الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتخابات تونس وتحديات التحول الديمقراطي

عبدالله تركماني

2011 / 10 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


بعد أن استقر في الوعي الكوني أنّ الشمولية كنظام سياسي، يقوم على انفراد حزب واحد بالسلطة وإلغاء الحريات السياسية وتهميش المجتمع المدني، قد سقطت إلى الأبد، افتتحت ثورة الحرية والكرامة في تونس الموجة الرابعة للتحول من الاستبداد إلى الديمقراطية، وبذلك وضعت التونسيين أمام تحديات جديدة، تتمثل على الخصوص في إنجاز مهام التحول الديمقراطي والوصول إلى عقد اجتماعي جديد. ولعل نتائج انتخاب أعضاء المجلس التأسيسي، في 23 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، تضع تونس على طريق التحول الديمقراطي الممأسس على قاعدة الدستور الجديد الذي سيتوافق عليه أعضاء الجمعية التأسيسية.
وفي الواقع يختلف المحللون في تقييمهم للثورة التونسية على صعيد التحول الديمقراطي، خاصة على ضوء ديمومة الاستبداد لعدة عقود من الزمن: فبين مشكك في جدية ومستقبل المشهد الديمقراطي، ومتفائل بما يمكن أن يفرزه هذا المشهد من آثار مجتمعية إيجابية، حتى وإن كانت بطيئة، على المدى المنظور. ولكن تظل هناك بعض الظواهر الهامة التي يمكن الاتفاق عليها والتي تؤثر بشكل كبير على إمكانيات نجاح مسار التحول الديمقراطي في تونس. إذ أنّ الظاهرة اللافتة للانتباه هي اتفاق أغلب الفاعلين السياسيين والاجتماعيين على الوصول إلى المرحلة الثالثة، بعد مرحلتي إسقاط الديكتاتور وعبور المرحلة الانتقالية، من التحول الديمقراطي كهدف استراتيجي.
وفي كل الأحوال فإنّ الديمقراطية عملية مستمرة، تتضمن معاني التعلّم والتدريب والتراكم، ولذلك فإنّ أفضل طريق لنجاحها هو الانخراط في المزيد من معاييرها وأدواتها، على أساس أنها ليست عملية قائمة بذاتها، بل لها متطلباتها وشروطها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والمؤسسية. ولذلك فإنّ العبرة ليست بتحقيق التحول الديمقراطي فحسب، ولكن توفير ضمانات استمراره وعدم التراجع عنه.
وبغض النظر عن المعاني المتعددة لمفهوم الديمقراطية، فإنّ المفهوم يدور بصفة أساسية حول ثلاثة أبعاد رئيسية: توفير ضمانات احترام حقوق الإنسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واحترام مبدأ تداول السلطة طبقاً للإرادة الشعبية والشرعية الدستورية، والقبول بالتعدد السياسي والفكري.
ومن أجل صياغة مثل هذا الإطار لابد من إدراك مخاطر الهيمنة القسرية للحزب الواحد التي عرفتها تونس، حيث أنها كانت أداة قمع وتهميش للتعددية الفكرية والسياسية الحقيقية. ليس ذلك الإدراك فحسب بل تنمية فكر سياسي ديمقراطي وتفاهم بين كل الأطراف الفاعلة من أجل إنجاز التحول الديمقراطي المنشود. وفي هذا السياق لابد من الاتفاق على صياغة رؤية مستقبلية للأنموذج الديمقراطي المرتجى، بما يمكن استلهامه من التجارب الأخرى للتحول من الاستبداد إلى الديمقراطية خلال الموجات الثلاث للتحول التي شهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وما يمكن أن تضيفه النخب الفكرية والسياسية التونسية على ضوء تجربتها خلال التاريخ المعاصر. وهذا كله يستحيل تحقيقه من دون حوار جدي ورصين تشارك فيه كل التيارات الأساسية بتفهم وانفتاح ونضج حضاري.
لقد آن الأوان في تونس وغيرها من الأقطار العربية، لأن يفهم كل تيار فكري - سياسي أنّ الآخر واجب الوجود وأنّ إلغاءه كإلغاء جزء مكوّن من الجسم. ولأنّ التجارب أنضجتنا والحوار الصعب قد بدأ يأتي أكله، بعد بروز ظاهرة التلاقح بين مختلف التيارات على طريق بناء الكتلة التاريخية في كل قطر عربي أولاً وعلى الصعيد العربي ثانياً، فإنه أصبح اليوم من الممكن التفكير في بناء وفاق تاريخي يقوم على: اعتبار الديمقراطية هي المدخل إلى النجاعة التنموية الفعلية. ومن ثمة فإنّ إنجاز التحول الديمقراطي يتطلب احتضان مطلب العدالة الاجتماعية، إذ لا معنى للديمقراطية ولا لحقوق الإنسان دون التمتع بالحرية الأولى وهي التحرر من الفاقة والجوع والمرض والجهل، في كافة الجهات التونسية.
ومما لاشك فيه أنّ الذي يجعل الثورة التونسية قادرة على استكمال إنجاز التحول الديمقراطي هو التكوّن التدريجي لكتلة شعبية تاريخية، متناغمة ومتفاهمة، ضمت أحزاباً ونقابات واتحادات حقوقية وجمعيات مهنية وثقافية وجمهوراً غفيراً من المستقلين وخصوصاً من جيل الشباب.
ولعل أحد نتائج هذا الوفاق التاريخي يكمن فيما يعرف بـ " الديمقراطية التوافقية " التي تتيح للنخب الفكرية والسياسية التعاون فيما بينها، وأن تتضافر جهودها من خلال هذا الأسلوب الديمقراطي والتوافقي. مع العلم أنّ الديمقراطية التوافقية تتميز بالخصائص الأربع التالية:
(1) - الحكم من خلال ائتلاف واسع من الزعماء السياسيين من كافة التيارات الفاعلة في المجتمع التعددي.
(2) - الفيتو المتبادل أو حكم " الأغلبية المتراضية "، التي تستعمل كحماية إضافية لمصالح الأقلية الحيوية.
(3) - النسبية كمعيار أساسي للتمثيل السياسي، والتعيينات في مجالات الخدمة المدنية، وتخصيص الأموال العامة.
(4) - درجة عالية من الاستقلال لكل قطاع في إدارة شؤونه الداخلية الخاصة، من خلال تعميم النظام الإداري اللامركزي.
لقد باتت الديمقراطية ضرورة لا مفر منها للحفاظ على التوازن الاجتماعي، فليس من الممكن نزع عوامل التفجير في تونس من دون إشراك الشعب، بكل فئاته وحساسياته الفكرية والسياسية، في عملية البناء والتنمية، لحفزه على التضحية ودفع كل القوى السياسية إلى العمل تحت مظلة الشرعية الدستورية، مما يؤمّن الاستقرار الضروري للتنمية الشاملة.
إنّ ما وقع في تونس هو ثورة حقيقية بكل مظاهرها الحضارية والإنسانية، التأم فيها الشعب بمختلف أطيافه، ولعب فيها الجيش دوراً محورياً عندما اختار حماية المؤسسات العمومية لا قتل المتظاهرين. وبذلك يكون الشعب التونسي قد طوى، بثورته التي صنعها بنفسه، صفحة قاتمة من تاريخه المعاصر، بعد إزاحة رموز الاستبداد والفساد. وهي ثورة لن تكتمل معالمها إلا بجني ثمار تكون في حجم التضحيات، بما يسمح برسم مستقبل واعد لتونس يحدده الشعب بنفسه، بعيداً عن أية وصاية أو إملاءات خارجية أو تهافت أطراف تسعى لاستغلال دم الشعب والركوب على تضحياته لتحقيق أهدافها الخاصة، عبر تعويم الحياة السياسية التونسية بعدد كبير من الأحزاب والجماعات السياسية الصغيرة التي لا وجود فعلي لها.
إنّ مستقبل الديمقراطية في تونس سوف يظل مستقبلاً غامضاً وملتبساً ما دامت هي ديمقراطية زعماء وقادة، وما لم تصبح ديمقراطية مؤسسات راسخة، تفتح الأفق أمام الطاقات الحية للشعب التونسي وتدير الموارد المادية والبشرية بعقلانية ذات مردودية إيجابية على كرامة وحرية كل التونسيين، وهي المهمة الرئيسية للمجلس التأسيسي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيناريوهات خروج بايدن من السباق الانتخابي لعام 2024


.. ولادة مبكرة تؤدي إلى عواقب مدمرة.. كيف انتهت رحلة هذه الأم ب




.. الضفة الغربية.. إسرائيل تصادر مزيدا من الأراضي | #رادار


.. دولة الإمارات تستمر في إيصال المساعدات لقطاع غزة بالرغم من ا




.. بعد -قسوة- بايدن على نتنياهو حول الصفقة المنتظرة.. هل انتهت