الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حينما تشهد السينما عقوبة الجسد

احمد ثامر جهاد

2011 / 10 / 17
الادب والفن


فيلم(رجم ثريا)
حينما تشهد السينما عقوبة الجسد

ثمة أسباب عديدة تدفع بعض الأوساط الغربية إلى الترويج والاحتفاء بالأفلام السينمائية التي تتناول الأوضاع داخل إيران،البلد الإشكالي الذي تحاك حوله القصص المثيرة،الواقعية منها أو المتخيلة.
قد لا تكون تلك الأفلام نافذة ملائمة لتوثيق معرفتنا بشكل الحياة في إيران،كما انها ليست الصورة الوحيدة المتاحة،فهناك سينما إيرانية رصينة معبرة عن هموم المجتمع وتطلعاته،سينما ناقدة وطموحة تمكنت من انتزاع الاعتراف بها ونالت جوائز رفيعة في مهرجانات سينمائية دولية عدة. سينما غير مهادنة قالت خلال العقود الأخيرة الكثير عن الحياة في ظل الجمهورية الإسلامية وتعرضت بفعل ذلك إلى التضييق والمنع،والسجن لصناعها أحيانا.
يمكن القول ان الأفلام الإيرانية التي ذيلت بأسماء مخرجين معروفين نجحت إلى حد كبير في تخطي الترهات التي يسوقها الإعلام الغربي بدواعي إثارة الرأي العام العالمي.فالإيرانيون قالوا بجدارة وبأسلوب جميل أكثر مما يمكن للآخر ان يقوله عنهم.
لا يعني ذلك بالطبع ان كل ما حدث ويحدث في إيران قد تم تصويرية أو معالجته سينمائيا،فثمة خطوط حمر لا يمكن للسينما الإيرانية تخطيها،لأسباب عدة،لن تكون قيم المجتمع والعقيدة بعيدة عنها.
وربما لمقتضيات ثقافية من ذاك النوع احتفظت العين السينمائية الغربية بجاذبيتها الفنية،وهي تحاول مرة تلو الأخرى قراءة مجتمعاتنا الشرقية،لاسيما في بعدها الإسلامي.
***
في حال توفرت للمنتج السينمائي قصة تستند(حتى لو في جزء منها) إلى وقائع حقيقية جرت في بلد مثل إيران تتصف حيوات أناسه بقدر من الخصوصية والكتمان تجعله مثار اهتمام الرأي العام الغربي،فإننا على الأرجح إزاء حكاية مشوقة،قد تفارق المألوف وتنتهك الخصوصية وتكشف المستور في علاقة المجتمع بالسلطة وتحوز تاليا على مقومات التنافس التجاري والفني.
"رجم ثريا- 2008 " احد الأفلام الأمريكية المثيرة للجدل،ليس فقط لكونه يتصدى لمعالجة موضوعة حساسة هي عقوبة الرجم في الإسلام،وإنما لأنه يبقي على السؤال الجوهري مفتوحا حول المغزى الذي يرمي إليه: هل هو خلق نوع من الاعتراض الشديد على الفعل ذاته(عقوبة الرجم ) أم على البلد الذي تطبق فيه مثل هذه العقوبة؟
علما ان إيران ليست وحدها من يمتلك سجلا غير مشرف في مجال انتهاكات حقوق الإنسان.

من يعاقب الجسد؟
يستند المخرج الأمريكي سيريوس نوراستيه في فيلمه (رجم ثريا) الناطق باللغتين الفارسية والانكليزية إلى رواية الصحفي الفرنسي إيراني الأصل فريدون صاهبجام التي تروي أحداثا حقيقية وقعت في إيران أوائل الثمانينات،حينما أخذت الثورة الإسلامية مدياتها المعروفة في فرض قيم النظام الجديد.
تجري أحداث الفيلم الذي وصف (عربيا) بالوحشية ومعاداة الإسلام،في بلدة نائية تتحكم بمقاليدها شخصيتان؛رجل دين متشدد،ومحافظ انتهازي.الأول منتشي بسلطته المستمدة من الشريعة والنظام السياسي،والثاني يسعى بصلاحياته المحدودة كممثل للقانون إلى التوافق مع الغالبية وكسب ودها.
على مشارف القرية تتعطل سيارة شاب صحافي (الممثل جون كافزيل)يبدو مروره في المنطقة عابرا. يضطر إلى التوقف في القرية لغرض إصلاح سيارته ويلتقي بامرأة تدعى زهرة(الممثلة شوهريا اجهداشلو )تنتظر بشغف من يستمع لحكايتها المأساوية لينقلها إلى العالم. تجد في الصحفي العابر فرصة منشودة كي تسرد عليه بشكل سري فاجعة (ثريا) ابنة أختها التي قتلت رجما جراء تلفيق تهمة الزنا إليها.
منذ البداية يلمح المخرج إلى ان رجل الدين ومسؤول البلدة ومن تحالف معهما يسعون إلى منع زهرة من الانفراد بالصحفي خشية افتضاح الحقيقة،فيخبرونه ان زهرة ليست سوى عجوز مخبولة تقول ما لا تعنيه. ورغم ان ثمة عيون عدة تراقب حركة الصحفي تتمكن زهرة من الاختلاء به وتسرد تفاصيل حكايتها التي سيعود زمن الفيلم معها إلى الوراء لتعريف المشاهد بما حصل لثريا،المرأة الجميلة التي تبلغ من العمر(35)عاما.
ثريا (الممثلة موزهان مرنو) امرأة متزوجة لديها أربعة أطفال تجد نفسها ضحية لقسوة زوج عابث يسعى للاقتران بفتاة صغيرة هي ابنة طبيب ثري يريد النظام الحاكم تصفيته.فيستخدم الزوج نفوذه وعلاقاته لعقد صفقة مريبة للاستحواذ على الفتاة مقابل إنقاذه والدها من حكم الموت.
وكما في كل مجتمع ذكوري محافظ،نرى ان مراءات رجل الدين ومن معه من أهالي القرية تجعله يغض النظر عن عبث الزوج ومعاملته السيئة لعائلته،تارة بدوافع شخصية دنيئة وأخرى بفعل جبنه عن مواجهة الحقيقة.كما ان الناس أنفسهم قد فقدوا قدرتهم على الحكم السليم وتاثرت علاقاتهم الاجتماعية بلوثة السلطة التي أعادت تعريف كل شئ وفق منظورها الديني الذي يمنح من يشاء الحق في الحياة.
وهو ما نراه جليا حينما يحجم الجميع عن الاعتراض على قيام الزوج بطرد ثريا وانتزاع أولادها منها وتشديد الضغط عليها لكي تضيق ذرعا بحماقاته وتطلب الطلاق منه طوعا في مباركة مشروعة لزواجه المرتقب.
في تلك الأثناء لا تجد ثريا مهربا سوى قبول العمل كخادمة في بيت رجل أرمل من أهالي القرية يعيش مع ابنه الوحيد،خشية من الفاقة والتشرد،فيما يبارك رجل الدين ومن معه هذه الخطوة المشبوهة،التي ستكون مؤامرة أخرى للإيقاع بالزوجة وامتحان ما تبقى من صبرها.
المفارقة ان الزوج ذاته وليس أي شخص آخر هو من يقوم لاحقا ببث شائعات مغرضة بين أهالي القرية تشي بوجود علاقة ما بين زوجته والأرمل.تنتشر الشائعات بسرعة ويصل اللغط إلى أسماع ثريا وخالتها زهرة،والأخيرة هي المدافعة الوحيدة عن براءة ثريا والمحذرة لها من كيد المحيطين بها.ولاحقا تبدو اللعبة مكشوفة، لكن لا احد يملك القدرة على تبرير فعل محرم أو الدفاع عن صاحبه مهما كان طبيعته الأخلاقية.
يعمد المخرج من حين إلى آخر إلى قطع تسلسل أحداث القصة كما نسمعها من على لسان زهرة ليضعنا في إطار تشويقي نتحسس من خلاله حيرة (المروي له-الصحافي)مما جرى لامرأة مسالمة،خطيئتها الوحيدة انها سعت إلى صون كرامتها والتشبث بعائلتها.
ومع الحضور الطاغي للشريعة والتقاليد وقيم الذكورة البطريركية،فان العقلانية والتسامح ونشدان الحقيقة هي من يغيب في مواقف كهذه. في حين تؤتي مسرحية الزوج ثمارها مع فريق واسع من الناس الرافضين لسلوك الزوجة الشائن،بما فيهم والد ثريا، الرجل العجوز الذي لم يكن أمامه سوى إعلان براءته من ابنته حفاظا على تقاليد المجتمع الإسلامي. وهنا يتصاعد هياج أهالي البلدة للمطالبة بإعدام ثريا،كونهم لا يحبذون وجود امرأة زانية بينهم.
الرجم بالحجارة عقوبة من يرتكب فعل الزنا،يتفق الجميع،ولا مجال بعد الآن لتوسلات زهرة لدى المحافظ الذي يكن لها احتراما خاصا،هو آخر ما تبقى من مودة سابقة بينهما. من جهتها ترفض ثريا مقترحا أخيرا تقدمه الخالة للهرب من المصير المأساوي.
الجميع الآن يستمع لخطاب علية القوم،مرضاة للضمير الاجتماعي.ويتلو رجل الدين حكم الشريعة على الزانية ..الرجم بالحجارة حتى الموت.
ربما يعد أقوى مشاهد الفيلم وأكثرها دلالة على مفارقات الحياة؛مشهد وصول فرقة سيرك جوالة في لحظة تجمهر الناس للاستماع إلى الحكم على ثريا. صمت قصير يسود المكان فيما يطلق المهرجون بالوناتهم وموسيقاهم داعين الناس للابتهاج ونسيان الهموم..عيون الناس تائهة والسادة الكبار يشيرون للمهرجين بالرحيل فورا،فيما نفر من الأطفال يتحلقون حول عربة المهرجين وهي تنسحب بهدوء مخلفة وراءها وجوها عبوسة شديدة القسوة.
رحيل قسري للفرح يسلم الميدان البشري لرائحة الموت..فلا احد في هذه البلدة راغب بعد الآن في الضحك.
***
يضعنا الفيلم في امتحان بصري صعب يستمر لأكثر من 15 دقيقة تصور بدقة التفاصيل المؤلمة لرجم ثريا،حجارة تلو الأخرى تفتح في الجسد النحيل ثقوبا غائرة،فيما تسيل الدماء من زوايا الرأس والأكتاف والرقبة،ولا مجال لتلافي أية ضربة،حتى وان كانت من يد أب أو ابن أو زوج.
يحيل هذا المشهد الطويل إلى مشاهد التعذيب في فيلم(الآم المسيح)للمخرج ميل غيبسون،سيما وان منتجه ستيفن مكفيتي سبق له المشاركة في إنتاج فيلم جيبسون.بل ان مسيرة ثريا في أزقة القرية محاطة بجمهور غاضب تحيلنا بشكل أو بآخر إلى رحلة يسوع المريرة نحو الصلب.
بكل الأحوال نجح المخرج سيريوس نوراستيه في إدارة ممثليه وتوظيف انفعالاتهم بشكل لافت،خاصة الممثلة إيرانية الأصل(شوهريا اجهداشلو )بدور زهرة.وسبق للمخرج نوارستيه ان قدم للجمهور أفلاما نذكر منها: يوم أصيب ريغان عام 2001 ، عشرة آلاف رجل اسود يدعى جورج عام 2002 ، الطريق إلى 9/11 عام 2006 .
***
تلك الصورة المروعة بدت وكأنها حالة من التطهير الروحي الاستعادي عبر تجسيد الواقعة التي مثل الجسد شهادتها الأخيرة.
بعد تأمل كامل أحداث الفيلم سيكون من المهم استعادة جملته الافتتاحية المذيلة باسم حافظ الشيرازي،احد اكبر الشعراء الإيرانيين.
" لا تتصرف كالمنافق وأنت تجهر أمام الناس بالقرآن".









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا


.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف




.. الإسكندرانية ييجو هنا?? فرقة فلكلوريتا غنوا لعروسة البحر??