الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لعبة قذرة - قصة قصيرة

جمال القواسمي

2011 / 10 / 16
الادب والفن


بعد أن ترجاني إبني كثيراً أن أشتري له لعبة الڤيرتشوال فرندز 3دي، ومماطلة مني وتحجّج بالمدرسة والعمر، اشتريتها له. كان قد سمع بها من أصحابه. قبلني ابني وابنتي وعانقاني وطلبا مني أن أشبكها بالتلفزيون. كنت أقرأ تعليماتها على غلاف العلبة ولم أنجح بقراءتها لصغر حجم الخط. فتحناها، شبكناها، كان ثمة اسطوانتان من الفلين، واعتقدت انهما لحماية الجهاز وكدتُ أرميهما في القمامة، فعاجلني ابني، "لأ، بابا، هدول مسدسات!" نظرت اليهما وله. أخذ اسطوانة وابنتي أخذت الأخرى، واختار ابني لعبة معركة الغابة، ولَّفنا التلفزيون الثلاثي الابعاد مع اللعبة الثلاثية الابعاد، موسيقى عسكرية، بيتنا صار غابة، الشجر واغصانه، حتى علبة الأزرار وخُفيَّ أصبحت حيوانات برية في بيتنا، ارتمى أطفالي خلف متاريس الكنابيات، وبدأوا يطلقون النار، وأنا واقف كالأبله بلا مسدس وبلا أدنى فكرة عما يجري، خرج الجنود من شاشة التلفزيون، كنتُ الشيء الأول الذي تلقى كثيراً من الرصاص الفيرتشوالي، ونضحت دما فيرتشوالياً، ولكني لم أقع أرضاً، فهجم علي أحدهم ولكمني فأوقعني. طفلاي كانا ماهرين في الاختفاء والظهور واطلاق النار على الجنود، قتلوهم عن بكرة قائدهم العسكري، ما عدا واحد منهم انسلّ إلى البرندة وهرب الى الشارع بين بيوت الجيران، وبكى ابني، وبكت ابنتي عليه، واعطوني مسدسيهما وترجانني انني يجب ان اقتله وإلا لن تفتح اللعبة.
وقمتُ واقفاً كما يليق بقتيل فيرتشوالي، وأوشكتُ أن أخرج من باب البيت، لكن طفلاي ترجانني ان الحق به من خلال البرندة لكي لا أضيع الوقت، نعم انها ستة امتار، تسلقت على المواسير، وتابعته في عيني، أخذت ألحق به حتى رأيته مختبئاً وراء أشجار زيتون، وأردت أن أخدعه، فرميتُ على الأرض مسدساً لأجبره على الخروج والأطمئنان لكي أرديه قتيلا بالمسدس الثاني، فارتمت على الأرض مسدسات تتجاوز الثلاثين، وإذ بحوالي ثلاثين جنديا فيرتشوالياً يخرجون من بين الزيتون، كنتُ أظن أنني وحدي ولكن كان كثير من أهل حارتي يكمنون مختبئين هنا وهواك وتسحَّبوا خلفي منتظرين إشارة مني. يا إلهي، ثلاثون جنديا فيرتشوالياً هاربون من أطفالنا وخائفون من آبائهم، وتقدم مني أحدهم، وقال، "نرجوكم، أتركونا، لم نعتقد ان القدس جميلة بهذا الشكل..." وسمعتُ ابني يصرخ وهو يرجوني، "أبي، لا تساوم، أقتله أبي، لا تصالح!" فتقدم الجندي الفيرتشوالي مني ثلاث خطوات، "أرجوكم، منا مسلمون ومسيحية ونشتهي أن نصلي في الأقصى والقيامة، ومعنا حتى ملحدون يحبون ممارسة التأمل! ارجوكم لا تقتلونا.." 
سقطت من ايادينا جميعاً الاسطوانات الفلينية، كان أطفالنا يبكون على عدم مقتل جنودهم الضائعين، وكانت قلوبنا تبكي على جنودا فيرتشواليين يحبون القدس والصلاة فيها. سألهم جاري بلهجته الخليلية، "فيش بيناتكم جندي يهودي؟"
كان سؤالاً فظاً، ونبرته لم تعجبني، وأزعجني ان الجنود تململوا ولم يجاوبوا فوراً، صحيح انني استنتجتُ ان بينهم جنود يهود، لكني أدركتُ المحنة ألتي وقع فيها هؤلاء الڤيرتشواليون ضد طبيعتهم، فطبيعتهم لا تتضمن المشاعر الإنسانية والرغبة في الصلاة ومشاعر حادة مثل التعامل مع أصدقاء خونة.
تقدم الجندي ابن ابني مني وقال، "لقد هرب، لم نعثر عليه!"
فقال جاري نفسه سريع البديهة، "طب، اهربوا بسرعة من هون، بسرعة، صاحبكم يهودا الاسخريوطي عدّو جاي، جايب الجيش..."
وقفنا مصدومين لحظات، وابني الذي ما زال يصرخ بدأ صوته يبحّ ويختفي، وإذ بصوت السيرينا تلعلع في الحارة، جنود وشرطة اسرائيليين، وقفوا أمامنا وهم يغلقون الطريق الى الحي، كانو قد أمسكوا بستة جنود فيرتشواليين ثلاثة مسلمين واثنين مسيحية وواحد ملحد متشكك، حاولنا الاحتجاج والاستنكار، لم ينفع، حاول بعضنا خاصة الشباب تخليص الجنود منهم لكن عبثاً، بل ان جنود الاحتلال ضربوهم وأدموا بعضهم واعتقلوا جارين شابين؛ ثم أوقف جنود الاحتلال الجنود الڤيرتشواليين على حائط وأعدموهم، أستغرقهم بعض الوقت لكي يبحثوا عن المسدسات الصحيحة التي تخصهم وأعدموهم، بكينا، بكيناهم كأولادنا، بكينا عليهم كثيراً.
لم أعرف أن ابني كان يبكي ايضا في البيت، لكنه كان يبكي لأن جنديه الڤيرتشوالي لم يمت. قلت له، "ليش لازم يموت؟" 
قال لي،"عشان تفتح الألعاب الثانية."
قلت لإبني، "بس جنديك جدع.. قد حاله... تقيل.."
-" ليش؟"
-" الجيش ما قدر يمسكه؟"
-" عنجد؟"
-" جد.."
شعر بالفخر بجنديه، وانا شعرت بالفخر بابني. وفي الصباح الباكر أخذتُ من البيت كل ما استطيع ان استغني عنه من مال، وخرجت إلى محل الألعاب، كان كثير من الفلسطينيين يقفون في انتظار ان يفتح محل الألعاب أبوابه. وعند الساعة التاسعة فتح المحل ابوابه وخرج منه جنود مشمار غڤول وقوات خاصة اسرائيلية، وتقدم منا ضابط قال ان اللعبة ليست للفلسطينيين ليلعبوا فيها، وانه منذ اليوم ستصبح لعبة لجيش الاحتلال الاسرائيلي فقط. 
رجعنا خائبين. كنت خائباً جدا مما جرى. كنتُ آمل ان أفك رقاب المزيد من الجنود من ڤيرتشواليتهم وأساهم بتكثير الناس الذين يعودون القدس، ويزورونها ويهللوا فيها، فاذ بجنود الاحتلال يمنعون حتى الڤيرتشواليين من الصلاة. وحينما وصلت الى البيت، انتظرني ابني على الدرج، "بسرعة، بسرعة بابا، الحق، خبر عاجل..."
صعدت الدرج وأنا الهث، أرتميت على الصوفا امام التلفزيون.. في قاعدة عسكرية اسرائيلية، أخرجوا كثيراً من الجنود الفيرتشواليين اليهود، والمشكوك في يهوديته (أي الخلاسي)، واليهود اللاصهيونيين الذين لا يعترفون بدولة اسرائيل، واليهود اليهود وهم اليهود الاشكناز كما يعرِّفون أنفسهم، والعرب اليهود أي الشرقيين السڤارديم، لكن جنديين ڤيرتشواليين بينهم كان احدهما ملحداً وثانيهما مسلماً أطلقا على زملائهما الڤيرتشواليين اليهود النار وأرديا بعضهم قتلى واضعين لحياتهم چام-اوڤر، وهربا وما يزال البحث عنهما جارياً وراكضاً..
18-8-2011


جمال القواسمي قاص فلسطيني يعيش في القدس، من مواليد 1966، عمل سابقاً في الترجمة والتعليم؛ له ثلاث مجموعات قصصية: جاي معك 1990، شامة في السماء 1997، هزائم صغيرة،1998. عضو اتحاد الكتاب الفلسطينيين، عضو برنامج الكتابة العالمي IWP / أيوا. 
له مدونة باسم : هزائم صغيرة-غرفة جمال،
http://jamalqawasmi.blogspot.com








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شدة غباء الاب
000000000000000000000000000000000000000000000 ( 2012 / 8 / 10 - 04:36 )
جمال القواسمي كان عليك عدم شراء اللعبة لهما و الا ستشغلهم نظرات اعينهم مثل اخي افرط بها

اخر الافلام

.. محمد محمود: فيلم «بنقدر ظروفك» له رسالة للمجتمع.. وأحمد الفي


.. الممثلة كايت بلانشيت تظهر بفستان يحمل ألوان العلم الفلسطيني




.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم


.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع




.. هام لأولياء الأمور .. لأول مرة تدريس اللغة الثانية بالإعدادي