الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرئيـس مبــارك عــدوُ لــدوُد للفقــراء

عطية الصيرفي

2004 / 12 / 13
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


ميت غمر – العامل عطية الصيرفي
الرئيـس مبــارك عــدوُ لــدوُد للفقــراء
لعل الرئيس حسني مبارك يتذكر أستاذه وأستاذ كل متعلمي ومثقفي قريته . قرية كفر المصيلحة مركز شبين الكوم منوفية معالي الباشا عبد العزيز فهمي الذي نهض نهوضاً ملحوظاً بقرية كفر المصيلحة فجعل منها نموذجاً فريداً في مجال التربية والتعليم فصارت القرية المصرية الأولى في التعليم وفي إنجاب المتعلمين الذين كان من بينهم جنرال الطيران حسني مبارك . كما نهض بها في المجال الاجتماعي بتشغيل كل متعلمي القرية من خريجي الجامعات والمعاهد والمدارس وتشغيل كل عمالها بحيث قضى على البطالة في قرية كفر المصيلحة بالإضافة إلى تشغيل وتوظيف كل حميرها فالفلاحات الفقيرات والمعدمات والأرامل كن يذهبن إلى الباشا عبد العزيز فهمي لطلب المساعدة لمواجهة أعباء معيشتهن فكان يأمرهن بالمجيء بحميرهن فيوظفها لهن في مصلحة البريد بأجر يتراوح ما بين مائتي قرش إلى ثلاثمائة قرش في الشهر ولهذا ردد الناس كل الناس في مديرية المنوفية مقولة تقول .. أن الباشا عبد العزيز فهمي قد وظف كل العاطلين في كفر المصيلحة بما في ذلك حميرها.
فالباشا عبد العزيز فهمي قد تخرج من مدرسة الحقوق في سنة 1884 وتفيد بيانات هذه المدرسة القانونية والحقوقية أنه قد تعلم فيها بالمجان وأن والده كان يعمل فقي . أي يقرأ القرآن الكريم على مقابر القرية وفي بيوتها من أجل البركة مقابل معلوم سنوي من الذرة والقمح .. ثم اشتغل بمهنة المحاماة وانتُخب أول رئيس لنقابة المحامين . واُختير عضواً بالجمعية التشريعية وشارك في الوفد المصري برياسة سعد باشا زغلول واُختير عضواً في لجنة وضع دستور سنة 1923 . وشارك في تأسيس حزب الأحرار الدستوريين .. حزب الإقطاعيين المصريين .. برياسة عدلي باشا يكن ثم اصبح وزيراً للحقانية وأول رئيس لمحكمة النقض والإبرام.
ذلك هو الباشا الريفي ابن الفقراء الذي انحاز إلى طبقة الإقطاعيين واصبح عدواً طبقياً للعمال والفلاحين ففي أثناء مناقشة وضع مواد دستور سنة 1923 اقترح علي بك ماهر وضع مادة دستورية تحمي مصالح الطبقة العاملة المصرية في مواجهة استغلال رأس المال فإذا بالباشا الريفي عبد العزيز فهمي يتصدى للاقتراح وصاحب الاقتراح متهماً إياه بالشيوعية.
ولكن الباشا عبد العزيز فهمي قد استيقظ ضميره الاجتماعي عندما أدركته الشيخوخة فعاد إلى قريته كفر المصيلحة معتذراً لأهلها وفقرائها بخدماته في مجال التربية والتعليم وفي مجال التشغيل والتوظيف للبشر والحمير معاً.
ويسأل الإنسان المصري البسيط عن ابن آخر من أبناء قرية كفر المصيلحة هو الرئيس حسني مبارك الذي تبوأ عرش مصر ممسكاً بقبضته الحديدية والسلطوية على كل صغيرة وكبيرة في الحياة المصرية طوال ربع قرن قابل للزيادة والزيادة .. يسأله ماذا فعل للشعب المصري وطبقاته الأجيرة والكادحة الأشد فقراً والأكثر عدداً غير الفقر والقهر والفساد والاستبداد وذلك في شيخوخته وفي هرمه حيث تبوأ عرش مصر شيخاً . فالشيخ من بلغ الأربعين من العمر أو حفظ مسألة من العلم . فالشيخ الرئيس مبارك قد استهل حكمه بمؤتمر اقتصادي تحت شعار .. فصل الملكية عن الإدارة .. مع العلم أن الإدارة لا تنفصل أبداً ابداً عن الملكية إلا في حالة ملكية السفيه والمجنون وفي حالة ملكية الولد القاصر .. وللأسف فلم يلتفت كل السادة المثقفين المصريين إلى مضامين شعار فصل الإدارة عن الملكية.
فالمضمون الأول .. هو نعت الشعب المصري العظيم بالسفه والجنون والطفولة القاصرة مما يجب أن تُفرض عليه الوصاية.
والمضمون الثاني .. يبدو في تحديد الأوصياء من الشخصيات الرأسمالية الذين طفح بهم الانفتاح الاقتصادي الساداتي من ضباط الجيش والشرطة والوزراء وأساتذة الجامعات وكبار الموظفين.
والمضمون الثالث .. هو مولد الطبقة الرأسمالية الكبيرة والجديدة التي لم يفرزها المجتمع المصري كالعادة بل أفرزتها سلطة الرئيس مبارك فجاءت مطابقة لصورته السلطوية . بالإضافة إلى أنه ظل ينفخ فيها من روحه السلطوية رويداً رويداً حتى أصبحت طبقة رأسمالية مالكة .. وسلطة حاكمة ومستبدة تكاد تكون مؤسسة المؤسسات السلطوية المهيمنة على السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وتكاد تكون أيضاً خزينة المجتمع المصري لما تحتويه كروش شخصياتها وتكتنزه من الثروة العامة والخاصة للمجتمع المصري.
هذه هي الطبقة الرأسمالية المصرية الكبيرة المختزلة في شخص الرئيس حسني مبارك والتي يتراوح عددها ما بين مليونين وأربعة ملايين شخص يتمتع الكثيرين منهم بأكثر من جنسية والتي قد أشهرت نفسها بنفسها بواسطة براويز النعي الفخيمة على صفحات جريدة الأهرام القومية التي ابتُدعت في عهد الرئيس مبارك فقط للترحيب بالرأسمالية السلطوية الجديدة والمتوحشة.
إن هذه الطبقة الوصية على الشعب المصري قد سرقت ونهبت ثروة المجتمع المصري العامة والخاصة وصدرت نهبها وسرقاتها للخارج حتى قال بعض الاقتصاديين الكبار .. أن مصر ليست مفلسة ولكنها منهوبة.
وخلال ذلك النهب القومي الذي تجاوز كل ما نهبه وسرقه الغزاة والمحتلون الأجانب لمصر بادرت هذه الطبقة السلطوية المتوحشة بالخصخصة وبيع القطاع العام لنفسها وللخواجات الأجانب فشردت ملايين العمال وبورت الأراضي الزراعية وشيدت العمارات وناطحات السحاب وشيدت أيضاً اثني عشر مليون شقة خالية من السكان في المدن وعلى شواطئ مصر واستوردت طعامها وطعام كلابها وقططها من الخارج بالإضافة إلى امتلاك الطائرات واستيراد ملايين السيارات الفخيمة.
هكذا حظيت طبقة رأس المال طبقة الرئيس حسني مبارك المدللة بالثروة والسلطة بينما كان نصيب الطبقات الأجيرة والفقيرة الفقر كل الفقر والقهر كل القهر مما يعني أن الرئيس مبارك قد حقق انقلاباً اجتماعياً ورجعياً قسم المجتمع المصري قسمة ضيزى وجائرة . هذه القسمة التي أكدت أنه عدوُ لدودُ للفقراء في شيخوخته السلطوية وفي فترة هرمه السلطوية الأمر الذي يثبت أن ضميره الاجتماعي قد أخذ مرقده ومستقره في أحضان الرأسمالية ورأس المال عموماً في مصر التي باتت شبه مستعمرة أمريكية وشبه رأسمالية تابعة.
وبالتالي فقد أصبح الفقراء المصريون مطرودين من الضمير الاجتماعي للرئيس حسني مبارك مما أدى إلى تكاثرهم وتضخم عددهم الذي وصل إلى قرابة خمسين مليون فقير .. فالبطالة الظاهرة والمستترة في صفوف العمال والصناع الحرفيين وخريجي الجامعات والمعاهد تضم أكثر من عشرة ملايين عاطل يتزايدون سنوياً . وأصحاب الدخول والأجور الضئيلة وسكان العشوائيات والحجرة الواحدة ذات المرحاض المشترك قد بلغ عددهم في مصر المعاصرة عشرات الملايين وفي صفوف هؤلاء وهؤلاء تفشى التسول والجريمة والباعة الجائلين وظاهرة العوانس والعانسات الذين قد تجاوز عددهم تسعة ملايين عانس وعانسة في مصر المعاصرة.
هذه بعض ملامح الفقر وبشاعته في مصر المعاصرة .. هذه الملامح التي لا يمكن أن تظهر بهذه الصورة إلا نتيجة للقهر السلطوي الذي أشاعه الرئيس حسني مبارك بقانونه الاستبدادي قانون الطوارئ الذي لازم عهده يوماً بيوم . وبشرطته وجيشها البالغ عدده مليون ونصف ضابط وجندي مدربين على حرب الداخل المصري .. بالإضافة إلى قيامه بردم منابع الاحتجاجات السياسية والاجتماعية والصراع الطبقي في صفوف العمال ونقابات العمال وفي صفوف الطلاب والجامعات وفي الشارع المصري عموماً مما أدى إلى إرهاب الشعب المصري وتخويفه وإجباره على السكوت بقصد تأمين عرشه وتأمين مصالح رأس المال المصري والأجنبي.
ولم يكتف الرئيس مبارك بانقلابه الاجتماعي وما صاحبه من قسمة اجتماعية ضيزى وجائرة أدت إلى تقسيم المجتمع المصري إلى أقلية ضئيلة تستحوذ على الثروة . وإلى أغلبية مصرية كادحة ومنتجة وفقيرة ربما لا تجد قوت يومها .. بل بادر بانقلاب سياسي آخر مصحوباً بقسمة سياسية ضيزى في قلب المواطنة المصرية العتيدة فباتت وللحزن مواطنة مصرية عليا ذات لياقة اجتماعية لأهل الثروة وعناصر الصفوة المصرية عموماً.
ومواطنة مصرية سفلى معدومة اللياقة الاجتماعية لأهل الفقر والفقراء من عمال وفلاحين وحرفيين ومثقفين .. فالقصد من المواطنة العليا تعظيم الثروة وتأهيل الصفوة وأهل الثراء للجمع بين الثروة والسلطة معاً بينما القصد من المواطنة السفلى تهميش الفقراء كل الفقراء ودفعهم إلى الغربة والاغتراب الاجتماعي السحيق باعتبارهم قطيع من العبيد والأقنان.
ولذلك فالثروة والسلطة أصبحتا مزيج واحد تحت رعاية الرئيس مبارك وحزبه الوطني الحاكم مما أدى إلى تأبيد شخصيات السلطة العامة في مناصبهم حتى أرذل العمر وربما حتى القبر وذلك بالإضافة إلى توريث أبنائهم وأحفادهم لهذه المناصب وسوف تشهد الحياة المصرية قريباً السفير بن السفير بن السفير . والقاضي بن القاضي بن القاضي . والضابط بن الضابط بن الضابط . وهلم جرا . بفضل بدعة اللياقة الاجتماعية التي لا تشمل الطبقات المنتجة الأجيرة والفقيرة مما أدى إلى حرمانهم وأولادهم من دخول كلية الشرطة والكليات العسكرية وحرمانهم أيضاً من التعيين في النيابة والقضاء والسلك الدبلوماسي لعدم لياقتهم الاجتماعية.
ولن ينسى الشعب المصري مأساة الشاب النابغة عبد الحميد شتا الذي انتحر احتجاجاً على رفض تعيينه بوزارة الخارجية لعدم لياقته الاجتماعية نظراً لأنه ابن فلاح فقير من قرية ميت الفرماوي مركز ميت غمر.
حدث هذا وللأسف في مصر المعاصرة . مصر الألفية الميلادية الثالثة بينما قد رحب المندوب السامي البريطاني في مصر ورحب جلالة الملك فؤاد الأول بمواطن مصري ريفي هو عبد العزيز فهمي ابن الفقي الفقير الذي وُلد مع الرئيس حسني مبارك في قرية واحدة هي قرية كفر المصيلحة منوفية حيث تم تعيينه واختياره عضواً في الجمعية التشريعية ونقيباً للمحامين ووزيراً للحقانية ورئيساً لمحكمة النقض رغم عدم لياقته الاجتماعية .. وبينما رحب جلالة الملك فاروق بالطالب المنوفي حسني مبارك ابن الموظف الصغير والفقير فاختاره طالباً بالكلية الحربية واختاره طياراً في سلاح الطيران الملكي .. وكذلك فعل مع الطالب الصعيدي جمال عبد الناصر والطالب المنوفي أنور السادات رغم أن الطلاب الثلاثة من مطاريد اللياقة الاجتماعية في مصر الملكية والإقطاعية .. وبينما رحب أيضاً الشعب الأمريكي بابن الممرضة الأمريكية الفقيرة "مستر كلينتون" فاختاره رئيساً لأمريكا مرتين رغم عدم لياقته الاجتماعية أيضاً.
إن بدعة اللياقة الاجتماعية هذه التي تفشت أخيراً في الحياة المصرية تشير إلى أن الثروة والسلطة الحاكمتان بقيادة الرئيس مبارك تستشعران الخوف مما جعلهما يطفحان بالفاشية والعنصرية لضمان وجود واستمرار ممثلهما الرئيس مبارك حاكماً إلى ما شاء الله وذلك بتوظيف العنصرية إلى أقصى مدى من خلال تقسيم المواطنة المصرية إلى عليا وسفلى هذه العنصرية التي لم تتواجد في أدبيات الفاشية والنازية في ألمانيا وفي إيطاليا وفي إسبانيا والبرتغال الفاشيتين .. وكذلك باستخدام الفاشية الظاهرة والمستترة ممثلة في الشرطة ومباحثها وإرهابها وممثلة في فرق الرعب السرية الجديدة التي بدأ نشاطها بالاعتداء على كاتب الشعب عبد الحليم قنديل مما يذكرنا بالحرس الحديدي الفاشستي الملكي في عهد الملك فاروق فهل عاد بنا الزمن المصري الرديء إلى الوراء الملكي.
ولذلك فإن مسئولية القوى الوطنية واليسارية المصرية حيال الوطن والأمة كلها تتزايد وتتزايد مما سوف يضطرها عاجلاً أو آجلاً إلى استنفار الشعب المصري عماله وفلاحيه وطلابه ومثقفيه ودعوته إلى إشعال قارعة قومية يأكل فيها الفقراء المصريون سادتهم الأغنياء كل الأغنياء ويمضغون لحمهم وعظامهم فتتغير الأحوال ويرحل الحكام وتصبح مصر المحروسة وطناً للتنمية المستقلة والرخاء ووطناً للخبز والحرية والعدل والمساواة لكل المصريين .. إذا الشعب يوماً أراد الحياة . فلابد أن يستجيب القدر.
ميت غمر في 11 نوفمبر 2004 العامل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: المرشحون للانتخابات الرئاسية ينشطون آخر تجمعاتهم قبيل


.. رويترز: قطر تدرس مستقبل مكتب حماس في الدوحة




.. هيئة البث الإسرائيلية: تل أبيب لن ترسل وفدها للقاهرة قبل أن


.. حرب غزة.. صفقة حركة حماس وإسرائيل تقترب




.. حرب غزة.. مزيد من الضغوط على حماس عبر قطر | #ملف_اليوم