الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشرق الأوسط (الجديد) من النظرية إلى التطبيق

شلال الشمري

2011 / 10 / 19
مواضيع وابحاث سياسية




(( لما استولى الإسكندر على الشرق كتب إلى أرسطو يأخذ برأيه في ذلك فكتب إليه : الرأي أن توزِّع ممالكهم بينهم، وكل من وليته ناحية سمه بالملك وأفرده بملك ناحيته، وأعقد التاج على رأسه، وإن صغر ملكه، فإن المسمى بالملك لا يجتمع إلى غيره، ثم يقع بينهم تغالب على الملك، فيعود حربهم لك حرب بينهم، فإن دنوت منهم دانوا لك، وإن نأيت تعززوا بك، وفي ذلك شغل لهم عنك وأمان لإحداثهم بعدك شيئا، فلما بلغ الإسكندر ذلك علم أنه الصواب، وفرق القوم في الممالك فيقال : إنهم لم يزالوا برأي أرسطو مختلفين أربعمائة سنة ولم ينتظم لهم أمر )) ص 537 كشكول البحراني .
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وخروج دول أوربا الشرقية من هيمنته وتحرر دول آسيا الوسطى (أوزبكستان ، طاجيكستان، أذربيجان ،تركمانستان، قزاخستان، قرقيزستان، جورجيا وأرمينيا) سارعت أمريكا على وضع اليد عليها لتحتويها أسوة بالدول الأخرى في المنطقة ضمن مشروع(الشرق الأوسط الجديد) ويستشف من الأدبيات السياسية أن جغرافيته تبدأ من حدود العملاقين الصيني والهندي الغربية والحدود الجنوبية لروسيا إلى بحر العرب والصحراء العربية الكبرى في إفريقيا جنوبا، وتمتاز دول هذه المنطقة الشاسعة بعدة سمات مشتركة أبرزها :
- أن جميع هذه الدول إسلامية باستثناء ثلاث دول هي جورجيا وارمينيا (مسيحية) وإسرائيل (يهودية ) .
- جميعها خضعت للسيطرة الاستعمارية المباشرة باستثناء تركيا وإيران والسعودية .
- أغلب هذه الدول لديها إثنيات قومية وطائفية، منها ما هو تحت السيطرة ومنها ما ينذر بانفلاتها من عقالها، ومنها ما فلت عن عقاله بالفعل ــ كما هو الحال في العراق ولبنان والسودان وأفغانستان ــ وهذه القنابل الموقوتة تفجر في الوقت المناسب على وفق الأجندة الأمريكية من الناحية القومية، وتفجر من الناحية الطائفية تبعاً لتفعيل الصراع الطائفي بين السعودية وإيران .
ـ الأنظمة في هذه المنطقة أغلبها دكتاتورية بوليسية عائلية توريثية عصف الربيع العربي بالبعض منها، والبديل لم تتضح معالمه بعد، ودول أخرى محدودة تتخبط في ديمقراطياتها كالباكستان والعراق ولبنان و باستثناء تركيا لاتوجد تجربة ديمقراطية ناضجة ومستقرة..
ـ لا تنحصر إشكاليات المنطقة بإمكانية توظيف الصراع القومي والطائفي داخل كل بلد منها فحسب، بل يتعدى ذلك إلى إمكانية انزلاقها إلى حروب المياه في أية لحظة؛ لتشاطئها على الأنهار؛ وبسبب تفاقم الحاجة إليه يوما بعد يوم نتيجة للتغيرات المناخية والزيادة السكانية.
- دول المنطقة تقحم باتجاه اصطفاف وصراع طائفي ( شيعي ـ سني ) كجزء من خيارات مستقبلية للحيلولة دون تشكيلها لمنظومة ثقافية و كتلوية كبيرة وموحدة .
ـ للمجتمعات في المنطقة منظومة قيمية متشددة يؤطرها التابو( التحريم ) و تحظى في الغالب بمباركة الأنظمة؛ لأنها لا تخرج عن طوعها، بل تؤكد على وجوب طاعتها، وهي منظومة تجتر الماضي في حاضرها، والمستقبل لا يعنيها إلا بقدر تعلقه ( بقيام الساعة ) .
- تعتبر المنطقة مجالاً حيوياً ومطمعاً للدول الكبرى القديمة منها والصاعدة، على الرغم من صعوبة اختراق القبضة الأمريكية التي تحتويها ( بحكم وضع اليد عليها ) ويعتبر هذا السبب من أشد الدوافع وراء طرح إسرائيل والمفكرين الصهاينة لمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تبنته أمريكا فيما بعد، وهو امتداد لتوارثها أسلاب الدول الاستعمارية مثل بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وأخيراً الاتحاد السوفيتي .
ـ للمنطقة أقطاب محلية تدير شؤونها الداخلية ( بالوكالة ) وتعرِّب لمشروع الشرق الأوسط الجديد، بعضها أبعد ما يكون عن هذه الشعارات مثل السعودية وتوابعها من مشيخات الخليج ومصر و إسرائيل وتركيا ويبدو أن الديمقراطية ليست مهمة كنظام حكم في بلدان هذه المنطقة، طالما السلطة ضمن قبضة الأدوات المطيعة والفاعلة والمتجاوبة في تنفيذ المشروع والأجندة الأمريكية الصهيونية .
ولا يفوت المنظرين لهذا المشروع إعطاء المبررات التاريخية، فهم يرون قصور وعجز أنظمة هذه المنطقة في إدارة شؤونها؛ مما يجعلهم يبحثون عن مرجعيات عظمى من خارجها تحتضنهم : ( منذ الحملة الفرنسية بقيادة نابليون عام 1798 بدأت حقبة من التاريخ وصارت القوة بكل مسؤولياتها في المنطقة تخضع لقوة أخرى خارجها؛ ما أرسى قواعد العلاقات الدولية ووضعها في يد قوى من خارج منطقة الشرق الأوسط ورسم حدود الصراع والتنافس بين قوى أجنبية من خارج المنطقة ـ برنارد لويس ) .
لم تعد أميركا بحاجة لأساليب التآمر القديمة، و نظرية المؤامرة سقطت وأصحابها يعيشون أحلام اليقظة ويرقصون على حبال الحرب الباردة التي تقطعت منذ عقدين بين القطبين الأمريكي والسوفيتي، فقد وصلت أمريكا إلى مرحلة لم تعد فضائح "ويكلكس" تؤثر في سمعتها، ولا جرائمها الإنسانية بحق المدنيين في أفغانستان والعراق وليبيا ولبنان، لا بل تعدى الأمر إلى درجة أن فاتورة هذه الكوارث الإنسانية تدفع من قبل المجتمع الدولي عنوةً أو عن طيب خاطر، والبلد الذي ليس لديه من يدفع فاتورة التدخل الأمريكي الغربي لا يحظى بهذا الشرف العظيم ولا يستحق أن تخسر عليه أمريكا إطلاقة واحدة، كما هو الحال في الصومال والبحرين، ويترك شعبه أسيراً لفتك الأنظمة و المليشيات والأمراض والمجاعة، بل حتى الدول التي تحظى برعاية جمعية الناتو الخيرية! تكون فيها الجوانب الإنسانية في آخر قائمة اهتمامات الناتو، بل إن بنيتها التحتية أول ما يستهدف لضمان إعادتها إلى( رحم الكهوف ) ولحلب سيولتها النقدية وإعادة بنائها على طريقة( بريمر ) سيء الصيت الذي غرس آفة الفساد في العراق.
في ظل النظام الجديد للشرق الأوسط تبنت أمريكا دور المخلص والموعود المنتظر و السوبرمان للتدخل، سواء كان ذلك على مستوى الدول أو على مستوى الأقليات القومية أو الدينية أو الطائفية، وهنالك طابور من زعماء الأحزاب الدينية والإرهابية والديمقراطية الليبرالية والقومية من يعرض عليها تبني نموذجها الديمقراطي الليبرالي العلماني العولمي وهي (أي أميركا) أمام خيارات مفتوحة للاستجابة لأيهما أكثر مردوداً وأقل كلفة، وأيهما مدفوع الثمن، وأيهما تتخلص من خلاله من أنظمة تسبب لها صداعاً أو حلفاء استنفذوا صلاحيتهم، أما الديمقراطية والانتقال السلمي للسلطة، فهي آلية لإعادة تدوير من يصلح منهم وتحويل المتبقي من فاقدي الصلاحية إلى الطمر الصحي!! والبرنامج الأمريكي لم يعد سرياً، بل هو أجندة شفافة وعلنية.
لم تعد الدول الكبرى التي تحيط بالشرق الأوسط والبعيدة عنه تتجرأ على الولوج إلى المنطقة، إلا بعد أن تدفع الإتاوة التي تترتب عليها؛ نتيجة المغامرات الأمريكية في هذه المنطقة . وقد جاء هذا المشروع استباقاً من أن يأخذ العالم الإسلامي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتحرر الجمهوريات الإسلامية دوره من خلال موقعه الجغرافي وإمكانياته المادية والبشرية في أن يشكل كتلة جديدة تستدعي عودة الصراع العالمي مجددا.
فكان على رأس أولويات مشروع الشرق الأوسط الجديد تفريغ المنطقة من مكامن القوة العسكرية ابتداء من الخزين النووي لكازاخستان إلى ترسانة صدام حسين و ترسانة القذافي إلى استهداف المشروع النووي الإيراني والتضييق على باكستان؛ بسبب دخولها النادي النووي.
والموضوعة الأكثر أهمية هو وضع ثروات المنطقة من النفط والغاز تحت سيطرة أميركا، بحيث تجعل منها متحكمة باقتصاديات الدول الصناعية وسيولتها النقدية من خلال التحكم بأسعار النفط . ففي الوقت الذي تدعم فيه أية عملة في العالم من قبل اقتصاديات دولها تبقى هيمنة أميركا على النفط العالمي هي الضمانة لقيمة الدولار ولانفرادها بسيادة العالم.
إبقاء المنطقة فقيرة تكنولوجيا؛ بسبب الامتصاص المستمر للعقول والكفاءات وضمان بقائها سوقاً استهلاكية لتصريف البضائع إضافة إلى تحويل اقتصادياتها من اقتصاد رأسمالية الدولة إلى اقتصاد السوق الحر (العولمة الاقتصادية) وما تتطلبه عملية التغيير من إعادة بناء من نقطة الصفر .
العمل على تفكيك البنية القيمية ذات التأثير على اللحمة الاجتماعية من خلال الترويج لقيم التحرر واللاانتماء والعولمة وفق اجتهادات غير مسؤولة،وأخيراً فالموضوع لا تسعه هذه المقالة واختم ببيت شعر لنزار قباني :
( يا سادتي لم يدخل الأعداء من حدودنا
لكنهم تسللوا من عيوبنا ............) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهاجم أردوغان.. أنقرة توقف التبادلات التجارية مع تل


.. ما دلالات استمرار فصائل المقاومة باستهداف محور نتساريم في غز




.. مواجهات بين مقاومين وجيش الاحتلال عقب محاصرة قوات إسرائيلية


.. قوات الأمن الأمريكية تمنع تغطية مؤتمر صحفي لطلاب معتصمين ضد




.. شاهد| قوات الاحتلال تستهدف منزلا بصاروخ في قرية دير الغصون ش