الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البحث عن عالم افضل

افراح لطفي عبد الله

2011 / 10 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


على عكس التعصب للنظرية او الفكرة بالباسها ثوب الدقة غير القابل للاختراق في الفيزياء الكلاسيكية فان الفيزياء المعاصرة ومنذ ان اسقطت فكرة الصرامة والدقة عن النظريات العلمية بسبب تكرار تكذيبها على مدى المسيرة العلمية قد كونت عقلية علمية تستجيب للحوار والنقاش حول مصداقية النظريات العلمية دائماً وتكون على استعداد لتكذيبها اذا توفر ما هو اصدق منها دون ان يخل ذلك بثقة العالم بنفسه في صنع الافضل، هذه هي الفكرة التي تستقي من منهج بوبر في القابلية للتكذيب وهي الطريق الانسب في البحث عن الاشياء الافضل في كل مجال من مجالات الحياة حتى الفكر الايديولوجي.

فليس من المستحيل ان تشكل الايديولوجيات البعيدة عن دقة الارقام والاقرب من روح الحوار ان تشكل عقلية مرنة قابلة للنقد والتكذيب والتصحيح واذا لزم الامر التنازل عن دورها بدون عنف اذا ماظهر ما هو اصح منها.
واللاعنف هنا كلمة اعطاها بوبر حقها في "مقالته البحث عن عالم افضل" عندما وسم بها منهج النقد العقلي على أسس بايولوجية بمعنى ان منهج النقد العقلي غير العنيف لم يقدم جاهزا بل هو المرحلة الاخيرة من ارتقاءات التطور وقد حاول بوبر بكل سلاسة ان يمنح هذه الفكرة تفسيرات متفائلة تصلح لو وظفت في كسر التشاؤم ازاء الواقع العنيف.. ولهذا ارتأيت ان اقف عند بعض من ارشاداتها.
بدءاً يطرح بوبر في مقالته هذه مشكلة مهمة وهي البحث عن عالم افضل وقد جعلها – أي المشكلة – القاسم المشترك بين كل الكائنات الحية من ابسطها الى اعقدها وهي نظرية تتعلق بالتطور البايولوجي ابتداءاً بالعالمين الاول والثاني وصولا الى العالم الثالث عالمنا المعاصر، عالم التطور الثقافي وهو ما يهمنا.
ولعل من اهم نتائج ابتكارات العالم الثالث هو ايجاد العقلية المرنة التي تكونت بفعل اول ابتكار وهو اللغة البشرية التي ترتب عليها ابتكار النقد وابتكار الاختيار الواعي او الانتخاب الواعي بدل الانتخاب الطبيعي الداروني.
ولعل من اهم اسباب امتلاك هذه الفكرة لرؤية متفائلة هو ان فهمها للانتخاب الواعي قائم على اساس فهم جديد للحرية فهم جعلها من نتاج الانسان وليس البيئة، حيث يعتقد بوبر ان الحرية متى ما سلطت او فرضت من الخارج كانت ممارسة لضغط وبالتالي تكون قيداً لذا فهي لا توهب، وانها بحقيقتها اتية من الداخل من داخل الانسان وهنا يظهر دور الانسان الرئيسي في صنع العالم الافضل باستمرار، والاستمرارية هنا ترجع الى ان هذه الحرية هي ليست ثابتة بل انها تتوسع من خلال القدرة التي يمتلها الانسان في توسيعها كونه من خلال المنافسة انما يبحث عن امكانيات جديدة التي تجلب معها الاختيار بين قرارات بديلة وحرية اختيار اوسع وهو اختيار شامل يتعلق باساليب الحياة والوسط البيئي وربما يشمل حتى الاصدقاء وتبادل المنفعة.. الخ.
وايضا من وجهة نظر متفائلة اكتشاف مواطن جديدة تصلح حتى للمعوقين وهذا طبعا يختلف عما طرحه دارون الذي جعل الانتخاب يأتي بضغط من الخارج فيؤدي الى التخلص من الافراد الاضعف وتقليص الحرية وتقييدها مقابل الحرية التي ما تزال تتوسع بالتصحيح الازلي ابتداء بالمحاولة والخطأ في العالم الاول ومروراً بوعي الفشل والنجاح في العالم الثاني وصولا الى النقد في العالم الثالث وان لا تزال التجربة والخطأ افضل وسيلة متاحة لنا للكشف عن الافضل على حد قول بوبر.
العالم الثالث هو ملاذنا اذن في تحقيق الحوار والنقد والاستعداد في تقبل الخطأ، فالنظريات فيه بدت على استعداد لتقبل الخطأ والعلماء بدوا فخورين باكتشاف مواطن زلاتهم ومستعدين للتنازل عن معتقداتهم ولا شك هنا وبتوظيف لمقولة بوبر ان غريزة البحث عن العالم الافضل بدت تلعب بشكل واع فاصبحنا اليوم واعين في العثور على اخطائنا والتخلص منها، ذلك لان الخوف والعنف قد زالا، فكما حل الانتخاب الواعي محل الانتخاب الطبيعي للنظريات بعد ان تجاوز الانتخاب الطبيعي ذاته فان النقد غير العنيف قد حل محل النقد النعيف بعد ان تجاوز هذا الاخير ذاته وهذا بالطبع ليس حلما يوتوبيا بل هو نتيجة بايولوجية وفقا لبوبر.
فنحن اليوم نعيش مرحلة من التطور الثقافي تجعل النظرية تموت بدلا عنا بعد ان كان معتنق النظرية هو الذي يموت في الازمان الغابرة، فمنهج النقد الواعي، منهج النقد العقلي قائم على انتخاب افضل النظريات دون قتل مؤيديها أي دون عنف وهو قائم ايضا على التخلص من النظريات الخاطئة دون عنف وبهذا الشكل امكن القضاء على الصفة القاسية للانتخاب الطبيعي وبهذا الشكل ايضا نكون قد ابتكرنا خطوة مهمة في تحسين عالمنا.
هذا من جهة ومن جهة اخرى فانه من اجل البحث عن عالم افضل يحذرنا بوبر من خطورة صرامة الافكار واليوتوبيات قائلاً "ان الاعتقاد في يوتوبيا سياسية هو بالذات امر خطير" وهو قول يدلنا على خطورة ما تفرضه هكذا سياسة من ايدولوجيا تعتقد انها مثالية لا تقبل الشكل بمصداقيتها لذلك ربما تدفع بالاخرين ليس على الاقتداء بها فقط بل بالدفاع عنها باغلى ما يملكه الانسان.. الحياة.
ولهذا ينصحنا بوبر من اجل البحث عن عالم افضل ان نضع في بالنا امرين مهمين الاول ان" لانتصور باننا نستطيع ان نتنبا بنتائج خططنا وافعالنا" والثاني" يجب قبل كل شيء ان لا نضحى باية حياة بشرية الا ربما بارواحنا نحن في اسوأ الظروف فليس لنا الحق في ان نحض الاخرين او نشجعهم على التضحية بارواحهم من اجل فكرة. من اجل نظرية اقتنعنا نحن بها، فالبحث عن عالم افضل يتضمن البحث عن عالم لا يدفع فيه الاخرون التضحية بأرواحهم من اجل فكرة "كل هذا لان بوبر قد ادرك مسبقا ان القناعات المتصلبة لفكرة ما ربما تكون من دون مبرر معقول وربما بسبب الجهل، والجهل هنا مرتبط بعدم القدرة على الاحاطة بالتبعات التي ستستجد مستقبلاً للفكرة ومن ثم ليس هناك فكرة متقنة الدقة وان أي فكرة او نظرية لا بد ان تكون معرضة للنقد والتكذيب..
والان لو اعتبرنا الشروط المنهجية المتفائلة السابقة مقياسا لفكرنا هل سنبدأ خطوة بالبحث عن العالم الافضل الخالي من العنف والخالي من الافكار العنيفة التي تهدر دم من يخالفها ويكذبها؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عرض وقراءة جميلة وهادفة
جاسم الصغير ( 2011 / 11 / 2 - 10:41 )
أحيي الدكتورة افراح على هذه القراءة النافعة والمثمرة وبضرورة ممارسة انزياحات للمفاهيم التي لم تعد تلائم الزمن و اجد في ذلك جدوى فكرية في ضرورة نقد الذات بقوة وطرح الافكار والمعتقدات البالية منها من هنا اجد ان الدكترة افراح كانت موفقة فغي طرحها وقراءتها وخاصة في النقاط التالية:
1- اشارتها في قراءتها افكار بوبر الى(( نحن اليوم نعيش مرحلة من التطورالثقافي تجعل النظرية تموت بدلا عنا بعد ان كان معتنق النظرية هو الذي يموت في الازمان الغابرة، فمنهج النقد الواعي، منهج النقد العقلي قائم على انتخاب افضل النظريات دون قتل مؤيديها أي دون عنف وهو قائم ايضا على التخلص من النظريات الخاطئة دون عنف وبهذا الشكل امكن القضاء على الصفة القاسية للانتخاب الطبيعي وبهذا الشكل ايضا نكون قد ابتكرنا خطوة مهمة في تحسين عالمنا))
وهذا امر سليم الناحية الفكرية وأجد ان الجهود الفكرية للمثقفين يجب ان تعمل على نفس هذا المنهج في التنوير الفكري


2 - اشادة بالافكار الواردة في المقالة
جاسم الصغير ( 2011 / 11 / 2 - 10:43 )
اشارتها الاخرى الى اهمية حياة الانسان اكثر من اي شئ اخر ومن خلال العبارة - لانتصور باننا نستطيع ان نتنبا بنتائج خططنا وافعالنا- والثاني- يجب قبل كل شيء ان لا نضحى باية حياة بشرية الا ربما بارواحنا نحن في اسوأ الظروف فليس لنا الحق في ان نحض الاخرين او نشجعهم على التضحية بارواحهم

لذلك عندما نؤمن ونعمل على ان انسان وكينونته هما اساس كل تغيير وتقدم وتصبح توجهات مجتمع عند ئذ نكون قد وضعنا اقدامنا على السكة الصح


3 - الأستاذة أفراح مقالتك جميلة
آکو کرکوکي ( 2011 / 11 / 2 - 11:44 )
الأستاذة أفراح مقالتك جميلة وأختيارك للموضوع موفق جداً...البحث عن حياةٍ أفضل هو من أروع ما جاد بهِ فكر بوبر...الذي يركز على أدوار العامل الذاتي والمعرفة والنقد في عملية التطور بمختلف أشكاله...يجمعنا نفس الأعجاب بهذا المفكر الكبير...لكم الموفقية


4 - مرحبا
افراح لطفي عبد الله ( 2011 / 11 / 3 - 09:54 )
لاشك ان عالما نضحي فيه بارواحنا من اجل فكرة هو عالم سيء وعليه يكون العالم الافضل هو من يتقبل الفكرة المضادة بوسائل النقد وليس الموت .. شكرا لاشادتك يا جاسم وامنياتي لك بالتالق الدائم وشكرا آكو لتقييمك الجميل

اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تخرب محتويات منزل عقب اقتحامه بالقدس المحتلة


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل إلى صفقة ونتنياهو يقول:




.. محتجون أمريكيون: الأحداث الجارية تشكل نقطة تحول في تاريخ الح


.. مقارنة بالأرقام بين حربي غزة وأوكرانيا




.. اندلاع حريق هائل بمستودع البريد في أوديسا جراء هجوم صاروخي ر