الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الانتخابات المصرية و الحرب الإمبريالية الأولي

حسن خليل

2011 / 10 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


بين الانتخابات المصرية و الحرب الإمبريالية الأولي
كتب الأستاذ مصطفي عمر في موقع مركز الدراسات الاشتراكية مقالا بعنوان "الانتخابات و خطأ الاستعجال الثوري" و يمكن للقارئ أن يجده علي هذا الرابط* http://en.e-socialists.net/node/7742 . و في هذا المقال يبرر أ/مصطفي دعوة تيار الاشتراكيين الثوريين للمشاركة في الانتخابات المصرية بقوله "فالمواقف الاستعجالية مثل عدم وقوف الثوار جنبا إلى جنب مع القطاع الواسع من الجماهير الشعبية و العمالية في الانتخابات هو الذي سيؤخر فرص تطور الوعي الثوري بين الجماهير " و أنوي أن أناقش قضية الثوري و الجماهير هنا بشكل خاص. يعتبر أ/مصطفي أن "وقوف" الثوري إلى جانب الجماهير هو شرط لثورية هذا الثوري أو علي الأقل لحسن ثوريته. و بما أن الكاتب أعتبر أن الجماهير ستخرج للانتخابات سنفترض صحة موقفه الذي لا دليل علية . ونسأل هل دور الثوري أن يكون موجودا مع الجماهير في كل خطوة تخطوها؟ أليست "الجماهير" محملة بوعي زائف؟ أليست "الجماهير" مثلا تطالب بدولة أستبدادية دينية؟ أليست هذه الجماهير تشارك في موالد العنف الطائفي أو تتغاضي عنها؟ أن ما يقترحه أ/مصطفي هو ما كان يسميه لينين زمان تقديس العفوية. و ما نسميه نحن الآن في لغتنا السياسية "الشعبوية". أن بحث هذه القضية له أهمية كبيرة في صياغة مواقف القوي الثورية في الثورة المصرية و الثورات العربية. و في هذا العصر الذي افتتحته ثورة تونس سنواجه كثيرا بهذا السؤال هل دور الثوري أن يقف مع الجماهير بغض النظر عن طبيعة موقف الجماهير هذا؟
أن الجماهير و الطبقات الشعبية يجب النظر لها علي حقيقتها و هي أنها أطراف مستقلة عن القوي الثورية بل هي الأطراف الأصيلة في الصراع الاجتماعي الدائر. و هذه الطبقات لها ميولها و مزاجها الخاص الذي يصوغه وعيها سواء ذلك المزيف المصدر أليها من من المجتمع الرأسمالي أو وعيها الأصلي الناجم عن تجربتها التاريخية. بينما القوي الثورية التي تسعى لتمثيل تلك الطبقات تستمد مواقفها من خبرتها الفكرية و السياسية – و التي هي أيضا قد تكون محل للوعي الزائف -. و لذا فأن دور الثوري أن يكون ناصحا صادقا للطبقات التي يدافع عنها يستخدم وعيه الثوري هذا بطبيعة الصراع الطبقي في أكتشاف أنسب المواقف لتلك الطبقات. و هذه المواقف ليست بالضرورة متطابقة مع مواقف تلك الطبقات الفعلية. بل غالبا لا تتوافق معها. و قبل الثورة المصرية مثلا كانت مواقف القوي الثورية لا تتلاقي تقريبا أبدا مع مواقف الشعب. فبينما كان الثوريين يدعون إلي التظاهر و الانتفاض كان الشعب بمجمله يركن إلى حركة احتجاجية علي الأكثر و لا يوجه طاقته ضد الطبقة الحاكمة و رموزها السياسيين.
لكن من ناحية آخري فصياغة موقف ثوري مبني علي تحليل نظري و سياسي للواقع يتضمن في داخله موقف الطبقات الشعبية ومدي استعداها لخوض الصراع و مدي قدرتها علي تحمله الخ. فتلك الطبقات هي أطراف في الصراع أصيلة و موقفها منه يعيد صياغة هذا الصراع في أتجاه أو أخر.بمعني أخر أن الطبقات الشعبية التي يراد صياغه موقف يعبر عنها هي نفسها – أو توجهاتها- جزء من المعادلة التي تشكل هذا الموقف. و لا أدل علي ذلك من الشيوعيين و الاشتراكيين العرب و المصريين خصوصا لم يطرحوا حتي الآن عبر تاريخهم الطويل الثورة الاشتراكية لسبب رئيسي و هو عدم قدرة الطبقات الشعبية علي النهوض بمثل هذه الثورة أو ما يسمى عادة عدم نضج الشرط الموضوعي لها.
لكن مواقف الشعب و الطبقات الشعبية ليست مواقف جامدة و نهائية بل هي مواقف تحركها الأحداث السياسية الكبري و خبرة تلك الطبقات بها أنها مواقف متحركة و متبدله دائما حسبما تتفاعل تلك الطبقات في صراعها اليومي مع الطبقات و السلطة الحاكمة. لذا فأن الثوري عليه ليس فقط أن يأخذ مواقف هذه الطبقات بشكل جامد أو أن يعتبرها مواقف نهائية بل عليه أن يتأملها في صيرورتها و أن يتوقع – طبقا لمعايشته لشعبه و أرتباطه به – مآل تلك المواقف الشعبية.
أذن فعلي الثوري أولا بحث القضية المطروحة كقضية صراع طبقي و استشفاف الموقف الأكثر ملائمة للطبقات التي يمثلها ثم أن عليه أن يأخذ موقف هذه الطبقات بعين الاعتبار حينما يكون موقفه. لكنه عليه أن يأخذ مواقف الشعب في حركتها و في أتجاه تطورها و ليس بشكل جامد بما في ذلك مدي تأثير القوي و الدعاية الثورية وسط صفوف الشعب.
و من الأمثلة التاريخية النادرة في تعريتها تلك القضية المعقدة. مثال الجدال الحاد الذي نشاء قبيل الحرب العالمية الأولي بين لينين من ناحية و كاوتسكي من ناحية أخري حيال الموقف من الحرب العالمية الأولي. وقتها كانت الإمبرياليات تتصارع لاقتسام العالم من جديد.و صراعها سويا أخذ بعدا قوميا و وطنيا حادا. فالفرنسيين ضد الألمان . و كان تحليل لينين واضحا وصريحا و هو أن هذه الحرب هي حرب بين الضواري لن تجني الطبقات العاملة منها و الشعوب عموما إلا الخراب و الموت أي كان المنتصر.لذا فأن الموقف الثوري هو عدم المشاركة في الحرب الإمبريالية و فضحها و فضح مروجيها و دفع الطبقات العاملة و الشعوب للانتفاض ضد سادتهم المحليين و للتضامن مع الطبقات العاملة في البلدان الأخري. و لكن قبيل الحرب الإمبريالية الأولي أيضا كانت التعبئة القومية و الوطنية من الاتساع و الشمول بحيث أن الشعوب و الطبقات العاملة ملئت بالنزعات العنصرية و بنزعات الدفاع عن "الوطن" أو بمعني أخر الدفاع عن نصيب طبقتهم الخاصة الحاكمة في الميراث الإمبريالي. و لم ينكر لينين هذه الحقيقة بل أقر أن تلك النزعات القومية العنصرية أفسدت الرؤية علي الطبقات الشعبية فأصبحت لا تري مؤامرة تقسيم العالم باستخدام عملها و دمائها هي نفسها. لكن لينين أدرك من ناحية أخري أن تلك الحرب ستجر أهولا يكاد لا يصدقها عقل بفضل التطورات التكنولوجية و بفضل مستوي التطور الذي بلغته الرأسمالية. و أن مثل تلك المجزرة الجماعية للشعوب لابد أن تعيد صياغة وعي الشعب و تكشف حقيقة الحرب الإمبريالية للشعوب. و لذا فضل لينين ألا يذهب مع الجماهير كما يدعونا أ/مصطفي فضل أن يعلن للجماهير موقفه صريحا واضحا و أن يتهم بالعداء للوطن واثقا أن تطورات الحرب ستكشف حقيقة موقف كل طرف من الأطراف. ليس هذا فحسب بل أعتبر الأمر من الخطورة حتي قاد انشقاقا في الأممية الثانية حول الموقف من الحرب. حيث كان المعلم الأكبر للماركسية كارل كاوتسكي يأخذ موقف "الدفاع عن الوطن" أو موقف التواطؤ مع الطبقات الحاكمة الإمبريالية ضد شعوبها. و حينما نشبت الحرب حدث بالضبط ما توقعه لينين أزالت أهوال الحرب و مجازرها الغشاوة من عيون الشعب و بدء الجنود يدركون في ميادين القتال أنهم يحاربون ليس من أجل الوطن و أنما من أجل القيصر و طبقته و أنهم لم و لن يجنوا من الحرب سوء الموت و الخراب. و نفس الشيء حدث في المصانع و المزارع فقد أسكتت أصوات المدافع كل دعاوي الإصلاح مهما كانت خجوله. و سارعت الطبقات الشعبية تتبني موقف "عدو الوطن" لينين. أن هذه التجربة التاريخية الدرامية الفذة توضح كيف يمكن لثوري أن يبني موقفا من الصراع الجاري. أن الثوري ليس هو مجرد المهيج و المحرض الجماهيري و لكنه أيضا المثقف المنحاز بوعي للطبقات الشعبية و الذي يستخدم ثقافته و إدراكه لأبعاد الصراع الطبقي لصالح هذه الطبقات.
و لا أريد أن أستطرد في نقد مقال أ/مصطفي فهو يكشف عن عدم أدراك لطبيعة الصراع الطبقي الدائر في مصر الآن. و لا فائدة في تتبع كلماته. أن الثورة المصرية – أو سمها كما تشاء – خلخلت النظام و أطاحت برأس النظام و العصبة الأساسية الملتفة حوله. و أسقطت الدستور أساس شرعية هذا النظام. و لذا تجد الطبقة الحاكمة بأجنحتها المختلفة المجلس العسكري و فلول النظام القديم و الإخوان و السلفيين و أحزاب رجال الأعمال أمام ضرورة أعادة ترتيب بيتهم البرجوازي و أعادة تقاسم السلطة و بالتالي الثروة. أن كل هؤلاء هم أعداء للشعب .و من ناحية أخري فان هناك صراعا من نوعا أخر يجري بين الشعب من ناحية و بين هذه الطبقة الحاكمة من ناحية آخري. و هو صراع لم يبلغ حد من الاحتدام الكافي بحيث ما زال يهئ الفرصة لهذا الطرف الرأسمالي أو ذاك أن يدعي تأييد الشعب أو الوقوف بجواره في هذه القضية أو تلك. أن مثل هذا الوضع الأصيل يخلق تعقيدات شديدة يجب علي القوي الثورية أن تنتبه لها. و الانتخابات البرلمانية الجارية هي وسيلة لإعادة الاصطفاف في البيت البرجوازي بين مختلف القوي و هي لذلك وسيلة للقضاء علي الثورة ذاتها.وقد صيغت قوانين الانتخابات بحيث تحد لادني درجة ممكنه أمكانية تسرب أي عنصر شعبي للبرلمان . ناهيك عن حمي الهوس الديني الذي تنفخ فيه الطبقة الحاكمة من مختلف الأطياف و عن الاستعداد للتضحية بقيام حرب أهلية طائفية كما أتضح من مجزرة ماسبيرو. و بالطبع تلعب المليشيات السلفية الإرهابية دور المقدمة في هذا خدمة لأسيادهم خارج الحدود و داخل الحدود في شخص المجلس العسكري.أننا لسنا أمام أنتخابات دورية عادية أننا أمام أنتخابات بعد ثورة مزقت الطبقة الحاكمة دون أن تقضي عليها و علي نفوذها. و لسنا أمام أنتخابات عادية لأن هناك عملية ثورية مستقلة تجري في الشارع فمثلا في 9 سبتمبر كان ما يقدر ب 2 مليون مصري يتظاهرون في مختلف أنحاء الوطن ضد القمع و الفساد و الفقر. و مرة أخري هذه العملية الثورية ليست من الاتساع و الحدة بحيث ترغم الجميع علي الاستجابة لها.أن المطروح أمام القوي الثورية هو أحد أمرين أما المشاركة في تمثلية الانتخابات الهزلية هذه و أما مقاطعتها و الرهان علي تنامي العملية الثورية و أعلان الشعب بانها لا تعدو كونها طريقة للقضاء علي ثورته و القضاء علي ما بقي منها. فلا يمكن الجمع بين الأمرين. و في نفس الوقت أن لدي الثوري كل المبررات العملية و الموضوعية التي تشير إلي أن الثورة ستشتعل من جديد رغم مناورات النظام و بسبب مناورات النظام فلم تتبدل الشروط التي أشعلت الثورة بل ازدادت تأزما. مرة بسبب الجشع الذي لا حدود له الذي تتميز به الطبقة الحاكمة و مرة بسبب أفتقاد تلك الطبقة لأي حس سليم و أي خيال. و مرة بسبب تنامي الشرط الذاتي للطبقات الشعبية ذاتها وعيا و تنظيما.أخيرا أن لم يتحلى الثوري بالجسارة فما الذي يتبقى له؟
*ملحوظة
للقارئ غير المطلع كفاية علي تفاصيل الشأن المصري هناك حزبين يساريين أعلنا مقاطعتهما للانتخابات هما الحزب الشيوعي المصري و حزب العمال الديمقراطي. و حزبين آخرين أعلنا مشاركتهما و هم حزب التحالف الشعبي الاشتراكي و الحزب الاشتراكي المصري و كذلك تنظيم الاشتراكيين الثوريين. و هناك عدد من القوي الأصغر التي أعلنت تحبيذها للمقاطعة و حركات شبابية غير يسارية أيضا أما حزب التجمع التقدمي الوحدوي فمع المشاركة و أن كان يعاني صراعات داخلية حادة ليس لها علاقة بالقضية و وسط هذه الكيانات كلها حزب التحالف الشعبي الاشتراكي هو الوحيد الحزب المرخص له-بعد الثورة- بالإضافة لحزب التجمع القائم منذ فترة بعيدة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات الهدنة: -حماس تريد التزاما مكتوبا من إسرائيل بوقف لإ


.. أردوغان: كان ممكنا تحسين العلاقة مع إسرائيل لكن نتنياهو اختا




.. سرايا الأشتر.. ذراع إيراني جديد يظهر على الساحة


.. -لتفادي القيود الإماراتية-... أميركا تنقل طائراتها الحربية إ




.. قراءة عسكرية.. القسام تقصف تجمعات للاحتلال الإسرائيلي بالقرب