الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعب والدستور؟

هشام عابد

2011 / 10 / 16
مواضيع وابحاث سياسية



الإهداء: إلى الشعب المغربي المقهور
لا أحد يجهل أن ما يقض المضاجع في المغرب ليس سياسياً، كأولوية وبالدرجة الأولى، وإنما اقتصادي واجتماعي. فالمغاربة سيقولون نعم للدستور، لكنهم سيواصلون البحث والتساؤل عما يتعلق بشؤون "القفة" والدخل الفردي والتأمين الصحي، وما الذي سيؤمّن فرص عمل للشباب ومتى سيوضع حدّ للفساد ومنظوماته.
إن مشروع الدستور الجديد، هو انفتاح فوقي وانغلاق محلي، ويدخل في إطار الحبر على الورق وتلميع الصورة الدولية ليس أقل ولا أكثر، سيتم التأكيد على ذلك من خلال ما يعيشه المغرب الحالي من استمرار لنفس الممارسات والتجاوزات في حقه ويوميا على قارعة الطريق وفي الإدارة والمحاكم ومخافر الشرطة...
والحقيقة أن كل ما في الدستور الجديد بعد قراءته بتمعن تدل على أنه دستور جيد لدولة ولمجتمع رديء... إذ لن يفيد هذا الدستور في شيء إن لم يكن نابعا من المجتمع، وجاء لسد حاجات هذا المجتمع، وهذا لن يتم من جهة أخرى إلا مع معرفة مدى تطبيق مقتضياته ومضامينه على أرض الواقع.
فما محل طبقات الشعب البسيط من الإعراب داخل هذا الدستور الجديد؟ وأين المواطن من هذا الإصلاح..! وهل نبع الدستور من بين ثنايا الشعب؟ وهل المراجعات التي عرفها الدستور المغربي كانت فعلا مراجعات سمح فيها للشعب بأن يضع بصمته ومطالبه ويحقق فيها أحلامه في الحرية والكرامة؟
نعم لديه دور! وهو التصويت بـ "نعم" لكي لا يكونوا خونة..!
يؤكد تفاهة دور الشعب وغياب هاجس خدمته؛ المحاولة الأخيرة للمراجعة الدستورية التي جاءت لتطييب الخواطر ليس إلا، وإسكات صوت الشعب المطالب بالتغيير الحقيقي والديمقراطية الحقة. حيث تقدم الملك بالمشروع، تلقفته الأحزاب وتداوله النخب، وماذا عن الشعب؟
وتؤكد غبنه في تناول قضاياه؛ النقاشات التي همت موضوع إصلاح الدستور والتي كما لاحظ المتابعون، اقتصرت على بعض فصوله دون الأخرى، كما تم تعويم النقاش في خطاب هوياتي قومجي أبعد الإصلاحات عن رهاناتها الحقيقية. وهذه الفصول وتلك الجوانب هي التي أولى لها الإعلام وبعض الوجوه السياسية الاهتمام وهي لا تمس المواطن ولا همومه المباشرة.
نعم..! ستبقى المراجعات الدستورية شكلية، ما دام يقاد فيها الشعب إلى صناديق الاقتراع فقط لتمثيل الديمقراطية بهم وتناقل صورهم وأخبارهم في القنوات المحلية والدولية، وتصوير المشهد على أنه الشرعية الوطنية للاستحقاقات وللديمقراطية. ومن هذا المنطلق أعتقد جازما أن الإصلاحات الدستورية التي وقعت منذ كتابة أول سطر في أول دستور إلى الآن، كانت مراجعات بطعم الاستفتاءات التأكيدية. وقبل ذلك كله فالدستور المغربي هو دستور فوقي، كتب من طرف نخب تنتمي إلى الدولة وإلى النظام، ولا تنتمي إلى الشعب ورهاناته، وبالتالي هي دساتير فوقية وليس كما تعودنا من الفلسفة الإغريقية أن الديمقراطية "هي حكم الشعب للشعب". وهي كذلك ليس إلا محاولات مستمرة لإجهاض مطالب الشعب المغربي يستخف فيها المخزن بما يسمى "الأحزاب السياسية" وهي في واقع الأمر مجرد دكاكين سياسية مفلسة؛ تطيعه لأنها جبانة وغير ديمقراطية أصلا، حيث فاقد الشيء لا يعطيه، وتقايض بآلام وعذابات وباسم الشعب المغربي منذ زمن طويل. وهي مراجعات بطعم الاستفتاءات التأكيدية، والشعب فيها مجرد"كومبارس" للعبة الربح فيها معروف مسبقا للنظام الحاكم وبالضربات القاضية ودون جولات.
ولنتسائل قليلا وبشكل محرج؛ هل الشعب المغربي الذي لا يمتلك فيه كل بيت نسخة من الدستور المغربي مؤهل للإدلاء بآرائه في دستور لا يعرف فيه حتى عدد أبوابه؟ فهل نحن فعلا مؤهلون للحديث عن شيء نجهله أو أن معرفتنا به لا تتجاوز حدود ما يستهلكه الإعلام؟ وهل ثلاثة أشهر كافية لتغيير دساتير حكمنا بها لأزيد من نصف قرن؟ ولماذا نغير دستورا سبق وأن فاز بأعظم نسب الديمقراطية في العالم 99.99 بالمائة؟
وسيظل السؤال الأكبر المؤجل؛ ماذا عن حقوق المواطن البسيط؟ وهل ستكون استفادة الشريحة الكبرى من المجتمع من هذه المراجعات؟ بالطبع لا..! فحقوقه مغيبة والنقاش كان صراعا بين القصر والنخب والدفاع عن الأمازيغية أم العربية..! عملية شبيهة بما قام به السلطان مولاي عبد الله من ضرب للكبش الأسود بالأبيض كما ذكره صاحب الاستقصا...
فكيف "قال الشعب كلمته"؟ وهل عشنا استفتاء سليماً؟
بل الشعب.. كان هو الغائب الأكبر..! إن الشعب ضمير الأمة الغائب تقديره المخزن والجهل الراقد على صدره في محل تربص وتلبس وعليه أن ينتفض لتغيير هذا الواقع المر..
ولن تنتهي المهزلة إلا بالشراكة في بناء الوطن، والحوار الجماعي الباني لمستقبل الشعب، ومشروع ينبثق من شعب لا من فرد أو مؤسسة، ودستور يجسد إرادة الأمة لا إرادة الحاكم، وديمقراطية حقيقية مرتكزة على أساس السيادة الشعبية التي تؤسس لسمو الدستور لا ديمقراطية صورية مرهونة لمنحة القصر وسمو الملك، وإنهاء زمن الاستحواذ والاستفراد والاستعلاء والسمو والشخصنة والفردانية وما يصحب ذلك من منطق المنح والعطاء والمن والعفو والكريمة والحريرة و...
إن هذه التعديلات الأخيرة لا تسمن ولا تغني في نظر شعب يعاني الحرمان بسبب استشراء الفساد؛ فالإصلاح الحقيقي يبدأ بالتخلص من جائحة الفساد بقطع دابر المفسدين والانحياز إلى عامة الأمة؛ فقد أظهرت الثورة التونسية والمصرية وقبلهما التجارب الثورية التاريخية العالمية أن المفسدين يشكلون عبئا على الأنظمة وليس صمام آمان لها. وهذا ما عبر عنه قبل 14 قرنا علي ابن أبي طالب في عهده إلى "مالك الأشتر" لما ولاه على مصر وهو عهد مترجم ومحفوظ في أرشيف الأمم المتحدة: "وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء، وأقل معونة له في البلاء، وأكره للإنصاف، وأسأل بالإلحاف، وأقل شكراً عند الإعطاء، وأبطأ عذراً عند المنع، وأضعف صبراً عند ملمات الدهر من أهل الخاصّة. وإنّما عماد الدين، وجماع المسلمين، والعدّة للأعداء، العامّة من الأمّة، فليكن صغوك لهم، وميلك معهم." فهل من صغو وميل إلى عامة الأمة ومطالبها العادلة من المسؤولين؟
يجب على الجميع أن يفهم أن المعني الأول بالأمر هو "المواطن"، فأين المواطن من هذه المراجعة ومن هذه الهلمة والزفة كلها؟
إنه الضحك والاستهزاء المتواصل بـ 35 مليون مغربي. إن الشعب المغربي يحتاج إلى مراجعة الدستور أولا بمفهوم المراجعة والمذاكرة والقراءة والتمعن قبل أن نتحدث عن مراجعة حقيقية واعية ومسؤولة، مصحوبة بتوعية إعلامية مكثفة ومطولة لكل تفاصيله المعقدة، وخصول نقاشات مطولة في الندوات والمؤسسات والجمعيات والجامعات.... وهذا هو المطلوب لذا كل استحقاق وطني من هذا الحجم والأهمية وإلا فالأمر لا يعدو مجرد لعبة وتمثيلية ليس لها أي معنى.
كما علينا الانتباه إلى أن الرهان الحقيقي اليوم يكمن في أن المدخل الحقيقي هو الرهان على التغيير الديمقراطي بواسطة "الجماهير الشعبية" ومن أجلها، وأن "الدساتير الممنوحة" و"دساتير العبيد" لن تساهم إلا في المزيد من تأخير كل تغيير ديمقراطي حقيقي في البلاد. وأن الجماهير الشعبية أصبحت ومنذ الربيع العربي وبشكل رسمي "شرا لابد منه" للأنظمة وعليها تلبية طلباتها الملحة والمتزايدة والمتأخرة منذ عقود طويلة.
كما والتأكد أن الشريحة الكبرى من المجتمع هي المشكل وليس القوانين، ولنفترض جدلا أننا جلبنا دستور"السويد" أو "اليابان" فهل سنكون فعلا في مستوى تلك الشعوب؟ الدستور خلاصة مدى تحضر وتقدم ووعي وديمقراطية شعب ما وليس العكس.. والواقع أن إنجلترا من أعتق وأكبر الديمقراطيات في العالم تحكم بدستور عرفي.. المهم في تطبيق القوانين وليس في ترسانة القوانين..!
إننا نقول بكلام واضح وجلي لا غبار عليه أن دستورا لم يكتب ولم ينبثق من إرادة وهموم وحاجات ومطالب شعبه هو "دستور فاشل"، المكان الطبيعي له أقرب قمامة تصادفك مع أول منعطف..!
إذن؛ ستظل المراجعة الدستورية الأخيرة مأتما لأن الإرادة الحرة للشعب صودرت منذ أول وهلة حين تم تكليف لجنة ملكية استشارية بالمراجعة الدستورية، ولأن الأمة المغربية ضيعت فرصة أخرى تنضاف إلى الهدر المتواصل في لائحة الزمن الضائع على المغرب والمغاربة. وستظل مأتما دستوريا دون حوار وطني ملزم في نتائجه، وإصلاحات سياسية فورية، وإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين والمظلومين عموما، وتحرير الإعلام، وإبعاد المفسدين الذين نادى الشعب بإبعادهم من مراكز القرار، واجتثاث كل القوانين التي تنتهك الحريات. إن الأساس أن كتابة أهم دستور تتعاقد حوله جميع مكونات أمة؛ يجب أن تعود إلى أيادي الشعب. لكن الطريق نحو دستور تكتبه الجماهير ليفرض على السلطات العليا لازال لم يتحقق إلى اليوم.
إن الدساتير الناجحة ترتبط بمدى تقدير وإدراك الحاكمين أن الاستمرار في مناهضة التطلعات الشعبية قد يؤدي إلى "نقطة اللارجوع" أي فقدان الحاكمين لكل شرعية وتصبح آنذاك الآليات التوافقية غير ذي جدوى، كالذي عرفته اليمن وسوريا وقبلهما ليبيا ومصر وتونس. دساتير تسترجع الدولة إلى حضن الأمة، وتؤسس شعبيا لدولة المجتمع وسلطة الشعب، وتحقق توازن السلط وفصلها، وتعطي للاستفتاء معناه وجدواه وحقيقته، وتضع البشر جميعا على قدم المساواة كما خلقهم رب البشر سبحانه لا فضل لأحدهم على الآخر إلا بالأمانة والكفاءة، والشعب فيصل بين المتصدين منهم للشأن العام وحَكَم، يختار عبر الانتخاب والاستفتاء ويراقب عبر المؤسسات.
بعد تحقق الشروط الموضوعية والشعبية لاستحقاقاتنا الديمقراطية، وبعدها فقط ندعي لأنفسنا أننا في عداد الدول الديمقراطية، وأن نقول بأننا دخلنا مرحلة انتقالية، وأننا دلفنا إلى الملكية الثانية، وأن نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية.
لكن الحقيقة المرة أن الشعب في واد والدساتير في واد؛ وسيظل ورش الإصلاح الدستوري مفتوحا ليس فقط في تفاصيله تعديلا وتنقيحا بل في منطلقاته وكلياته وأساساته، ومع كامل الأسف والحزن أكثر من نصف قرن على الاستقلال ولازال تعاقدنا التأسيسي هشا للغاية، وساحة النضال ستضل الفرقان بين مغاربة أحرار شرفاء وصامدين، وبين خصوم الإصلاح والتغيير وما أكثرهم في مغرب "الذلقراطية" الحالي كما يحلو للمفكر المهدي المنجرة القول... ومادامت قوانين هذا البلد العليا والسامية لم تمس المغاربة الآكلين من حاويات الأزبال والقمامة، والسيرورات، وساكني دور الصفيح، والشمكارة والمتسولين المنتشرين في المملكة الشريفة... فإنه يبقى دستورا تافها لا يعني شيئا للمغرب والمغاربة... وكما تعودنا في هذا الوطن كل شيء فيه حبر على ورق؛ جهوية متقدمة، تنمية مستدامة، دستور متقدم.. بالشكل الذي يبدو معه أننا نتقدم على الورق لا على أرض الواقع!
الأمر الذي نقول معه أن: الدستور اللي ما يبانش على وجه مواليه.. ماعندنا مانديرو بيه..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -