الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جريمة قتل القذافي

حسين ديبان

2011 / 10 / 24
حقوق الانسان


لا يختلف اثنان على أن القذافي مجرم لا يجاريه في الاجرام ربما غير الديكتاتور العراقي المقبور صدام حسين وأسود سوريا، الأب الذي رحل بدون حساب على جرائمه، والابن الذي ينتظر حسابه بعد أن أوغل كثيرا في دماء الشعب السوري الطاهرة.

ولا يختلف اثنان أيضا على أن القذافي دمر كل شيئ في بلاده ارضاءا لغروره ونزواته، وقضى على كل مظاهر الحياة في بلد من المفترض أن يعيش كل سكانه الذين لا يتجاوز عددهم الستة ملايين نسمة بمستوى معيشي مترف، وتعليم راق، وخدمات خمس نجوم.

ولا يختلف اثنان ايضا وايضا على أن القذافي اختصر كل ليبيا وشعبها في ذاته وفي أبناءه الذين عاثوا في ليبيا خرابا وفسادا، وفي العالم فضائح لا مثيل لها يندى لها الجبين، وبسبب كل هذا اشتعلت الثورة وهب الشعب الليبي وقدم الغالي والرخيص من أجل الخلاص من الطاغية وأبناءه واستعادة بلدهم وخيراته التي نهبها بذخا وتبذيرا في كل المجالات الارهابية والاجرامية واللا اخلاقية.

لكن هل يبيح كل ذلك أن يتم التعامل مع الطاغية بعد القاء القبض عليه على الشكل الذي تابعناه من خلال الفيديوهات التي تم نشرها؟ حيث الركل والرفس والبصاق والشد من الشعر وتوجيه الكلمات النابية له، وهل يبيح كل ذلك تصفيته لاحقا بدون محاكمة؟

اذا كان الجواب بنعم، فالواقع يقول أن لا شيئ تغير في ليبيا بين عصر القذافي وعصر الثائرين عليه، واذا كان الجواب بلا وهو بالتأكيد كذلك، فنحن نكون حينئذ أمام حالة تغيير حقيقي في ليبيا وثورة تحمل من النبل والشهامة الكثير.

الشعب الليبي ثار ضد القتل بدون محاكمة الذي مارسه نظام الطاغية طوال اكثر من اربعة عقود، وفي النهاية اقترف الثائرون ذات الفعل الذي ثاروا عليه وقتلوا القذافي بدون محاكمة، والشعب الليبي ثار ضد امتهان الكرامة الشخصية، وثوار ليبيا اقترفوا ما يتجاوز امتهان الكرامة الشخصية مع القذافي وابنه، والشعب الليبي ثار ضد النظام الذي قتل أبناءهم السجناء في سجن أبو سليم وغيره من سجون ليبيا الكثيرة، وثوار ليبيا قتلوا "السجين" القذافي وابنه المعتصم، فلماذا قامت الثورة اذا كان الثائرون سيرتكبون ما ارتكب نظام القذافي من موبقات وجرائم.

ما يؤلم النفس كثيرا، اننا حين نتحدث بهذا المنطق الأخلاقي والانساني والذي لاجل استعادته وترسيخه اشتعلت الثورة الليبية وغيرها من ثورات المنطقة، نجد الكثيرين ممن يدعون مناصرة الثورة الليبية - لانشكك في ذلك- وغيرها وبينهم من يدعي الليبرالية والعلمانية -نشكك في ذلك كثيرا- يسخرون منا ومن اصرارنا على التشبث بمبادئ حقوق الانسان كما كفلتها كل المواثيق والاتفاقيات وفي حالة القذافي وابنه وبقية أركان حكمه كان يجب العمل والالتزام ببنود اتفاقيات جنيف الأولى والثانية، وهي الاتفاقيات التي استهلكت بنودها حناجر ثوار ليبيا وغيرهم وهم يصرخون مطالبين العالم بالتدخل من اجل احترامها فيما يخصهم.

بعيدا عن الحديث عن التجاوزات الفظيعة لكل الاعراف والمواثيق ذات الصلة التي ارتكبت بعيد القاء القبض على الطاغية وصولا الى تصفيته الجسدية، فانني أتسائل أين هي مصلحة الثورة الليبية في تصفية الطاغية قبل الحصول على اعترافاته وهي كبيرة وكثيرة فيما يخص الشعب الليبي وأمنه القومي؟ وأين هي مصلحة الثورة الليبية في القضاء على الطاغية وابنه المعتصم واركان حكمه قبل أن يعترفوا بحساباتهم السرية الممتلئة ببلايين الشعب الليبي؟

يبدو انني كنت أحلم عندما فكرت بأن ثوار ليبيا سيعالجون القذافي واركان حكمه لو القوا القبض عليهم جرحى، وسيعاملونهم باحترام وفقا لمبادئ حقوق الانسان، حتى يرسلوا رسالة للقذافي وأركان حكمه أولا توضح لهم كم كانوا مجرمين وقتلة وسفاحين بحق شعبهم، قبل أن يرسلوا رسالة لبقية الشعب الليبي يطمئنون فيها على حقوقهم وكرامتهم ويأمنون من خلالها على حياتهم في ليبيا الجديدة، كما يوجهون بذلك رسالة غاية في الجمال والانسانية والرقي الى العالم أجمع يعرفونه من خلالها على مدى البعد الانساني والاخلاقي في ثورتهم، لكنه مجرد حلم أطاح به ثوار ليبيا في أول اختبار لهم في ليبيا الجديدة.

معاملة الطاغية بهذا الشكل وصولا الى تصفيته وابنه دون محاكمة هي جريمة حرب كبرى، الرابحون منها كثر بينهم دول عظمى ورؤساء دول وحكومات حاليين وسابقين لدول معتبرة، والبنوك الكبرى التي اختفت فيها حسابات الطاغية السرية، وربما بعض أعضاء المجلس الانتقالي الذين عرفناهم فقط منقلبين على ولي نعمتهم دون أن يعلم المواطن الليبي عن سابق علاقتهم مع الطاغية شيئ، وفي مؤخرة الرابحين هناك الغوغاء والمتطرفين، أما الخاسر الوحيد فهو الدولة المدنية ودولة القانون واحترام حقوق الانسان وكرامته التي بشر بها ثوار ليبيا ليلا نهارا كل يوم منذ انطلاق ثورتهم، وخرقوا أبسط مبادئها في أول مناسبة وفي وضح نهار ليبيا.

هامش: أثناء كتابة هذه السطور سمعت كلمة مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي الليبي خلال احتفال الاعلان عن تحرير ليبيا، وقد ألغى خلالها كل القوانين التي لا تتفق مع الشريعة الاسلامية وأولها الحد من تعدد الزوجات، مبروك لرجالك يا ليبيا ولا عزاء لنساءك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا
عزيز البيوري ( 2011 / 10 / 23 - 21:38 )


أتفق معكَ في فيما تفضلت به!

الف شكر


2 - رسالة صحيحة لكل الثوار في الدول الشرق الاوسطي
كاترين ميخائيل ( 2011 / 10 / 24 - 00:06 )
أتفق معك تماما يجب إحترام حقوق الانسان وإحترام السجين وأسير حرب . ستنعكس على الثوار إنعكاسا سلبيا على الثورة .
يجب كل مجرم حرب ان يقدم للعدالة وعندئذ ستخرج كل الفضائح للراي العام العالمي وعندها يزداد الدعم الى الشعب الليبي والثورة الليبية . وشكرا لك
كاترين ميخائيل


3 - تحية يا استاذ حسين ديبان
كنعــان شـــماس ( 2011 / 10 / 24 - 00:37 )
ومن اين لمن يومن بشريعة العين بالعين ان يتبع شريعة الفرسان النبلاء وشريعة حقوق الانسان لقد لوث ثوار ليبيا جهادهم وفداحة تضحياتهم ودماء شهدائهم بهذه القباحـــة واكملها الذي الغى كل القوانين التي لاتتفق مع الشريعة الاسلامية وتعدد الزوجات وهي اول خطوة في وضع الرقاب تحت مقصلة شريعة حقوق الانســـان القادمة بعد حين


4 - الخطأ لا يصلح بخطأ
عيسى النابلسي ( 2011 / 10 / 24 - 01:45 )
لقد تم القاء القبض على الطاغية صدام حسين من قبل الامريكان وتم محاكمتة بمحكمة عادلة ما كان سيحصل عليها لو تم القاء القبض عليه من قبل العراقيين انفسهم، ان جريمة قتل الطاغية القذافي تدعوا الى التسائل ان لا شيء قد تغير في ليبيا مجرم رحل بطريقة بشعة ومجرمون سيحكمون ليبيا في قوانين شرعية الاسلام وسيتم قطع يد السارق وجلد الزانية ولا اقول الزاني لانه تم السماح له بتعدد الزوجات والجواري وما ملكت ايمانهم. الخطأ لا يصلح بخطأ.


5 - طولوا بالكم
نبيل السوري ( 2011 / 10 / 24 - 05:47 )
لا أظن أن أحداً ممن يتردد على هذا المنبر لا يوافق معك وع السادة المعلقين أعلاه
ومع تحفظي على إلصاق التهمة بالإسلام بحسب السيد كنعان الذي يحيل كل الموبقات للإسلام، ويتناسى أن الصليبية ما زالت تبرر القتل (عن بعد اليوم) وأن الأديان الثلاثة لا تختلف حقاً في جوهرها، مهما كانت تعاليمها فهي بالنتيجة زاد الحاكم بمعونة وعهر الكهنة لقمع الشعوب وغزو الآخرين وقتل المخالف والسيطرة على الناس والثروات

لكن علينا التروي بموضوع قتل القذافي
مع ما قام به الطاغية (كغيره من الطغاة العرب) من تجهيل وتصحير للحياة العامة وإفقار مادي وعقلي واجتماعي للشعب المحكوم عبر عشرات السنين، أصبح من الطبيعي ألا نتوقع أن تكون هذه الشعوب واعية كما نرغب
إضافة أن من أمسك به كانوا من مصراتة، التي أذاقها العقيد عبر حكمه شر المنون، وخصها بقصف غير مبرر في فترة الثورة، وكل من هؤلاء قد فقد عزيزاً من أسرته بسبب الطاغية، وفي جو دموي مثل هذا وخلفية وثقافة كما ذكرت أعلاه، لا يمكن أن نتوقع من المواطن العادي أن يتصرف بلباقة وحضارية، مثلنا ونحن جالسون برفاهية خلف الكومبيوتر!؟
لا أبرر، لكن علينا أن نكون واقعيين، وكنت أتمنى لولم يحصل ذلك


6 - صديق يريد التواصل معك
عبد الكريم شاكر ( 2011 / 10 / 24 - 08:31 )
اتمنى ان احصل على رقم ايميلك
ابو عليوي
تحياتي


7 - هي طريقة العربان منذ الاف السنين
سمير فاضل ( 2011 / 10 / 24 - 11:11 )

كان يجب تقديمه وابنه للمحكمه الليبيه او محكمة العدل الدوليه واحترام كرامة البشر حتى لو كان اجرم ، الخطأ هو امتهان كرامة واستلاب حياة رجل ونحر ابنه بدون محكمه قانونيه ، اننا جميعاَ مطلعين ونعلم الكثير عن جرائم القذافي المعتوه ولكن لتكن لنا في قوانين التحضر مسلك ينظم حياتنا بدون عنف شخصي او رد فعل عاطفي


8 - شكراللجميع
حسين ديبان ( 2011 / 10 / 24 - 16:11 )
عزيز البيوري وكاترين ميخائيل وكنعان شماس وعيسى النابلسي ونبيل السوري وسمير فاضل المحترمين شكرا لمروركم وتعليقاتكم
العزيز أبو عليوي الورد ايميلي هو
[email protected]
تحياتي واحترامي لكم جميعا

اخر الافلام

.. تقرير: شبكات إجرامية تجبر -معتقلين- على الاحتيال عبر الإنترن


.. عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة: إما عقد صفقة تبادل مع حما




.. للحد من الهجرة.. مساعدات أوروبية بقيمة مليار يورو للبنان


.. حرارة الجو ..أزمة جديدة تفاقم معاناة النازحين بغزة| #مراسلو_




.. ميقاتي: نرفض أن يتحول لبنان إلى وطن بديل ونطالب بمعالجة ملف