الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية والحروب الدينية

عبدالله الدمياطى

2011 / 10 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


أن العلمانية السياسية، بما هي فصل الكنيسة عن الدولة لم تكن خيارا أيديولوجيا بقدر ما كانت حلا إجرائيا فرضته الصراعات الدينية التي شقت القارة الأوروبية بدءا من القرن السادس عشر، بما جعل من غير الممكن استمرار الوضع على ما كان عليه، أو العودة به إلى ما قبل مرحلة الحروب الدينية . فقد حاولت الكنيسة البابوية في روما مثلا إعادة فرض الانسجام الداخلي المفقود بقوة الحديد والنار، ولكن الشروخ التي فتحتها موجة الحروب الدينية أخذت من الاتساع مأخذا يفوق إرادة الرتق البابوي. وهذا لا يعني أن تاريخ المسيحية عامة، والمسيحية الأوروبية خاصة، كان تاريخ الموادعة والسلم، أو أن حروب القرن السادس عشر كانت مجرد حدث استثنائي وعابر في مسار التاريخ الكنسي، فقد كان التاريخ المسيحي في صورته الغالبة عبارة عن حالة دائمة من الصراعات والمنازعات الباردة والساخنة بين مختلف الطوائف المسيحية وغيرها فقد كانت الكنيسة البابوية مهووسة بإدارة حرب دائمة لا هوادة فيها ضد اى فصيل لا تنسجم تأويلاته الدينية مع التأويل الرسمي للكنيسة البابوية في روما، وضد وثنيي وكفرة الخارج الذين يهددون أتباع الصليب والكنيسة، أي ضد اليهود ثم المسلمين، ولكن ما ميز الحروب الدينية للقرن السادس عشر قياسا بسابقاتها هو اتساع الشرخ الذي فتحته داخل المسيحية الكاثوليكية مع عجز الكنيسة عن استعادة زمام المبادرة في حالة تاريخية كانت مطبوعة بالتصدع والأزمات الخانقة بما جعل من غير الممكن تأسيس الاجتماع السياسي والثقافة العامة على أساس وحدة الدين، وقد اقتضى ذلك إعادة بناء التفكير الديني على ضوء الموازنات الجديدة التي أفرزتها هذه الحروب الدينية. ومن هنا يمكننا أن نفهم لماذا تجد العلمانيات الغربية إلى يومنا هذا صعوبات كبيرة في التعاطي مع الوجود الإسلامي على كثرة ما يرفع من شعارات التسامح والتعايش الديني والثقافي، فذلك يعود إلى كون مفهوم التسامح الذي نشأ في مناخات الحروب الدينية لا يعدو أن يكون استجابة لمعالجة الانقسام الحاصل داخل الكنيسة بالأساس، ولم يكن معالجة لمشكلة التعددية الدينية بإطلاق، ومن ثم لم يكن من اليسير تمديد هذا المفهوم ليشمل طوائف دينية ومذهبية أخرى خارج إطار الكنيسة الرسمية أو الديانة المهيمنة، وإن كان ذلك لا ينفي وجود محاولات محدوده يبذلها اليوم بعض رجال الدين من ذوي التوجهات الليبرالية لتمديد فكرة الخلاص الديني لتشمل الديانات المغايرة كما أن هناك محاولات يبذلها بعض المفكرين الليبراليين لتوسيع نطاق فكرة التسامح لتشمل المسلمين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -محاولة لاغتيال زيلينسكي-.. الأمن الأوكراني يتهم روسيا بتجني


.. تامر أبو موسى.. طالب بجامعة الأزهر بغزة يناقش رسالة ماجستير




.. مشهد تمثيلي في المغرب يحاكي معاناة أهالي غزة خلال العدوان


.. البرازيل قبل الفيضانات وبعدها.. لقطات تظهر حجم الكارثة




.. ستورمي دانييلز تدلي بشهادتها في محاكمة ترمب