الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا بعد تشكيل المجلس الوطني السوري؟ حال المعارضة السورية بعد تكريس انقسامها

سلامة كيلة

2011 / 10 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


ماذا بعد تشكيل المجلس الوطني السوري؟
حال المعارضة السورية بعد تكريس انقسامها

ربما يمكن لنا اليوم أن نقول بأن وضع المعارضة قد استقرّ في كتلتين: هيئة التنسيق للتغيير الوطني الديمقراطي في الداخل ولها امتداد خارجي، والمجلس الوطني السوري في الخارج وله وجود في الداخل. ولكل منهما إستراتيجية مختلفة، وربما متناقضة.
بداية الانتفاضة ظهر دور بعض الأحزاب المعارضة ضمن الحراك، خصوصاً حزب الاتحاد الاشتراكي في درعا ودوما وريف دمشق عموماً، لكنه ظل يعتمد على فاعلية أفراد من الحزب في هذه المناطق. وأصدر إعلان دمشق بيان يدعو الجامعة العربية إلى التدخل كما حدث في ليبيا. وتوالت البيانات من التشكيلات القائمة منذ زمن سابق، التجمع الوطني الديمقراطي وإعلان دمشق. وفي الخارج بدأ نشاط "مؤتمراتي" يهدف إلى تشكيل "مجلس انتقالي"، وأصدرت جماعة الإخوان المسلمين بياناً تعلن الانضمام إلى الانتفاضة ووجه بشعار "لا سلفية ولا إخوان"، من قبل المنتفضين، تردد في "المناطق التقليدية" لهذه الجماعة (حمص وحماة وبانياس وتل كلخ والتل وحوران).
سياق الخارج كان يدفع لـ "فرض" تشكيل مجلس وطني انتقالي، ولقد تتالت المؤتمرات من أجل ذلك، من اسطنبول إلى إنطاليا إلى بروكسل إلى اسطنبول التي أصبحت مركز النشاط هذا. في الداخل كان د. برهان غليون يرعى حواراً من أجل توحيد أطياف المعارضة في الداخل: أي التجمع الوطني الديمقراطي وإعلان دمشق، لكن الجهد وصل إلى تشكيل هيئة التنسيق لقوى التغيير الوطني الديمقراطي، التي سرعان ما أعلن د. برهان غليون انسحابه منها. وجرت محاولة أخيرة في الدوحة من أجل تحقيق الوحدة أفشلها إعلان دمشق والإخوان عبر إعلان تشكيل المجلس الوطني في اسطنبول وبغياب د. برهان غليون، الذي أصبح يتحرك منذ أن أعلنت مجموعة من الشباب في أنقرا تشكيل مجلس وطني (دون استشارة الأعضاء المعينين)، وتعيين د. برهان غليون رئيساً له (ولقد وافق على ذلك) الذي بذل مجهوداً من أجل تحقيق توحيد قوى المعارضة وإعادة صياغة المجلس بناءً على توافق الأطراف المختلفة، وهي المحاولة التي أشرنا إلى أنها فشلت. ومن ثم تشكل المجلس الوطني برئاسة د. برهان غليون في اسطنبول، الذي اعتبر أنه يمثل الانتفاضة والشعب السوري، وفتح الباب لانضمام من يوافق على سياساته.
بذلك أصبحت المعارضة حائرة بين هيئة التنسيق والمجلس الوطني، رغم كل الضخ الإعلامي الذي أعطي للمجلس من خلال التحريك الشعبي، لإظهار بأن المجلس يمثل الانتفاضة. ولاشك في أنه كسب في ذلك جولة مهمة، أوضحت الخسارة الفادحة التي طالت هيئة التنسيق.
ويمكن تلخيص أساس الخلاف في مسألتين، هما: الموقف من النظام، وبالتالي من الشعار الذي يرفعه الشعب في انتفاضته، وثانياً الموقف من التدخل العسكري "الخارجي"، حيث يبدو أن في المجلس الوطني قوى أساسية لديها استعداد لدعم التدخل العسكري بينما ترفض هيئة التنسيق ذلك جذرياً.
فهيئة التنسيق طرحت ما يُفهم منه أنها ترى الحل في اقتناع السلطة بضرورة "التغيير"، وبالتالي الحوار مع المعارضة من أحل تحقيق "الانتقال السلمي الآمن من حالة الاستبداد إلى الديمقراطية". ولهذا لم ترَ فيما يجري سوى أزمة لا تحل إلا عبر الحوار، وبالتالي على السلطة توفير بيئة تسمح بذلك من خلال وقف الحل الأمني العسكري والسماح بالتظاهر السلمي وإطلاق سراح المعتقلين. ولقد لخصت في مطالبها جوهر ما تريده لتحقيق ذلك، وهي مطالب بدت متواضعة، وأقل من إصلاحية.
وإذا كان تبلور هيئة التنسيق قد سبق تبلور المجلس الوطني في الخارج، فإن هذا "السقف المتدني" لم يسمح لها باستقطاب الشعب المنتفض، على العكس بدا أنها تعلن القطيعة معه. فالشعب المنتفض ليس في لحظة "حوار سياسي" لكي يناقش إمكانية إسقاط النظام، بل أنه قرر إسقاط النظام، ولم يخرج إلا من أجل ذلك. وهو يعيش "حالة ثورية" طالما انتظرت الأحزاب حدوثها، وهي اللحظة التي يصبح فيها الوضع مفروزاً بشكل حدي، فإما الاندماج بالشعب أو "التفذلك" السياسي حول إمكانية أو عدم إمكانية إسقاط النظام. فحتى وإن كان التقدير يشير إلى عدم الإمكانية ليس من الممكن الوقوف على الحياد، بل لا بد من الاندماج بالانتفاضة.
"التفذلك" طغى على الاندفاع فأضاعت معارضة الداخل لحظة مهمة، سمحت بنجاح النشاط المحموم الذي كان قد بدأ مع انفجار الانتفاضة. فقد فرض الفراغ الداخلي، وكذلك فشل قوى الانتفاضة عن تشكيل الهيئات التي تعبّر عنها نتيجة القمع الشديد (الاعتقال والقتل)، لأن تتحرّك معارضة الخارج بحرّية لصوغ "تحالف" يبدو أنه الممثل "الشرعي والوحيد" للانتفاضة.
ولقد جاء تشكيله مع تصاعد الخطاب الذي يدعو للحماية الدولية والتدخل الدولي، خصوصاً من طرف جماعة الإخوان المسلمين، والمجموعات الليبرالية "المتأمركة". وإذا كان د. برهان غليون قد حاول المراوغة حين توضيح معنى الحماية الدولية فقد جاءت تصريحات أحمد الشقفة المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين، ورضوان زيادة مسئول العلاقات الخارجية في المجلس الوطني، وآخرين كثر، لتوضّح بأن الإستراتيجية التي تصاغ تعتمد الميل لتصعيد الضغط حتى التدخل الدولي. ولقد بدأ النشاط من أجل سحب اعتراف الدول بالسلطة السورية والاعتراف المجلس الوطني كممثل للشعب السوري. وينشط من أجل تصعيد الضغط على النظام من قبل الدول الأخرى.
ورغم أن المجلس لاقى "اعترافاً" سورياً، نتيجة الشعور بضرورة وجود "قيادة سياسية" للانتفاضة، فإن الفترة القادمة سوف تؤشر إلى المدى الذي سيصمد فيه "ممثلاً" للانتفاضة. بالضبط لأن الشعب المنتفض يريد دعماً يفتح الأفق لتحقيق التغيير. هل يمتلك المجلس مثل هذا الأفق؟ طبعاً غير الدور الدولي الذي سيتوضح بأنه ليس من الممكن حصول لا حماية دولية ولا تدخل دولي؟ هل سيحل مشكلة غياب القيادة الميدانية للانتفاضة؟ ويلعب دوراً في دفع الفئات الاجتماعية التي لازالت متخوفة الاندماج بالانتفاضة؟ أو يرسم طريق التغيير بشكل يقنع المنتفضين أنهم على أبواب تحقيق الانتصار؟
المنتفضون ينتظرون، حتى الذين أعطوا التأييد.
وإذا أردنا إجمال الوضع نقول بأن المعارضة السورية باتت منقسمة إلى شقين، لكل إستراتيجيته، لكنهما أسسا هذه الإستراتيجية على منطلقين موحدين، وهما: الأول أن كل منهما لا يثق بالشعب وبقدرته على تحقيق التغيير، ولقد كان موقفهما سلبياً منه قبل الانتفاضة، مع يأس من أن ينتفض أصلاً. والثاني: أنه ليس من الممكن أن تسقط السلطة بقوة هذا الشعب، وهي قوية بقدر كبير أكثر كثيراً من أن تنهار أمام حراك شعبي.
هذا "الوعي" بـ "جبروت" السلطة ظاهر منذ ربيع دمشق، ولقد أسس لإستراتيجية المراهنة على الإصلاح بعد وعود النظام منذ استلام بشار الأسد السلطة، ثم بالانقسام القائم الآن منذ سنة 2005، والذي يقوم على مراهنة طرف على أن "تفيق" السلطة في لحظة لكي تتذكر أن عليها "التغيير" مع الخلال الحوار مع المعارضة، ومراهنة الطرف الآخر على دور خارجي. وحتى حين انتفض الشعب أصبح "الوسيلة" سواء لـ "إقناع" السلطة بضرورة التغيير والانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية، أو من أجل استخدام الممارسات الوحشية للسلطة وسيلة لتحريك وضع دولي ربما يقود للتدخل من أجل "التغيير".
بينما الانتفاضة ذاتها بحاجة إلى مجهود سياسي من أجل توضيح الأفق الذي يمكن أن تصل إليه، والشغل على مشاركة كل الفئات الاجتماعية المتخوفة نتيجة التخويف الطائفي أو من التدخل الإمبريالي، وكذلك بلورة هيئاتها العملية التي تعبّر عنها حقيقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ماهو راي العلمانيين في حزب العدالة التركي الح
هناء فوزي ( 2011 / 10 / 19 - 22:33 )
لاأفهم تخوف العلمانيين من ظهور الإسلام المعتدل , الا ترون معي ان الأحزاب اليسارية قد فشلت في تجربتها وفي سياستها , لايمكن ان تنجح أي تجربة سياسية إذا اعتمدت على توجه معين اي احزاب اشتراكية او شيوعية واقصاء أحزاب تعبر عن شريحة كبيرة من الشعب , وهل دولنا العربية ليست ذات اغلبية مسلمة , ولو انني مع كل من معارفي واصحابي لن نحبذ ولن نصوت يوما لحزب له شعارات ايديولوجية دينية الحزب الذي يحمل شعار الإسلام هو الحل ليس في صالح أحد لكن يجب ان نترك المجال لممثلين عنهم في انتخابات حرة , وبالتالي يجب على النخبة المثقفة ان تسعى لتوعية الشعب ان حكم من يقول هذا هو حكم القرآن والسنة هو وجه آخر لحكم الحزب الواحد الذي لايقبل وجهة نظر الآخر كما انني مؤمنة ان يكون الشرع الإسلامي هو اهم مصادر الدستور باستثناء بعض القوانين التي يمكن ان تمون اختيارية بين علماني وآخر إسلامي لكي لانضيق على الأقليات حقوقهم


2 - ماهو المانع؟
درويش السيد ( 2011 / 10 / 20 - 06:38 )
التخوف آت من ان الاسلاميين لم يقدموا بتاريخهم وممارستهم للحكم سوى دولة الاستبداد المستبدة الاوتوقراطية ... ومع ان العلمانية تقر بالحرية الدينية وممارسة الشعائر وتضمن قانونيا ودستوريا الحريات كافة وعلى راسها الدينية لإ ان الطرف الاخر الاسلامي يرفض تثبيت هذه الحقوق دستوريا وقانونيا ولم يقدم اي دليل مقنع على استعداده للانخراط مع العصر وتقبل المدنية ويصّر على فرض ثقافتة على الجميع عن طريق الاحتكار واحقيته الالهية بالحكم وتسير شؤون العباد ... فوحدها الدولة المدنية الدستورية الحديثة والتي تقدم المواطنة والثقافة على الجغرافيا والحدود والايديولوجيا هي القادرة على العيش المنفتح على ومع العالم ..ولامكان للحديث عن دولة متمدنة بظل استمرار تمايزها بتميز هذا المعتقد على ذاك وتقسيم مواطنين البلد الى اكثرية واقلية وفق معتقداتهم وانتماءاتهم الاثنية او الايديولوجية ... وان تكون مسؤلية ادارة الشأن العام معتقلا ووكالة حصرية لهذا المعتقد او ذاك.

اخر الافلام

.. قصة قتل مو?لمة والضحية الشاب باتريك.. ???? من القاتل؟ وما ال


.. لا عيد في غزة.. القصف الإسرائيلي يحول القطاع إلى -جحيم على ا




.. أغنام هزيلة في المغرب ومواشي بأسعار خيالية في تونس.. ما علاق


.. رغم تشريعه في هولندا.. الجدل حول الموت الرحيم لا يزال محتدما




.. لحظات مؤلمة.. مستشفيات وسط وجنوب غزة تئن تحت وطأة الغارات ال