الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من الصراع في سورية إلى الصراع على سوريا

محمد جمول

2011 / 10 / 22
مواضيع وابحاث سياسية



أكثر ما يميز الصراع الدائر في سوريا هو غياب النزاهة والموضوعية في تناوله وتوصيفه، وهذا ينطبق على عدد كبير من المنتمين إلى الحركات والأحزاب السياسية السورية مثلما ينطبق على الوسائل الإعلامية التي تعاملت مع الحدث. ومن المعروف أن الطبيب حين يخطئ في تشخيص علة مريضه، ستكون النتيجة إما زيادة المعاناة والكلفة في أحسن الأحوال، أو وفاته في أسوئها.
منذ البداية يجب أن نشير إلى أن هناك عملية تسفيه عاصفة بوجه كل من يقترب من المحظورات التي اعتبرها الغرب محرمات لا يجوز الاقتراب منها، مثل وجود مؤامرات أو التشكيك بالهولوكوست أو الاتهام بالخيانة. وفي سوريا يعادل هذه المحظورات أي حديث يشكك ب"سلمية" المظاهرات في سورية أو يمس ب"طهرها". فلكي تكون سياسيا محترما ومعارضا مسموع الكلمة، وثوريا نقيا يجب أن تصر على وجود الطهر الثوري في الحراك السوري على الرغم من عمليات القتل التي يمارسها هؤلاء "الثوار" بالأسلحة والسواطير والشنتيانات من الشهر الأول وعلى الرغم من تقطيع الجثث وسلخ الضحايا وهم أحياء، وعلى الرغم من تهديد وقتل من لا يشاركهم في مظاهراتهم أو حرق ممتلكاته.
وقد جرى التأكيد على إثبات هذا الوهم نتيجة عدة دوافع لدى تيارات مختلفة من المعارضة السورية التي بدا واضحا أنها مختلفة الدوافع تجاه ما يحدث في سوريا. فمنهم من تصرف بدافع الثأر من نظام مارس بحقه وحق غيره ظلما لا شك فيه. وهذه الفئة لم تنظر إلى ما هو أبعد من الانتقام والثأر بغض النظر عن النتائج التي ستحمل أخطارا أكبر بكثير مما يمكن أن يأتي به انتقام لن يعيد كرامة مهدورة ولا حقا مسلوبا. وهناك فئة أخرى بدا واضحا أنها تستعرض محفوظاتها عن الثورة كحلم إنساني جميل يتطلع إلى تحقيقه كل إنسان يريد للبشرية أن تكون أحسن حالا بتحررها من الظلم والقهر والاستغلال والتقييد على الحريات. وهؤلاء عمليا لم يحاولوا أن يعيدوا النظر في محفوظاتهم الثورية، ويعملوا على مقارنة ما يجري على الأرض مع هذه المحفوظات ليكتشفوا أن الأحداث على الأرض وما فيها من ممارسة للقتل والخطف على الهوية وما يتخللها من شعارات طائفية مرعبة ليست مطابقة لما حفظوه من كتب الثورات ونظرياتها وتجاربها. والحقيقة أن عناد هؤلاء جعلهم يصنعون من الحصرم زبيبا. وبذلك وجد كثير من الشعب السوري نفسه أمام تيارين يسيران على الطريق ذاته وإلى الهدف ذاته ولو من اتجاهين: ديني يردد محفوظاته الدينية التي يؤمن أنها حق لا يأتيه الباطل من أي جهة كانت مقابل يسار فقد معظمه نبل وذكاء اليسار منذ أن استبدل أدبيات ماركس ولينين بقوة ودولارات ديك تشيني وكوندوليزا رايس مع بداية هذا القرن واكتفى بترديد محفوظاته التي لم ينتبه إلى أنها أصبحت خارج السياق كليا.
أما الفئة الثالثة، وهي الأكثر خطورة، فتعلم علم اليقين حقيقة ما يجري على الأرض من قتل وخطف وتدمير للممتلكات العامة والخاصة. وتعلم ما تمارسه القوى التي تسمي نفسها "الثورة" من إكراه وتهديد وحرق لممتلكات الذين كانوا يرفضون مشاركتهم في تظاهراتهم وأفعالهم . وقد كانت هذه الفئة أكثر ذكاء حين تمكنت من استخدم الفئتين الأخريين كواجهة إعلامية وسياسية كان لها تاريخها اليساري والديمقراطي مثلما استطاعت إقناعهما بالانتظار أمام المساجد حتى انتهاء صلاة الجمعة للمشاركة في المظاهرات "السلمية جدا" إلى درجة استخدام الصفوف الأولى من المتظاهرين في ترديد الشعارات السلمية حتى اللحظة التي يحين معها استخدام السلاح من جانب الصفوف الخلفية عند الوصول إلى النقطة المناسبة. وهذا كلام قد يتهيب كثير من الناس كتابته لأنه سيوضع مباشرة في صف النظام أو الشبيحة، ولأن مجرد ترديد النظام لأي كلام يجعل هذا الكلام مرفوضا حتى لو كان عين الحقيقة. ففي أجواء من الاصطفاف المطلق مع وضد، أصبحت الحقيقة أولى الضحايا.
لا شك أن النظام اقترف كثيرا من الأخطاء على مدى عقود وأن سوريا تستحق ما هو أفضل بكثير. ولا شك أن هناك كثيرا من المظالم التي لا مبرر لها والتي ينبغي تصحيحها. ولكن هذا لا يبرر تجاهل كل الإصلاحات التي طرحها النظام وباشر تنفيذها. وهذا ما جعل بعض أطراف المعارضة السورية تحجم عن التظاهر في وقت مبكر، وخصوصا حين تبين لها أن التظاهر تحول إلى غطاء لاستعمال السلاح ضد الجيش وتبريرا لممارسات طائفية عنيفة يصر البعض على تسميتها ممارسات ثورية "سلمية". ومن عاش في سوريا خلال شهري تموز/ يوليو وآب / أغسطس وتجول في عدة مدن سورية بينها حماة وجبلة، كما كان حالي أنا، يعرف أن حافلات الركاب المدنية كانت ضحية هؤلاء المتظاهرين السلميين الذين لم يخدش استعمال السلاح ضد المسافرين المدنيين "سلمية ثورتهم". وأنا أعرف أشخاصا ماتوا وجرحوا من دون ذنب ومن دون أن تكون لهم علاقة بما يجري. ومعلوماتي من أصحاب العلاقة مباشرة وليست من أي وسيلة إعلامية تابعة للسلطة أو غيرها.
إن استمرار التعامي عن الحقيقة والإصرار على تسمية الأشياء بغير أسمائها لن يؤدي إلا إلى إطالة فترة الصراع في سوريا وزيادة فاتورة الدم من دون أن يهتم أحد بما يجب فعله لإنقاذ البلاد بالطرق السياسية مستفيدا من حالة هبة السوريين إلى مناقشة أمورهم في كل بيت ومكان، وبشكل غير مسبوق، وبالقليل جدا من الخوف والمحظورات التي كانت شائعة.
هذا التخبط والتحيز المطلق، مع أو ضد، بغض النظر عن وجود أجزاء من الحقيقة عند هذا الطرف أو ذاك، لن يؤدي إلى حلول وإنما إلى صراع داخلي يتحول، كما نشاهد الآن، إلى صراع على سوريا بدلا من أن يكون صراعا في سوريا. وقد بدت ملامح هذا الصراع واضحة على الأرض على الأقل منذ لحظة استخدام الفيتو الروسي الصيني في مجلس الأمن. لقد بات واضحا أن سوريا جزء من محور ربما يمتد من الصين عبر روسيا وصولا إلى العراق ولبنان. وهذا ليس ناشئا عن أهمية سورية فقط وإنما عن إحساس عالمي بأن الغرب المتوحش سيبتلع الجميع بعد أن نهب كل فوائض ثرواتهم عبر تاريخه الطويل من القتل والتدمير. ولئن كان هذا المحور سياسيا يذكرنا بالحرب الباردة في القرن العشرين، فإن جزءا منه يشكل محورا عسكريا قد يحمي سوريا من أن تكون الضحية الجديدة للوحش الاستعماري الإمبريالي الذي نجح حتى الآن في تدمير العراق وأفغانستان وليبيا. وهو ماض إلى تدمير ونهب ما يمكن تدميره ونهبه من دول وشعوب العالم الفقير تحت مبررات نشر الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا يستحق التعليق لان الكاتب ينظر بعين واحدة
همام ( 2011 / 10 / 23 - 11:05 )
لا يستحق التعليق لان الكاتب ينظر بعين واحدة و هو مفقوء العين الاخرى

اخر الافلام

.. مفاوضات الهدنة: -حماس تريد التزاما مكتوبا من إسرائيل بوقف لإ


.. أردوغان: كان ممكنا تحسين العلاقة مع إسرائيل لكن نتنياهو اختا




.. سرايا الأشتر.. ذراع إيراني جديد يظهر على الساحة


.. -لتفادي القيود الإماراتية-... أميركا تنقل طائراتها الحربية إ




.. قراءة عسكرية.. القسام تقصف تجمعات للاحتلال الإسرائيلي بالقرب