الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعب يريد.. طاغية جديد

رحاب العربي

2011 / 10 / 20
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


بِلُغَة لا تقبل التأويل ولا الشك، ولأسباب لا تنقصها الموضوعية، أعلن الدكتور محمود جبريل رئيس المكتب التنفيذي التابع للمجلس الوطني الانتقالي في ليبيا (اقل من حكومة مكلف بإدارة الدولة الليبية مؤقتا لفترة ما بعد القذافي) عن إصراره على الاستقالة بمجرد الإعلان عن استكمال تحرير ليبيا من بقايا شراذم الطاغية.

واسهب الرجل -في لقاء جمعه بقوى ثورة 17 فبراير بطرابلس مساء الاربعاء وتركز حول ضرورة إقامة الدولة المدنية ومؤسسات مجتمع مدني فاعلة- اسهب في شرحه للأسباب التي دفعته للاستقالة موضحا أنه لا يمتلك الأدوات التي تمكنه من تنفيذ رؤيته ومشاريعه لليبيا الحرة، وانه يمكن ان يفيد ليبيا في مواقع اخرى وانه لن يتأخر في خدمتها من أي موقع آخر .

وتحدث جبريل المتخصص في الدراسات الاستراتيجية، طويلا وبلغة بسيطة عن ضرورة إعادة بناء تفكير الشباب وتوجيههم لتشرب مبادئ الديمقراطية وبناء الثقافة الديمقراطية بينهم، محذرا من أن الإطاحة بالقذافي لا تعني الإطاحة بنظامه وتفكيره الشمولي الذي سيطر على عقولنا على مدى اربعة عقود، مؤكدا أن تطهير العقول من ثقافة القذافي المدمرة تستلزم سنوات من العمل الدؤوب والصبر على المكاره ونشر ثقافة التسامح بين الشباب.

ولكن يبدو ان السيد جبريل كان يحدث نفسه ، وأن الحضور المنوع من الجنسين ومختلف الاعمار الذين غصت بهم قاعة الشعب التي طابق اسمها لأول مرة الواقع، هذا الحضور كما يبدو انهم لم يفهموا ما دفع به رئيس المجلس من أفكار ورؤى وأعذار لا تقبل الجدل وتدفع كل عاقل الى الانتباه الى خطورة الموقف والبدء في التفكير والعمل الجاد والواعي لتدارك الموقف ووضع الحلول الجذرية لمعظلة تلوح في الأفق وتنذر بشر مستطير.

ما إن بدا الحوار بين جبريل والحضور حتى دخل القاعة شيخ بزي وطني ليبي ومعه كوكبة من الحراس (ذكرني المشهد بمسرحيات القذافي في لفت الانتباه واستقطاب وسائل الاعلام بحضوره المتأخر والمفاجئ للمؤتمرات الدولية) ، قطع جبريل رده على سؤال لأحد الحضور لدقيقة تقريبا ليساعد -ربما دون أن يدري او عن قصد- هذا الشيخ في شد انتباه الحاضرين اليه، وليؤكد على أهميته أعلن عن اسمه وانتمائه القبلي مبديا ترحيبا حارا به أثار عاصفة من التصفيق تجدر بهذا الشيخ وبقبيلته التي أحبطت برفضها لكل محاولات الرشوة التي عرضها القذافي لإخراجها من سياق الثورة وتحييدها، ويستكمل بعد هذا المشهد رده على السؤال المطروح..

فجأة انقلب المشهد بالقاعة من حوار عقلاني للتوعية بمخاطر المرحلة وضرورة الاسراع بوضع الحلول الناجعة لها، الى مسرحية خطابية تذكرنا بتلك المسرحيات التي كان يديرها العسكر عقب انقلاباتهم على حكوماتهم لإحكام سيطرتهم على مقاليد السلطة وترسيخ دكتاتورياتهم على الشعب بإعلانهم الاستقالة في وقت عصيب وغير مناسب، لتخرج الجماهير المرعوبة من العودة الى الماضي والمنومة بإسطورة المنقذ الذي وهبه الله لها مطالبة إياه بالعدول عن الاستقالة. هذا ما حدث بالضبط في هذه القاعة بطرابلس مساء الاربعاء، إذ استلم ذلك الشيخ ناقل الصوت ليلقى علينا كلمة حماسية ليس لها علاقة بموضوع الحوار الذي حضرنا من أجله، بل هي في نتيجتها تنسف الموضوع من جذوره.. هاج الشيخ وماجت الجماهير معه وعلا تصفيق وتكبير الحضور مطالبين جبريل بالعدول عن الاستقالة والاستمرار في منصبه، واسهب الشيخ في سرد انجازات جبريل وشجاعته في مواجهة الطاغية دونما تضخيم او زيادة؛ وتحول اللقاء من حوار جاد وعقلاني للتفكير في مستقبل ليبيا ما بعد القذافي، الى مهرجان صاخب من الهتافات التي تذكرنا بمهرجانات الطاغية التي تبدا وتنتهي دونما اي نتيجة، وفعلا بعد تلك الرقصة الصاخبة تفرق الحضور وغادر جبريل القاعة وعلت ابتسامات الرضا الوجوه التي اعتقد اصحابها انهم بهتافاتهم تلك انقذوا البلاد من طامة كبرى ستسببها استقالة جبريل، رغم ان الرجل لم يرد لا بالسلب ولا بالايجاب على تلك الهتافات.

شخص وحيد في القاعة يبدو في العقد السادس من عمره، وجهه مألوفا لدي، كان يصيح ملوحا بالرفض لما جاء في كلمة ذلك الشيخ وهتافات الجماهير، مطالبا بمنحه ناقل الصوت ليقول رأيه في الموضوع، لكن ذهبت كل محاولاته أدراج الرياح رغم وصوله أمام المنصة، فالجماهير التي لم تشف بعد من فيرروس القذافي علا ضجيجها ، وتبخرت محاولات ذلك الصوت النشاز وسط غثاء القطيع والمتشوق لراع يرعاه، ليخرج هذا وحيدا غاضبا معلنا ان ما يجري لا يبني ليبيا وأننا يجب أن نكون كلنا جبريل، وإلا فإننا لن نبني ليبيا حتى بعد قرن.. تبعته خارج القاعة وكان يغلي، حاولت ان استمع منه لرأيه، لكن حالة الغضب التي سيطرت عليه وتلك الجماعات المندفعة للخروج من القاعة وهي تثني على بطل مسرحية المنقذ، لم تسعفني في الحصول على شيء؛ وقتها تأكدت أن : الشعب يريد طاغية جديد!!! فهل يفعلها جبريل؟؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي الشجاعة داخل نفق مظلم.. مغامرة مثيرة مع خليفة المزروعي


.. الحوثي ينتقد تباطؤ مسار السلام.. والمجلس الرئاسي اليمني يتهم




.. مستوطنون إسرائيليون هاجموا قافلتي مساعدات أردنية في الطريق


.. خفايا الموقف الفرنسي من حرب غزة.. عضو مجلس الشيوخ الفرنسي تو




.. شبكات | ما تفاصيل طعن سائح تركي لشرطي إسرائيلي في القدس؟