الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احذروا غضب الشعوب

إكرام يوسف

2011 / 10 / 24
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


دمعت عيناي وأنا أشاهد على شاشة التلفاز الأشقاء الليبيين يرددون شعارا رفعناه يوم11 فبراير، بعد أن عدلوه لينطبق عليهم "ارفع راسك فوووووق.. انت ليبي حر".. شبابا ومسنين، بل وفتيات، يرتدون زيا عسكريا حاملين أسلحة في أيديهم. ها قد تحررت ليبيا بسواعد أبنائها وبناتها، على الرغم مما يقال عن تدخل الناتو؛ الذي يعلم الجميع أنه كان رمزيا طمعا في مكاسب إعادة الإعمار بعد سقوط الديكتاتور. فمنذ بداية الأحداث، والعالم يقف متفرجا على مجازر في حق الشعب الليبي، ولم يتحرك الغرب حفاظا على رعاياه الذين كانوا يعملون داخل ليبيا، وعلى مصالحه في بترول ليبيا، حيث كان القذافي ينقل إليهم 85 في المائة من بترول بلاده التي تمتلك أكبر احتياطي نفطي في أفريقيا. والمعروف أن بعض دول الغرب، خاصة إيطاليا، أمدت القذافي بالسلاح في بداية الثورة ليجهز عليها، ولم يبدأ تدخل الناتو على استحياء إلا بعدما تأكد للجميع قرب انتهاء عهده. وهو نفس ماحدث لدينا أيضا، عندما كانت الولايات المتحدة تدعم المخلوع في بداية الثورة، وأكدت خطابات هيلاري كلينتون الأولى على تمسك واشنطن بعميلها في مصر، ولم تتخل عنه إلا بعدما أكدت لهم استخباراتهم أن سقوطه بات مؤكدا. وهي، كلينتون نفسها من زارت ليبيا قبل مقتل القذافي بيومين لتعلن تمنيها قتله.
وبصرف النظر عن تضارب الأنباء بشأن طريقة إلقاء القبض على الديكتاتور، وعن اعتراضنا على إهانته ثم قتله بعدما وقع في أيدي الثوار حيا.. فالحقيقة أننا كنا نتمنى رؤيته يحاكم محاكمة حقيقية تفضح ممارساته طوال 42 عاما، وصفقاته مع القوى الغربية التي رهن لديها ثروات بلاده .. وليست مفاجأة أن قوى كثيرة كانت تسعى لإزهاق روحه قبل أن يبوح بما يفضح قوى كثيرة في الخارج والداخل الليبي، إذا خضع لمحاكمة حقيقية عادلة ـ سواء في المحكمة الجنائية الدولية أو أمام محاكم بلاده ـ لا تقتصر على اتهامه بقتل متظاهرين، أو قبوله" فيلا أو ثلاث فيلات" على سبيل الرشوة!.. لكن استمرار حياة الطغاة بعد سقوطهم، وفي أفواههم ألسنة، وتحت أيديهم أوراق، خطر يهدد كثيرين. وربما كان مقتل القذافي وأبنائه وأعوانه رغبة من البعض في إخراس ألسنتهم، ومنع وقوفهم في ساحة المحاكمة؛ أو كان استيعابا من الثوار لدرس طاغية مجاور، مازال حيا، يأمن على نفسه وأولاده محاكمة حقيقية لفساد حكمه واستبداده ثلاثة عقود كاملة، لأنه يملك أوراقا تهدد بفضح جهات كثيرة.
ولا شماتة في الموت.. لكن الطغاة لا يصدقون أن هذه هي النهاية المنطقية لجرائمهم.. جميعهم مصابون بما أسميته "متلازمة الغباء المصاحب للكرسي".. فيرى الطاغية منهم نظراءه يتساقطون، واحدا إثر الآخر بأيدي شعوبهم، لكنه لا يصدق أن ماحدث لغيره قد يصيبه؛ باعتباره الأذكى، والأشد حرصا، ويخيل له أنه يمسك بجميع الخيوط في يده، ولم يترك ثغرة تناله منها أيدي المظلومين! من فرط غباء الطغاة أنهم لا يقدرون إرادة الشعوب حق قدرها! وكل منهم يعتقد أن خدامه الموالين له والمنتفعين من فساده أشد بأسا من جماهير الشعب، وقادرون على حمايته والذود عنه. وهكذا يصاب بالذهول ولا يكاد يصدق حتى أخر نفس في صدره أنه سيدفع ثمن جرائمه.
على أي حال، قضي الأمر! وقتل الطاغية وأبناؤه وأعوانه، ولاشك أن نهايته شفت قلوب أمهات ثكالى وآباء مكلومين وأرامل وأيتام، ولم يعد لدينا أمل في محاكمة تكشف الأسرار على ألسنتهم. وصارت الفرحة من حق الليبيين؛ على أن زهوة الفرح لا ينبغي أن تشغلهم عن مهام المرحلة.. فمن الواضح أن القوى الكارهة للربيع العربي، حريصة على عرقلة التغيير بعدما عجزت عن منع إندلاع الثورات، أو وأدها في مهدها. على أشقائنا في ليبيا أن ينتبهوا لسارقي الثورات؛ وأن يتعلموا من تجارب سبقتهم، فيتمسكوا بوحدة الصف، وألا يتعجلوا اقتسام غنائم وهمية قبل أوانها. وتؤكد تجاربنا الحديثة ـ كما دروس التاريخ ـ أن التغيير لا يتم بمجرد الخلاص من رموز الديكتاتورية والفساد؛ فما ذلك إلا الجولة الأولى من جولات الثورة، يليها جولات لاقتلاع ما تبقى من أركان النظام التي ستشن بمنتهى الشراسة معركة حياة أو موت، تساندها قوى خارجية يهمها استمرار نظام لايهدد مصالحها، حتى لو تغيرت الوجوه والأشخاص. وستواجه الثورة ـ كما يحدث عندنا ـ حروبا نفسية تسعى للوقيعة بين الثوار والشعب، ولن تختلف أسلحتها عما يحدث لدينا، من تخوين لبعض فصائل الثورة، وسحب هذه الاتهامات على الثورة ككل، إلى نسبة جميع الاضطرابات المعتادة في ظل أي تغيير، أو أي انفلات أمني أو قصور في حركة الحكومة الانتقالية إلى الثورة، والتحسر على النظام الساقط. كما ستحرص قوى الثورة المضادة على استغلال المتاعب الاقتصادية ومعاناة الجماهير ؛ ونسبتها للثورة، كما لو كانت الجماهير نعمت بالأمان والعيش الرغد والحياة الكريمة في ظل النظام البائد. وسوف تظهر أيضا التحذيرات من هروب المستثمرين، كما لو أن الاستثمار لا ينتعش إلا في ظل الفساد والاستبداد. على الرغم من أن أي مستثمر شريف يعرف جيدا أن الحياة في ظل الديمقراطية والشفافية والقضاء على الفساد هي البيئة الأنسب للاستثمار الحقيقي، الذي يدفع فيه المستثمر ضرائبه للدولة ـ بدلا من الرشاوى ـ ضامنا أنها لن تذهب إلى جيوب أزلام النظام، وإنما ستعود إليه في صورة خدمات.
بقي أن نستلهم جميعا درس الثورة الليبية.. خاصة من كانوا يعايروننا ويطالبوننا بالنظر حولنا، لنعلم أن المخلوع والرجالة جنبونا التعرض لما يحدث في بلدان مجاورة. فنحن نعرف أنهم لم يكونوا حريصين إلا على وجودهم، و لم يضحوا بإزاحة رأس النظام إلا أملا في الإبقاء على النظام نفسه بوجوه جديدة.. أو كما قال أحد عملاء أمريكا من أركان نظام سوهاتو في إندونيسيا بعد الإطاحة برأس النظام "كان ينبغي أن نحدث تغييرا من أعلى حتى لايحدث تغيير من أسفل"!
وصار لابد على حكامنا أن يستوعبوا الدرس جيدا.. ويتعلموا أن كلمة الشعب هي الفاصلة..فمحاولة الإبقاء على النظام الساقط، وإعادة إنتاجه بوجوه جديدة، وتحالفات مريبة، لن تجدي بعدما دفع الشعب ثمن التغيير من دماء أبنائه. كما أن التلويح بسيف المعز، لن يسهم إلا في تأجيج مشاعر الغضب في صدور شعب لم يثأر بعد لدماء أبنائه، وصار شعار الثوار "يانجيب حقهم يانموت زيهم".. عليهم أن يعيدوا حساباتهم، بعدما صار مشهد دهس المصريين تحت عجلات الحافلات متكررا، من حافلات الشرطة في 28 يناير إلى مدرعة الجيش أمام ماسبيرو إلى سيارة عميد آداب المنصورة، من دون محاسبة الجناة.. عليهم أن يدركوا قبل فوات الأوان أن المصريين ربما كانوا أطيب شعوب الدنيا، وأن حبال صبرهم هي الأطول، غير أن للصبر حدود. فاحذروا غضبة المصريين القادمة!
وإلى من يطالبوننا بتقبل كشوف العذرية على بناتنا، ودهس أبنائنا وإلا صار مصيرنا كليبيا.. نقول لهم احترموا كرامة الشعب المصري وكلمته.. وإلا كان مصيركم كمصير طاغية ليبيا وأعوانه من وقفوا في وجه الشعب الليبي. الشعب المصري هو الذي حمى حكامه من مصير القذافي! وهم مدينون له بالعرفان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نبض فرنسا: هل يتجه المشهد السياسي نحو قطبية ثنائية على حساب


.. مقتل أكثر من 100 جندي من بوركينا فاسو في منطقة قرب الحدود مع




.. شخصيات فنية رياضية تدعو إلى منع فوز اليمين المتشدد في التشري


.. إسماعيل هنية في كلمة لأهل غزة: تضحياتكم تصنع النصر




.. البرهان يؤكد ثقته بالنصر ودقلو يتهمه بالانسحاب من المفاوضات