الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخريف العربي وموسم مزدوجوا الجنسية

طارق محمد حجاج

2011 / 10 / 24
السياسة والعلاقات الدولية



إن ما نشهده اليوم من أحداث متنافرة في الوطن العربي، لا يمكن بأي شكل من الأشكال اختزالها تحت مسمى "الربيع العربي" هذا المصطلح الذي أصبح دارجا في القنوات الإخبارية وعلى ألسنة المثقفين والمحللين السياسيين دون تدقيق أو تفكير، فقط لمجرد أنه الوصف المأمول لهذه المرحلة التي لا يمكن حسبان نتائجها، على الرغم من أن الصورة بدأت تكون أقرب إلى الوضوح، وباتت التوقعات أكثر واقعية وفائدة من ذي قبل.
هذا الربيع العربي الذي أطلق كمصطلح عام على كل ما يجري من أحداث، لهو خطيئة كبيرة أرتكبها أهل السياسة، إن لم يكن ورائها من قصد أن يكون "الربيع العربي" هو شعار المرحلة، فالربيع هنا ليس بربيع العرب والثوار، وإنما هو ربيع أصحاب الجنسيات المزدوجة، هو ربيع الزاحفون من الغرب ممن يسمون أنفسهم "معارضة الخارج"، أما الخريف الذي أعنيه هنا: فهو خريف الدول العربية ومواطنيها، الخريف الذي تتساقط فيه كل مقومات الدولة، وتدمر فيه مؤسساتها ويدمر فيه اقتصادها، هذا الخريف لن يكون بعده شتاء ولا ربيع، بل لن يكون سوا فصل آخر وآخر من الخريف والجفاف.
لقد قالها القذافي في جامعة الدول العربية بعد مقتل الرئيس صدام حسين "بكرة جاي الدور عليكم كلكم" وها هم يتساقطون تباعا.
لنعود بذاكرتنا إلى الوراء وإن كنت لست من هواة ليّ الرقاب، ولكن لاستخلاص العبر والنتائج، فنحن نعلم أن صدام حسين بالرغم من محاسنه إلا أنه كان ديكتاتوريا في حكمه لا جدال في ذلك، لذلك ادعت أمريكا أنها ستخلصهم من الدكتاتورية وتمهد لهم الطريق إلى حكم ديمقراطي، وتمهد لبناء اقتصاد مستقل يؤدي إلى الرخاء والعيش بسلام.
الآن وبعد انقضاء حوالي عشرة أعوام على احتلال العراق، وبعد أن جاء مزدوجوا الجنسيات الغربية ليحكموا العراق ليس وحدهم بل بمساعدة أقوى تكنولوجية في العالم، بمساعدة أمريكية لرسم السياسات والخطط الاقتصادية والأمنية للمستقبل، ومن منا لا يحلم بمساعدة دولة مثل أمريكا له، لكي يعدل من خططه وبرامجه التنموية، نظرا لما لها من باء وذراع طويل في هذا المجال.
الآن وبعد أن حصلت العراق على المكرمة الأمريكية لمساعدتها، ما هو التقييم الأمني والسياسي والاقتصادي للعراق " فوضى عارمة- دكتاتورية سائدة- سرقة أموال الدولة ونفطها من قبل أمريكا- تبعية واضحة لأمريكا- بطالة متفشية- اقتصاد ضعيف- مستقبل مجهول"، هذا مثال بسيط يوضح مستقبل الدول العربية في المرحلة المقبلة.
أتساءل: من منا سيعول على ثورات تطالب أوباما بالتدخل لإسقاط النظام، وكأن أوباما أصبح كما كنا نشاهد في أفلام الكرتون "سوبرمان أو زورو" هو المستعان لتخليص الشعوب من الأنظمة الدكتاتورية والاستبدادية، وتناسينا أن أوباما ما زال يقف عثرة أمام تحرر الشعب الفلسطيني وإدانة الجلاد الإسرائيلي.
وإن كانت معظم قوانين الدول تضع قيودا على حاملي الجنسيات الأخرى من تولي مناصب عليا وحساسة في الدولة، فما بالكم حينما يأتون علينا بطاقم كامل ليحكم البلاد من أناس كرست وأمضت حياتها وشبابها في خدمة دول أخرى ما زالت تحمل جنسياتها، القليل منهم من أبعدوا جبرا للخارج، والباقون خرجوا طواعية للبحث عن وطن بديل أفضل من وطنهم الأم، هؤلاء الأغراب ممن أمضوا أكثر من عشرين عاما في خدمة دول الغرب، وأولادهم لا يتحدثون اللغة العربية، هل هم المؤتمنون على حال ومصير البلاد، بعد أن امضوا زهرة شبابهم واستنفذوا طاقاتهم في دول الغرب، يأتون إلينا اليوم بعد أن هرموا وضاعت منهم الفائدة.
من منا فكر ولو لدقيقة عن كيفية تشكيل المجالس الوطنية، من أين أتى هذا المجلس الوطني، بكل بساطة هم أشخاص أختارهم الغرب ليحلوا محل حكامهم في المرحلة المقبلة، والسؤال: ما هو الثمن المتفق عليه بين المجلس الوطني وحلف الناتو أو أمريكا للإطاحة بالنظام؟؟
ومن هؤلاء الأشخاص الذين سرعان ما يُعلنوا عن أنفسهم كمجلس انتقالي وطني ليتم الاعتراف بهم من الاتحاد الأوربي وأمريكا كممثل عن دولهم؟؟
ببساطة هم أشبه بلا شيء تم مفاوضتهم على أملاك الدولة ليصبحوا ممثلين حقيقيين لأملاك الدولة، بمعنى أن الغرب أمامهم أملاك ويبحثون عن شخص لا يملك شيء ليُعينوه مفوضا ومخولا للتصرف بهذه الأملاك، ليقوم بالتوقيع لهم على شيك سرقتها بالمجان.
لا أخفي عليكم التشاؤم الذي ينتابني في هذه المرحلة، لأن الأزمات التي ستخلفها الثورات ستحتاج إلى عقود من الإصلاح والعمل الجاد لكي نعود إلى نقطة الصفر التي كنا عليها قبل نشوب الثورات.
إن أخطر ما في هذه الثورات بعد التدخل الأجنبي، أن ما يجري في الدول العربية هي أحداث عفوية غير محسوبة ولا مدروسة، وبالتالي تبقى نتائجها غير متوقعة، وتظل مبهمة ومجهولة لا يمكن التنبؤ بها، فمصير الدول العربية الآن مبني على المجهول. والمستفيد الأول والأخير هي الدول الغربية وأمريكا وأعوانهم، فهي تجني من السرقات ما لم تحلم به، وتؤسس لبناء قواعد استخباراتية أقوى مما كانت عليه، أما القول بأن هذا ضد مصلحة إسرائيل وإن كان صحيحا، فهذا لا يقلق الغرب أبدا لأنهم قادرين على حماية إسرائيل حتى في أحلك الظروف.
إلا أن ما نأمله من الله العلي القدير، أن يساعد هذه الدول بعد هذه الكوارث في أن تأسس لنظام قانوني جديد، مبني على العدل وعلى أسس صحيحة وسليمة، أساسها العدل والديمقراطية، ويمهد لبناء مجتمع حضاري سليم، وبرنامج اقتصادي مستقل ومتين، حتى لو طال الزمن وتباطأت الوتيرة في تحقيق ذلك.
" فأن تأتي متأخرا خيرا من ألا تأتي أبدا"
سلسة مقالات الوجه الآخر للحقيقة
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصل جديد من التوتر بين تركيا وإسرائيل.. والعنوان حرب غزة | #


.. تونس.. مساع لمنع وباء زراعي من إتلاف أشجار التين الشوكي | #م




.. رويترز: لمسات أخيرة على اتفاق أمني سعودي أمريكي| #الظهيرة


.. أوضاع كارثية في رفح.. وخوف من اجتياح إسرائيلي مرتقب




.. واشنطن والرياض.. اتفاقية أمنية قد تُستثنى منها إسرائيل |#غرف