الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابن عُرس

أسعد البصري

2011 / 10 / 24
الادب والفن


لا أصلحُ لشيء سوى الكلمات ، ذهبتُ لجلب السكائر من الدكان ، لقد زحفتُ كما يزحفُ حيوانٌ منقرض على وجه الأرض ، رأيتُ الناس وأضواء السيارات و آثار أقدام العجائز فوق آثار أقدام الطالبات ، المطر يُراقبني كذئب ، لكنه لم يهطل ، أعتقد أن هذا ما يسميه البشر ( الحياة الدنيا ) ...كل الضجيج و الشّجار يصدر عن هذا المكان ، أفكار غريبة خطرتْ على بالي و أنا أمشي ، رجلٌ يمتلك دماغي يجب أن لا يقرأ و أن لا يمشي ، لأنّ الأفكار تطعنني حين أفعل أشياءً كهذه ، يقولون أن الفلسفة المشائية نسبةً لأرسطو لأنه أول مَن مشى بالعقل وتبعه الناس ، لكنني لا أتفق مع هذا ، بل يروق لي ما ورد في المِلَل والنّحل
"أمّا المشّاؤون بشكل مطلق فهم من أهل لوقين وأفلاطون لاحترامه الحكمة كان يعلّمها دائماً وهو في حال المشي، وتبعه على ذلك أرسطو، ومن هذا الباب ، تجربتي تقول أن الحكمة لها علاقة بالمشي . لهذا أحاول أن لا أمشي . هذا صوت لا يمكن طمره ولا يُنكرهُ إلّا مُشرك .
فقد جاء وقال لي في المشي ، أنك بلا عائلة و هذا نُقصان في العقل ، لماذا ؟ ، ربما لأن العائلة تنقسم إلى قسمين ، آباءٌ يودّعون الدّنيا بالصلاة و أبناء يستعدون لها بالمدارس . هذا التداخل الإسلامي يجعل العائلة الشرقية كمالاً للعقل . أنا وحيد جداً ، حتى عقلي وحيد ، لَم أعد أُفكّر بنفسي ، لا قلق لا أهداف لا أحزان ، أحتقر الذين يكتبون أحزانهم لأنهم يجهلون حقيقة البشر و يُحسنون الظن كثيراً ، لكن ما يُزعجني هو النقصان العقلي ، لأن بيتي هذا عبارة عن رجل وحيد يودّعُ الدّنيا حيث لا أحد يستقبلها في بيتٍ كهذا . لأوّل مرّة تبدو الحياة الدّنيا مُهانة بهذه الطريقة و مطرودة .
جمال الغيطاني يقول أنه يرى نفسه أخاً لأبي حيّان التوحيدي ، بكل أسف لا أرى نفسي سوى أخٍ ل فرانز كافكا ، وبما أن كلينا مجنون لا أطمح بلقائه رغم محبتي له ، لأنني لن أفتح له الباب ، وأنا متأكّد أنه سيفعل الشيء ذاته . الغرابة التي يتحدث عنها الفلاسفة نحن في الحقيقة نشعر بها ونكابدها . و هذه المخلوقات البشرية تزعجنا كثيراً بضعفها و غرورها . يطرقون بابي ليطمئنوا عليّ لكنني لا أفتح . كلامهم ريبة و أحلامهم هباء و إيمانهم قبض ريح . يجمعون النقود و يسرقون شركات التأمين و يفتحون مطاعم أو يشترون بيوتاً . في الصيف يسافرون و يراقبون أولادهم يلعبون كرة القدم كل هذا يحدث بسرعة و بضجيج . يقولون لي أنت ( مو بشر) أعتقد أن هذا فعلاً حقيقة
هذه الحروف سحرٌ وفتنة ، لكن عليك أن ترى و تسمع لتخبرنا شيئاً مهماً ، شراستي تحرجني كثيراً ، لكنها نابعة من حقيقة واضحة عندي فقط ، وهي أنني لا أرى سوى مشعوذين لم يروا شيئاً ويكتبون زركشات تليق بعميان آخرين يرون فيها أدباً ، هذه عُزلتي قرب شرفة الفناء والغناء

حبيبتي تتّصل كل خمس دقائق لتسألني عن التسوّق وماذا تجلبُ للعشاء ، لكن هذا ليس سبب الإتصال هي تفعل ذلك حين ترى مقدمات نص أدبي ، هي تخاف من تصاعد الرّنين في أذنيّ ، تحاول شدّي قبل أن ينقطع الحبل و أغرق الى الأبد
الجوع الى الحقيقة سيجلب الناس دوماً إلى هنا
التضحية التي تتطلّبها الكتابة الإبداعية
هي الشيء الوحيد الذي يُقنع الناس بأنّ القراءة
أسعد حظاً بكثير من هلاك الكتابة
وهذه التضحية نفسها هي سبب أهمية الكاتب في ثقافته الوطنية
أقرأ كلامي فألاحظ النفس الصوفي
هذا أمر لا مفرّ منه حين تعيش كما يعيش راهب
أذلّني المتنبّي و مرّغ أنفي بالتّراب و هو أحد الأسباب التي لأجلها تركت الكتابة . فلا يرُدُّ عليك الفائت الحَزَنُ . أنظر ورائي فأرى حياتي على كرسي متحرّك ، لا أعرف مرضها بالضّبط ، لكنها كأيّة حياة غير مهمة لرجل من أسرة فقيرة ، يحمله الشباب على جبال الطموح ثم تكسره الحكمة على ظهر الحقيقة البارد . الراحة الكبرى هي دائماً على جسرٍ من التّعب . لقد أتعبتُ نفسي كثيراً بلا سبب . كنتُ أُحاول إصلاح حياتي ، لم أكن أعلم بعد أن حياتي هي من ذلك النوع الرّخيص الذي لا يُمكن إصلاحه . الراحة دبّت في روحي حين أدركتُ ذلك ، جلستُ ولم أحاول النهوض ، جلستُ كما يجلس متّهم بعد صدور الحكم ، لم يكن هناك داعٍ لكل تلك المحاولات ، الأمل و الدفاع و الرجاء ، ماذا أفعل ببراءتي سوى البحث الشاق مجدداً عن تُهمة جديدة . البيوت التي سكنتها تطاردني ، عشر مرات اشتريت أثاثاً و أحرقته . يقولون أنَّ الوطني السوري ابراهيم هنانو فعل ذلك عام ١٩١٩ م وأعلن ثورة سوريا على الإستعمار الفرنسي . هنانو يقول أنه لم يكن يريد أثاثاً في بلد محتل . لكنني أشعر أن الأرض كلها مُحتلّة ولا أريد أثاثاً و إستبرق في هذه الدنيا . الأريكة سريري و زوجتي و أولادي معظم عمري . تبدو الحياة أوضح حين ترميها و راء ظهرك لأنها تتحوّل إلى ذاكرة . ترتعد يدي وأنا أكتب ليس لأنني (عَدَمٌ) فقط ، بل لأنني فقدت الرغبة بقراءة كلامي مكتوباً و فقدتُّ اهتمامي برأي الناس فيه . أتكوّر على نفسي كآبن عُرس و أعلم أن الإنسان لا يستطيع شيئاً لأخيه الإنسان . هذا هو الدرس الأول في القرآن الكريم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - استاذي البصري القدير
العتابي فاضل ( 2011 / 10 / 24 - 13:17 )
شجرة اللبلاب التي نهزها يومياً
أثمرت أفاعي بقرون
فتيات الحي تمرجحن بأغاني الهوى
ينتظرنَ العريس القادم المزعوم
الشرطي الواقف قرب الباب
يدعوني لزيارة الزنزانة
التي ملت من الانتظار وهيَ تترقب قدومي
___________

استاذي البصري القدير
لك قدرة فائقة على ملاوات الحروف حتى تبدوا مرنة طيعة بين أصابعك
كن بخير استاذي البصري اسعد


2 - يروق لي اهتمامك
أسعد البصري ( 2011 / 10 / 24 - 22:06 )
صديقي الكاتب فاضل العتابي
تسعدني مداخلاتك دائماً و يروق لي اهتمامك

اخر الافلام

.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?


.. بالطبل والزغاريد??.. الاستوديو اتملى بهجة وفرحة لأبطال فيلم




.. الفنان #علي_جاسم ضيف حلقة الليلة من #المجهول مع الاعلامي #رو


.. غير محظوظ لو شاهدت واحدا من هذه الأفلام #الصباح_مع_مها




.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف