الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميدان التحرير فى قلب مدينة لندن

نوال السعداوى

2011 / 10 / 25
مواضيع وابحاث سياسية



أشرقت الشمس يوم السبت الماضى، لا أعرف إن كنت فى ميدان سان بول فى لندن أو ميدان التحرير فى القاهرة، يذوب الحلم فى الحقيقة، يختلط الواقع بالخيال، أعود طفلة فى العاشرة من العمر تحلم بالثورة، بالطيران فوق الحدود واجتياز البحار والأنهار، ترن فى أذنى الهتافات باللغة الإنجليزية فأندهش لحظة ثم أدرك أننى فى ميدان سان بول فى قلب مدينة لندن، إنه يوم السبت ٢٢ أكتوبر ٢٠١١، أرض الميدان مفروشة بالخيام، تشبه الخيام فى ميدان التحرير أثناء ثورة يناير وفبراير، ينام تحتها المئات من الثوار والثائرات من الشعب الإنجليزى، تركوا بيوتهم وأصبحوا يعيشون فى الخيام على أرض الميدان، نساء ورجال من جميع فئات الشعب، من جميع الأعمار والمهن والأشكال والألوان، من ذوى البشرتين البيضاء والسوداء، وما بينهما من درجات متعددة متدرجة من حمرة بيضاء إلى زرقة أو صفرة سوداء، من المهاجرين والمهاجرات أو من أهل البلد الأصليين، أغلبهم فى عمر الشباب، بعض منهم عجائز ومرضى يسيرون على عكاز، أو فوق مقعد متحرك ذى عجلات، لكن وجوههم تتألق بالحماس والفرح تحت شمس الصباح، أصواتهم تهتف للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، الهتاف يشبه الهتاف فى ميدان التحرير، الكلمات والمعانى والأهداف هى نفسها، الشعب الإنجليزى يتطلع إلى الحرية والعدالة مثل الشعب المصرى وكل شعوب العالم من كندا إلى أمريكا وأوروبا وأفريقيا وآسيا، من وول ستريت وبورصة نيويورك إلى بورصات العالم ومراكز الأوراق المالية والمضاربات والسرقات والنهب والقتل المقنن المشروع تحت اسم الشرعية الدولية والمعاهدات الرأسمالية.

يسألنى صحفى إنجليزى بالجارديان: ماذا تشعرين وأنت وسط هذه المظاهرات التى تنادى بإسقاط الرأسمالية فى لندن معقل الرأسمالية؟ أضحك وأقول: أشعر بالفرح والفخر، لم أتصور أننى سأعيش لأشهد هذه الثورات الشعبية التى انطلقت من تونس ومصر ونقلت الثورة إلى بلاد العالم فى الشرق والغرب.

تجمعت من حولنا بعض الشابات من الحركة النسائية الإنجليزية الجديدة، قالت واحدة: لقد غيرنا اسم ميدان سان بول إلى اسم ميدان التحرير. وفعلاً رأيت الاسم الجديد بالحروف الإنجليزية على اليفط فوق المبانى فى الميدان فى حى ويستمنستر، تمت إزالة اليفط القديمة التى تحمل اسم ميدان سان بول، سألت بدهشة: من قام بهذا التغيير، الحكومة أم بلدية ويستمنستر؟ صاحت الشابات: نحن قمنا بتغيير اسم الميدان لتكون ثورتنا مثل ثورتكم فى ميدان التحرير، لقد أصبح ميدان التحرير رمزاً عالميا للثورات العظيمة السلمية ضد الرأسمالية والديكتاتورية والأبوية والاستعمار والحروب والعنصرية والصهيونية، تساءلت: أنتم ضد الصهيونية أيضا؟

رأيت أمامى واحدة من قيادات الحركة النسائية فى إنجلترا منذ السيتينات فى القرن الماضى، اسمها سالما جيمس، عمرها ثمانون عاما، قالت: نحن نربط بين كل أشكال الظلم والقهر من رأسمالية إمبريالية إلى الصهيونية والعنصرية، هى كلها مترابطة تعمل معا ضد شعوب العالم وعلى رأسها الشعب الفلسطينى، نحن لا نفرق بين القهر الواقع على الفقراء والنساء والبيض والسود والمهاجرين.

سالما جيمس من أصل أمريكى أمها من أصل يهودى لكن الحكومة الأمريكية طردتها خارج البلاد بسبب نضالها ضد الرأسمالية الجشعة والصهيونية العنصرية، تقول سالما: العدالة والحرية والصدق أهم عندى من القومية الأمريكية أو الدين اليهودى. ذكرتنى سالما جيمس بالأستاذ الأمريكى ناعوم تشومسكى الذى كرس حياته دفاعاً عن العدالة والحرية متجاوزاً قوميته وديانته اليهودية.

مساحة الميدان أقل من مساحة ميدان التحرير بالقاهرة، لكنه يقع بين قلعتين ضخمتين فى مدينة لندن، بين كاتدرائية سان بول الشاهقة ومبنى البورصة الأعظم، قال أحد قيادات الشباب: اخترنا هذا الميدان معسكرا لثورتنا ضد أكبر رمزين للرأسمالية فى بلادنا، البورصة أو «بيت المال»، والكاتدرائية أو بيت الرب «اللورد» الذى يحمى أصحاب المال والشركات الرأسمالية، وقد أغلق البوليس البورصة وأغلق أيضا الكاتدرائية، خوفاً من ثورتنا، تغلبت قوة الشعب الثائر على القوى الرأسمالية العريقة التى أفقرت ٩٩% من الشعب الإنجليزى، شعارنا فى هذه الثورة هو: «١% يملكون كل شىء و٩٩% من النساء والفقراء والشباب والمهاجرين لا يجدون الضرورات».

أتحرك بينهم فى الميدان، وأزور الراقدين تحت الخيام كما كنت أفعل فى ميدان التحرير، أتطلع إلى اليافطة فوق الجدار تحمل اسم ميدان التحرير بالحروف اللاتينية، يلتقط شاب صورة لى وأنا أشير إلى اليافطة بدهشة: أنتم غيرتم اسم الميدان وليس الحكومة؟ قال الشاب: طبعا نحن الشعب، الميدان يملكه الشعب وليس الحكومة، من حقنا أن نغير اسمه، إنه ميداننا وليس ميدان القديس بول.

فى حديقة هايد بارك (غير بعيد عن ميدان سان بول) كانت هناك دائما ومنذ عقود أو قرون، منصة صغيرة فى الركن الشهير المسمى «ركن الخطب» (سبيكينج كورنر) يتجمع فيه بعض زوار الحديقة ليستمعوا إلى الخطب التى تلقى عن فساد النظام الرأسمالى وضرورة إسقاطه، لكن هذه الخطب لم تكن تفعل شيئاً سوى تسلية بعض زوار الحديقة، وإشاعة الوهم بأن إنجلترا تتمتع بحرية الكلام والديمقراطية، وقد ألقيت خطبة فى أول زيارة لى لمدينة لندن عام ١٩٦١ فى «هايد بارك» قلت فيها إن الديمقراطية فى ظل النظام الرأسمالى ليست حقيقية ولا تؤدى إلى تغيير النظام، منذ ذلك اليوم أصبحت أطلق على الديمقراطيات الرأسمالية اسم ديمقراطية هايد بارك.

منذ الطفولة سمعت أبى يقول عن البورصة إنها وكر الفساد المالى، إنها وكر الإقطاعيين المصريين والاستعماريين الأجانب، وقد اختفت البورصة فى مصر بعد ثورة ١٩٥٢ مع تحرر مصر من الإقطاع والاستعمار البريطانى، لكن فى عصر السادات عادت البورصة مع الانفتاح الاقتصادى وسقوط مصر تحت هيمنة الاستعمار الأمريكى، اشتد الفساد المالى فى عصر مبارك وأصبحت البورصة المصرية بؤرة الرأسماية الجشعة والاستغلال، أصبح المال محرك كل شىء، وكل شىء يباع ويشترى بالمال عبر شبكة الإنترنت، بما فى ذلك الضمير والحب والجنس والزواج والطلاق والأدب والفن والإعلام والفضائيات والأصوات فى الانتخابات وتشكيل الأحزاب والجمعيات والتكتلات، أصبح كل شىء، سلعة رديئة أو غير رديئة، للبيع والشراء فى عالم السياسة والدين والأخلاق، وهبطت قيمة الإنسان والصدق إلى الصفر.

منذ ركبت الطائرة لأول مرة فى حياتى عام ١٩٦١ لم أكف عن السفر إلى بلاد العالم، شاركت فى كثير من المظاهرات العالمية ضد الرأسمالية الجشعة والأبوية غير الإنسانية فى الشرق والغرب من بومباى فى الهند إلى بورت أليجرى فى البرازيل إلى سياتل فى أمريكا إلى جوهانسبرج فى جنوب أفريقيا إلى برشلونة ومدريد وبروكسل وباريس وبرلين حتى ميدان التحرير فى القاهرة ولندن، وكان شعارنا المشترك «عالم جديد ممكن بل ضرورى»، وأصبحت شبكة الإنترنت فى خدمة الثورات وإسقاط الأنظمة الفاسدة والبورصات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شجاعة قول الحق ما اروعها
ابتسام مراد ( 2011 / 10 / 25 - 07:19 )
ماذا اقول لكل مصري وكل انسان ؟ اقول تتبعوا آراء دكتور نوال السعداوي وكيف عانت طيلة حياتها كي تقول الحق صراحة اشعر بارتياح نفسي عظيم كلما قرات لها مقالا او تعليقا فهكذا يكون الانسان وهكذا تكون الكرامة وليس بغير هذه الصراحة تكون الانسانية لقد كرم الله بين آدم وابي ابن آدم الا ان يهين نفسه لطفك بعبادك يا الله


2 - شجاعة قول الحق ما اروعها
ابتسام مراد ( 2011 / 10 / 25 - 07:19 )
ماذا اقول لكل مصري وكل انسان ؟ اقول تتبعوا آراء دكتور نوال السعداوي وكيف عانت طيلة حياتها كي تقول الحق صراحة اشعر بارتياح نفسي عظيم كلما قرات لها مقالا او تعليقا فهكذا يكون الانسان وهكذا تكون الكرامة وليس بغير هذه الصراحة تكون الانسانية لقد كرم الله بين آدم وابي ابن آدم الا ان يهين نفسه لطفك بعبادك يا الله


3 - امرأة من صناع التاريخ
سعاد خيري ( 2011 / 10 / 25 - 12:20 )
تشع ثقة وامل متجدد بحاضر ومستقبل البشرية


4 - ميدان السلفيين الجديد
سيلوس العراقي ( 2011 / 10 / 25 - 13:40 )
السيدة المحترمة نوال
صحيح هناك أزمات في العالم كله واسبابها كثيرة ومختلفة ، لكن شتان بين التجمعين ، في القاهرة وفي لندن، فساحة التحرير في مصر بل كل مصر تحولت او في طور التحول الى ساحة ودار خلافة للاخوان المسلمين والسلفيين الذين سيعيدين مصر الى قرون الى الوراء، لكن تجمع سان بول لن يغير شيئا من ديمقراطية الهايد بارك مثلما تحبين تسميته، لكن هل يمكنك أن تقترحي اسما جديدا لميدان التحرير الذي سيكون تحت حماية الحركات الاصولية والسلفية المصرية، ساحيي شجاعتك إن ، اقترحتي له اسما جديدا بروح ديمقراطية الهايدبارك، مع تقديري لك سيدتي


5 - تغير بلا تغير
Elham jawad ( 2011 / 10 / 26 - 00:41 )
مثلي الاعلى انت يا سيدتي، الكل يحلم بالتغير ويطمح للأفضل ولكن الشعوب تقهر وهناك اساليب كثيرة للقهر منها التغير والثورة وغيرها من الاسماء الرنانة، نحن نغوص في مستنقع من الأفكار البالية والجشع والاستغلال والتخلف أنا لا اقول كنا افضل بل القول كنا سيئين والآن اصبحنا أسوء بفضل العقول التي تمسك البلدان الان، لقد عدنا الى الوراء الاف السنين بدل المئات ولا نعرف متى التغير الحقيقي يبدأ، أنا لا اطلب المستحيل ولكن حتى المستحيل اصبح يركض خلفنا ونحن الذي نهرب منه لا اريد ان اسمع كلمة سوف والشهر المقبل وفي العام القادم ومازلنا نتناقش ونتداول هذه الكلمات تقتلني اريد العمل وغير هذا لا اقبل باي شيء.
لك كل الاحترام  


6 - الحرية والرأسمالية اللبرالية
سامي المصري ( 2011 / 10 / 26 - 07:15 )
تدمع عيناي وأنا أقرأ مقالاتك، ليس للحرية وطن لكن لها مكان واحد فقط في كل الوجود لتستقر فيه داخل صدر أي إنسان في أي مكان على الأرض.. لكن بقدر ما الإنسان وحده هو الذي يستوعب الحرية، بقدر ما هنالك من البشر من تحجروا وتوحشوا بالشر أكثر من كل وحوش الأرض .. أتفق معك تماما يا أستاذة يا عظيمة الرأسمالية هي أسوء جميع النظم التي أذلت الإنسان واستعبدته، ليس معنى ذلك إني شيوعي كما يفترض الأغبياء... ومن العجيب أن أرى موضة اليوم التي يتشدق بها الكل دون فهم أو وعي هي الليبرالية التي لا تعني سوى الرأسمالية. حسنى مبارك وكل مساعديه مع الوزراء كانوا صورة مثالية من اللبرالية ومع كل ذلك الفساد الواضح أتعجب من عدد المتشدقين باللبرالية خصوصا المثقفين حيث يزداد الغني غنً والفقير فقرا؛
تحياتي وتقديري واحترامي للكاتبة الحرة؛


7 - ثورة وتحرير مرة اخرى
فؤاد محمد ( 2011 / 10 / 26 - 08:31 )
الرفيقة العزيزة د نوال تحيةالنضال
اشعر ان الثورة والتحريرسرقتا او حرفتالااو توقفتا اواحتالوا عليهما
يجب مواصلة الثورة والتحريرلحين سقوط الراسمالية
وبداية اللتاريخ الانساني
اعاتقكم

اخر الافلام

.. كلمة ايريك سيوتي عضو اليمين الفائز بمقعد البرلمان عن نيس|#عا


.. قراءة عسكرية.. محور نتساريم بين دعم عمليات الاحتلال و تحوله




.. تفعيل المادة 25 قد يعزل بايدن.. وترمب لا يفضل استخدامها ضد خ


.. حملة بايدن تتعرض لضغوطات بعد استقالة مذيعة لاعتمادها أسئلة م




.. البيت الأبيض: المستوطنات الإسرائيلية تقوض عملية السلام والاس