الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقيرة سجون الحرية

احمد مصارع

2004 / 12 / 13
أوراق كتبت في وعن السجن


حقيرة سجون الحرية
الحرية مرآة الشعوب والأمم..
وإذا كان الضد هو الأقدر على إظهار الشيء , والضوء الذي نبصر من خلاله , صورة الحرية , على مرآة دولة ما ويكمن في معرفة السجون فيها بوجه عام , والسجون السياسية بوجه خاص , لأن تعكس لنا بشكل مكشوف طبيعة النظام السياسي والتربوي , وفلسفة الفئة الحاكمة , ان وجدت ..
الحرية بالنسبة للإنسان وهي مطلب متواضع للغاية , لأنها لن تمكنه من صنع ماهو مستحيل , لأن المستحيل الأول ناتج عن ضعف معاني وجوده ,فرديا واجتماعيا وإنسانيا .
على الأقل مطلب الحرية فوق الغريزة , ولكنه تحت القيم الروحية , ومن عرف السجن وذاق مرارته , واختنق من زمنه البليد , وبرودته كالجليد وظلاميته التي تطول ولاصبح ينجلي فيه , وعرف لاتاريخيته , ولاحظ تآكل الجملة العصبية فيه , وتعرض مخه للتآكل والتلف , والانمحاء البطيء لذاكرته , واهترائه مع المكان المحيط به كما يتهرأ البناء المهجور , أشياء من العمق لا يقترب من فضاء صورتها إلا تصور الكائن الحي ميتا وهو حي , وتلك صور حقيقية للغاية في واقع نعيشه حقا ولكنه غير حقيقي .
في السجن المرير يناجي الإنسان ربه بالقول :
يا الاهي ألهذا خلقتني ؟!
كان الكلب المسكين سجينا , وفتح باب سجنه , فانطلق مندفعا الى فضاء الحرية لا يلتفت خلفه , ولو وضعت أمامه أطيب اللحوم التي يشتهيها , ولأن يأكل جيفة خارج السجن , أفضل عنده من الحياة بدون حرية.
شاشة العقل ومع انعدام الحرية تشبه الى حد بعيد شاشة التلفزيون بدون أن تستقبل موجات أثيرية , ويتداخل الصحو الوهم مع النوم الوهم , وتصبح الأحلام أكثر حقيقية من الواقع , لأنه وعند توفر إمكانية النوم تقل كوابح الهموم الثقيلة الوطأة.
الأصل في السجن حجز الحرية , فكيف تكون السجون مرآة عن الشعوب ذات الفضاء الإنساني والحضاري والتقدمي ؟
إذا كان السجن مظلما وحالكا , زمهرير يا , ولا تستطيع كل الثياب أن تدفيء عظاما ونفسا ترتجف من الهلع الخفي أيضا , وكل ما يحيط بالإنسان مجرد سطوح حجرية تشع برودة قطبية , ويقرر أحدهم في لحظة نقمة على رفاقه بالأمس وهو الوزير أن يحرم السجين من حق الدفء الى الحد الذي يبقى فيه هذا الكائن الحي متجمدا , وتمر الأيام , ويشاء القدر أن يلتحق صاحب القرار سيء الصيت بالسجن , وهاهو الآن يرتجف من البرد, وبعد أن تعود على دفء كرسي الوزارة , يطالب بحق كان هو من حرم فيه غيره من أشباه البشر ,
وجاءه الجواب الذي يستحق , نص القرار الممهور بتوقيعه , ويقرر فيه حرمان كل سجين من أبسط مقومات الحياة , وهو شيء مستنكر حتى من السجان نفسه , وقد لا يظهر مشاعره الساخطة , وقد يقوم السجان بمخالفة القانون , وهذا غالبا ما يحدث , لأن المطلوب ,ومن أي قانون كان , يصدر عن هذا أو ذاك , أن يكون فيه شيء من المعقولية , !!
عندما يسجن المفكر , قد يقول آمنا , وداعا يا حياة الحرية .
لا يوجد خطأ أو صواب في هذه الدنيا , وهو كلام معقول , وليس في الأمر ظلم , صغيرا كان أو كبيرا ؟
اختر لي عدد سنوات سجن تكون كافية لمسحي من الخارطة السياسية والاجتماعية , بل لانمحاء مخي بأكمله , ويبقى السؤال المرير الذي يتحدى الوجدان والضمير والقلب والروح , والمقدس هو :
لوكان سجني المرير والحقير قصرا من قصور الدنيا , هل سأكون حرا ؟
لو توفر لي كل مستلزمات الإنسان البسيط والعادي , هل أصير حرا ؟
كل ما أتمناه لخصمي وبكل روح رياضية أن يعرف السجن , وبصورة اختيارية , ليكتشف أن السجن ليس تربويا وليس عملا انتقاميا , وليس حقا عاما , بل أسوأ بمعطياته من هذا بكثير , انه عمل ضد الإنسان وضد العقل والمنطق ,أقول هذا لا تشكيكا طوبا ويا عن ضرورة السجن ولكن عن اللا معنى المعلق على مشجبه .
السجن لوحده في ظروف عادية وطبيعية وإنسانية ,عقوبة شديدة الأثر وعلى أعتى المجرمين .
البشرية المفعمة بالرسالات السماوية الربانية , والمثل العليا مهددة بالمبالغات المتشددة ,كطبقات للتعسف فوق بعضها البعض لإحداث المزيد من الاختناق , في لا شمولية إنسانية عادله ,بل في شمولية دولية ظالمه ..؟!
احمد مصارع
الرقه-2004








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحيفة لومانيتيه: -لا وجود للجمهورية الفرنسية دون المهاجرين-


.. السلطات الجزائرية تدرس إمكانية إشراك المجتمع المدني كمراقب م




.. جلسة مفتوحة في مجلس الأمن لمناقشة الوضع الإنساني في غزة وإيج


.. أحداث قيصري.. اعتقال المئات بتركيا وفرض إجراءات أمنية إثر اع




.. المغرب.. المجلس الأعلى لحقوق الإنسان يصدر تقريره لعام 2023