الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة المدنية أم الدولة الاثنية

مؤيد عبد الستار

2011 / 10 / 17
ملف حول قيام الدولة الفلسطينية و القضية الكردية وحقوق الأقليات وحقها في تقرير المصير في العالم العربي


قدم موقع الحوار المتمدن اقتراحا لحوار يشمل مجموعة من الاسئلة ، وفيما يلي الاجابة عن أحدها على أمل تناول الاسئلة الاخرى في المستقبل.
الحوار المتمدن : أيهما أهم برأيك، بناء دولة مدنية على أساس المواطنة بدون تمييز قومي أو ديني واحترام حقوق جميع القوميات والأديان، أم بناء دول على أساس قومي و أثنية ، بغض النظر عن مضمون الحكم فيها؟

مؤيد عبد الستار : ان نظرة شاملة على دول الشرق الاوسط تكشف لنا دولا واقطارا نشأت على أسس وصروح متفاوتة ، فعلى سبيل المثال ان الشرق الادنى ، وهو مصطلح دخل سجلات التاريخ كان يطلق على العراق وسوريا ولبنان وفلسطين والاردن يختلف عن دول الشرق الاوسط الاخرى مثل مصر والسودان والعربية السعودية واليمن وايران ، كما يختلف عن دول المغرب العربي مثل الجزائر وتونس وليبيا والمغرب .... الخ .
ان نشوء تلك الدول وقيامها حدث في ظروف متباينة جدا ، ففي الوقت الذي ترعرعت فيه الجزائر وتونس والمغرب تحت مشيئة الاستعمار الفرنسي ، نهضت ليبيا وتطورت تحت هيمنة الاستعمار الايطالي ، و نمت وتشكلت دول مثل العراق والاردن والكويت تحت مشيئة الاستعمار البريطاني ، كما ان مصر اصبحت دولة ترفع شعار القومية العربية في مواجهة شعار الخلافة العثمانية الذي تمزق بعد سقوط اخر خليفة عثماني وصعود نجم اتاتورك الى سدة الحكم ، بينما ظلت الجزيرة العربية في سبات الصحراء حتى انتشلها تدفق النفط وتصدير ملايين البراميل يوميا لتصبح اقوى لاعب سياسي في مواجهة شاه ايران صديق الغرب المفضل ، وهكذا فان تشكيلات الدول والاقطار في الشرق الاوسط ، والذي اريد له ان يكبر ويستطيل ليصبح الشرق الاوسط الكبير ، تمخضت عن مجتمعات في طور التشكيل والتشيوء والصيرورة والنمو لتتقلب فوق صفيح ساخن احيانا من الثورات الشعبية وعلى حراب الانقلابات العسكرية احيانا اخرى ، وظلت سفينة الدولة حديثة التكوين والنشوء تمخر بحار التخلف والعشائرية والخرافات والمعتقدات الغيبية الموروثة .
ليس مجديا من أجل الاجابة على هذا السؤال عرض نشوء جميع تلك الدول والاسس الهشة التي قامت عليها ، الا اننا نستطيع القول ان معظم دول الشرق الاوسط ، وخاصة الدول العربية ، ما زالت في طور التكوين والنشوء ، ولم تستطع اجتياز عتبة الحالة الجنينية لتشكيل الدولة الحديثة، فما زالت العشائرية والقبلية اهم سمة من سماتها ، وما زال رجل الدين يتحكم برقبتها ورقاب مواطنيها مثلما يتحكم شيخ العشيرة برقاب ابناء عشيرته ، كما تستطيع القبيلة الحكم على اي فرد من ابنائها او بنت من بناتها بالموت وفق شريعتها لا شريعة الدولة ، وابسط مثال على ذلك هو القتل غسلا للعار الذي مازال شاخصا بقوة وعنف في العراق والاردن على سبيل المثال .
ووفق المعادلات غير المكتملة للدولة والمجتمع لانستطيع الحلم بدولة المواطنة التي تخلو من التمييز الديني والطائفي والقومي ، لان ذلك ببساطة يحتاج الى انسان يحمل صفات مازالت لا تتوفر بانسان الشرق الاوسط ، مثلما لاتتوفر صفات انسان العصر الحديث بانسان النياندرتال ، فالمسألة ليست قرارا او قانونا يضعه مشرع او حاكم وانما الامر يخضع لتطور البشر بموجب قوانين التطور الاجتماعي ، مثلما يخضع اي نوع اخر في الطبيعة ، ومادام الانسان في مجتمعاتنا يعيش في نعيم الامية ونعيم العقيدة الدينية ونعيم العشيرة ، فلا نستطيع ان نحلم او نأمل منه التخلي عن التمييز القومي او الديني او الطائفي .
وبموجب ذلك امامنا طريق وحيد هو تطور وسائل الانتاج واعادة انتاج الانسان المتعلم القابل للتعلم والتطور ، وحين نستطيع اعادة تشكيل هذا الانسان، نستطيع بلوغ درجة من الوعي الاجتماعي الذي يؤهل مجتمعاتنا لتشكيل دولة اولا ، وثانيا العمل على التخلص من التمييز القومي والديني والطائفي .... الخ.
اما البحث عن حلول سهلة في اقامة دول للقوميات والاثنيات المختلفة في العالم العربي ، لاشك سيزيد الطين بلة ، لان الاثنيات والطوائف والقوميات الصغيرة لا تستطيع ان تكون بديلا لحالة – اللادولة – القائمة حاليا، فرغم امكانات الدول النفطية الكبيرة في العالم العربي ، الا انها مازالت بعيدة عن تشكيلة الدولة المؤسساتية ، بل نستطيع القول انه دولة القبيلة ، فان انتقلت هذه ( اللادولة ) الى تكوين طائفي او اثني او قومي صغير فانها ستخلق اشكالات جديدة لقوميتها او طائفتها ولغيرها ، وسيصبح الجميع في وضع مشابه لحالة دول الطوائف التي نشأت في الاندلس .
إن الحل الممكن هو الاستفادة من الدول المتقدمة ونقل تجاربها والاستعانة بها وتطوير امكانات البلاد الاقتصادية من خلال تحديث الاجهزة الرقابية المالية ومكافحة الفساد والاسراع باقامة المشاريع الاستثمارية الكبيرة مع الدول المتقدمة تكنلوجيا مثل امريكا و اوربا والصين والهند وروسيا وبعض دول امريكا اللاتينية ، اضافة الى تطوير العملية السياسية الديمقراطية ، والدخول في تحالفات سياسية مع الدول الكبرى للحد من تدخل الدول الاقليمية وصراعها مع بعضها البعض.
ان هذا المسار طويل جدا ولكن لا مناص من الصبر والعمل بجد ومثابرة وهدوء من أجل تحقيقه ، على أمل أن يتصدى له ابناء وبنات مخلصون لبلدانهم واوطانهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و