الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أتركوا العراق لأهله...يا عرب!

عمر دخان

2011 / 10 / 22
الارهاب, الحرب والسلام


قدمت أرض العراق للإنسانية على مدى العصور الكثير من الحضارات التي أبهرت العالم، حضارات لا تزال عبقريتها و آثارها تذهل العالم، حضارات أثبتت أنه بإمكان تلك المنطقة دائما تقديم الكثير إن هي كانت تحت قيادة رشيدة حكيمة، و لكن ولسوء الحظ، وقع العراق في يد دكتاتور طاغية أزال كل معالم الحضارة من أرض العراق، و حرم شعب العراق من الحياة الكريمة التي يستحقها أي إنسان، و أباد ملايين الأبرياء من أبناء العراق، و هجر ملايين آخرين، و تسبب في مقتل ملايين آخرين دَخَل بهم في الحروب العشوائية الواحدة تلو الأخرى، و كان كالمجنون يقفز من حرب إلى أخرى لأن الضحايا لم يكون أبنائه و أقاربه، و عندما لم يجد وسيلة لإشعال المزيد من الحروب خارج العراق، أو فقد القدرة على ذلك، أدار مدافعه إلى داخل العراق، أين قصف العراقيين و دمر قراهم البسيطة، و ترك بصمته في التاريخ كأول رئيس يستخدم الغازات السامة ضد شعبه، و كأنه لم يكفه أن عطل مسيرة الحضارة في العراق العظيم، فأبى إلا أن يطهره عرقيا أيضا وفقا لما صورته له أفكاره المريضة، متسببا في الأخير في مقتل آلاف المدنيين الأبرياء، أبرياء لم يكن لهم ذنب سوى أن القدر كتب عليهم أن يولدوا في حقبة زمنية حكم فيها العراق إنسان متعطش للدماء.

انتهى عهده و إجرامه، و غادر الحياة غير مأسوف عليه بعد أن ترك آلاف الأرامل و الأيتام و المشردين و ملايين من الضحايا الآخرين، و دخل العراق بصعوبة في عهد جديد، عهد كانت كل المؤشرات تدل على أنه سيكون أفضل لمجرد أنه لا وجود للديكتاتور، خاصة أن الكثير من النخب العراقية في كافة المجالات بدأت تعود لموطنها و تستقر به بعد سنوات من التشرد و النفي، و بدا للعالم أن كل شيء يسير على ما يرام نوعا ما، و بدأ العراقيون يحاولون بإصرار صناع الحضارات على العودة إلى حياتهم اليومية الاعتيادية، و بدأت عملية بناء شاملة لمؤسسات الدولة الجديدة، مع وجود عمليات ضدها من قِبَل ما أطلق عليهم “فلول النظام السابق” و الذين لم يَرُق لهم مسار التحول الذي بدأ العراق يسير فيه، بحكم أنهم في العراق الجديد فقدوا كل سطوتهم و طغيانهم، و كانت تلك العمليات العسكرية محدودة و بشكل بدا منه أنهم يحتضرون بعد أن فقدوا كافة رؤوسهم المدبرة، مجرد مراكز تجمع مشتتة لهم تحصنوا فيها، و لقنهم الجيش الأمريكي و المقاتلون الأحرار العراقيون فيها درسا مفاده أن الكلام العاطفي الفارغ لا يمكن له أن يقف أمام التكنولوجيا الحربية الحديثة و العزيمة و الإصرار من أناس عانوا الظلم طويلا، أناس راهنوا على الجيش الأمريكي لإدراكهم أنه لا يمكنهم الثقة بأحد، خاصة العرب الذين يصدرون لهم الانتحاريين و فتاوى التكفير و التدمير و يقفون ضدهم بشكل علني.

إلى ذلك الحين، بدا الأمر عاديا، فالبلد في حالة حرب، و لكل زلزال هزات ارتدادية قد تكون بنفس قوته قبل أن تستقر الأمور تماما، خاصة و أن العراقيين كشعب واعٍ يعلمون أن ثمن التخلص من الخوف و الظلم و الاستبداد الذي عاشوا فيه سنينا طوال لن يكون بسيطا، و على الرغم من أن الشعب العراقي رحب بالقوات الأمريكية التي يعود لها الفضل الأول و الأخير لها في تحريرهم من جنون الطاغية، إلا أن العرب الذين صمتوا على مدار سنين و هم يتابعون الدكتاتور يقصف شعبه بالمواد الكيماوية و يدمر العراق في حروب استهتاريه قدم فيها العراق الكثير من أبنائه، أولئك العرب الصامتين على الإجرام العربي البعثي نطقوا فجأة كعادتهم، منددين بما سموه “الغزو” الأمريكي، غير مكترثين بمشاهد العراقيين الفرحين بدخول القوات الأمريكية، و المستقبلين لها بالورود – حرفيا – و هي التي أنقذتهم من حكم دموي و لم تقف موقف المتفرج كالعرب الذين لم تصدر منهم كلمة تنديد واحدة ضد جرائم صدام، بل و الكثير منهم من الذين نددوا بالـ “الغزو” الأمريكي لم يسمع لهم أي نَفَسٍ أو إعتراض عندما اكتسح صدام ظلماً و عدواناً دولة الكويت المسالمة، بل إن بعضهم ذهب إلى حد مساندته، ثم يأتي و يسمي لي عملية إنقاذ الشعب العراقي من الطاغية “غزوا غاشما”!!!

أنا شخصيا موقفي من تحرير العراق لم يكن مساندا بشكل قوي للعملية بالقدر الذي ساندت به عملية تحرير أفغانستان من إجرام طالبان، و ذلك لأن علاقة طالبان بالهجوم الإجرامي الجبان في الحادي عشر من سبتمبر كانت واضحة وضوح الشمس، خاصة مع ظهور بن لادن يتباهى كعادته بقتل الأبرياء و المدنيين الآمنين فيما سماه “غزوة” وفق فكره الإجرامي المنحرف، معتقدا انه في مأمن من انتقام الولايات المتحدة الأمريكية، و هو اعتقاد بدأ بالزوال مع أول صاروخ أمريكي سقط على كهفه، ثم تلاشى تماما و هو يشاهد ماسورة بندقية جندي القوات الخاصة الأمريكية توجه إلى رأسه، و لعل من مفارقات القدر أن كان آخر مشهد رآه بن لادن في هذه الحياة هو ماسورة بندقية أمريكية يحملها جندي أمريكي و في عقر داره في باكستان، شيء لم يتوقعه في أسوأ كوابيسه. أعود إلى سياق الموضوع فأقول، على الرغم من أنني لم أساند بشكل قوي الحرب على العراق لأنه سبقها الكثير من عمليات الاستفهام، إلا أنه حين بدأ القصف وأُنزِل الجنود على الأرض لم يعد هناك مجال للمعارضة، خاصة و أنني مدرك أنهم هناك لمهمة نبيلة و إن كان السياسيون الذين بدأوا الحرب بنوها على معلومات غير صحيحة و نوايا قد تكون مثيرة للجدل، و لكن لا يمكننا لوم الجندي على ساحة الميدان، فهو في الأخير و في أسوأ السيناريوهات سيحرر الشعب العراقي من دكتاتور أذاقهم الويلات و أعاش المنطقة بأكملها على أعصابها بانتظار أي منهم سيهاجمه في لحظة غفلة، و سيشكر التاريخ الولايات المتحدة على إنقاذ المنطقة من مشروع هتلر جديد.

قد يدور سؤال في خلد القارئ الكريم، وهو ” أليس حال العراق اليوم أسوأ من حالهم بالأمس؟” و “ألم يزد التدخل الأمريكي من مآسي العراقيين؟” السؤال مشروع تماما، و إجابته تكمن في إجابة السؤال التالي أولا ” من يقوم بعمليات الإرهاب في العراق اليوم؟” الجيش الأمريكي؟ لا، لأنه من المفترض أنه أنهى مهامه القتالية و هو يقوم حاليا بعملية تسليم السلطة للعراقيين على مراحل. فلول النظام السابق؟ ربما، و لكنهم ليسوا بتلك القوة التي تتيح لهم نشر الرعب و الهلع بهذا الشكل الكبير، خاصة مع انتشار العمليات الانتحارية التي تسقط مئات الضحايا هم في أغلبهم من المدنيين الأبرياء. من المسؤول إذا؟

كانت لي فرصة الحوار مع بعض الأصدقاء العراقيين، كما أنني تابعت الكثير من المقالات التي تتناول شأن العراق، و صفحات عراقية في الفيسبوك و من خلال تلك المتابعة أدركت بشكل يقيني أن الشعب العراقي لا علاقة له بهذه العمليات الإرهابية، بل هم في أغلبهم منددون بها و مستاؤون للغاية منها، خاصة و أنها تأتي في مرحلة إعادة بناء العراق من الدمار الذي خلفته سنين حكم صدام، و غالبا ما تسمع العراقيين يشتكون من “الإخوة العرب” الذي تركوا بلدانهم المليئة بالفساد و الدكتاتورية و جاؤوا لـ “يجاهدوا” في العراق، عن طريق قتل المدنيين العراقيين بدعوى مقاومة الوجود الأمريكي، و الموجود أساسا بموافقة الشعب العراقي و ترحيبه، و هم الذين يعلمون – أي الشعب العراقي، أو أغلبه على الأرجح – يعلمون أنه لولا الجيش الأمريكي لكان العراقيون لازالوا يعيشون تحت إجرام صدام إلى يومنا هذا، و ربما كانوا اليوم تحت حكم أحد أولاده الأشد دموية و قسوة. أولئك “الإخوة العرب” هم نفس المجرمين الذي قتلوا آلاف الأبرياء في الجزائر، بعد أن كفروا الشعب الجزائري و توافدوا على الجزائر “للجهاد” فيها ضد شعب أعزل، و هو نفس الأمر تقريبا الذي يتكرر في العراق، فهؤلاء يدعون مقاومة الوجود الأمريكي كما ادعى نظرائهم في الجزائر مقاومة ما سموهم “عملاء فرنسا” الذين يحكمون الجزائر، و مع ذلك يهاجمون المدنيين العراقيين كما هاجم نظرائهم المدنيين الجزائريين في عمليات انتحارية في أماكن عامة كالأسواق و التجمعات، و تبريرهم غالبا أن هؤلاء المدنيين هو متعاونون مع “الاحتلال” الأمريكي كما برر الآخرون تكفير الشعب الجزائري بأنهم متعاون مع “عملاء فرنسا”! كيف يكون احتلالا و الشعب العراقي رحب به؟ كيف يكون احتلالا و العراقيون قاتلوا معه جنبا إلى جنب ضد أعداء العراق من فلول النظام السابق و ضد الإرهابيين العرب الذين يصدرون الإرهاب إلى دول الآخرين، و لكن عندما يحدث الإرهاب في بلدانهم يصبح من عمل ” الفئة الضالة” و “المغرر بهم” و ما إلى تلك الصفات؟ أليست هذه صورة أخرى للنفاق العربي الذي يصدر الإرهاب إلى دول الآخرين و يدعمه بالمال و العتاد، و يسمي الإرهابيين مجاهدين و مقاومين، و لكن بمجرد انقلابهم عليه يصبحون “فئة ضالة” و “مغررا بهم”؟ الشعب العراقي لا يريد مساعدة أحد، فهو أقدر الناس على حل أموره بنفسه، و هو يدرك أن الولايات المتحدة الأمريكية ساعدته كثيرا و لذلك فهو يرحب بوجودها على أرضه، و هو وحده من يملك سلطة الطلب منها أن تغادر، لا ” أبو طنجره النجدي” و لا “أبو صحن الزرقاوي”، فقط أبناء العراق الحقيقيين هم من يملكون الوصاية على أرضهم، و هم من واقع من قابلت منهم يرفضون الإرهاب العربي على أراضيهم، و يدركون أن بإمكانهم إدارة بلدهم بالشكل الأمثل لو توقف العرب الآخرون عن لعب دور الوصاية عليهم، و مساعدتهم “بالغصب”، خاصة عندما تأتي تلك المساعدة على شكل انتحاريين قتلوا من العراقيين الآلاف، و من ثم يلقون باللوم على الجيش الأمريكي!

من واقع تعاملي مع الكثير من أفراد الشعب العراقي، استنتجت بدون مجامله أنه شعب راق مثقف، و الكثير من أبنائه قدموا و يقدمون الكثير للإنسانية في ديار الغربة، و هو شعب جدير فعلا بقيادة نفسه بنفسه، شعب اختار التحالف مع الولايات المتحدة فأجاد الاختيار، فهي البلد الوحيد الذي تدخل لإنقاذه في وقت كان العالم يصم آذانه عن صرخات المظلومين من أبنائه، و خاصة جيرانه العرب و الذين هم آخر من يتكلم عن العراق و شؤونه، فهم اختاروا أن يقفوا في صف الطاغوت، و الطاغوت قد رحل، و هذا عراق جديد، و على الرغم من أن مخاض ميلاده مؤلم و طال و لكنه لن يطول للأبد، و صدقوني لو يترك الإرهابيون العرب المتدفقون على العراق لتفجير أنفسهم، لو يتركون العراقيين و شأنهم لازدهر حال العراق في فترة قياسية، و لأصبح العراق نموذجا للدولة الديمقراطية المدنية الحديثة، دولة متعددة الأعراق و الديانات و اللغات، و لأصبح نموذجا لنجاح السياسة الخارجية الأمريكية، و هي فرضية تزعج الكثير من أعداء الولايات المتحدة، خاصة الذين يعيشون في أمان تحت حماية أساطيلها و في نفس الوقت يخرجون الإرهابيين لحربها و قتل مواطنيها!

العراق للعراقيين فقط، و ليس من حق أحد التدخل في شؤونه تحت المسميات البالية على غرار “العروبة” و غيرها، لأنه لم يهلك العراق سوى حزب البعث “العروبي” الذي دمر العراق باسم “الأخوة العربية”، و من حق العراقيين التعاون مع من شاءوا و خاصة الولايات المتحدة، لأنها هي التي حررتهم من ظلم و طغيان كانوا يتعرضون له على مدار عشرات السنين تحت مرأى و مسمع “الإخوة العرب” و الذين لم يجدوا طريقة يعبرون بها عن “حبهم” للعراقيين سوى إرسال عشرات الانتحاريين الذي قتلوا و مازالوا يقتلون مئات المدنيين من الأبرياء باسم تطهير العراق، ناسين أنهم أتوا من دول مليئة بالفساد و الشرور، دول لم يحاولوا تطهيرها كما يدعون محاولتهم تطهير العراق، من البشر على الأرجح!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فخر المطعم اليوناني.. هذه أسرار لفة الجيرو ! | يوروماكس


.. السليمانية.. قتلى ومصابين في الهجوم على حقل كورمور الغازي




.. طالب يؤدي الصلاة مكبل اليدين في كاليفورنيا


.. غارات إسرائيلية شمال وشرق مخيم النصيرات




.. نائب بالكونغرس ينضم للحراك الطلابي المؤيد لغزة