الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المغرب: علي بابا وفوضى -الانتخاب، الاستفتاء-

رحال إغرم

2011 / 10 / 24
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


تشهد الساحة المغربية خلال هذه الأيام نقاشات موسعة وعميقة بين متدخلين، من كل حدب ومن مختلف الألوان والشرائح المكونة للبناء الاجتماعي المغربي، حول قضيتين أساسيتين تتضمن وتحوي بل تتجاوز أولاهما فحوى وجوهر الثانية التي ليست في واقع الأمر سوى جزيء مثقال ذرة في زخم الأولى.
أما القضية الأولى فتستهدف كافة مكونات الشعب المغربي عامة والفئات المضطهدة والمسحوقة بشكل خاص، على المستوى الاجتماعي والسياسي: التعليم، الصحة، السكن، الشغل، العدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان المغربي، فضلا عن عناصر إضافية تتمثل في الحرية والديمقراطية وسيادة مبدأ تكافؤ الفرص في ما يخص الولوج إلى الوظائف ومراكز القرار، ثم إشراك الجميع في اتخاذ القرار وتسيير وتدبير الشأن العموميين.
تمثل حركة 20 فبراير أحد المكونات الأساسية من بين تلك المعبرين عن هذه القضية، أي تلك التي اتخذت لنفسها مسار الدفاع عن مصالح وهموم الجماهير المغربية التي تتحدد عموما في ما ذكرته أعلاه، الأمر الذي تم تجسيده والتعبير عنه من خلال المظاهرات والوقفات الاحتجاجية التي تشهدها جل المناطق المغربية خلال هذه الآونة.
وإذا كان الأمر كذلك، أي أنه إذا كان الملف المطلبي الذي شكل أرضية الحركة أعلاه، يمثل على مستوى الشكل وعاءا مطلبيا فسيحا يتسع على ما يبدو لاستيعاب كافة انتظارات وطموحات ومرامي الغالبية السحيقة من الشعب المغربي وبالخصوص الطبقات المقهورة والمسحوقة منه، فإنه من الجدير أن نشير إلى ملاحظة أولية تتعلق بغياب واضح داخل الحركة للطبقة الكادحة وكل البؤساء الأكثر استغلالا وسحقا، من قبل آلتي النظام والامبريالية الجهنميتين، ونقصد بذلك العمال والفلاحين وعموم المنبوذين والمضطهدين في هذا الوطن.
ومن ثم فقد يبدو بشكل لا غبار عليه أن هذه الأخيرة (الحركة) لا تحوي في جوفها غير عناصر الطبقة المتوسطة التي بدأ يتأكد لها بشكل ملموس مدى قوة التهديد الذي يلاحقها يوما بعد يوم جراء التوغل الوحشي للامبريالية وزحفها الآتي على الاخضر واليابس، الذي من شأنه، بدون أدنى شك، زعزعة استقرار هذه الكائنات والدفع بها إلى الانزلاق ثم الانحدار نحو الهاوية حيث الفقر والحرمان والتهميش والاستغلال الذي لا يطاق.
وإذا تمكنت هذه الطبقة بحدة نبوغها الانتهازي اكتشاف واستشراف معالم المصير المجهول الذي يتربص بها، وإدراكها وعيا وجس نبضها استباقيا، فإنها بذلك عملت على تجنيد كل إمكاناتها وطاقاتها وشحذ كل أسلحتها المادية واللوجيستكية والفكرية والإيديولوجية للانغراس في قلب الحركة كخطوة أولى للتحكم في مقودها الشبابي، ثم استثمارها ثانيا كرأسمال سياسي ورمزي واجتماعي في إطار المساومات المعهودة بين هذه الأطراف والنظام القائم في أفق الحفاظ على المكتسبات الذاتية من الأماكن الوثيرة والامتيازات الفردية والجماعية داخل الخريطة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية المغربية.
أما القضية الثانية فترتبط بالانتخابات التي طالما تبرأ منها المجتمع المغربي جملة وتفصيلا، سواء في شقها الخاص بطبيعتها وبميكانيزمات تنظيمها وآليات تفعيلها ونتائجها أو على مستوى الكائنات "محترفي الانتخابات" التي يستهويها خوض غمار فوضاها العارمة في الفساد والشفافية الوهمية، والقائمة على مبدأ زبونية التباري، والاتجار في كينونتها ومسارها ونتائجها.
لقد أضحت هذه العملية كما هو معلوم وسيلة للتضليل والتمويه والخداع والتنويم الاجتماعي، ذلك أنه منذ أن تجرأ شرفاء هذا الوطن على البوح جهرا (منذ 20 فبراير الماضي) وفي وسط الشارع العام بمعاناة وآلام الشعب المغربي من جهة، وتوجيه أصابع الاتهام علنية نحو كل الفاسدين والقيمين على وجود الاستبداد وتأبيد الاستغلال من جهة ثانية، شكلت تلك العملية (الاستفتاء، الانتخابات) الوجهة المفضلة للنظام المغربي وكل التنظيمات التي تلف حوله، كإجابة جاهزة عن مطالب الشعب المغربي التي يشكل الجانب الاجتماعي عمودها الفقري والمحور الرئيسي الذي التفت حوله جموع الجماهير في بداية الأمر. وتشكلت هذه العملية على صورة مشهدين متلازمين حيث يؤسس أحدهما للأخر، بقدر ما يزكي بعضهما البعض، ويمنحا الوجود والدوام والاستمرارية عبر الزمان والمكان لبعضهما البعض، كما يشكل تعثر أحدهما، نزلة برد أنفلونزية للثاني بإمكانها القضاء عليه وحتفه نهائيا، ويتعلق الأمر بمسألتي "الاستفتاء" و"الانتخابات" بالمغرب.
المشهد الأول:
إن هذا النهج الاستبدادي الذي سلكه النظام المغربي، الذي ولى ظهره للشعب بدون اهتمام، سيبدأ بالوصفة السحرية التي أملتها الامبريالية الفرنسية والأمريكية، والمتمثلة في ما سمي بالدستور الجديد، الفاقد للشرعية أصلا داخل الأوساط المغربية، حيث قُدمت كوصفة وكرد أمثل وناجع، وفقا للتصور الامبريالي وعملائه المحليين، عن مطالب الشعب المغربي في العيش الكريم والعدالة الاجتماعية والحرية والقضاء على الفساد والاستبداد...الخ.
إنه جواب أراد من خلاله المستبد الامبريالي التأكيد على تأبيد استبداده واستغلاله وديمومتهما وتوسيع نطاقهما على مستوى الزمان والمكان، إنها ثورة عميقة استوحى النظام المغربي مبادئها من الفكر الميكيافلي التي يمكن تلخيص فحواها في مقولة "جوع الكلب باش اتبعك"، فهو الأسلوب القديم-الجديد المفضل لهذا الأخير في علاقته مع رعاياه الذين ما فتئ يدجنهم ويواجه طموحاتهم بالمزيد من الاستغلال والتفقير والاستعباد، عبر مختلف الطرق والوسائل المتاحة لديه على مر التاريخ.
ويلزمنا الواجب الأخلاقي في هذا الإطار أن نشير إلى الدور الهام والغير المسبوق الذي قامت ولا زالت تؤديه التنظيمات "القبائل" السياسية والنقابية والدينية والمدنية خلال هذه العملية، إذ اصطف الجميع في الخندق المخزني، جنبا إلى جنب، وتجندوا بكل ما أتوا من قوى من أجل تضليل المغاربة وتعكير صفوة أفكارهم، التواقة إلى الحرية والعدالة الاجتماعية، واستمالة عقولهم وإيهامهم بشرعية "النعم" (الاستفتاء).
فقد أبان كل تنظيم "قبيلة"، على حدة، عن عبقريته في عملية التملق والتزلف الانتهازي والوصولي عبر استعراضات فولكلورية تؤكد تجديد البيعة والولاء لشيخ الزاوية "محمد السادس"، والتعبير عن الاستعداد والتأهب التام واللامشروط للدفاع عن تأبيد عرشه وديكتاتوريته السياسية والاقتصادية والعسكرية والدينية.
إن هذه الدينامية ليست في واقع الأمر سوى رد فعل النظام على خروج الشعب المغربي إلى الشارع العمومي للتنديد بما أسفرت إليه أوضاعه عامة. فقد ارتأى(النظام) خلال هذه المرة، إضافة إلى القمع البوليسي المعتاد، تسخير هذه الكائنات الانتهازية والوصولية لقمع الشعب المغربي واغتصاب أفكاره وتلويثها وتحريف جوهرها عن مساره الصحيح، مقابل فتات لن يكون في أحسن الأحوال أكثر من كراسي برلمانية ووزارية كذريعة للمزيد من امتصاص دماء المغاربة.
إن عملا من هذا النوع يعد، في حقيقة الأمر، أخطر جريمة يمكن للمرء أن يرتكبها في حق الإنسانية، حيث أن غزو العقول وتدمير بنياتها وتحطيم وسلب كل الآليات الذهنية القائمة وراء التفكير والتعبير الحريين والتجديد والإبداع والخلق، يعني حتما دفع هؤلاء إلى الانحطاط الفكري والأخلاقي والسياسي، أي خلق كائنات بشرية سلبية، تبعية ومسلوبة الإرادة والتفكير، وفق مقاسات ومعايير محددة بشكل مسبق، يمكن التحكم فيها عبر الزمان والمكان بالشكل الذي يبتغيه أولوا الأمر والقيمين على الشأن السياسي والاقتصادي والثقافي بالبلاد.
فالخلاصة الهامة لهذا السلوك الذي دشنته التنظيمات الملتفة حول النظام المغربي هي إرساء أسس التقهقر والعودة السريعة بالمجتمع المغربي إلى الوراء للزج به من جديد في مستنقع حياة العبيد على نمط المجتمع القروسطوي، ذلك أن النهضة والتنوير والتقدم نحو الرفاهية الاجتماعية لن تتأتى، بدون أدنى شك، في عصر يسوده هذا النمط من الفعل التخريبي الممنهج، ويغيب فيه الإبداع الفكري والفني وحرية التعبير والتجديد الدائم لأدوات العمل والتفكير عبر الخلق والإبداع المستمرين، كما لن تعبد هذه الطريق إلا عبر العمل الدءوب وفق آلتي الشك المنهجي والنقد البناء الذي يروم من خلالهما وضع كل الأفكار والمسلمات السابقة موقع التساؤل والاستفهام الموضوعيين وتفكيك الواقع الملاحظ والخفي المتواري بهدف التدقيق العلمي في شفراتهما ورموزهما، بعيدا عن أسلوب الإلقاء والتلقي التقليديين، ثم خوض غمار العمل بقاعدة الهدم والبناء في أفق التقدم التدريجي إلى الأمام.
هكذا خرجت هذه التنظيمات "القبائل" بكل أطيافها السياسية (اليمين واليسار) والدينية ( السنية والسلفية والشيعية والوهابية والصوفية، والمسيحية، واليهودية، والشيطانية...) والنقابية ( حكومية وذليلة اليسار...) والجمعيات من كل حدب، إلى الشارع متدثرة بفساتين وأقمصة مخزنية (المخزن كنظام لا وطني، لا شعبي، ديكتاتوري، عميل الامبريالية) مكتوب عليها بلغة المخزن، أي لغة الدهاء والخداع والمكر والتهديد والوعيد، حرف "لا" بصمغ ذي لون المخزن ذاته، بينما الواجهة المكشوفة تحمل كلمة " نعم" تومض أشعة، كما وصفها أحد المغاربة، على شكل العدد: 20. أدخلت بذلك الرعب والشك في قلوب كل المشاهدين والمتتبعين لهذا الأمر العجيب، إذ من الوهلة الأولى أي منذ أن تقع عينيك على هذه الكلمة، ينتابك نوع من الارتباك والريب فيما إذا كانت كذلك أي "نعم" أم هي العدد 20 بذاته. لقد تحولت في واقع الأمر إلى هوس ووسواس رهيب يلاحق المغاربة في الشارع، في الأزقة، في البيوت، في المساجد، في الأضرحة، في الأسواق، خلال الأسفار، في المدارس والجامعات، في المعامل والشركات، في الملاعب والملاهي وأماكن الاصطياف، في الثكنات، في الزوايا، في المدن والقرى والبوادي، وفي كل الأماكن والأوقات.
والأدهى من ذلك، عملت العديد من هذه التنظيمات على قولبة هذا الأمر وجعلته بمثابة ركن من أركان الشهادة والعبادة والبيعة والولاء الذي لا محيد عنه للظفر بمصير دنيوي وأخروي آمن بعيد عن العقاب والعذاب القهار الذي لا طاقة لنا لتحمل أقساطه وتبعاته. وعلى أي فالتكهنات، بخصوص غرابة هذه المسألة، تعددت واختلفت من جهة إلى أخرى، وبقيت على حالها إلى حين تمكنت عرافة "شوافة" ومريدون، للشيخ الحاج علي الدرقاوي الإليغي، من سوس مولعين بحياة الجن وغرائب الإنس من فك طلاسم ورموز وشفرات وحيثيات هذا الأمر الغريب:
قالت العرافة: كما عادتي، كنت لا أستطيع أن أجد طريقا مريحا وسلسا لأجل النوم غير استعمال خليط من الأعشاب النادرة، وصفتها لي جارة بالحي تعمل بالمقاطعة رقم 20 ، من جراء كثرة الهم والغم والغنج التي لم يعد في استطاعتي تحملها. غير أن ليلة 01 يوليوز كانت غير سابقاتها، حيث تمكنت بعد صلاة الفجر من الفوز بغفلة من النوم وهذيان طفت عبره أرجاء بلادي الحبيبة كلها. وإذا كانت هذه هي المرة الأولى التي استمتع فيها بهذا السفر، فإن شبحا غريبا، في صورة مقدم الحي الحاج بوعشرين(تعود هذه التسمية إلى 20 درهما التي يفرضها على كل فرد من سكان الحي كإتاوة شهرية لصالح قائد أو باشا المقاطعة)، حل علي فجأة ليفسد كل شيء.
لم يطرق الباب كباقي الزوار من الأهل والأحباب، وبخطوات سريعة ومستعجلة تعكرها وتعثرها تلافيف جلاليبه المتراكمة على جسده النحيل. بدأ الحاج بوعشرين كلامه بلفظة "نعم"، على غير عادته كأننا انتهينا من الكلام، لم يكلف نفسه عناء المقدمات والتمهيدات حتى بدأ يلح ويؤكد بعصبية على ضرورة الخروج لحمل كلمة "نعم" طيلة النهار مقابل العفو علي من أداء ضريبة 20 درهما والاستفادة حينا من مساعدة قد تصل إلى 50، وفي حالة ما إذا تعذر ذلك(حمل نعم) فإن هذه الأخيرة (الاتاوة) ستصبح مضاعفة وستكون 20 صعقة كهربائية من نصيبي في الحين. ف"النعم" هي مولانا وسيدنا الغفور الرحيم الذي استولى على عرش العالمين والذي لا تعلو قوة فوق قوته، واستفاض المقدم بوعشرين في شروحاته التي تضمنت في غالبيتها كلمات "الطاعة، جلالة، سيدي، أولوا الأمر...".
استدرجني حماسه واندفاع جسده، من الأسفل نحو الأعلى ومن اليمين نحو الشمال كأنه يقوم بفحص دقيق لهيئتي، وكلامه الغامض وغير المفهوم إلى الاعتقاد بأنني أمام السيد عزرائيل ،ملك الموت، الذي حل علي ضيفا في هذا الوقت المتأخر من الليل لحمل روحي إلى العلي القدير منهيا بذلك معاناتي على هذا الكون. إلا أن الأمر ليس كذلك، بعدما استطعت أن ألتقط من كلامه أن الامتناع عن الخروج لهذا الغرض العاهر، غير الشرعي بتاتا، يعني فقدان ممتلكاتي وهويتي المغربية أسريا وإداريا ومؤسساتيا وشغلا، ومن ثم 20 سنة من السجن هي مصيري التي لا محيد عنها.
استيقظت من هذا الكابوس الجهنمي الرهيب، واختلطت علي الأمور لم أعد أعرف البداية من النهاية، لأجد نفسي أقذف بالسب والشتم أمثال هذه الكائنات وهذا النوم في مثل اللحظة تلك، وتوجهت مسرعة نحو الباب لأخرج إلى الشارع العام بحثا عن بطل هذا الكابوس الذي أفسد كل أحلامي، ملوحة بيدي نحو الأعلى وصارخة بأعلى صوتي أمام الملأ: لا،لا،لا،لا،لا... أين بوعشرين، أين هي 50، اين حقي ،كذاب، منافق، لص، مجرم، هذا ظلم، هذا استبداد......؟؟؟؟؟.
وفي السياق ذاته أورد مريدون من أتباع الشيخ الحاج علي الدرقاوي، أنهم في ليلية من لياليهم القيامية(نسبة لقيام الليل) الدينية فوجئوا وهم في غمرة التعبد والتصوف، بشيطان مارد في صورة شيخهم يدعوهم، عبر رسالة مشفرة بدون توقيع، للذهاب والسفر أفواجا أفواجا نحو الرباط حيث مقام الشيخ الأكبر للتبرك منه والصلاة من أجله وقراءة ما تيسر من الذكر الحكيم من أجله ولعرشه والدعاء بالعافية والسلام والطمأنينة والصحة والديمومة له ولذويه. غير أن توقعات أهل الدين بالجنوب المغربي لم تكن هذه المرة في محلها إذ تفاجئوا بأنهم ضحايا مكيدة إنسية مدبرة بتصميم محكم، حيث وجدوا أنفسهم يجوبون طيلة النهار شوارع الرباط وسط هتافات صاخبة ترددها فرقة موسيقية شعبية (الطبالة نسبة للطبل) ومجموعة من ذوي السوابق العدلية، والشمكارة، ونماذج بشرية لم يعتادوا على رؤيتها بتاتا "البلطجية".
تسمر الفقهاء للتأكد من طبيعة هذه المخلوقات: أهي إنسية أم جنية؟. ليجدوا أنفسهم في آخر المطاف وقعوا ضحايا هجرة قسرية تجند لها طاقم من صفوة كبار الشأن الديني بسوس ليزج بهم وسط جدار خانق من حشود البلطجية والشمكارة والبوليس السري مانعا إياهم من التنفس والاستفسار عن مضمون الفعل قيد الانجاز.
انتهى الطواف وكان الجزاء عبارة عن مبالغ من فئة20، 50 و100، يسلمها الشيطان المارد وأتباعه لكل المشاركين بدون تمييز، ليتبادر إلى أذهان الأئمة أسئلة كثيرة من قبيل:
- هل الأمانة التي نحملها على عاتقنا توجز القيام بهذا النفاق؟؟
- أما نحن في عبادة الله، أم الأولياء، أم الشياطين؟؟؟
- أي دور منوط بنا اتجاه عباد الله، النفاق أم تنوير الطريق أمامهم للتعبد ومعرفة الله؟؟؟
- هل نحن أدوات في يد الشيطان المارد كباقي الأجهزة المعتاد استعمالها في مثل هذه الحالات؟؟؟
- هل نحن حاملي كتاب الله، أسوة وفي نفس مصاف هؤلاء، في عيون الشيطان المارد؟؟؟.
تكررت الأسئلة ذاتها وتداولها الأئمة المخدوعين والمغرور بهم، حتى انقشع وتكسر الظلام تحت أولى شعاع الشمس الساطعة، ليستيقظ الإليغيون من مصيدة الشيطان المارد الذي أستغل النفوذ والسلطة ليقع بهم في ما لا شأن لهم به، هكذا عبروا في مسيرات تنديدية بهذه الخروقات السلطوية التي لا تمت لديننا الحنيف بأية صلة من قريب أو بعيد، وأن ما قاموا به في الرباط ليس سوى خدعة كانوا ضحاياها ولا يلزمهم ذلك بشكل مطلق.
المشهد الثاني:
يجمع كافة الدارسين والمهتمين بالشأن السياسي المغربي على أن العمل الحزبي، في إطار علاقة الحزب بهموم الجماهير الشعبية وعموم الفقراء، عمل أجوف وعقيم يفتقد لكل المقومات السياسية والأخلاقية والإبداعية والفكرية والإيديولوجية القادرة على إعطاء إيجابات عملية وملموسة للواقع الاجتماعي والسياسي المغربيين، ناهيك عن العجز والفقر الذين يتمتع بهما على مستوى اليقظة والتخطيط الاستراتيجي والتأطير التنظيم والتدبير الشامل للشأن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي والبيئي على المستوى القريب والبعيد المدى.
فعربة الحقل الحزبي المغربي بكل مكوناته، لا تعدو في عمقها التنظيمي والإيديولوجي أن تكون أكثر من جهاز مطاع يهرول خلف آلة النظام البالية والعتيقة، بشكل استّلهِِمت أسسه ومبادئه من الأعراف والمساطر المنظمة لعلاقة الشيخ بالمريد. فإذا كان هذا الأخير يسعى بكل الوسائل المشروعة والمنبوذة أخلاقيا واجتماعيا لنيل رضى الشيخ وبركته التي يتمتع وينفرد هذا الأخير بعطاءاتها وجودها ومعجزاتها التي لا ينالها إلا من كد وجد في خدمته وتلبية رغباته مهما كانت طبيعتها وفي كل زمان ومكان، في أفق الانفلات والعبور من الوضعية المريدية إلى المنصة الشيخية. فإن الحزب المغربي بدوره لم ينأى، ولو قيد أنملة، عن هذا الوضع الطقوسي والشعائري الذي يسعى من خلاله إلى نيل رضى المخزن وبركته. إن هذا الأخير استطاع بحنكة تجربته وخبرته وبتعاون من الامبريالية من إفراغ التنظيم الحزبي من مضمونه ومحتواه السياسي والايديولوجي وتحويله إلى حظيرة لكائنات انتهازية ووصولية تسعى بكل أشكال الخضوع والإذلال والتزلف والتملق والترديد الببغائي لكل شدة وفدة تسللت من جحور النظام المظلمة والاستماتة في الدفاع عنها بكل القوى المتاحة في أفق التقرب منه ونيل رضاه وجوده الذي غالبا ما يتمثل في الحصول على مفتاح لمصدر من مصادر النعمة والخيرات التي لا حسيب ولا رقيب عليها. وهذا ما أثبته الأنثروبولوجي المغربي عبد الله حمودي في إشارته إلى أن علاقة الشيخ بالمريد، بفحواها وعدتها الطقوسية والسلوكية والقيمية والآلية والغائية، استطاعت التسلل والعبور والانتقال من المجال الديني إلى المجال السياسي.
وفي نفس السياق يؤكد الفيلسوف محمد سبيلا على أن الحزب المغربي ليس في جوهره سوى طريقة أو زاوية أو رابطة مغربية، حيث أنه إذا تم تجريده من الإيديولوجية التي يدعيها، والتزيينات والمساحيق والرتوشات التي يضفيها على مظهره الخارجي، فإننا سنحصل في آخر المطاف وبشكل لا محيد عنه على هيكل عظمي لزاوية من الزوايا المغربية. ومن ثم يمكن التأكيد إذن على أننا في واقع الأمر أمام زاوية كبيرة يدبرها المخزن، وفروع لها في صيغة أحزاب سياسية.
أما الأبحاث الانكلوسكسونية حول الشأن السياسي بالمغرب فقد خلصت معظمها إلى كون المغرب يتكون من أحزاب على شكل قبائل تقليدية، في طابعها الخلدوني الانقسامي، ومن زاوية يديرها المخزن العتيق. كما أكدت هذه الأبحاث على الطبيعة الميثولوجية الدينية والطقوسية والتبعية والخضوع التي تنطوي عليها العلاقة القائمة بين الزاوية، صاحبة الشرف والشرع والامتداد اللامتناهي، والقبيلة ذات الطابع الانقسامي والقائمة على العرف والبنية المتناهية عبر الزمان والمكان.
إن الخلاصة التي تروم إليها كل هذه المعطيات هي التأكيد على الطبيعة العقيمة والفقيرة للحزب المغربي على مستوى الإبداع والتجديد والتنظيم والتأطير والتربية السياسية والاخلاقية من جهة أولى، ثم التشديد على الطابع الانتهازي والوصولي له بعيدا عن هموم ومشاكل المنضويين تحت لوائه وكل أفراد الشعب المغربي عامة.
يقودنا هذا التقديم إلى ضرورة الوقوف على ظاهرة الانتخابات التي أصبحت مرتعا يلوذ إليه النظام وتنظيماته الحزبية كلما ضاقت عليهما الدنيا، بسبب استغاثة من الشعب ضد الهجوم الشرس على أملاكه وخيراته وكيانه من قبل الامبريالية المتوحشة.
إنه المسلسل الذي نعيش أطواره وحلقاته خلال هذه الأيام إعلاميا وعمليا، حيث جندت جميع الأجهزة المخزنية من أفراد وجماعات وتنظيمات سياسية ومدنية ومؤسسات إدارية، وقنوات إعلامية للتبجيل وتهيئ وتخصيب وإنضاج الظروف والشروط المواتية لإنجاح (وفق التصور المخزني طبعا) الحفل الختامي، حيث توزيع الجوائز، من هذا المسلسل الذي حبك سيناريوه من قبل الامبريالية الفرنسية والأمريكية، ووكلت مهمة إخراجه للمخزن المغربي. وقد تم عبر كاستينغ المشاورات والنقاشات المستفيضة في اللغو والأخذ والجذب حول نصيب كل واحد من الكعكة والتوقيع البرلماني على المشاريع الريعية، منح وتوزيع الأدوار على الأحزاب التي بدت بدورها مستعدة، على قدم وساق، من خلال القيام بتسخينات تمهيدية وتراشق نفاقي بكلمات خشبية وتلفيقات سياسوية وتحالفات مصلحية(في صورة البنية العظمية للقبيلة) على خشبة المسرح المغربي، والسعي الحثيث لتجميل مظاهرها عبر وضع مكياج ومساحيق، رديئة الجودة ومكشوفة، لترميم وتزيين دكاكينها المقفرة والمتراكم على أبوابها الغبار، منذ زمن الانتخابات السابقة التي امتنع عنها جميع المغاربة منعا كليا. وتسعى من وراء كل ذلك إلى تقديم مسرحية تمويهية وتنويمية بهدف تحوير مجرى وعي واهتمام الشعب المغربي، من التركيز حاليا على النضال ضد أوضاعه الاجتماعية المزرية، وضد النهب والنزيف الذي تتعرض له ثرواته وخيراته باستمرار، وضد الفساد والاستبداد المستشريين في دواليب النظام ككل، إلى الدفع والإيقاع به في مستنقع الفساد الانتخابي والمتاجرة والسمسارة فيه، ومن ثم الطواف اللاشعوري والمبدئي داخل فلك المخزن والتسابق والمنافسة الشرسة للترامي في أحضانه، بحيث تكون النتيجة في آخر المطاف هي توريط الجميع (شباب، نساء...) في اللعبة المشئومة التي لن يخرج منها منتصرا غير النظام، مهما كانت الظروف وفي جميع الأحوال.
وإذا اتفقنا على الطرح السابق، فإنه يمكن التأكيد على أن الهدف الأسمى المتوخى من هذه العملية، لدى مدبريها، هو التضليل والخداع وسد المنافذ أمام الشعب المغربي لردع كل طموحاته ومنعه من التفكير بتاتا في إمكانية نفض غبار الفقر عنه، والحد من الاستبداد الجاثم على صدور المغاربة، والقضاء على الفساد والاستغلال الوحشي الذي بواسطته تُمتص دماءهم دوما وباستمرار. وإلا كيف يمكن تفسير هذه المهرجانات الفولكلورية التي تسخر لها إمكانيات هائلة وضخمة، مادية، بشرية، لوجيستيكية...الخ، وفي المقابل لا وجود لأدنى إشارة، ولو على سبيل القيام بالواجب، توجز المراقبة والمحاسبة والعقاب ما دام أن الأموال الموظفة في ذلك هي ملك للشعب وأن المستهدف هو المصلحة العامة؟؟.
ويمكننا أكثر من ذلك أن نحسم هذا الجدال بالتأكيد على مسألة أساسية قد تضيء الطريق أمام الذين يتعامون ويتعمدون النفاق والمكر، وتتمثل في الاستفسار التالي: ما الجدوى، وما الانتظارات وما المرامي من الانتخابات، مادام أن الدستور قد حسم جميع السلط في يد رئيس البلاد؟ أي، إذا كنا ندرك ونعي جيدا بأن وثيقة "الدستور" قد وضعت في يد شخصية واحدة جميع السلط: السلطة القضائية(رئيس المجلس الأعلى للقضاء) السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية(رئيس المجلس الوزاري). علاوة على تمتيعه بصفة أمير المؤمنين، ورئيس مجلس الأمن ورئيس العسكر، وحامي الدين والملة ورئيس للبلاد...الخ، إنه أمير مكيافيلي المغرب بشكل مختصر، فإنه من المشروع الاستفهام عن المضامين والحيثيات الثاوية وراء هذه المهرجانات الموسمية التي لا تركت عبدا من الشعب المغربي إلا وتسللت إلى خياله وشوشت مزاجه وعكرت صفاء ونقاء تفكيره وسلوكه وأخلاقه، ولا دعت هنات جماعة منه إلا وأحدثت بلبلة وتشتيتا وشرخا مبينا بين عناصرها؟؟؟؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحة وقمر - قمر الطائي تبدع في تجهيز أكلة مقلقل اللحم السعودي


.. حفل زفاف لمؤثرة عراقية في القصر العباسي يثير الجدل بين العرا




.. نتنياهو و-الفخ الأميركي- في صفقة الهدنة..


.. نووي إيران إلى الواجهة.. فهل اقتربت من امتلاك القنبلة النووي




.. أسامة حمدان: الكرة الآن في ملعب نتنياهو أركان حكومته المتطرف