الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع خليل كلفت

مصطفى مجدي الجمال

2011 / 10 / 21
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


الأستاذ خليل كلفت لمن لا يعرفه من الأجيال الحالية كان من العلامات البارزة في اليسار المصري في السبعينيات، حيث لعب دورًا قياديًا في حزب العمال الشيوعي المصري، وهو حزب بالمناسبة لم يعد موجودًا الآن على الساحة اليسارية في مصر، رغم محاولة قصيرة لإحيائه في التسعينيات تحت مسمى "حزب العمال الموحد".
ورغم أنني كنت من مدرسة سياسية أخرى، حتى وإن كنت متمردًا عليها من الداخل منذ شبابي، فقد اكتشفت بعد عشر سنوات من النشاط اليساري أن تصنيفات مباحث أمن الدولة كانت تضعني في خانة حزب العمال هذا، وكانت تلك مفاجأة كبيرة لي، غير أنني حينما تأملت المسألة وجدتها منطقية فقد كنت قريبًا لخط هذا الحزب، وكان معظم أصدقائي الشخصيين من أعضائه.
المهم أنني أسعد شخصيًا كلما طالعت مقالة أو دراسة يكتبها الأستاذ خليل كلفت، لأنها تكون مفيدة كالعادة حتى لمن يريد الاشتباك مع الأفكار الكامنة وراءها، فهو يتسم بقلم رشيق وسرد سهل وعميق في آنٍ.. كما أن كل مقالة أقرأها له كانت تطمئنني شخصيًا على صحته..
كتب الأستاذ خليل عدة مقالات بالغة الأهمية بعدما قامت الثورة المصرية في 25 يناير الماضي.. ولكني أود بشكل خاص الاشتباك مع المقالة الأخيرة له في الحوار المتمدن بعنوان "مقاطعة الانتخابات البرلمانية والرئاسية من ضرورات الثورة" وهي منشورة على الرابط التالي:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=280292#
المقالة مليئة بالأفكار الجديرة بالمناقشة لكني سأركز هنا على القليل منها.
أولاً: لم يعجبني إدراج الكاتب في الفقرة رقم (1) لتعبير "الكثير من قوى اليسار" ضمن من يتعاونون مع المجلس العسكري. وأرى في هذا تزيدًا لا دليل عليه. وهو لم يورد هنا سوى دليل اعتباري على التعاون المزعوم، لخصه في قوله "إن هذه القوى ترى (...) أن المشاركة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية والاستفتاء على الدستور العتيد قد تنطوي على مكسب ما للثورة ولاستمرارها على طريق تحقيق أهدافها". فهل هذا هو ما يمكن أن نصفه بالتعاون، أم بالأحرى نصفه على الأكثر باجتهاد "خاطئ" (من وجهة نظر الكاتب طبعًا)؟
والغريب أن الكاتب يعدد في هذا الموقف التعاوني قوى كثيرة (تصنف عادة ضمن "اليسار الواسع"- والهلالان هنا من عندي- وحسب تعبيره: "قوى اليسار والليبرالية اليسارية وكل أطياف القوى والتيارات الديمقراطية واللاسلطوية والتحررية") قررت المشاركة في الانتخابات. ومن المعروف أن حزبين يساريين فقط قررا مقاطعة الانتخابات، هما الحزب الشيوعي المصري وحزب العمال الديمقراطي، وكلاهما تحت التأسيس. بل إن تيار الاشتراكيين الثوريين السري (ذا الميول التروتسكية) لم ينضم إلى المقاطعة فيما كان مفاجأة، خاصة إذا علمنا علاقته الحميمة وربما المتداخلة مع حزب العمال الديمقراطي.
المهم أن الحزبين المذكورين اللذين قررا المقاطعة قد قدما أسبابهما الموضوعية للمقاطعة وهي لا تختلف كثيرًا عما قدمه الأستاذ خليل كلفت بعمومية واقتدار. ورغم أن الأسباب المقدمة موضوعية في طابعها، فيجب ألا نغفل أيضًا أن هناك أسبابًا ذاتية تتعلق بضعف القدرات المادية والبشرية على خوض معركة بالشراسة المتوقعة. أضف إلى هذا أن أحدهما حزب وليد مازال يستكمل مقوماته، والآخر يعاني من أزمة بنيوية بعد سلسلة من الانشقاقات والانسلاخات الخطيرة، وخاصة بعد خروجه للعلن ورفض الغالبية الساحقة من لجنته المركزية السابقة الانضمام للحزب الشيوعي العلني وتفضيل البقاء في حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي.
ثانيًا : من المهم أن نتأمل اللحظة الراهنة بموضوعية أكثر وبقليل من التفصيل هنا. من المؤكد أن اليسار لم يقم وحده بالثورة، بل يمكن القول إنه قد فوجئ بها توقيتًا وحجمًا ومعدلاتٍ. فقد كانت هناك الائتلافات الشبابية والحركات الاجتماعية الجديدة (الجمعية الوطنية للتغيير، حملة البرادعي، حركة كفاية، جنين اتحاد النقابات المستقلة، اللجان والجمعيات الحقوقية والدفاعية..) وأحزاب ليبرالية (كحزب الوفد وحزب الجبهة الوطنية) وقومية (حزبا الكرامة والناصري..) وقوى الإسلام السياسي التي انضمت للثورة بدءًا من اليوم الرابع.
ورغم أن العمال وصغار الموظفين والعاملين غير المثبتين..الخ قد انضموا للثورة كأفراد وجماعات منذ أيامها الأولى، إلا أنها لم تتحرك قط كطبقات ونقابات.. ولكن الأيام الأخيرة قبل إزاحة مبارك شهدت موجات احتجاجية متصاعدة أصابت النظام بأكمله بالهلع فأسرع بالتخلص من رموزه خوفًا على جوهر النظام الاجتماعي، وللحيلولة دون تطور الثورة "السياسية" إلى "اجتماعية".. ومع ذلك لا يمكن إنكار أن هذه الحركات التلقائية تزداد وعيًا وتنظيمًا باطراد، على أمل أن تتقارب فيما بينها أكثر في أطر أوسع وتحت برامج اجتماعية أعمّ.
واليوم قررت معظم القوى والأحزاب الاشتراك في الانتخابات، وبالطبع ليس لليسار سلطة على اختياراتها.. فهي ذاهبة بالفعل إلى ما اختارته، أو إن شئت لتقل إنها قد وصلت إلى "محطتها الثورية الأخيرة". أي أنها انسحبت بجماهيرها- وأظن أن لها الغفير منها- إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية والنقابية، وكثير من هذه الجماهير مسحوب أصلاً من رصيدنا الطبقي الثوري.
معنى هذا أن هناك قوى كبيرة سوف تعبئ قطاعات واسعة من الشعب في الانتخابات، خصوصًا في الريف والصعيد والأحياء الشعبية والعشوائية بالحضر، وهي مناطق أزعم أن الثورة لم تصلها بقوة. وسيكون الكثير من هذه التعبئة على أسس عشائرية وجهوية وطائفية... ولا حيلة سريعة لنا في ذلك أيضًا الآن، لأن تغيير أسس هذه التعبئة سيتطلب حقبة لا مفر منها من التطور الديمقراطي بعد عقود طوال من الدكتاتورية الشخصية.
أي أن مقاطعة اليسار بكافة أحزابه- إن تمت- لن تحول دون إجراء الانتخابات.. ولعل الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذي شارك فيه أكثر من 18 مليون ناخب مؤشرًا على ما نقول.. فما بالنا حينما تكون هناك أحزاب ومرشحون سيحشدون الناخبين، وينفقون الأموال الطائلة على الدعاية وشراء الأصوات. أضف إلى هذا أن بقايا النظام السابق وهي لا تزال على درجة كبيرة من العتيّ تعرف هي الأخرى أن هذه معركة مصيرية لها، ولا يجوز أن نتصور أنها عديمة القواعد "الشعبية".
إذن ماذا ستكون قيمة المقاطعة سوى أننا سجلنا موقفًا في التاريخ بأننا "لم نشترك في المهزلة".. مع ملاحظة أن الشعوب التي حُرمت طويلاً من النشاط السياسي لا تتمتع بتلك الذاكرة "الحديدية" التي ستحمل لنا هكذا موقف وتحمده. وربما يكون المكسب هو أننا بالمقاطعة "لن نخسر الانتخابات".. ولكن منذ متى كان الانسحاب من المباراة يحتسب "لا خسارة".
إن لم تكن المقاطعة جماهيرية حاشدة وفاعلة ومقدمةً للبديل، فإنها لن تؤخذ بجدية وستكون خافتة الصوت وضعيفة التأثير، وسنكون بالفعل أقرب إلى المقاطعة السلبية، وهي لا يمكن وصفها بالثورية بحال من الأحوال.
ثالثًا: لا أفهم قول بعض أنصار المقاطعة بأن المشاركة في الانتخابات يمنح المؤسسات المقبلة شرعية من جانبنا. فعن أي شرعية نتحدث؟ بالطبع يستطيع كل نظام أن يتحدث عن الشرعية كما يراها، ونحن ننظر للشرعية الثورية وحدها فقط. وإذا كنا في ظرف ذاتي وموضوعي لا يسمح لنا بالتمنع عن المشاركة في فعالية انتخابية ما وبأهداف تخصنا، فإن هذا لا يعني إلزامنا بأي شيء، لأن العمل الثوري لا يعرف "كلمة الشرف البرجوازية" هذه. وثورتنا المقبلة ستصنع شرعيتها الخاصة. وهل كلما شارك الشيوعيون واليساريون في انتخابات في تاريخ هذا البلد أو ذاك كان هذا اعترافًا منهم بـ "شرعية" النظام القائم؟ لا أظن أن هناك ارتباطًا حتميًا بين المشاركة والاعتراف، وإلا لامتنع الشيوعيون واليساريون عن دخول أي انتخابات في ظل الدولة الرأسمالية.
رابعًا: من المعلوم أن الانتخابات "سوق سياسية" توجد بها عيوب كثيرة من الاحتكارات والغش والكذب والسمسرة والسرقة..الخ. لكن ليست لدينا القدرة "الآن" على منع الجمهور من دخول هذه السوق، مع ذلك يجب علينا توعيته بالمغشوش والقاتل مما يعرض عليهم، وأن نجيد عرض ما لدينا من برامج ومرشحين، وأن نركز على إسقاط أخطر أعدائنا الطبقيين.
يقول الأستاذ خليل كلفت: "تحتاج قوى الثورة إلى الوقت الكافي لتنظيم صفوفها وبلورة وإنضاج مواقفها وتوطيد شعبيتها". وهو قول صحيح، لكنك لن تذهب أبدًا إلى "مباراة" وأنت مستعد تمامًا.. وإذا كنا نحتاج لوقت كافٍ لدخول الانتخابات فما بالنا بالوقت اللازم للقيام بفعاليات ثورية هجومية؟ وما هي التحركات المطلوبة؟ وما هي إمكانياتنا من حيث الجبهة والحزب وتنظيم الحركة الجماهيرية والكوادر...؟
ويتحدث الأستاذ خليل كلفت عن ضرورة "أن يكون الرهان على قدرة الثورة على الاستمرار بفاعلية بدلا من الوقوع في مصيدة الشرعية الزائفة التي نصبها بكل ذكاء المجلس الأعلى لقواتنا المسلحة وحلفاؤه في الداخل والخارج لتصفية الثورة التي ستركِّز أفضل جهودها إذا وقعت في المصيدة على الجري وراء سراب الشرعية في طريقٍ إلى الجحيم مفروشٍ بالنوايا الحسنة من جانب قوى الثورة، وليس على استمرار الثورة في طريقٍ مفروشٍ بالشوك حقا نحو مستقبل أفضل" – انتهى الاقتباس المطول.
ولكن ليسمح لي بالقول إن حديثه يتسم بتعميم زائد، مثل القول بـ"قدرة الثورة على الاستمرار بفعالية".. فهو لم يقل لنا كيف.. ربما يترك هذا لمجريات الأحداث وإبداع الثوار والجماهير.. خاصة أنه يراهن في موضع آخر على ما أسماه إدراك الثوار "بالوعي وبالغريزة السياسية وبتجربة لا تُنْسَى مع هذا النظام". ولكن ألا تلاحظون أنه يتحدث بعمومية مفرطة عن "الثوار" دون تحديد، ودون مراعاة لتساقط بعض "الثورية" وبعض "الثوار" في الطريق.
لكن هناك آخرين كانوا أكثر تحديدًا فتحدثوا مثل حركة كفاية عن "العصيان المدني"، وتحدث آخرون عن "الانتفاضة" أو "الثورة الثانية".. وبالطبع لست من أنصار الخلط بين ما أسماها المفكر الفيتنامي الكبير لودوان "الشعارات الدعائية" و"الشعارات التنفيذية".. وإن كنت أتحفظ أصلاً على التعامل مع أساليب النضال في المراحل المقبلة- خصوصًا تلك ذات الطبيعة الحاسمة منها- كشعار دعائي، ناهيك عن الشعار التنفيذي. هذا في وقت لا يوجد للثوار جبهة متحدة أو أحزاب متماسكة وعضوية، والحركات الشبابية الجديدة تتوزع على قرابة المائتي ائتلاف، كثير منها متناحر..
هناك أيضًا من كانوا أكثر تمهلاً فتحدثوا عن تطوير الحركات الاحتجاجية إلى حركة اجتماعية عامة تغني عن الدخول في انتخابات أو غيرها. ورغم أني لا أفهم مغزى ذلك التناقض المصطنع بين المشاركة في الانتخابات وبين تثوير الحركات الاحتجاجية وتجميعها. نعم.. لا أفهم السر وراء هذه المقايضة الصفرية بين العملين، أي: إما هذا وإما ذاك، فلم لا يكون هذا وذاك معًا؟
.. مع ملاحظة أن الحركات الاحتجاجية مازالت حتى الآن تقوم على مطالب فئوية وجزئية ضيقة، ولا يفضل قادتها حتى الآن ربطها ببرامج اجتماعية عامة، فما بالك بالبرامج السياسية.
خامسًا : لا أفهم لماذا لا يريد الأستاذ خليل كلفت وبعض الرفاق الأعزاء للأحزاب اليسارية التي بدأت تتحرك بحرية أكبر نسبيًا عن ذي قبل، أن تتحرك وسط الجماهير، وتوعيها سياسيًا وبالعملية الانتخابية نفسها، وأن تقدم كوادرها الجماهيرية وتبني المزيد منها، وأن تختبر شعاراتها في الواقع الحي.. وأخيرًا أن يكون لها أصوات في المجالس النيابية مهما كانت قليلة، لأن تواجدها النوعي سيكون هو الأهم.. وبالفعل لم تعجبني عبارة الكاتب القائلة: "إن أي مكسب لعدد من المقاعد سيكون خسارة استراتيجية صافية للثورة، ولأن القوى والحركات والمجموعات التي قادت الثورة واستمرت بها إلى الآن قادرة على مقاومة هذا المخطط والطموح إلى إفشاله كما فعلت بفعالية في الموجات السابقة للثورة".
وأخيرًا.. أتساءل عن الرابط الحكمي بين إفشال المخطط وبين مقاطعة الانتخابات؟
وفي النهاية لا بد من التأكيد على أننا إزاء خلاف تكتيكي ولا أرى داعيًا لتحميله أبعادًا استراتيجية مباشرة كمثل الاستنتاج في المقتبس السابق.. ولنترك التجربة تحكم.. شرط أن تحافظ قوى اليسار على رقي الحوار بينها.. وهو ما أرى الأستاذ خليل كلفت مثالاً جيدًا له.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ