الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


امرأة من زجاج

دينا سليم حنحن

2004 / 12 / 14
الادب والفن


ينال مني آخر النهار... الصّقيع يتوغل جسدي، تتعطل حواسي عن مزاولة مهامي ، وهي تتراقص أمامي كمرآة وتغمر فضائي. كيف لي حجبها والمغرب يتأبط بِغلّ واضح آخر أشعة من الشمس المنهكة، الأفق يقف كالصنم وأبطي يصيح بجدول مواعيد موعد تلو الآخر . ليس بالامكان التجاهل وقد اصبحتُ أمرأة من زجاج.
الأزهار داخل الماء تسبح في قارورة رسمتُها بمخيلتي، بداية أسبوع نباتيّ ونهايته غياب بهاء تتحكم فيها المياه ، ضوء الشمس والهواء. أختار ألوان الحياة فأضع السرور ومنتهى السعادات داخل الماء.
ذبلت قبل فوات الأوان، لم تُترك أي بصمة حياة، وامتلأت طاولتي المستديرة بأوراقها الجافة. تحول الدمع منها الى داخل قارورة احتفظت برائحة خضراء ممزوجة بأرق أزهار الانتظار.
لفّتني سحابة حزن حتى صرت أشبه الشمس الغائرة داخل أصداء الأمواج الهادئة، أمواج تجهز نفسها للمغيب تنصتُ متهالكة لهواجس امرأة أتعبها اليقين، ولوداع شمس راحلة، تحكم اغلاق باب الكون بعد أن فتحت أبوابهُ على مصراعيها...عندما كان العمر شابا. كان بريق عيني هشّ تزيدهُ أشعتها طعم البهاء وهالة البياض تمس وجه السماء قبل أن تتحول الى زرقاء.
استرخت السنون وراحت في سبات تنظرُ نعومة الغد. هي لحظات المجون...التقائها لبحر مجنون زبدة مائهِ صافية تناجي عصر امرأة فجرها ندي كالزجاج . شفتاها كغفوة اللهفة، ابتساماتها كسكرة النشوة وقلبها ساكنة خفقاته تتسربل به النيران يتوعدها هذيان . جفناها كموعد مع الخسوف يخجل من بريقهما الكسوف فينخر بهما بصيص لهوِ الحياة والممات.
مرض الزمان منها وبها الدواء، فلو لوت شفتيها عن الأزمنة يأخذها كأس اللوّم برشفة خمر السكارى، كأسها شفاف يُرتشف بكبرياء وفي راحة يدها يرتجف الفؤاد والأنجم. القمر ساهر يمرر بأنامله صبح العمر، يعطل الليل في خطواتهِ يتأد ويتسمر لساعات اطلالة فجر العزم يشاركه لثم الهيبة والجمال.
امرأة في موضع القلب، الخمر، العشق والغرام، تمر عبر افقها أنامل طبيب يعيد الحياة لمرضاه فيفقد نبضاته تباعاً. بلثمة حب من ثغرها يتناوب الحنين والأشواق والأمواج في احضان السكون تنتظر رجوع شمس غائرة ووعود.
تتخلف العهود، تنالها الأدمع، والدمعة رشفة تلو الرشفة والأخيرة تبتديء حيث بدأت الاولى فيمتلىء كأس العمر لوعة سنين نال منها الصقيع، تتلاشى الخطوات وتنتفض رحيق الأزهار وتتبدل الأوراق فتتحول الى صفراء ويصون البحر في احشائه أشعة غائبة، يحتفظ بها حتى تتحول الى طعم الثلج، والنار الوردية الى زجاج ينكسر أمام الأحلام وضباب الأيام. وتبقى المرأة داخلي هشة كالزجاج.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن عن أدائه في المناظرة: كدت أغفو على المسرح بسبب السفر


.. فيلم ولاد رزق 3 يحقق أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية




.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال