الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صوتُ هناء ، جلجلَ في السماء / تأملات 25

غالب محسن

2011 / 10 / 19
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 25


القرنفلةُ في الحَقلِ وردة
الوردةُ في الرَملِ شُعلة
الشُعلةُ في القَلبِ ضياء
الضياءُ في الوَطنِ هناء



تتباهى الشعوبُ المتحضرة بابنائِها وبناتِها أذا فاضت خيراتُ نجاحاتِهم وأنجازاتِهم حدودَ بلدانِهم . أما غيرُ ذلك يبقي مجردُ زعيقٍ ونهيقٍ في صحراء مرابعنا كما كان يَصدحُ الفخرُ في أشعارِ العربِ قديما ً( ليس الشِعر ذاته بالطبع ) .

ويحقُ لنا نحن العراقيين ، ربما أكثُرُ من غيرنا ، أن نتباهى بأسلافِنا الذين قدّموا الكثيرَ للأنسانيةِ بل وأهمها على الأطلاق الكتابة ، قبل العجلةِ والمسلًةِ ، فالكتابةُ هي التي أسست لبناءِ الحضاراتِ .

اليوم هو ماضي الغد

لكن ماهو الحاضر ان لم يكن أمتداداً للماضي ، وهذا الأخير هو الآخر أمتداداً لماضٍ قبله وهكذا تمتدُ السلسلةُ حتى تصلَ في بلادي الى شرائع حمورابي والى ألهةِ القوةِ والجمالِ عشتارالبابلية وريثة إنانا آلهة الحكمة في أوروك السومرية .

هكذا نودُ نحنُ العراقيين أن نتذكرَ ذلكَ التأريخ السحيق عندما كانت الأممُ الأخرى تتنافسُ في كسب ودِّنا ولتتعلم منّا القراءةَ والكتابة والحضارة . نتشوقُ ونتشدقُ له و به وكأننا نُعزي أنفسنا أو ربما لننسى حاضرنا وننكفئ الى ماضينا البعيد . نهربُ من حقيقةٍ ، أن ليس هناك كثيراً في حاضِرِنا ما يمكنُ أن نفخرُ به . أن تاريخاً عريقاً مثلَ هذا يجعلُ الحزنَ مُضاعفاً ونحن نعيشُ الواقعَ المرَّ في أرض السوادِ التي باتت سواداً ليس لكثرةِ نخيلها بل كثرة مآتمِها و راياتها السوداء .
هذه أزمةُ كل عراقيّ مخلصٍ ونزيه ، في بلدٍ أصبحت فيه هذه الكلمات غريبة كما كان الأنبياء في أوطانهم . نَشعرُ بالخجلِ والمعاناةِ ونبحثُ ، كلٌّ بمفردهِ ، عن ملاذٍ " ذاتي " للخلاصِ من ذلك الشعور . لكن ما نقوم به من فعل نبيل فهو قليل لا يكاد يُرى بالعينِ المجردةِ وأن كان عندنا ما شاء الله من النوايا الحسنة . ربما ما زلنا ننتظرُ من يأتي ليُفدينا بنفسه كما الحلاّج . هناء بنت أدور أثبتت أن كانَ هذا حُلماً ، فهو ليسَ وهماُ .

هكذا من دون عمامةٍ وحجاب ، قامت هناء ، من غير نقابٍ أو جلباب ، غيُر آبهةٍ لسلطةٍ وألقاب ، وأنين الصحفيين والكُتّاب ، صوتاً يجلجلُ للغريب و الأصحاب ، وللحرية فَتَحَت الشبابيكَ والأبواب . هكذا أعادت صرخةُ هناء ليس للمرأةِ العراقيةِ الصبورة فحسب ، بل لشعبٍ كاملٍ ، كرامتَهُ وثِقَتًهُ بأن أرض السواد يُمكِنُ أن تُكسِرُ الأصفاد .

لقد لقّنت هناء في تجربتها المتميزة ، و بنشاطاتها المبتكرة والشجاعة مع منظمات المجتمع المدني ، في مجتمع غير متمدن ، ووقفتها الشهيرة أمام السلطان ، ضد الظلم والطغيان ، كل التجربة السياسية العراقية بتياراتها ورايتها المختلفة درساً في الأخلاق أولاً ( فمن غير الأخلاق ليس هناك بقية حسب الخوارزمي) وفي السياسة ثانياً ووضعت كل الفلكلور السياسي العراقي المتهافت موضع شكك وريبة بل وحتى أحزاب مناضلة عريقة لم تسلم من هذه الضنون .

التكريمُ وجهٌ آخرٌ للتحضّر

أَخبرني كيفَ تُكرِّمُ أبطالكَ ومُبدعيكَ أُخبِرُكَ بمكانِكَ في سُلًمِ الحضارةِ والتقدم . أما بلداننا ، فهي غارقة في ظلماتِ و" مكرماتِ " ملوكِها وزعمائِها . وليس صعباً على الطبالين أن يجدوا ما " نُفحِمُ " به الأمم الأخرى فعندنا بالطبع قادتِنا ، قتلتِنا . وتفوقنا على الأمم الأخرى كاسحٌ ليس في الكسرِ والضربِ والقتلِ والأقصاءِ فحسب بل ولأن كل قادتنا تأريخيين ، وكل واحد من هؤلاء السلاطين ، الملاعين ، لديه جائزته الخاصة يتكرمُ بها على مدًاحيه وعاشقيه من التابعين واللاحقين . أما أبطالنا ومُبدعينا فليس لهم ذكر أن لم يكونوا ضمن جوقة السلطان ، وأن تذكرهم فبكاتم الصوت أو الحرمان . ومن الصوب الآخرأذا تذكّرهم الخيرين منّا ، فعلى الأرجح قد فات الأوان أو غادرونا من زمان .

أما في الغرب فتكون الجوائز تكريماً مزدوجاً للمانحين كما هي للمُكرّمين ، فهي تُمنحُ للمبدعين من العلماء والأدباء والمكافحين لكنه أحتفاء بمبدعيهم ومناضليهم أيضاً : نوبل ، غونكور ، بوليترز ، أوغست ، مانديلا ، غاندي ، شون ماكبرايد وغيرهم كثير .

والحمد لله ، على أية حال أن هناك غيرنا من يقوم ، أحياناً ، بهذا التشريف ، للمتميزين من أبناء وطننا ، ومن بينهم مكتب السلام العالمي . هذا المجلس الرصين والذي مُنح العديدُ من قادتهِ ومؤسسيهِ جائزة نوبل للسلام بل حتى المنظمة ذاتها مُنِحَت هذه الجائزة تقديراً لجهودها الأنسانية . قرر هذا المجلس الموقّر منحَ السيدة هناء أدور ، المناضلة العراقية ، جائزة " شون ماكبرايد " 2011 لكفاحها ونشاطاتها من أجل قضية الحرية والعدالة وحقوق الأنسان . الشكر والتقدير مضاعف فتكريم هناء اليوم أنما هو بمثابة تكريم لكلِ مناضلٍ عراقيٍ مخلصٍ يكافحُ من أجل وطنٍ أنساني متحضر . أنه وسامُ فخرٍ لكل من سقط شهيداً للحرية والانسانية . أن هذا التشريف إتما هو قبل كل شئ تكريماً للمرأة العراقية ، المكافحة في أصعب الظروف ، والتي تعرضت وتتعرض اليوم للظلم والقهر المضاعف .

هلالويا هناء هلالويا

في البصرةِ ، قام " المُحَكِّمةُ "* بالثورةِ ضدَ ما أعتبروه ظلماً ولا شرعية بنو أُمية ، وفيها قام علي بن محمد وزنجه بالثورة على ما أعتبروه ظلم بنو العباس ، وفيها قام " العوام " بثورة شعبان على مأعتبروه ظلم صدام .

وفي البصرةِ الفيحاء ، ولدت الطفلة هناء ، نحيلةً كانت في قوامِها ، كبيرةً صارت في مقامِها ، في قلبها شمعةُ " أملٍ " وخفقان ، حَمَلَت العراق ، بيدين من سعفٍ ومرجان ، صوتها مرتعشاً كان ، أرعَدَ كلّ من في القبةِ والبرلمان ، لا للزنازين والقضبان ، كلماتٌ تعصفُ كالريح ، لا تستريح ، تُبحر مع الأنسان ، الآن ، في الفكر والحلم والوجدان ، في كل زمان ، قامتها نخلةً أنتصبت ، كالصولجان ، في التحرير قامت ، وفي كل مكان ، لا للكراسي تدافعت ، ولا للسلطان ، و لا رجالٌ قوّامون ، بالجلاببيب والأطقم ، وما تيسر من الألوان ، أهه ، ليس مثيلٌ لها في الشآن ، في بلادي والأوطان ، هي والحق والعدل صنوان ، هلالويا هناء أدور ، هلالويا هتف النهران ، لأبنتهم زهرة الأقحوان .

د . غالب محسن

----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
*المُحَكِّمة هم الذين رفضوا التحكيم في النزاع على الخلافة بين الأمام علي ومعاوية ونادوا " لا حكم إلا لله " وأطلق خصومهم عليهم لقب الخوارج .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحن طائر أو بالون عادي.. ما هي حقيقة الجسم الغريب فوق نيويور


.. دولة الإمارات تنقل الدفعة الـ 17 من مصابي الحرب في غزة للعلا




.. مستشار الأمن القومي: هناك جهود قطرية مصرية جارية لمحاولة الت


.. كيف استطاع طبيب مغربي الدخول إلى غزة؟ وهل وجد أسلحة في المست




.. جامعة كولومبيا الأمريكية تؤجل فض الاعتصام الطلابي المؤيد لفل