الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا مابعد الطوفان

نزار حمود
أستاذ جامعي وكاتب

(Nezar Hammoud)

2011 / 10 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


لقد عاشت سوريا المعاصرة سنوات قليلة للغاية بظل النظام الديمقراطي النيابي وأعتقد أنه من العدل القول إن هذه الفترة امتدت من السابع عشر من آذار 1943 إلى الثلاثين من آذار 1949. أما لماذا السابع عشر من آذار ؟؟ فلأنه في هذا التاريخ تم انتخاب السيد شكري القوتلي رئيسا ً للجمهورية السورية وكان الفائز الأول مع قائمته في انتخابات مدينة دمشق. كما فاز السيد سعدالله الجابري وقائمته في محافظة الشمال وكان الرجل الثاني في الحكم إذ تسلم أول وزارة وطنية ثم حل محله السيد فارس الخوري لفترة قصيرة عاد بعدها سعد الله الجابري لرئاسة الوزارة وخلفه أخيرا ً السيد خالد العظم. خلال هذا الربيع الديمقراطي القصير للغاية، كان لسوريا مجلس نواب حقيقي يأمر رئيس َ الجمهورية فيطيع. كما كان لسوريا رئيس جمهورية حقيقي يحترم لمجلس الشعب سيادته تحت سقف الدستور ولرئيس الوزراء حقوقه ورأيه وللوزراء اختصاصاتهم واستقلاليتهم.
طبعا ً... لقد انتهت هذه الفترة بشكل قسري مفاجئ قمعي عنيف وفظ على يد الكولونيل حسني الزعيم الذي كان ضابطا ً مرشحا ً في الجيش العثماني ثم طالبا ً لفترة قصيرة في المدرسة الحربية الفرنسية وأخيرا ً ضابطا ً من ضباط الدفعة الأولى في جيش الشرق الذي ألفه الفرنسيون. لم يكن حسني الزعيم حسن السيرة والسلوك مما أدى لتسريحه من جيش الشرق عندما انتقل هذا الجيش لإمرة قوات فرنسا الحرة. وعندما تسلمت سوريا الجيش َ في العام 1948 وشرعت بتنظيم صفوفه وقياداته عاد الكولونيل المــُـقال إلى الظهور مطالبا ً بإعادته للجيش. وقد رُفـض طلبه أول مرة لكنه ألح وطلب من السيد محسن البرازي التوسط لدى رئيس الجمهورية لقبوله من جديد في صفوف الجيش وهذا ماكان. إلا أن الكولونيل بقي محافظا ً على سوء السيرة والسلوك وتسبب بالعديد من الفضائح مثل فضيحة السمن الفاسد والأسلحة الإيطالية الفاسدة وختم كل ذلك بعد فترة وجيزة من عودته للجيش بتعبئة بعض الضباط والعناصر في القنيطرة وقطع الاتصالات عن العاصمة ثم الزحف إلى دمشق واعتقال رئيس الجمهورية ووزراءه أجمعين وتنصيب نفسه رئيسا ً للجمهورية!
يقال إن فارس الخوري كان مريضا ً حينها وإن الكولونيل المنتصر على رئيس الجمهورية الأعزل عادَه في منزله فما كان من فارس خوري إلا أن قال له : يا حسني لقد أدخلت الكاكي إلى الحكم وهيهات أن يخرج منه!!
إلا أن سوريا بقيت، بحكم العطالة ربما أو بحكم حداثة عهد الاستقلال وتماس الشــعب اللصيق مع المحتل الفرنسي وإحساسه بمعنى مجلس الشعب ورئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية، محافظة ً على هيكلية هذه المؤسسات وذلك حتى فترة ماقبل الوحدة مع مصرحيث هبت رياح الإيديولجيات القوية وبات من المنطقي للغاية والمقبول جدا ً لدى الجماهير المندفعة التضحية بالغالي والرخيص، ومن ضمن ذلك بالحرية والكرامة، لقاء شعارات براقة جميلة مثل تحرير الأرض والانتماء القومي العربي إلخ... لقد هبت رياح هذه الإيديولوجيات عنيفة قاسية مدمرة وانحنت رؤوس وقامات الناس لها وبات مبررا ً تماما ً للدولة الوطنية الناشئة أن تنشئ أجهزة المخابرات القمعية... تحصي على الناس أنفاسهم وترصد كلماتهم عبر خطوط السلكي وأوراق الجرائد وكل المقروء والمسموع و المحكي. وأخذت الحريات تغيب تحت ضربات الأحزاب الإيديولوجية. بات كل شيء مباحا ً تحت شعار أن لاشيء يعلو فوق صوت المعركة !!
لاداعي هنا للخوض في غمار المسميات والصفات الأسماء إلا أنه لابد من القول إن كل هذه الأحزاب كانت إقصائية ترى نفسها في مركز الكون والثورة والقضية والتحرير وترفض أي طرح وطني آخر بحجة العمالة والخيانة والمؤامرة. لقد أثمر فكر الإنقلاب الإقصائي الذي بدأه الزعيم حسني الزعيم سيء السيرة والسلوك، أبطالا ً من ورق وأناسا ً من ورق تحرق بعضها بعضا ً وتنسى الوطن. ثم كانت الطامة الكبرى مع وصول القائد الملهم المفدى والأب العظيم حافظ الأسد. لقد قضى هذا القائد العسكري على ماتبقى من آثار ٍ مجتمعية مدنية في الحكم الوطني التعددي الديمقراطي ثم أغرق كل ذلك بطوفان إيديولوجي إنقلابي بامتياز. وكان من مكرماته أن جعل الجيش بعثيا ً (أمنيا ً) والجامعات بعثية (أمنية) والنقابات بعثية (أمنية) والمدارس والقضاء والإدارات والوزارات والبعثات والهيئات والجمعيات. كل شيء حتى الهواء والماء بات بعثيا ً. وهنا أتذكر جملة معبرة تماما ً عن هذا الحال وردت في فيلم الطوفان للمخرج التوثيقي الكبير عمر أميرالاي يقول فيها عن نهر الفرات مايلي: لقد دخل نهر الفرات مدرسة البعث فخرج متحضرا ً !!! لم يبق في سوريا مكان لأي طرح آخر غير الطرح البعثي ورئيسه المفدى. ثم... وفي غفلة من الزمن تغير اسم سوريا وصارت : سوريا الأسد. ومن برج السلطة المطلقة هذه أخذ الأسد يزأر ويزمجر وينادي باسترجاع الأرض وتحقيق الحرية (؟) والوحدة (؟) والاشتراكية (؟) وأخذت الصحف تطبل وتزمر والشعب يرقص ويصفق في لوحة سوريالية عز نظيرها في العالم أجمع.
كل ذلك كانت بداياته مع وصول الكولونيل حسني الزعيم والعسكر ذوي الجزم طويلة الرقبة للحكم. هذا الوصول الذي نفي الآخر ونصب محاكم ومحارق التفتيش في سوريا.
سوريا ما بعد الطوفان باتت قاب قوسين أو أدنى ووجه سوريا الجديدة هذه سيشبه وجوه من ضحى لأجلها. نحن الآن نعيش الأيام أو الأسابيع أو الأشهر الأخيرة لسوريا الأســد ولكن يخطأ للغاية من يعتقد أم المعركة ستتوقف عند سقوط الرمز والصنم. المعركة ستستمر مابعد السقوط المدوي. ولابد من أن نعمل جميعا ً على مقاومة أي فكر إقصائي فيها مهما كان مصدره. سواء كان مصدره دينيا ً أم إيديولوجيا ً. وللوصول لذلك لابد من القول وبوضوح تام أن لامكان للجيش في حكم البلاد في سوريا الغد. للحكم رجالاته وللجيش ثكناته. لابد من أن يبقى الجيش ضمن حدود المهمة التي وجد لأجلها أي الدفاع عن حدود الوطن وتحرير الأرض ولالشيء آخر. أما الشأن الأمني الداخلي فهناك أجهزة أخرى متخصصة واجبها أن تعمل على استتباب الأمن وحماية الحقوق. لقد أثبتت أنهر الدم المتدفقة اليوم، وبما لايقبل الشك، أن الهيمنة الأمنية على الجيش وزجه في أمور السياسة وقمع الحريات والنشاط السياسي المدني للمجتمع كانت وبالا ً على سوريا منذ زمن الزعيم حسني الزعيم.
في سوريا مابعد الطوفان ... لامكان للجيش في الحكم ... لامكان لأي قوة إقصائية عنفية. لامكان لأي نهج إيديولوجي ديماغوجي يسحق الحريات تحت أي مسمى كان. في سوريا مابعد الطوفان لابد من أن تعود للمجتمع المدني كامل حقوقه ومؤسساته المغتصبة. في سوريا مابعد الأسد لاصوت سيعلو فوق صوت الحرية وكرامة الإنسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سقف الحرية المقدس
Noor ( 2011 / 10 / 16 - 21:05 )
عبثا إذن نثور إن كانت أهداف ثورتنا ستنحرف وتخرج عن نطاق آخر جملة في مقالة الكاتب

اخر الافلام

.. كيف تأخذ استراحة بشكل صحيح؟ | صحتك بين يديك


.. صياد بيدين عاريتين يواجه تمساحا طليقا.. شاهد لمن كانت الغلبة




.. أمام منزلها وداخل سيارتها.. مسلح يقتل بلوغر عراقية ويسرق هات


.. وقفة أمام جامعة لويولا بمدينة شيكاغو الأمريكية دعما لغزة ورف




.. طلاب جامعة تافتس في ولاية ماساتشوستس الأمريكية ينظمون مسيرة