الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحزن والفرح في فلسطين

ريما كتانة نزال

2011 / 10 / 23
القضية الفلسطينية



فرحت كل فلسطين لتحرير الأسرى، ضحكت الروابي والسهول، هدر ماء البحر. خشعت السماء لتحلل القيود والبيوت تركت أساساتها. قُهرت فلسطين وحزنت كلها لبقاء الأسرى في السلاسل، رشحت العيون بالملح وتجمعت الغيوم للنحيب. سكن موج البحر وابتلعت الأرض نفسها كمدا، هاجرت الينابيع ومدّت الصحراء أذرعها بلوعة.
في فلسطين، الحزن والفرح صديقان، وبالأحرى يتعايشان كتوأم سيامي لا فكاك بينهما، يمتلكان فكرين متقابلين لكنهما يصران على الحركة باتجاه واحد معا. ينام الحزن والفرح، في بلادنا، في سرير واحد جنبا إلى جنب، يسافران مع الحقائب المؤقتة لتوزيع الشذرات وتقاسم التركة باتفاق. يترافقان في السهر والسمر ويعليان من مكانة تضاد التوأمة. الحزن والفرح، في بلادنا، في حالة عناق وعراك. لا غنى للحزن عن الفرح في مراسيمنا، ولدى غياب أحدهما عن أحد المشاهد الطقسية.. يفتقده الآخر باحثا عنه حتى يجده. على هذه الأرض، تختلط المشاعر بوفرة، وتتبادل المتناقضات الأماكن بنسق دقيق دون قدرة على السيطرة وحسم التناقض، في بلادنا تخجل المشاعر الحزينة من أن يضيء وجهها بفرحة ما ولو عابرة.
الحزن النبيل محق في حزنه، لكنه لحرية بعض الأسرى، يقرر عدم السماح لنفسه أن يبالغ في الانتقاص من بهجة المحبة. الحزن أكثر حكمة من الفرح، ولا يناسبه الغرق في الخيالات والتهويمات الباذخة، يهنئ الأسرى على تعديل مكان "الفورة"، وعلى انزياح أربع وتسعين ألف سنة عن كاهلهم، يبلغ عن نكسته ويتوارى، يترك رسالة عن تضخم الباطل فوق الأرض، وعن غواة المناكفة، وعن حرية بمقدار وقسط، عن حرية لا تختار مكان حريتها، عن تحرير يساوي غربة.
الفرح في بلادنا، يبحث عن اكتمال مغامرته الخطيرة، عن ترميم انكسارات حياة لم تبدأ، عن فرصة سجين في تخفيف شح الضوء. عن بارقة امل تمكن من مراقبة الحياة من شارع ونافذة، عن إدخال الوقائع في ثنايا حلم يتكرر.
الحزن والفرح متفقان، هما متأكدان بأنه لسبب وجيه ما تنفس بعض الأسرى الحرية، حيث أعلن السجان عن انتقال "الفورة" إلى باحة السجن الكبير، إعلان كبير يطلقون عليه عادة اسم الصفقة يؤكد على قرار تجميع محدود في غرفة انعزالية كبيرة بين جدران وحواجز عملاقة.
الصورة الجديدة الجميلة تفتقد إلى تكبير الحناجر، تبحث عن ابتسامة مرسومة بعناية فرح "عبلة" و"فدوى" و"خولة". المشهد الجميل يفسده دلالات عنصرية غبية، خيبة أمل زوجة لم تنقطع عن الزيارة منذ ثمانية وعشرين عاما، فزع أم وأب،على البركة، التزما بموعد مع وعد صادق بوداع بكرهم الأسير، قلق زوجة امتزج ليلها الساكن في الخوف مع انهيال الدولارات والدعوات لقتل الزوج المحرر، الصورة الجميلة تبحث عن عظام مقيدة برقم سري جعلت الحرية أمرا ممكنا.
في فلسطين حيث الرسالة والحكمة، حيث نرتل سورة الحزن الدفين الموشى بالذكريات والتجارب، نهوى الرجوع دائما إلى المصدر والأصل، لا يخطفنا البريق ولا ننسى، نعود الى العداد التاريخي الدقيق، إلى الرواية الشفهية المختبرة. إنها حكاية مصفحة مدججة تقف آخر الليل أمام الباب، تخرج منها الأيدي السوداء والوجوه الملثمة، تتناول الحبيب من أحلامه، تحزم المعاصم بذات الأساور البلاستيكية الضيقة، ونفس الربطات المحكمة تدور حول الرؤوس. تقذف الأيدي الجسم في قعر مصفحة مدججة أخرى، يرتطم الجسم بجسم آخر، ويعاجَل الجسمان بقذفهما بجسم جديد.. بينما الركلات الهمجية تحاصر اللحم المستباح والصدور العارية، انها حكاية كتم الأنفاس المكابرة.
على هذه الأرض تتجاور المشاعر المتناقضة وتعيش بسلام، على هذه الأرض يسكن وطن يتوجع من استيطان الوجع، إنها الأرض التي يودع أهلها شهداءهم بالزغاريد وإشراق الدمع، إنها الأرض التي تجزع من فائض السعادة وتتشاءم من ارتفاع منسوب الفرح..انها باطن الأرض التي يتفجر فيها التاريخ حمم المشاعر.. وأنتجت بغفلة منه خريطة وشعبا له خصوصيته وفرادته.. يهنئ المحررين وينتظر موعدا بذات الطعم ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي