الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهاية الطاغية

أم الزين بنشيخة المسكيني

2011 / 10 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


تنحّى قليلا عن هذا المكان .. ههنا بدأت الجدران في التصدّع وقد يسقط عليك نيزك من كوكب غاضب و قد تداهمك ليلة القدر بل قد يسقط عليك أحد الطغاة بجثمانه الثقيل . آن الأوان لأن تحتضن الأرض العربية بعض الجثث الخبيثة . آن الأوان أن تستقبل المقبرة الاسلامية تابوتا من نوع خاصّ جدّا . انّه جثمان الطاغية يسير رأسا نحو مثواه الأخير.هل نبكي ازاء هذا الجثمان ؟ هل نحزن فحسب ،سرّا و كلّ على حده ، و كل في قرارة نفسه الدفينة ككلّ مرّة يموت فيها أحدنا ؟ هل يحقّ لنا أن نبكي عليه أو حتى أن نحزن خلسة و سرّا خوف أن نتّهم أنّنا متضامنين مع الطغاة و مصّاصي دماء شعوبهم ؟ و ان لم نبك و ان لم نحزن هل يليق بنا أن نضحك و أن نفرح و أن نشمت ازاء هذا الجثمان الملقى على قارعة الطريق مباحا للتلفزات و للكاميرات و لكلّ أنواع التنكيل باللحم البشري الميّت ؟ كيف يليق بقلوبنا أن تستقبل هذه الجثّة بما يضمن لها حقّ الانتماء الى دائرة النوع البشري ؟ كيف يليق بمشاعرنا أن تعيش هذا الموت الاستثنائي للطاغية دون أن تسقط في أيّة فظاعة لا انسانية : الشماتة الكلبية و الوحشية من جهة أو البكاء على من قتّل أبناء شعبه و مارس عليه كل ضروب القهر و الطغيان ؟
ازاء مثل هذه الجثامين الطاغية لا أحد بوسعه أن يتنبّأ بمشاعره..و لا أحد بوسعه التحكّم فيما ينبغي أن تكون عليه انفعالات المظلومين ..و لا أحد يحقّ له أن يلوم أولئك الليبين الذين تدفّقوا على مكان الجثّة كأنّها مشهد للفرجة . فهؤلاء عانوا الويلات و الموتات من صاحب هذه الجثّة و لا أحد يقدر على منعهم من الثأر منها و لو كان ذلك بعيونهم فحسب . و فجأة يتحول جثمان الطاغية الى مشهد فظيع قابل للتصوير و للعرض و النظر مباح للجميع ..و كأنّهم بنظراتهم يثأرون لشهدائهم ..و كأنهم بنظراتهم يستردون حقوق قتلاهم و أبنائهم ..و كأنهم بنظراتهم يستعيدون حرياتهم و أحلامهم .و كأنهم بنظراتهم الحزينة على ما خسروا من الأرواح هي جزء من أرواحهم ، يعبّرون عن أنّ الحياة لا تزال تحيا ، في بلادهم ..و أنّ موت قاتل الأحياء في قلوبهم مكافأة تاريخية عن كلّ أمواتهم و قتلاهم .
و حينما نجد أنفسنا قسرا قبالة جثّة ثقُلت موازينها بالأموات فهل نحزن على صانع الموت و قابض الأرواح ؟ و كثُر اللغط عن هذا الموت و ذاك القتل ما العمل حيث يكون القاتل و المقتول واحد .هل نبكي الجلاّد أم أن نبكي الضحيّة ؟ و هل يبكي الطغاة يوم تُدفن جثامين الشهداء الذين أسقطتهم رصاصات حكوماتهم ؟ لماذا نبكيهم و لا يبكي أيّ منهم حينما تبكي أمّهات الشهداء ؟ و كثُر اللغط و تعالت أصوات الانسانويين "لا حق أن تُعامل جثامين الطغاة بالتنكيل و الاستهزاء ".و أسئلة كثيرة خطيرة حول من "قتل معمّر القذافي ؟ مأجوروا الناتو أم الثوّارالليبيون ؟ " سؤال شرعي و ماكر في آن معا ..ماذا يُخفي هذا السؤال في جبّته ؟ انّنا مورّطون جميعا و الى حدّ الندم بسوء فهم نعيش عليه منذ قرون حول الصراع و التوتر العميق بين الغرب و العرب و بين غطرسة الكوجيتو الغربي ضدّ الهوية العربية الاسلامية ..كل الفكر العربي يعيش على هذا الاشكال منذ قرنين من الزمن ..و ثمّة وجهتين متناقضتين في هذا الطريق الشائك حول من نكون : فنحن بكل تبسيط و تقسيط مريح امّا هوية عربية و اسلامية لها أصولها و ثوابتها و لا حقّ لأي كان في زعزعتها ..و امّا شعوب حرّة حديثة تسعى حثيثا نحو الانتماء الى الانسانية الكونية انتماء نشيطا ..اميّة محرجة تقسم الوطن العربي الى قسمين يصل بينهما التوتر أحيانا الى حدّ مريع .توتر و صراع تاريخي بين دعاة السلف و دعاة مواطنة حديثة مرنة و متفتحة على حديقة الانسانية الكبرى في تنوعها الثقافي و اختلافها الحضاري و الديني ..
من قتل الطاغية ؟ لماذا قتلوه قبل أن يُحاكموه ؟ و أيّ موتة غريبة و فظيعة و غامضة في آن معا ؟ عمّ يتستّرون في قلب الطاغية ؟ و ماذا تُخبّئ أحشائه السياسية من مؤامرات و أسرار خطيرة ؟ و هل من جرائم أكثر ضدّ شعبه ؟ و هل ثمّة أخطر ممّ حدث لهذا الشعب من هدر الدماء ؟ و ما مصير هذا الجثمان الذي يوضع في ثلّاجة تفتح للزائرين دون أية حُرمة للموتى ؟ لا أحد بوسعه الفصل في هذا الموضع الجنائزي الأسود بين الصحيح و الخطأ ، بين الأخلاق و السياسة و بين الثأر و الثورة ..موتة يفرح لها البشر و يرقصون ..مسرح عبثي يخرج فيه شعب كامل عن طوره ..لا لوم عليهم ..و لا يحق لأية انسانوية أن تعاتب الليبيين ..وحدهم يملكون الحقّ في جثمان الطاغية الذي ضيّق عليهم حياتهم و قتّلهم بما يكفي ..و حدهم الشهداء لهم الحقّ في استقبال قاتلهم في المقبرة بما يليق بالقاتل و بمن دفن البشر أحياء في قبور جماعية دون أن يخجل من دعاة حقوق الانسان أو من الانسانويين المتفرجين في الجانب الآخر من العالم ..لا حقّ للسيّاح و للأجانب في تعليم الشعوب المقهورة كيف تسلك ازاء جثث طغاتها ..ههنا الانصاف أفضل من العدالة و دموع أمهات الشهداء أعزّ على قلوبنا من مشهد جثة الطاغية ملقى به في ثلاجة الموت ..و حرية الشعوب أهمّ من الشفقة على طاغية يقتله الثوّار و يلعب بجثّته أطفال الشهداء في الشوارع ..حتى يعتبر ما تبقى من الطغاة أنّ حتفهم يناديهم ..فليس عليهم الاّ أن يُسلّموا جثامينهم الى أقرب مقبرة ..و الاّ سيعبث بأعضائهم الأطفال في شوارع ملؤوها قهرا بالدماء الحرّة ..
من قتل الطاغية القذافي ؟ هذا سؤال لا يهمّ غير رجال السياسة أم أصحاب القلم فيقفون في مستوى أن الطاغية قد انتهى ..فكيف يليق بالحروف العربية أن تكتب موت الطاغية ؟ و من نفس الجهة هل يليق بهذه اللغة أن تخجل من نفسها و هي تشرّح جثمان من دافع عن العرب و العربان و العربية ؟
لا ذنب على الحروف .لكن لماذا يصرّ الدكتاتور العربي على البقاء المرًضي في كرسي الحكم ؟ مرض عُضال و لا دواء له الاّ الاعدام أو الهرب أو القتل ..اعدام صدّام و هروب بن علي و قتل القذافي ..طغاتنا لا يستقيلون طوعا انما يسقطون قسرا ..و يسّاقطون ..كلّ و حجم سقطته .و كلّ و حجم اصابته ..و كل يسقط بقدر ما قتل من الأرواح البريئة و الحرة و كلّ منهم يُصاب بقدر غطرسته و حمقه السياسي و اشتداد داء السلطان بمفالصله و استفحال المرض العضال لاستعباد العباد و قهرهم بأعضائه ..
غير أنّ الطاغية العربي يدرك دوما حتفه .لا مجال للتلاعب بمصير الشعوب ..و لقد برهنت الثورات العربية على انتصارها على الدكتاتورية مهما كانت قامعة و قاهرة و متغطرسة . لقد اسقطت الشعوب العربية ، بأجسام الجموع الحرة و بحناجرهم بأجسامهم و بالحياة الحية داخلهم ، الطاغية في أكثر من بلاد ..و العاقبة على البقية ..سيسقطون و سيدركون حتفهم و قبورهم و يستقلّون توابيتهم جيّدا ..لا خوف على الشعوب الحرّة ..و لا حق لهم حتّى في أن نذرف عليهم الدموع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تاكسي جوي ذاتي، سوار إلكتروني، مسبحة معقمة.. ابتكارات خلال م


.. كأس الأمم الأوروبية: ألمانيا تواجه إسكتلندا في مباراة الافتت




.. كأس الأمم الأوروبية: استقبال حافل لمنتخب البرتغال ونجمه رونا


.. التطبيع مع النظام السوري: هل تدفع سياسة الأمر الواقع إلى إعا




.. كاميرا CNN داخل -قرية الأشباح- على مشارف العاصمة الصينية