الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا بقي من الكتاب الأخضر؟

طارق قديس

2011 / 10 / 17
كتابات ساخرة


بما أني من هواة القراءة، سارعت يوم افتتاح معرض الكتاب الأخير المقام في معرض عمان الدولي للسيارات على طريق المطار، أملاً بالعثور على بعض الكتب القيمة، وما يمكنه أن يروي عاشقاً متيماً بالتاريخ والأدب والفلسفة.

وبدأت أُجري حفرياتي الخاصة ما بين دور النشر للتنقيب عما ثقل فكره، وخف سعره، فمسحت الطاولات مسح الشمس للكرة الأرضية، وتفحصت المؤلفات مؤلفاً مؤلفاً، وانتقلت بعينيَّ من الشعر إلى السياسة إلى الدين إلى التاريخ إلى الألغاز إلى كتب الطبح والأبراج حتى وجدتني أقف أمام الكتاب الأخضر. فلم أصدق ما تراه عيناي! فقد كانت تلك المرة الأولى في حياتي التي أكون فيها على هذه الدرجة من القرب من كتاب العقيد معمر القذافي.

ولكي أتأكد من صحة ما أرى تفقدت مكان وقوفي، فوجدت أني أقف في الجناح المخصص للجماهيرية الليبية، والكتاب الأخضر يتوسط المكان بمئات النسخ ويتصدر إصدارات طرابلس، إلى جانب مؤلفات أخرى للقذافي أصدرها في أوقات مختلفة.

هذه أول مرة أراه بهذا القرب، وكنت قد سمعت عنه ولم أقرأه، وقد تمنيت أن أقرأه منذ زمن، فهو كتاب ذا صبغة خاصة كصاحبه – كما قال لي أحد الأصدقاء – لذا تناولت على استحياء نسخة منه كي اشتريها، وتوجهت بتردد نحو المشرف على الجناح لأدفع ثمنها وتصبح من بعد ذلك عضواً جديداً في مكتبي، لكن شيئاً ما هتف بداخلي قائلاً :"تصفح الكتاب أولاً"، فتسمرت في مكاني، وأخذت بالفعل أقلب صفحات الكتاب.

ومع كل تقليب للصفحات كنت أصعق وأصعق حتى غدوت كمن مسه جنٌّ أو سرى في جسده تيار كهرباء، فالمضمون كان هزيلاً للغاية، والجُمَل مجرد رصف كلمات بأخرى، والفكر ينم عن شخص ضيق الأفق قليل المعرفة.

ولم يكن اصطدامي بالفصل الذي يتحدث فيه عن المرأة ودورها في المجمتع سوى الشعرة التي قصمت ظهر البعير، فأنا لم أصدق أن شخصاً غيَّر تاريخ دولة لمدة 42 سنة يكتب مثل هذه الكلمات : "المرأة أنثى، والرجل ذكر… والمرأة طبقاً لذلك يقول طبيب أمراض النساء .. ( إنها تحيض أو تمرض كل شهر ، والرجل لا يحيض لكونه ذكراً فهو لا يمرض شهرياً (( بالعادة ))....)" أو هذه الكلمات : "المرأة أنثى لا غير .. وأنثى تعني أنها ذات طبيعة بيولوجية مختلفة عن الرجل لكونه ذكراً .. والطبيعة البيولوجية للأنثى المختلفة عن الذكر جعلت للمرأة صفات غير صفات الرجل في الشكـل والجوهر .فشكل المرأة مختلف عن شكل الرجل لأنها أنثى .. وكـذلك كـل أنثـى في المخلوقات الحية من نبات وحيوان مختلفة في شكلها وجوهرها عن ذكرها . تلك حقيقة طبيعية لا مجال لأي مناقشة فيها.".
عندها أعدت الكتاب إلى مكانه والمنية أن أقذف به إلى حظيرة البهائم، لعل البهائم تستفيد منه بشيء.

ودارت الأيام يوماً تلو آخر، واندلعت الثورة في ليبيا، وجاء الوقت الذي أشاهد فيه من ينوب عني بإسقاط الكتاب الأخضر وحرقه خوفاً حتى على البهائم من تفاهة الكتاب، فكم أسعدتني صورة أبطال الثورة الليبية وهم يكنسون مخلفات العقيد ونظامه ويخصلون البلاد من سطوة كتاب أعادهم للوراء مئات السنين، كتاب لا يصلح حتى أن يكون للزينة فوق أرفف المكاتب، كتاب لن يبقى له ذكر على ألسنة الليبيين في المستقبل، ولن يكون له بعد الآن أي محل من الأعراب على الإطلاق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة