، وأن يدرب الناس على متعة تغيير الواقع ، فلا يكفي جمهورنا أن يعرف كيف تحرر بروميثيوس فقط ، بل عليه أن يتدرب على اللذة في تحريره ، أن نعلمه كيف يشعر بكل الفرحة والغبطة ، اللتين يشعر بهما المخترع والمكتشف ، وبكل النصر الذي يشعر به المحرر . " .
إن بريخت يشير إلى إلغاء الفوارق الاجتماعية في قلب الجمهور ، كنتيجة مباشرة للأثر الفني في مجتمع قائم على الصراع الطبقي .
وربما تلتقي قصص رياض خليل بمسرح بريخت بشكل من الأشكال ، فما يرجوه رياض خليل في مجموعته " الريح تقرع الباب " ، والتي احتوت على تسع قصص ، هو أن يتأمل القارئ بعد أن ينتهي من استعراض القصص واقع الأبطال في هذه القصص ، وطرح البديل المناسب أو المفروض .
ويمكن بلورة ملامح قصص هذه المجموعة شكلا ومضمونا ، بأنها تكثيف للإحساس بالغربة ، خاصة في المدينة ، والتركيز على لحظات عابرة ، قد تبدو عادية لاقيمة لها ، ولكنها تحتوي من المعاني قدرا كبيرا ، وهذه اللحظات القصيرة ، لاتخضع لتسلسل الزمن ، ولكنها تحتوي الماضي والحاضر والمستقبل .
وعلى الرغم من أن المجتمع الحديث هو في غالبيته مجتمع مدينة ، فإن الشعور بالغربة ، لم يظهر إلا فيه ، رغم أنه مجتمع يتميز بالكثافة العددية لأفراده ، إن هو قيس بالتجمعات الإنسانية في الهيئات الأخرى ، وفي الأزمان القديمة .
وقد يبدو غريبا أن يتولد الشعور بالغربة لدى الإنسان هنا ، ولكننا إذا تأملنا قليلا .. زالت هذه الغربة ، فالكثافة العددية نفسها من شأنها أن تهبط بقيمة الفرد إلى الحد الأدنى ، بل ربما قضت عليه تماما ، حتى لايعود سوى رقم من الأرقام . ولهذا فإن هذا الشعور هو أسرع شيء يتسرب إلى نفس الإنسان في مثل هذه الحالة ، وهو يزداد في نفس المرء حدة كلما كان المجتمع الذي يعيش فيه كثيف العدد . فالشخص الوحيد لايشعر بحدة الغربة بنفس القدرالذي يحسها شخص يعيش بين عدد هائل من الأفراد .
ولكن هذا الشعور عند رياض خليل لم يأت ليكلله في نهاية المطاف بمقولة المال والنجاح ، بل كان يركز اهتمامه دائما على شيء واحد .. هو .. تغيير هذا الجو ، وكان يلحف بالتغيير بشكل جذري .. حتى وإن جاء هذا التغيير بواسطة شعاع صغير ...
• " الشراع الأسود "
في هذه القصة يستخدم المؤلف ضمير المتكلم ، بمثابة التأكيد على لحظة الحضور المعاشة في الماضي ، ويخاطب كلا من ( فريد النّوني ، وفلّيص الدرويش ) اللذين هما بمثابة الزعيمين لقبيلة " القرباط " ، والذي لم يكن لعرس أن يتمّ دون حضورهما .
ومنذ البدء يفتتح رياض خليل قصته بالتذكز :" مازلت أذكر يا فريد النوني يوم أوصيتني .. حينما كنت صغيرا ، أن لا أجلب غيرك من قرباط المنطقة لإحياء احتفالات عرسي . كنت طفلا .. وكنت أعرف أنك تحب المزاح معي " .
ولكن الواقع يصدم الطفل بحقيقته : " آه .. لو تعرفان ماذا حل بالطفل الذي وعدتماه بالدق والعزف في عرسه ، لو تعلمان أين حل به الدهر ، وكيف صار غريبا بلا مأوى ، تلتهمه العمارات والشوارع والمساحيق وليل المدينة المقنع بالأضواء المتلألئة ... كأنها الحلي تغطي جسد زنجية جميلة " .
ولكن متى يأتي فريد النوني .. وفليص الدرويش بالطبل والأرغن ؟ إنهما يأتيان عندما يجد الفتى عروسا ؟ لكن الفتى يشير إلى أن عروسه ( الشيطانة المحبوبة ) لم يجدها بعد بالرغم من وجود مئات من الفتيات الكثيرات ، وهاهو يورد على سبيل المثال علاقة مع خمس فتيات .. انتهت جميعها إلى الفشل ، لأنها كانت علاقات زائفة ، مبنية على أسس أنانية .
ولكن الفتى لم يصل إلى تخوم اليأس أو التشاؤم ، فإذا لم يجد عروسا ، فلماذا لايشارك الآخرين أفراحهم ؟ ويمضي بعد أن قر رأيه على ذلك إلى فريد النوني وفليص الدرويش لينتسب إليهما ويكون معهما جنبا إلى جنب : " نضرب في المكان والزمان بحثا عن الفرح والحب والشمس ، بحثا عن أعراس الفقراء ، والمقيمين خلف الحرمان والوجع والعذاب ، سنغني لهم .. ونوقظهم " . ولكن هل يجد بطل القصة حبيبته ؟ إننا لانفقد الأمل في ضياع الحبيبة المنتظرة ، كما أن القتى لايفقد الأمل في إيجادها ، ولربما وجدها متجسدة في :
• " عيّودا "
وفي هذه القصة التي يستعمل فيها ضمير المخاطب ، كتأكيد على لحظة الحضور الواعي ، وكتأكيد على لحظة التواصل بين بطل القصة وبطلتها " عيّودا " :
" ياعيّودا ..! أهل تلك الحارات لايزالون يجوعون .. يبردون .. ينامون بلا غطاء .. يولد أطفالهم دون قابلة قانونية ، يمرضون وليس من دواء .. أهل تلك الحارات .. يا .. عيّودا مازالوا يحلمون بالخبز والملح والحب .. مازالوا يحلمون .. "
وعلى الرغم من هذه النداءات من حبيبها .. إلا أنها تلوذ بالصمت ، وتتخلى عن " الحارات " القديمة ، إنها لاتفصح عن نفسها .. ولا عما في نفسها ، وترفض حتى النهاية أن تتلفظ بكلمة واحدة – غير أن رياض خليل ينسج من هذا الصمت حديثا وأغنية . ليس فقط أن الغياب والسكوت يشدان القارئ بتوتر إلى متابعة القراءة ليعرف النهاية ، وإنما أيضا يتيحان للعاشق أن يكتشف ذاته ، ويبلور وعيه – كما ذهب إلى ذلك الدكتور هاني الراهب في نقده لهذه القصة في الموقف الأدبي ، في العدد (61 ) وبعنوان : " عيّودا ...وقصص أخرى " .
إن تخلي " عيودا " وهي ليست رمزا ذهنيا مجردا ، عن الحارات القديمة .. لايعني تخليها عن الماضي ككل ، ولكن يعني تخليها عن الأفكار القديمة والمتخلفة بالدرجة الأولى .
إن تخلي " عيودا" : ( التجسيد المعنوي ) للأرض أو الانتماء أو الحبيبة ، عن الرد على حبيبها بحضور أهل الحارات القديمة ، يعني رفضها التعامل معه بحضور هؤلاء ، وعدم اعترافها بهم جملة وتفصيلا .
ولكن بطل القصة مرة ثانية ، ينادي " عيودا " بعد أن جاء أهل الحارات القديمة ، يسألون فتاها عن موعد الزفاف ، ولكنها لاتجيب ، فيسقط على الأرض مغشيا عليه . وإذا بدا هذا السقوط غير مقنع ، فإنه قد يعني اليقظة مجددا من أجل خطوة جذرية وحاسمة .
وتأتي عيودا أخيرا ، فتبدو كزهرة ذابلة ، وبالرغم من ذبولها ، فإنه هو وحده الذي يعرف أن فيها ( بذرة ) كفيلة بجعل عيودا الأخرى أن لاتموت .
ويحمل الفتى عيودا على كتفه كتأكيد على تناوله لقضيته ، ومسؤوليته عنها ، ليدفن " النصف الأدنى من قامتها .. وحتى الخصر " . ويهيل عليها التراب ، ويروح ينقل الماء إليها من " أمكنة مختلفة ومتعددة " ليسقيها .. فتنمو البذرة .
وعندما يقترب أهل الحارة القديمة منه ليبعدوه عن عيودا ، فيرموه إلى الليل والغيوم والثلج . كان سلاحه الوحيد صرخات انفعالية ، ربما تعني التطهير في المفهوم الأرسطي ، ولكنه يزداد ثقة عندما يرى ابتسامة عيودا ...
إن هنات طفيفة وقعت في القصة مثل سقاية عيودا بعد أن زرعها من أمكنة مختلفة ومتعددة ، ومثل حربه مع الآخرين بالكلمات دون أن يتعاون مع أي طرف .
لكن سقاية عيودا ، وابتسامتها الأخيرة .. قد تفتحت لتجيء الولادة أكثر إصرارا على المقاومة .
• الولادة
تفتتح القصة بهذه العبارة :" في لحظة ما .. أدركت خطر وجوده ، وملاحقاته المريبة ، كانت الصبية تتأبط ذراعي ضاغطة عليها بشدة خوفا منه " .
ويقرر أن يتخلص من الرجل / الرقيب ، الذي يلاحقهما في كل الأمكنة ، ولسان حاله يقول: " للإنسان أكثر من ظل .. ألا يكفي البرد والعراء والجوع ؟ "
وتحت لحظة عصيبة .. يقول مخاطبا فتاته أو زوجته :
" نقتله أو يقتلنا ، لابد من زواله أو زوالنا عن هذه المدينة !"
فتجيبه بسؤال استنكاري : " والطفل الذي في بطني ؟ "
لقد أعلنت الأبواب مقاطعتهما .. وصارت الخطوات منهكة ، لكنه عندما يصل إلى هذه الحالة النفسية المتأزمة ، يتذكر ماقاله جده يوما في أمسية شتائية عاصفة ، لقد قال الجد حينذاك : " المطر لذيذ .. أنت لاتحدق فيه جيدا " .
وربما هذا المطر يذكرنا بمطر بدر شاكر السياب المعادل للثورة ، ولا أدل على هذا من أن بطل القصة يعيد هذه الجملة لحبيبته ، لبدء الخطوة التالية ، لقد تعانق معها مودعا إياها ، ومضى كل منهما في اتجاه معاكس للآخر ، كلعبة لتضليل المراقب ، ولما يلتحم معه في مشادة عضلية يتغلب عليه وجها لوجه ، لكن الرقيب يغدر به ، ويرميه بخنجر في ظهره ، وقبل أن يهوي البطل ، يسمع صرخة طفله الأول .....
وبعد إن الفن في أعمق مستوياته احتجاج عظيم ، دون قسر أو افتعال ، بل بملء حرية الفنان ، وحرية الفنان هي شرط الالتزام ، فلا التزام بغير حرية ، وليس ملتزما من كان التزامه صادرا عن قسر أو مجاراة أو ممالأة ، بل ليس فنا أو أدبا مايصدر عن غير الوجدان الصادق والإرادة الحرة ، وهذا مافعله رياض خليل في مجموعته القصصية .
إننا عندما نكتب عن الحياة .. لايمكن أن نعصرها في دمعة ، ولا أن نلخصها في قرص من الحبوب الطبية ، ولانستطيع كذلك أن نقدم صورة مفصلة للحياة بكافة عناصرها وأحداثها الجارية ، فما هكذا تفسر الحياة ، إنما نكتب عن الحياة بأن نختار منها قطاعا ، وليس معنى القطاع أن نقيم حائطا بين الحادث الذي نختاره والأحداث الأخرى المرتبطة به ، أو نقتصر على لحن واحد من ألحان الأوركسترا .. لا .. أبدا .. فهذا لن يكون قطاعا من الواقع ، بل تجزئة الواقع .. أما القطاع فهو صورة مستعرضة ، مهمتها أن تكشف العلاقات المتشابكة بين الأشياء . لقد كشف رياض خليل في مجموعته عن الإنسان عبر علاقاته المتشابكة ، وكشف عن أحلامه وأمانيه وتطلعاته ، وقد رأيناها في قصة الشراع الأسود يتمنى أن يكون مع القرباط في أفراحهم ، وبالتالي فهو يريد أن يقول لنا بشكل غير مباشر أن هؤلاء الذين يدخلون الفرح إلى قلوب الآخرين ، لايتيسر لهم لقمة الخبز إلا إذا شاركوا بأفراح الناس .
إن الطبل والأرغون والأعراس .. والبحث الدائم عن عيودا ، كالبحث عن لقمة الخبز .. جاءت في قصص رياض خليل عبر لوحاته ، لتتجمع في نهاية المطاف بلوحة واحدة ينادي بها الفقراء في كل مكان .. وتنادي بها الجماهير في كل الأزمنة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارير تتوقع استمرار العلاقة بين القاعدة والحوثيين على النهج


.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطاب بايدن والمقترح الإسرائيلي




.. إيران.. الرئيس الأسبق أحمدي نجاد يُقدّم ملف ترشحه للانتخابات


.. إدانة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب توحد صف الجمهوريين




.. الصور الأولى لاندلاع النيران في هضبة #الجولان نتيجة انفجار ص