الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن المؤسسة الزوجية

رياض خليل

2011 / 10 / 26
العلاقات الجنسية والاسرية



رياض خليل: عن المرأة والرجل :
العلاقة الحرة ، والمؤسسة الزوجية
الجنس البشري يسير على ساقين: المرآة والرجل ، وإن اجتماعهما هو من طبيعة الأشياء ، وهو الأصل الفطري للطبيعة الحيوية والاجتماعية ، وعلة وجود واستمرار الإنسان كفرد وجماعة ، والقاعدة الأصلية الأقدم لاجتماع الجنسين هي الحرية بالمعني الأوسع للكلمة ، خصوصا في ظل انعدام أو ضعف أي تقييد أو حظر ذاتي أو خارجي يعتد به .
ومع ظهور ونمو وتطور الحضارة الإنسانية ، بدأ التقييد ، ووضع الحدود للعلاقة بين الجنسين ، ليتحول إلى قاعدة عامة .. أو لنقل إلى قانون يحدد الممنوع والمسموع في العلاقة بين الجنسين : المرآة والرجل . وهذا نوع من الحظر الخارجي ، المفروض من المجتمع ، الذي تحول منذ دخل مرحلة التحضر إلى سلطة عامة مفروضة على الفرد من الجنسين . وقد اختلف تأطير العلاقة الجنسية باختلاف الزمان والمكان والاجتماع ، ولم يكن متجانسا قط عبر العالم . فأحكامها في أوروبا تختلف عن أحكامها في الهند وإفريقيا والمناطق الآخرى . وأحكامها تختلف حسب المراحل التاريخية المتعاقبة . . وأيضا حسب الأديان والطوائف المختلفة كالإسلام والمسيحية والبوذية والسيخ واليهودية .. الخ .
ولو اطلع المرء على أشكال الزواج في العصر الفرعوني في مصر وقارنه بالأشكال الراهنة لأصابه العجب العجاب ، ولاستنكر تلك الصيغ من الزواج التي تعتبر فيما تعودنا عليه أمرا محرما ومحظورا ومستهجنا ، بل ويعاقب عليه القانون : ونقرأ أن بعض الفراعنة كانوا يفضلون الزواج بين العمة وابن الأخ ، وبين الأخت والأخ حرصا منهم ، حسب زعمهم ، على نقاء الدم والعرق ، ويقاء العرش ضمن العائلة ، وعدم تحبيذ توريثه لغرباء عن العائلة ، وفي التوراة مايشير إلى زواج أحد الأنبياء ( ربما النبي لوط ) من ابنته ، بحجة أن لا ينقطع نسله ، وتوجد فيه العديد من القصص التي تشير إلى حالات من العلاقات لايتقبلها المنطق الأخلاقي السائد والمتعود على أشكال محددة ، والتي يتقبلها من دون أي بحث أو تمحيص بمدى أحقيتها أو مشروعيتها ومنطقيتها وواقعيتها . وفي العصر الجاهلي العربي – وحسب حديث عن عائشة زوجة الرسول كنت قد قرأته في كتب البكالوريا – كا ن تعدد الأزواج منتشر في شبه الجزيرة العربية ، بالتوازي مع تعدد الزوجات ، ولم يحرم تعدد الأزواج إلا بعد الإسلام . وفي الواقع كان التعدد من الاتجاهين يكاد يكون القاعدة السائدة في التاريخ القديم للمجتمعات . حيث لم تكن التشريعات التي تهتم بذلك قد وجدت ، أو إن وجدت فلم تكن تملك القوة الكافية للمنع ، لاسيما حين لا تكون تلك التشريعات قد تحولت إلى نوع من السلطة المعنوية الأدبية التي بدورها تتحور وتتخلق لتغدو نوعا من سلطة الضمير الفردي الذاتية ، تلك السلطة التي تستحوذ على سلوكه وتوجهه كبوصلة مقدسة غير قابلة للنقاش .
وفي كتاب : " أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة " لفريدريك أنجلز المعروف ، والذي قرأته منذ أكثر من أربعين عاما ، فيه عرض علمي تجريبي استقرائي للعالم الفذ " مورغان " الذي كرس حياته لاختبار حياة قبائل الهنود الحمر ، يوثق فيه طبيعة وحقيقة العلاقات الجنسية السائدة عند بعض القبائل ، التي تحيا منطقا مختلفا كليا عن منطق الحضارة الذي نظنه نهاية الكون والعالم ، وفي عرضه العلمي يكشف لنا عن حالة جنسية أقرب ماتكون لحالة القطيع ، وهو ماكانت عليه حال الإنسان ماقبل التاريخ والحضارة ، بل واستمرت امتداداته إلى الحقبة التاريخية التي تبدأ بالكتابة حسب مايتعارف عليه العلماء . وفي استراليا كانت توجد ظواهر من هذا النوع من الاجتماع القطيعي البشري الأدنى تمدنا وتحضرا . وخلاصة القول هنا هو أن الزواج كمفهوم وممارسة لم يتخذ شكلا محددا ثابتا ووحيدا عبر التاريخ والجغرافيا ، وهو في عصرنا الراهن أيضا غير ثابت الصورة والشكل حتى الآن , ولن يكون في المستقبل ، لأنه حالة متغيرة ومتبدلة تبعا لظروف الواقع الذي لايتوقف عن الحركة والتبدل .
إن أشكال الزواج السائدة عبر العالم عموما - باستثناء الزواج المدني – هي نتاج الأديان ، خصوصا الأديان التوحيدية ، والتي غالبا ماكرست تبعية المرآة للرجل ، ولاعجب في هذا مادامت الأديان قد كرست الواقع الاجتماعي القائم ، الذي يؤكد على سلطة الرجل على المرآة ، وهو انعكاس لنظام الحكم المطلق والمستند على النظرية الإلهية في تسويغ وشرعنة السلطة التي تضع السياسة والدين في يد الحاكم المطلق . وقد كانت ولازالت العلاقات بين الجنسين ضمن هذا السياق ، تمثل أزمة وإشكالية لايمكن حلها في الإطار الرسمي المفروض ، وليس الطلاق حلا للمشكلة بقدر ما هو تعقيد لها غالبا ، والطلاق هو مشكلة إضافية تنتج عن مشكلة الزواج نفسها . ذلك لأن الزواج / المشكلة – كمقدمة خاطئة – لايتولد عنها نتيجة صحيحة ، أي أن الطلاق ليس النتيجة الصحيحة عموما ، بلا هو خطأ نتج عن خطأ سابق ، والخطأ يولد الخطأ . ومايؤكد أن الزواج التقليدي / الديني ، ينطوي على خطأ وأزمة عميقة ، هو حالات الطلاق الناتجة عنه ، والتي بدورها تخلق مشاكل لاتنتهي .. خصوصا إذا ترتب على الزواج إنجاب ذرية . وعدا عن الطلاق الذي تزداد نسبته طردا مع التطبيق الحرفي المتزمت للشرائع ، ومع التعصب الأعمى والعادات والتقاليد التي تنمو على هامش الشريعة كالإشنيات والفطريات وتشوه وتطمس الأصل الشرعي في جزء منه على الأقل ، عدا عن ذلك كله ، أقول : إن مايؤك فشل المؤسسة الزوجية المسموح بها ، هو خرقها من قبل قسم كبير من المجتمع سريا ، وما نراه ونلمسه في العلن ماهو سوى قمة جبل الجليد الغائص في المحيط المائج بانتهاك كل القواعد والقوانين والأعراف المعمول بها على السطح الظاهر والرسمي ، وهو مايحدث على نطاق واسع في المجتمع : العلوي أكثر من السفلي ، والفساد الأخلاقي والجنسي ينتشر بشكل يفوق التصور ، ولكن في نظمنا المغلقة يتم التعتيم عليه ، ويمنع التداول به أو الحوار حوله . لكن رائحته تفوح بقوة تزكم الأنوف ، ولايمكن كتم رائحة العفن منه . إن حالات الانحراف والشذوذ المنتشرة في المجتمعات المتزمتة والمغلقة ، هي دليل مرض وخلل وأزمة مستعصية في أنظمة الزواج والطلاق والعلاقات الجنسية ، ولايمكن حلها في الأطر المدنية المفروضة بالسلطة الرسمية أو بالسلطة الدينية والمعنوية والاجتماعية . ولابد من الخروج من الكسر كله أو التناسب كله نحو كسر أو تناسب جديد ، ومنسجم مع الواقع ومع العقلانية والمدنية والحضارة الراهنة وقيمها المختلفة تماما عما هو منتشر وسائد .
وماهو مؤكد أن الأشكال غير الصحيحة والصحية لمؤسسة الزواج ، غالبا ماتسود في البلدان النامية عموما ، وذات النظم الشمولية المغلقة خصوصا ، ولايمكن حل أزمة المؤسسة الزوجية التقليدية حلا صحيحا إلا في إطار نظام ديمقراطي مدني علماني يؤسس لتعميم وبناء المؤسسة الزوجية أو غير الزوجية الديمقراطية ، وبناء العلاقات الداخلية للأسرة على قاعدة الحرية والمسؤولية والتشاركية والموضوعية ، ولن يتم هذا مالم يكن النظام الديمقراطي سلوكا عاما وخاصا معا ، بالنسبة للفرد والمؤسسة والمجتمع . والديمقراطية هي البيئة الأفضل لتربية وتنشئة الإنسان الطبيعي السوي القادر على التعايش السلمي مع الآخر ، سواء كان هذا الآخر قريبا أم صديقا أم بعيدا . والنظام الديمقراطي ينتج مؤسسة زوجية ديمقراطية ، تتحقق فيها المساواة بين الرجل والمرآة والأبن والأخ والبنت ، وتنبني على المحبة والتسامح والحوار وليس على القمع والإرهاب .
والبلدان المتطورة استطاعت أن تمضي شوطا بعيدا باتجاه انتشار العلاقة الجنسية المتوازنة والمتكافئة والعادلة ، والمبنية على قاعدة احترام الحقوق الأساسية للإنسان والمواثيق الملحقة بها ، هذه الحقوق التي تعيد ا لأمور إلى نصابها العقلاني ، لتحل جذريا الأزمة والإشكالية في ا لعلاقة بين الجنسين ، في إطار الاعتراف بالحرية الجنسية لحق شخصي مرتبط بحق الحياة الفردية ، وبما لايتعارض مع حرية أحد أو مع الحرية العامة المشتركة . وبمعزل عن تأطير تلك العلاقة بأي صيغة رسمية تفرضها السلطة بأنواعها ، حيث الخيار الأول والأخير هو لطرفي العقد : المرآة والرجل ، والعقد شريعة المتعاقدين ، ولاشأن ولاسلطة لأحد على العقد وطرفيه إلى للطرفين ذاتيهما . أما أن يسجل أو لايسجل العقد رسميا ، فهذا أمر مختلف وله أسبابه ومبرراته المختلفة ، والأهم هو أمر يدخل في صلب الحرية الشخصية للطرفين : المرآة والرجل وحدهما .
ومن هنا جاء الزواج المدني ليعزز هذا النوع من الفهم والممارسة للعلاقة الجنسية ، التي يمكن أن تبقى ثنائية خاصة حرة ، أو يمكن أن تتحول إلى مؤسسة زوجية مسجلة .
الزواج المدني مع ذلك ليس الوحيد المعمول به في البلدان المتطورة ، بل توجد وتتعايش معه أشكال الزواج الأخرى التقليدية والدينية التي تحدثنا عنها في السياق أعلاه ، ولكن مع بعض الضوابط والقواعد التي يفرض التقيد بها واحترامها ...
وبرأيي ، وبالنسبة لمجتمعاتنا ، التي لها خصوصية ، ومن حيث أنها لم تزل غير مؤهلة من حيث مستوى تطورها ، برأيي أرى أن الأخذ بالزواج المدني ضرورة مدنية اجتماعية وأخلاقية وقانونية وحضارية ، وهي جزء من البنيان الديمقراطي النموذجي ، وتعبير عن انتقال النظام الاجتماعي إلى علمنة الحياة واحترام الحرية الفردية . وحقها الأساسي المقدس في حرية اختيار الشريك دون تمييز من أي نوع : قومي أو ديني ..الخ . ويكاد يكون هذا الحق أمرا واقعا ، يمارس عمليا ، فلماذا لانجيزه بنص قانوني يسمح به ، بالتوازي مع أنواع ا لزواج الأخرى التي قد يفضلها البعض ، وبذلك لانصادر حرية أحد في أختيار الشكل الذي يختاره من أشكال الزواج الشائعة . وأنا لاأوافق على الزواج المدني فقط ولا أؤيده فقط ، بل أدعو إليه وأطالب به ، كحق أساسي من حقوق الفرد وحرياته التي لاتمس حريات الآخرين ولا تتعدى عليها








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إزالة كلية خنزير من جسد امرأة بسبب انتكاسة صحية


.. المكسيك: توقع بفوز امرأة إلى سدة الحكم لأول مرة... الآلاف يت




.. زهرة إلهيان.. امرأة تقدمت بأوراقها للترشح لمنصب -رئيس الجمهو


.. فيديوهات لضحاياه.. تفاصيل جديدة بقضية سفاح النساء بمصر




.. نصائح للرجال للتعامل مع المرأة التوكسيك